موقف دول العالم من الاستغلال التجاري للأعضاء الآدمية
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
الاستغلال التجاري للأعضاء التي تنقل لزرعها مع إشارة خاصة للسوق الدولية
ذكر فلوس Fluss (1991) في دراسته أن القانون الإيطالي الصادر سنة 1967 كان أول قانون يمنع إعطاء اي مكافأة أو تعويض للمتبرعين بالكُلى.
وفي عام 1970 أعلنت جمعية نقل وزرع الأعضاء، وهي جمعية دولية، أن بيع الأعضاء التي تؤخذ من المتبرعين الأحياء او الموتى أمر لا يمكن الدفاع عنه.
وفي عام 1987 أعلن الاتحاد الطبي العالمي إدانته لبيع وشراء الأعضاء البشرية للنقل والزرع وتبنى هذا الاتحاد في نفس السنة إعلانا عن نقل الأعضاء البشرية لزرعها يتضمن نفس الفكرة.
وتجمعت سلسلة أخرى من التوصيات والإعلانات التي أصدرتها هيئات دولية وبلغت أوجها بتكوين دليل المبادئ الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية عن نقل الأعضاء الذي تمت الموافقة عليه في الجمعية العمومية للصحة العالمية عام 1991.
وبموجب هذه المبادئ لا يجوز دفع أو أخذ اي نقود أو إجراء أي معاملات تجارية أخرى في الأعضاء البشرية.
ولكن لم تتعرض هذه المبادئ فيما يدفع كمصاريف تترتب على عمليات الاستئصال والحفظ والتخزين والتوريد وتمنع هذه المبادئ على وجه الخصوص استئصال عضو من جسم على حافة الحياة أو الموت بقصد زراعته إلا في ظل قانون وطني للأنسجة المتجددة، كما تؤكد على أهمية حرية الاختيار وعدم الإجبار، على الموافقة الواعية لدى الجميع.
ولا تنطبق هذه المبادئ على أنسجة التناسل (البويضات والخلايا المنوية والمبايض والخصي)، أو الأجنة أو الدم أو مكونات الدم لأغراض الحقن والنقل.
ورغم كل هذه المحاذير والتوصيات فإن الكثير من الفقراء في العالم الثالث يبيعون كلاهم كي يستخدمها الأثرياء سواء في أوطانهم أو في دول أخرى.
وما زال هذا الموضوع يحظى باهتمام واسع من الراي العام. ويبدو، كما سبق أن ذكرنا أن ينظر إلى القرار الشخصي الذي يتخذه الفرد لبيع جزء من جسمه، في ظل ظروف الفقر الشديد، على أنه صورة من صور الاستغلال وليس تعبيرا عن الاستقلالية أو الحرية الشخصية.
وتتورط مهنة الطب في ذلك نظرا لأن الجراحين هم الذين يستاصلون الكلى ويزرعونها في الآخرين نظير أجر معن.
وهي كما ذكر أحد الجراحين في بومباي (ماذا لو كان الشخص الذي يحتاج إلى الكلية أحد أقاربك، ولم تجد من بين الاقارب أو المتبرعين من يقدم له كلية؟ إننا لا نشجع الذين يتبرعون نظير ثمن، ولكن إذا ما أعيتنا الحيل فلا بد أن تتجه إلى شخص يبيع) (مجلة بوستون جلوب Boston Globe عدد 9 ديسمبر، 1985).
إننا نتوقع أن تتوسع تجارة السوق السوداء في كُلى الأحياء أكثر وأكثر نظرا لأن معتقدات الدين في كثير من أقطار العالم تمنع انتهاك جثث الموتى باي شكل من الأشكال.
ولقد بدأ هذا الأمر يثير الاهتمام في الدول الصناعية التي لم يسبق لها أن منعت الاتجار في الأعضاء وقد أصدر البرلمان البريطاني في منتصف عام 1989 قانونا يمنع التعامل التجاري في الأعضاء الآدمية بعد أن زاد اتهام الجمهور للجراحين بقيامهم بأخذ كُلى الفلاحين الأتراك الذين يأتون إلى لندن لبيع كُلاهم لنقلها إلى المرضى الأغنياء من الهنود والباكستانيين.
وفي عام 1991 نشرت الصحف أن أطباء هونج كونج حصلوا على عدد من الكُلى من مستشفى القوات المسلحة في الصين الشعبية نظير رسوم معينة للقيام بعمليات زرعها. وربما كان المتبرعون المأخذوة منهم هذه الكُلى من السجناء الذين أجبروا على ذلك كما هو معروف.
وربما كان منح الكُلية هو التبرع الوحيد من بين العديد من التبرعات الذي لفت أنظار الآسيويين (بيسلر Basier 1991).
ولقد أورد فلوسFluss (1991) قائمة بالدول التي لديها قوانين في هذا الشأن وورد في مقال عن السوق الدولية الحرة التي تستغل الأعضاء البشرية (ليليتش Lillich 1991)، أن نقل الأعضاء كان في وقت من الأوقات مباحا بالقانون في البرازيل.
سواء الأعضاء التي تؤخذ في المواليد الموتي أو بيع أعضاء مرضى على حافة الموت من المصابين الميئوس من شفائهم للمستشفيات والعيادات الخاصة.
وانتهت هذه الحالة في أواخر عام 1988 حينما عدل الدستور بحيث نص على منع شراء أو بيع الاعضاء البشرية. ولكن البيع والشراء لم يكن ممنوعا في كل من الهند وألمانيا الغربية حتى عام 1990.
والواقع أن عددا قليلا فقط من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لديها قوانين تمنع بيع وشراء الأعضاء البشرية من الاحياء (ليليتش 1990).
وطبقا للدراسة الأولية التي قام بها معهد القانون الدولي عن العوامل الإجرائية، هناك 22 دولة فقط بها قوانين تمنع نقل الاعضاء البشرية على أساس تجاري هي الارجنتين، أستراليا، بوليفيا، البرازيل، كندا، تشيكوسلوفاكيا، فنلندا، المانيا الديمقراطية (سابقا)، اليونان، المجرن العراق، الكويت، لبنان، المكسيك، بنما، رومانيا، أسبانيا، سوريا، تركيا، المملكة المتحدة، فنزويلا وبيوجوسلافيا (سابقا) (ليليتش، 1990).
ويمكن أن نضيف إلى هذه الدول بناء على التقرير الاخير للمجلس الاوروبي كل من النمسا، بلجيكان فرنسا، أيرلندا، لكسمبرغ، هولندا، وسويسرا، ولقد أجمع وزراء الصحة الاوروبين على الموافقة على مبدأ عدم إخضاع نقل الاعضاء لأي نظم تجارية (المجلس الأوروبي Council of Europe، 1988).
وفي دراسة عن التشريعات الخاصة بنقل وزرع الأعضاء البشرية في امريكا اللاتينية (فوينزاليدا بالما Fuenzalida-palma، 1990).
تمت عملية مسح وحصر القوانين التي صدرت في 16 دولة حتى عام 1989، فكانت معظم هذه القوانين تنص على ضرورة الحصول على موافقة مكتوبة من المانح أو المتبرع أو اقرب اقاربه بالسماح باستخدام أعضاء من جثته، وتنص أيضا على أن الشخص الحي الذي تؤخذ منه أعضاء لا بد أن يكون عاقلا راشدا.
وتمنع قوانين المكسيك وبوليفيا على وجه الخصوص السجناء والنساء الحوال والقصّر وفاقدي الاهلية العقلية من التبرع بأعضائهم. ويرتبط هذا باحتمال أن المسجون قد يخضع لإغراءات التبرع بعضو من أعضائه ليحصل على إفراج مبكر، وهو ما تكرر حدوثه في الفلبين (ص431).
أما بالنسبة للمستقبلين لهذه الأعضاء من المرضى، فإن القوانين تشير بدرجات متفاوتة إلى وجود "الضرورة الطبية القصوى" وطبيعة العلاقة بين المريض والمتبرع مع مراعاة التوافق "مع معرفته بذلك وإدراكه الواعي".
والعلم بالإجراءات التي تحتمها أو تحددها وزارة الصحة في البلد المعني. ويستلزم إشهار الوفاة شهادة من طبيبين، ولكن موت الدماغ منصوص عليه ضمن الشروط في كل من بوليفيا وشيلي، وكولومبيا، واكوادور، وبينما وبيرو.
ويمنع الاتجار في الأعضاء إلا في بوليفيا إذا سمح به لأسباب إنسانية خيرية، وفي كولومبيا فيسمح به فقط فقط لأسباب تتصل بكارثة عامة أو كتضامن إنساني.
ويدرك كاتب ذلك المقال مدى ما يتحمله المتبرع، ولذا فهو يركز على نقطة هامة تتمثل في عدم التمييز بين التجارة في الأعضاء وتعويض المتبرع عما يتحمله من متاعب، مع مراعاة وود أسس محددة قانونيا لتعويض المتبرعين، وهذا يعوق جمع البيانات ولا يشجع على التبرع (ص433-434).
ففي كوستاريكا مثلا تؤدي الإجراءات التي يتطلبها المتبرع بالأعضاء إراديا إلى تاخير تنفيذ التبرع لدرجة أن الحصول على الأعضاء أصبح في واقع الأمر صعبا أو مستحيلا.
ولقد عرفت معظم الهيئات العالمية ما يتعلق بنقل الأعضاء من تشعبات في مجال العلاقات بين الأفراد وحقوق الإنسان. ومسايرة لهذا الإدراك أصدرت الجمعية الطبية العالمية نداء في عام 1987 لحماية حقوق لكل من المتبرع والمتلقي.
ويرى فوينزاليدا بالما (1990) أن التشريع الموحد أو على الأقل المترابط والمتماسك على مستوى دول أمريكا اللاتينية أمر ضرروي لضمان انتقال ومقايضة الأعضاء بين الدول بصورة مفيدة للأغراض العلاجية.
ولقد وافقت منظمة الصحة العالمية في اجتماعها السنوي العام على توصية رقم 40/13 لسنة 1987 لعمل دليل المبادئ الرئيسية لنقل وزرع الأعضاء البشرية، ونادت بالقايم بمزيد من الدراسات القانونية والاخلاقية المرتبطة بقضايا نقل الاعضاء.
واقترح ليلتش Lillich(1990) عقد اتفاقية دولية تتكون من ثلاث مواد: المادة الاولى تمنع شراء وبيع الأعضاء الآدمية على الأقل حينما تؤخذ من متبرعين احياء.
والمادة الثانية تنص على أن على الدول المشتركة في الاتفاقية أن تعتبر بيع وشراء الأعضاء الآدمية جريمة وتحدد لها عقوبات رادعة، والمادة الثالثة تحدد آلية تنفيذ الاتفاقية (ص11).
ولقد وضعت اللجنة الفرعية للأمم المتحدة حول منع التمييز العنصري وحماية الأقليات نصا في صلب تقرير فريق العمل المنبثق عنها حول الأشكال المعاصرة للرق والتي رأت اللجنة اتخاذ المبادرات بشأنها.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]