“التكنولوجيا البيولوجية” وسياسة إخضاع نتاج الهندسة الوراثة للتجارة وبراءة الاختراع
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
استخدمت العمليات البيولوجية المحكمة للإنسان قبل ظهور التقنيات البيولوجية رسميا بزمن طويل فالكثير من نتاج مثل هذه العمليات كان مالوفا لدرجة أنها قبلت بسهولة وبدون تفكير مثل صناعة اللقاحات للتطعيم والبيرة والنبيذ والجبن والخبز، وأخيرا المضادات الحيوية.
وتسير التكنولوجيا البيولوجية حاليا على نفس الخط الذي بدأه الذين حاولوا التحكم البيولوجي دون أن تتوافر لهم المعارف والمهارات التي يمكن بها تعديل الخلايا.
وقد عرفت منذ ذلك الوقت بأنها "التدخل الوراثي في الخلايا للحث على إنتاج مواد مفيدة للجنس البشري وزيادة هذا الإنتاج" "جوزيف Joseph، 1987، ص 83"، انظر أيضا: المعهد القومي للعلوم الطبية العامة Nigms، 1986، ص 14، 20".
ففي مجال الزراعة استخدمت تكنولوجيا وصل الجينات لزيادة مقاومة الحيوان والنبات للأمراض، والتحكم في الآفات الحشرية، وتنظيم النمو وتحسين نوعية وكمية الغذاء بصفة عامة من اجل صالح الاستهلاك البشري، وفي مجال الطب ساعدت تكنولوجيا الجينات على تخليق وابتكار عدد كبير ومتزايد من منتجات الرعاية الصحية ووسائلها "انظر مثلا: جويرGuyer وكوشلاند Koshland، 1989".
وأصبح الاهتمام التجاري بالتكنولوجيا البيولوجية واضحا في الولايات المتحدة بدءا من عام 1976مع إن أول مؤسسة حديثة لتطبيق تقنية تأشيب أو عودة الاتحاد الجيني وإعادة تركيب الحامض النووي الوراثي recombinant DNA على الطب وبعض المجالات الاخرى.
وأصبح المجال مفتوحا أمام الأنشطة الاستثمارية منذ عام 1980 حينما قررت المحكمة العليا في الولايات المتحدة السماح بتسجيل براءات اختراع البكتريا المستهلكة للبترول، وفي أواسط مارس سنة 1987 ذكر مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية أنه تلقى نحو ستة آلاف طلب تسجيل اختراعات لم يتم البت فيها لمنتجات تتصل بالتكنولوجيا البيولوجية.
وفي ظل سياسة جديدة تبناها هذا المكتب في 3 ابريل 1987 تمت الموافقة على براءات الاختراع الخاصة بجميع أشكال الحياة ما عدا ما يتعلق بالإنسان العاقل "الذي ما زال دستور الولايات المتحدة يحميه من العبودية".
وقد اعتبرت السياسة الجديدة الحيوان مُهَنْدسا وراثيا عن طريق التدخل البشري بأساليب وصل الجينات Gene splicing عندما يحصل على ميزات لا يمكن بلوغها بطرق وتقنيات التوالد التاريخية المعروفة.
ولقد اختلفت هذه الأساليب اختلافا واضحا عن اسلوب إدخال الجينات إلى خلايا أجنة حديثة الإخصاب قبل زرعها في رحم الحيوان "وهي تقنية سبق تجربتها بالفعل مع آدميني كان يمكن أن يولدوا بامراض وراثية ما لم يتم تطبيق هذه التقنية عليهم، واعتبر الحيوان المولد بهذه الهندسة اختراعا بشريا ومن ثم اصحب قابلا للتسجيل في سجل براءات الاختراع، وبلغة مكتب براءات الاختراع اعتبر هذا الشكل المبتكر من الحياة، بمثابة تصنيع أو تركيب مواد".
وقد كانت هذه السياسة الجديدة مزعجة ومشوِّشة لكثير من المراقبين، فكما لاحظ وعلق أحدهم تؤدي هذه السياسة إلى تحول كل أشكال الحياة على هذا الكوكب إلى مادة خام قابلة للاستغلال في "عصر التكنولوجيا الحيوية او البيولوجية"، ولم يعد المجتمع البيولوجية أو الحيوي ميراثا عاما لكل الشعب بل أصبح مذخرا خاصا للمؤسسات الكبرى" "ريفكين Rifkin، 1987".
وتكمن المشاكل المحتملة في الاختلافات بين الأطر القانونية الوطنية، التي تعكس حتما المجتمعات التي نشأت فيها تلك الأطر القانونية، فبينما نجد أن مكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة مثلا يعتبر الآن الكائنات الحية غير البشرية المتعددة الخلايا بما فيها الحيوانات التي لا تتواجد بالطرق الطبيعية مبتكرات خاضعة للتسجيل في سجل براءة الاختراع "حكومة الولايات المتحدة United states، 1987"، فإن الدول الأوروبية ما زالت تكافح في هذه القضية.
كما أن القضية لم تبحث ولم تطرأ على الأذهان في كثير من جهات العالم الأخرى. ولقد تضمنت الاتفاقية الاوروبية لبراءات الاختراع لسنة 1973 بصفة خاصة الكائنات الحية المجهرية "الدقيقة" وعملياتها الانتاجية ضمن حماية حقوق الاختراع.
ولكن نفس الاتفاقية تمنع منح براءات لأنواع النباتات والحيوانات. فبناء على الفقرة 53/ب رفض مكتب براءات الاختراع الاوروبي طلبا بتسجيل فارقام صاحبه بإدخال تعديلات وراثية عليه عن طريق إدخال جينة سرطان صناعية (ديكسون Dickson، 1989).
وبني الرفض على أساس الفقرة التي تنص على أنه لا يجوز منح براءة اختراع لاي اختراع (يكون استغلاله منافيا للنظام العام او الأخلاق).
وتسود في ألمانيا مخاوف لها اصول تاريخية من اي شخص يتصل بالهندسة الوراثية أو التدخل الوراثي، مما أدى إلى تهجم الجماهير على معامل التكنولوجيا الحيوية، وعلى قانون يعتبر من أكثر قوانين العالم شمولية وصرامة في تقييد وتنظيم الاستخدام المتعمد للتهجين ووصل أو تاشيب الكائنات الحية. (كاهن Kahn، 1992).
وفي معرض التطور وتسلسل التقدم نحو التكامل الاقتصادي الاوروبي سوف تصاغ سلسلة متكاملة من اللوائح والتنظيمات التي تتعلق بمنتجات الهندسة الوراثية (تكون لها صفة وطبقة خاصة بالتباين أو التناقص مع إدارة شئون الاطعمة والعقاقير بالولايات المتحدة).
وسوف تتناول هذه اللوائح إجراءات الموافقة ، وإرشادات سلامة للعاملين، واستخدامات محدودة ومحكومة للكائنات الحية المعدلة وراثيا (GMOs) والإفراج المتعمد للكائنات المعدلة وراثيا ومعظم ما يتعلق بحقوق الإنسان والآثار الاقتصادية والاجتماعية لمنتجات التكنولوجيا الحيوية.
وسوف تكون بمثابة لوائح وتعليمات واجبة التنفيذ في كل دول الجماعة الأوروبية (بالتر Batler، 1991).
بيد أن اللجنة الأوروبية قد اقترحت أيضا أن أي اختراع ينبغي ألا يعتبر منحه البراءة مرفوضا فقط لأنه مكن من مادة حية (ديكسون Dickson، 1989) هذا، واكثر من ذلك فإن لجنة الجماعة الأوروبية لشئون ملكية المنتجات الطبية قد استطاعت أن تمنح تراخيص التسويق لمؤسسات التكنولوجيا البيولوجية بصورة أسرع مما فعلته إدارة شئون الأطعمة والعقاقير بالولايات المتحدة.
ومن جهة أخرى وضعت إدارة شئون الاطعمة والعقاقير بالولايات المتحدة (FDA) في عام 1992 نظاما يستثنى المنتجات الغذائية المهندسة وراثيا من الاختبارات الخاصة التي تجري على الأطعمة قبل عرضها في الأسواق.
ويشعر بعض المراقبين أن هذا الاستثناء قد يعرض إمداد المواد الغذائية للأخطار (كريمسكي Krimsky، 1992).
وكانت هناك إشارة إلى احتمال إدخال بعض المواد المسببة للحساسية في الأطعمة، وأن أي جينة غريبة قد لا تسلك في البيئة الجديدة المستقبلة لها نفس سلوكها العادي في داخل سلالتها الأصلية، وأن القيمة الغذائية لبعض الأطعمة المعينة قد تتأثر وكما ذكر كريمسكي (1992) من الخطأ أن تبدأ الهندسة الوراثية باستثناء فئات كبيرة من المنتجات من مراجعة أحوالها حالة بحالة في ظل نفس القوانين التي تحمي المستهلكين من إضافات المواد المخلفة صناعيا على الأطعمة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]