نبذة عن حياة الشاعر “أبو نُوَاس”
1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الشاعر أبو نواس شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
اسمُه الحَسَن بن هاني، من شعراء العربيّةَفي العصـر العبّاسي. عاش في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، في عصر كلٍّ من هارون الرشيد وابنِه محمد الأمين.
نشأ أبو نُواس بالبصـرة ودَرسَ على أيدي أشهرِ علمائها آنذاك، مثل يعقوب الحَضْرمي الّذي حَفِظَ أبو نواس القرآنُ على يده، وأبي زيد ابن ثابت النحوي الذي درَسَ عليه النحوَ، كما درس الحديثَ النبوي على عّدة شيوخ.
وكان يحضـرُ مجالسَ علماء الروايةِ والأدبِ بالبصـرة أمثال أبي عبيدةَ والأصمعي. وكذلك درس شيئا من الفلسفةِ وأصول الجدل التي بدأتْ تشيع في عَصْـره بواسطة علماء الكلام. وقد وصفه أحدُ الأدباء القدماء قائلاً:
"كان أبو نواس عالِماً فقيهاً عَارفاً بالأحكَام والفُتْيَا، وقد تأدَّبَ بالبصـرة وهي يومئذ أكثرُ بلادِ اللهِ علماً وفقهاً وأدباً …".
يجمع أبو نواس في شخصيته بين العلم الجادّ والظَّرْفِ والفُكاهة. وقد وصفه بعض الأدباء بأنه أظرفُ الناس منطقاً وأغزرُهم أدباً وأقدَرُهم على الكلام وأسرعُهم جواباً..، وقد تنقّل في حياته بين البـصـرة والكوفة وبغداد، وجالس شعراءَ عصـرِه في جميعِ هذه المدن.
وقد جمع في شعره بين فصاحةِ العرب ورِقَّة الحَضـَر. فهو إذا وصَفَ في شعره رحلة الصّيد في الصحراء يَظُنَّ السامعُ أنّه عاشَ في الصحراء وعَرَف دقائقَ حيواناتها. وإذا أخذ في وصف مجالسِ المدينة انغمَس في تصوير جميع مظاهرها بدقةٍ وصراحةٍ.
ويُعَدُّ أبو نُواس شاعرَ الخَمْريَّات في الشِّعر العربي، أجادَ في وصفها وَوَصَف مجالِسَ اللّهوِ التّي شهدَها، فصورّ بذلك وجهاً من وجوه الحياةَ المادّيةِ التّي أخَذَ بها بعضُ أهلِ عصـره الذين انحرفوا عن طريق الشريعة الصحيح.
ويُعَدُّ أبو نُواس من أقدر الشعراء على التعبير عن نفسِه وحياتِه بوجهيْها الحَسَنِ والقبيح، صوَّر جميع جوانِبها بصراحةٍ وصدق. ولم يرغبْ في قول الشعر إلا إذا كان معبراً حقاً عن صِدْق إحساسه هو، وفي الحكاية التالية مصداقٌ لذلك:
يقال إنّ أحَد أساتذةِ أبي نواس (واسمُه خَلَفٌ الأحمَر) أراد أن يختبره في نَظْم الشعر، وأن يرى مقدارَ مكانتِه عند أبي نواس أيضا.
فطلب إليه أن يرثيه وهو "أي خلف" لا يزال حياً يُرزق، وتردد أبو نواس ولكنه قبل على مضض. فلما نظم ما طلب إليه خلف لم تُعْجِبْ الأبيات أستاذه إذْ وجدها فاترة خالية من العاطفة، وحين انتقده أستاذُه أجاب أبو نواس قائلاً:
ولكنْ أين الدافعُ الحقيقيُّ للرثاء؟ مُتْ، ولك عندي خيرٌ منها.
فالرثاء عنده لا يكون إلّا بدافع الحِسِّ الحقيقي، فكيفَ يرْثى إنساناً لم يمُتْ بعَدْ؟. وفي الوَقْتِ نَفْسِه لا يخفْى ظَرْفُ ابي نواس وفكاهتُه حين يقول لأُستاذه (مُتْ، ولَكَ عندي خيرٌ منها). ولقد رثا أبو نواس فعلاً أُستاذه بعدَ موته بمَرَاثٍ عاطفيةٍ حارةّ.
هكذا إذن، يجمع أبو نُواس بين الجِدِّ والهَزْل في حياتِه وشخصيّته وشعره. فَلَهُ شعرٌ في اللّهوِ والعبَثَ والخَمْر، وله شعرٌ جادُّ في التأملّ في الحياةِ والموتِ. وقد أجاد في كِلَيْهما. فهو لا ينظمُ الشِّعرَ إلا حينمَا تستجيبُ نفسُه لدوَاعَيه.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]