دور التغيرات المصاحبة للعناصر الوراثية وتفاعلات البيئة في تحديد سلوك الفرد والنظام الاجتماعي
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
لا يوجد الآن خلاف علمي كبير حول الإسهامات الواضحة واقعيا للوراثة في كل وجه أو عنصر من عناصر وظيفة الكائن الحي.
وهذه حقيقة أصبحت مقبولة على نطاق واسع بالنسبة لمعظم الظواهر السلوكية وكذلك بالنسبة للذكاء الذي يمكن قياسه بالاختبارات المتفق عليها.
بيد أن نسبة إرجاع الاختلاف في ظاهرة معينة إلى الجينات أو البيئة يبقى غير محدد.
وهناك حوار دائر حول البيانات التي أخذت من أربع عشرة دولة والتي يتبين منها أن ثلثي حالات الاختلاف في معامل الذكاء في ظروف البيئات الحالية للطبقات المتوسطة المنتشرة في المجتمعات الصناعية ترجع إلى اختلافات وراثية.
ولكن يجب ألا نطبق أو نستنتج هذه التقديرات الوراثية إلى الحد الذي يصل بها إلى أقصى ما يوجد من مساوئ في السياق الاجتماعي (بورشاد وآخرون Bourchard et al، 1990).
ومن الضروري ألا يؤدي الحماس لعلم الوراثة الجديد إلى التغطية على الدور الحاسم الذي تؤديه البيئة في تقرير أثر المعلومات الوراثية المقننة على الفرد في طور النمو أو طور النضج.
وفي وصف واف وموجز للوضع الحالي للمعرفة العلمية في هذا المجال يذكر (بلومين Plomin 1990) "أن التغيرات الوراثية بالنسبة لأبعاد السلوك واضطراباته، على خلاف الخواص المندلية البسيطة ، نادرا ما تكون سببا في أكثر من نصف حالات الاختلاف في الأنماط الظاهرية.
وأن ذلك يرجع إلى جينات عديدة ذات آثار صغيرة أكثر من أن تكون راجعة إلى واحدة أو أكثر من الجينات الرئيسية… أما عن أهمية العوامل غير الوراثية، وتحكم عناصر وراثية متعددة في السلوك، فإنه موضوع يحتاج إلى استراتيجية جديدة للكشف عن المؤشرات أو الصفات المميزة الموجودة في الحامض النووي للخلايا المسئولة عن هذا القدر الصغير من الاختلافات السلوكية.
ومن بين الأمراض المعقدة ذات الأهمية بالنسبة للصحة العامة، والتي يبدو أنها ترجع إلى عوامل بيئية وإلى جينات متعددة يتراوح عددها بين 3 و 5 على الأقل تؤثر معا، من بين هذه الأمراض أشكال مختلفة من التهاب المفاصل والسرطان وارتفاع ضغط الدم والسمنة المفرطة، والسكر، وتصلب الأعصاب المتعدد، وبعض أشكال الأمراض العقلية ومجموعة أمراض اضطرابات المناعة الذاتية Autoimmune Disorders.
ويتبين من الدراسات الطويلة حول أوجه التشابه والاختلاف بين التوائم الذين فصلوا عن بعضهم البعض، في التنشئة والتربية الطبيعية العامة لتفاعل العوامل الوراثية والبيئية المؤثرة والمحددة، وإن كانت الآلية التي تربط بينهما لم تعرف بعد.
ويمكن القول بأنه حينما تقل الاختلافات بين العناصر البيئية (اي حينما يكون السياق الاجتماعي الذي ينشأ فيه كل من التوأمين متشابها ويكون التأثير الثقافي موحدا لحد كبير) فإن أثر العوامل الوراثية يكون أعلى.
وعلى العكس حينما تكون الأوضاع البيئية متباينة تماما (أي حينما يزداد اختلاف الظواهر النمطية، فإن العوامل الوراثية لسلوك معين، مثل اللغة والدين ينخفض أثرها. وتتلخص التعميمات الخاصة بنتائج هذه البحوث فيما يلي:
لا تؤدي مؤسسات المجتمع الغربي الحديث وممارساته إلى تعويق كبير لنمو الاختلافات الفردية في الخواص السيكولوجية، فاختلاف العناصر الثقافية في مجتمعنا، خاصة مع قلة تاثير الطابع الذي يتركه الآباء في الأبناء الذين ينمون في إطار تأثيرهم، أقل بكثير مما هو مفروض.
ومن الواضح والجدير بالتصديق أن الآلية الأصلية التي تؤثر بموجبها الجينات على العقل آلية غير مباشرة، وأن للاختلافات الوراثية دورها الهام في تحديد البيئة السيكولوجية أو النفسية ذات الفعالية والتأثير على نمو الطفل (بوشارد وآخرون Bouchard et al 1990 ص 277، ولومسدين Lumsden، وويلسون Wilson، 1981).
ولهذه الاعتبارات دلالتها في تقدير النتائج التي تترتب على التدخل المدروس المتعمد في الوراثيات بقصد إنتاج النوع البشري المرغوب فيه بالتقليل من النتائج الحتمية للاختلافات الوراثية. فللتنوع الوراثي تأثيره الرئيسي على طبيعة المجتمع البشري كتأثيره على طبيعة الكائنات البشرية.
فالسلالات البشرية التي لا يختلف أفرادها وراثيا من حيث المظاهر المعرفية والميول الدافعة والتي تكون بموج بالمقاييس النمطية متماثلة ومتوسطة، تخلق وتكون مجتمعات تختلف عن التي نعرفها.
فلم يقتصر الامر في المجتمع الحديث على زيادة تأثير النمط الوراثي على العناصر السلوكية، بل سمح أيضا لهذه العناصر أن يكون لها إسهاماتها المتساوية والمتبادلة في سرعة التغير الثقافي (بوشارد وآخرون Bouchard et al، 1990 ص 228).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]