الأسباب الكامنة وراء وجود “أغلاط البصر”
2009 البصائر في علم المناظر
كمال الدين الفارسي
KFAS
– الأول: انفتال الآلة المؤدية للشبح الذي في الجليدية إلى ملتقى العصبتين فلا يتأدى الشبحان إلى موضعٍ واحدٍ على الاستقامة، بل ينتهي عند كل جزء من الروح الباصر المرتب هناك على حدة.
لأن خطي الشبحين لم ينفذا نفوذاً من شأنه أن يتقاطعا عند مجاورة ملتقى العصبتين، فينطبع من كل شبح ينفذ عند الجليدية خيال على حدة وفي جزء من الروح الباصر، وكأنهما خيالان عن شيئين مفترقين من خارج، إذا لم يتحد الخطان الخارجان منهما إلى مركزي الجليدتين نافذين في العصبتين".
– اقول: وهذا هو المذكور قبل ويمكن أن يحمل الكلام على أن مسلكي العصبتين يتسع ما بينهما عند الملتقى فيفضيان إلى موضعين لا إلى موضعٍ واحدٍ.
قال: والسبب الثاني: حركة الروح الباصر يمنة ويسرة حتى يتقدم الجزء المذكور مركزه المرسوم له في الطبع آخذاً إلى جهة الجليديتين آخذاً متموجاً مضطرباً فيرتسم فيه الشبح والخيال قبل تقاطع المخروطين فيرى شبحين، وهذا مثل الشبح المرتسم من الشمس في الماء الراكد مرة واحدة، والمرتسم منها في المتموج ارتساماً متكرراً.
-أقول: أما ما قرره فمفهوم، وأما التمثيل فموهم أن ارتسام الصور في الروح الباصر، وإدراك الحاس لها هو على طريق الانعكاس مثل شبح الشمس المرتسم في الماء الراكد والمتموج.
وليس الأمر كذلك فإن التموج لا يوجب كثرة الشبح المرتسم في سطح الماء (بل اجتماع غير من الأشباح المرتسمة في صفحة الماء) المنعكسة في مخروطات تامة عند مركز العين على ما تقرر في موضعه.
– قال: والسبب الثالث: اضطراب حركة الروح الباطن التي وراء التقاطع إلى قدام وخلف حتى تكون لها حركتان إلى جهتين متضادتين:حركة إلى الحس المشترك، (وحركة إلى ملتقى العصبتين، فتأدى إليها صورة المحسوس مرة أخرى قبل أن ينمحي ما تؤديه إلى الحس المشترك).
كأنها كما أدت الصورة إلى الحس المشترك رجع منها جزء يقبل ما تؤديه القوة الباصرة وذلك لسرعة الحركة، فيكون مثلاً قد ارتسم في الروح المؤدية صورة فنقلها إلى الروح المؤدية صورة فنقلها إلى الحس المشترك، ولكل مرتسم زمان ثبات إلى أن ينمحي، فلما زال القابل الاول من الروح عن مركزه لاضطراب حركته خَلَفَهُ جزء آخر فقبل قبوله قبل أن نمحي عن الأول.
فتجزأت الروح للاضطراب إلى جزء متقدم كان في سمت المرئي فأدركه ثم زال، ولم تزل عنه الصورة دفعة، بل هي فيه وإلى جزء آخر قابل للصورة أيضاً بحصوله في السمت الذي في مثله يدرك الصورة عاقباً للجزء الاول.
وإذا كان كذلك حصل في كل واحدٍ منهما صورة مرئية، لأن الأولى لم تنمح بعد عن الجزء القابل الاول المؤدي إلى الحس المشترك أو عن المؤدي غليه حتى انطبع فيالثاني.
ولمثل هذا السبب ما يرى الشيء السريع الحركة إلى الجانبين كشيئين، ولذلك إذا دارت نقطة ذات لون على شيء مستدير رُئيت خطاً مستديراً، وإذا امتدت بسرعة على الاستقامة رُئيت خطاً مستقيماً.
ونظير هذه الحركة الدوار، فإنه إذا عرض سبب ما فحرك الروح الذي في التجويف المقدم من الدماغ على الدور، وكانت القوة الباصرة تؤدي إلى ما هناك صورة محسوسة، والجزء من الروح القابل لها لا يثبت مكانه.
بل ينتقل ويخلفه جزء آخر يقبل تلك الصورة بعد قبوله وقبل انمحائه عنه. وكذلك على الدور، فيتخيل أن المرئيات تدور وتتبدل على الرائي، وإنما الرائي هو الذي يدور.
والسبب الرابع: اضطراب حركة تعرض للثقبة العنبية، فإن الطبقة العنبية سهلة الحركة إلى هيئة تتسع لها الثقبة وتضيق تارة إلى خارج، وتارة إلى داخل على الاستقامة أو إلى جهة.
فيتبع اندفاعها إلى خارج انضغاط يعرض لها واتساع من الثقبة، ويتبع اندفاعها إلى داخل اجتماع يعرض لها وتضيق من الثقبة.
فإذا اتفق أن ضاقت الثقبة رئي الشيء أكبر، أو اتسعت رئي أصغر، أو اتفق أن مالت إلى جهة رئي في مكان آخر. فيكون كأن المرئي اولاً غير المرئي ثانياً).
أقول: إما استلزام ضيق الثقب عظم المرئي واتساعه صغره، فذلك مما لا يعطيه الأصول المقررة في المناظر ومع ذلك فمقرر أن ثقب العنبية يتسع أطراف النهار ويتضايق أواسطه.
وإذن فكان ينبغي أن نرى لأشياء في أطراف الأنهار وفي الأضواء الضعيفة أصغر وفي أواسطه، وفي الأضواء القوية أعظم، وذلك خلاف الواقع.
وأما الميل إلى جهة واستلزامه تعدد الرؤية فإن عني به الانفتال المذكور أولاً فذلك معلوم وإلا فغير مفهوم المعنى.
(قال: "ولقائل أن يقول: فلم تثبت الصورة واحدة مع انتقال القابل كما تبقى صورة الضوء واحدة مع انتقال القابل، فيكون القابل إذا زال عن المحاذاة بطلت الصورة عنه وحدثت فيما يقوم مقامه، فلم تكن صورتان ولا رؤيتان، ولا اتصال خط عن نقطة، ولا رئيت الاشياء تستدير.
فنقول: لا يبعد أن يكون من شأن الروح التي للحس المشترك ألا يكون إنما تضبط الصورة بالمحاذاة فقط، وإن كان لا تضبطها بعد المحاذاة مدة طويلة فيكون لا كضبط المستنير بالضوء للضوء الذي يبطل دفعة، ولا كضبط الحجر للنقش الذي يبقى مدة طويلة، بل بين بين"، انتهى ما في الشفاء).
(وأما في الحركة: فكما أنّ الإنسان إذا دار دوراناً شديداً سريعاً مرات كثيرة، ثم وقف، فإنه يرى جميع ما يدركه من المُبْصَرات – في تلك الحال – كأنَّها تدور على الشخص وهي ساكنةٌ، وإنَّما يعرض له ذلك لأنَّ الروح الباصرة في تلك الحال تتحرَّك وتدور في موضعها عند دوران الشَّخص.
وتتموَّج فإذا وقف الشخص بقيت الحركة في الرُّوح ساعةً، كما تبقى الحركة في الجسْم الذي يحرِّكه الإنسان حركةً مستديرةً، ثم يُمْسِك عنهن فإنَّه يتحرَّك زمَاناً من غير تحريك.
بل بما قد حصل فيه من المَيل من تحريك المحرك، كالدَّوامة، وما يكون في طاس يُدار لحظة ثم يترك فما دامت الروح في تلك الحركة، فالناظر يرى المُبْصرات تدور، كما نقل عن الشفاء عند ذكر الدُّوار.
وأما في السّكون: فكما إذا نظر إلى مُبصرٍ يدور حركةً مستديرة، وكان مُتشابه الأجزاء واللوْن، ومستديرة الشكل، كالرحى فإن البصر الضعيف لا يدرك حركته وإن كانت بطيئة لأنه إنما يدركها من تبدُّل أجزاء المتحرك بالقياس إلى البصر أو مُبصر آخر وتبدل اجزاء الجسم المذكور قد يخفى عن البصر الصحيح إلا بعد تأمُّل بليغ، فضلاً عن الضعيف).
وكذلك في باقي المعاني فهذه هي أغلاط البصر، وأنواعها وأسبابها وامثلة بعض منها، وأغلاط البصر على كثرتها تنحصر في الأنواع المفصلة، والامثلة المذكورة هي أمثلة الاغلاط التي عللها مفردة.
وقد يعرض الغلط لاجتماع اثنين منها أو أكثر، والغلط قد يكون في معنى واحد وأكثر، والأولى ألا نطول الكلام في ذلك.
هذا آخر مباحث الرؤية بطريقة الاستقامة، والحمد لوليه والصلاة على نبيه.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]