صلح الحُديبية المُبرم بين الرسول “صلى الله عليه وسلم” وقريش
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
صلح الحُديبية الرسول قريش إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
لمّا كان رسولُ الله، صلّى اللّه عليه وسلّم، في المدينة في السنةِ السادسةِ من الهِجرة، رأى في المنامِ أنه دخل هو وأصحابُهُ المسجدَ الحرام، وأنه أخذَ مفتاحَ الكعبةِ المطّهرةِ، وطافوا واعتمروا، وحَلَقَ بعضُهم شعرَ رأسه، وقَصَّر بعضُهم من شعرِه.
فأخبر النبيُّ، صلّى اللّه عليه وسلّم، صحابته بما رآهُ في المنامِ – ونعلمُ أن رؤيا الأنبياء حق.
وفرحَ الصحابةُ لهذه البشارة لأنهم سيعودون إلى الكعبةِ . وكثيرٌ منهم، وهم المهاجرون، سيعودون إلى بلادِهم.
وبعد هذه الرؤيا ، تجهَّز النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وطلب من الصحابةِ أن يخرجوا معَهُ، كما طلب من القبائلِ المجاورةِ للمدينة أن يخرجَ من يريدُ منهُم، فخرج مع النبيّ، صلى اللّه عليه وسلّم، عددٌ بلغَ ألفاً وخمسمئةٍ وخمسةً وعشرين، ولم يأخذوا معهم أسلحة الحرب، لأنهم يُريدون أداء العمرة.
لكنَّ المشركين لمّا علموا بخروج النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعه هذا العدد من المسلمين، ظنّوا أنه جاء ليُقاتلهم ويدخلّ مكةَ بالقوةِ، فأخبرَهُم النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، عن طريق من أرسلوهم للتأكد من نيّة الرسول، صلّى اللّه عليه وسلّم، بأنه لمْ يجيء لقتالِ أحدٍ ، ولكنّه جاء معتمراً.
وارسل لهم عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه، ليُخبِرَهم ويؤكّدَ لهم أنّه لم يجيء لقتالهم، فلما ذهب إليهم عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أكرموهُ وأجلسوهُ عندَهم عدة ايامٍ من أجل أن يتشاوروا ويقرّروا رأياً يبلّغوه عثمانَ، رضي الله عنه، لينقُله إلى النبي، صلى الله عليهِ وسلّم، وأصحابَه.
فظنّ المسلمون أن قريشاً قتلوا عثمان، رضيّ اللّه عنهُ، وشاعَ ذلك فغضبَ النبيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فدعا أصحابَهُ ليبايعوهُ على القِتال، فجاءَ الصّحابةُ يُبايعون النبيَ، صلّى اللّه عليه وسلّم، على القتالِ، وكان جالِساً تحت ظلِّ شجرة وفي هذا الموقف نزل قولُ الله تعالى(لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح 18.
وبعدَ أن تشاوَرت قُريشُ فيما بينها قرّروا عقْد صلح مع النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، وأخبروا عُثمان بن عفّان رضي الله عنه بذلك، فرَجَع عُثمان يحملُ هذا الرأي الذي وافق عليهِ النبيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وبعثوا سُهيل ابن عمرو ليَعْقَدَ الصُلح مع النبي، صلى الله عليه وسلّم.
ولقد نصَّ الصُّلح على الآتي:
1- يَرجع الرسولُ، صلّى الله عليه وسلّم، هذا العام، ولا يدخُلُ مكة، ويدخُلها للعمرة العامَ القادم.
2- لا تنشأ حربٌ بين المسلمين وكُفار قُريْشٍ عشْر سِنين.
3- من أرادَ أن يدخلَ في العهدِ مع النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، يدخلْ ومن أرادَ أن يدخُل في عقد قُريش وعهدهم دخل.
4- من جاء إلى النبيّ ،صلّى اللّه عليه وسلّم، هارباً من قُريش يردُّهُ إليهم، ولو كان مسلماً، ومن جاء قريشاً من أصحاب النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، لا يردُّونَهُ.
وبعض الصحابةِ لم يكنُ راضياً بشروطِ هذا الصُّلح، ظنّا منهم أنّه في غير مصلحةِ المسلمين، لكنَّ النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، طمأنهم ووَعَدهم بأنَّ هذا الصُلح سيكونُ نصراً وفتحاً للمسلمين.
ورجع النبيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن معه إلى المدينةِ.. وبعدَ مُضيّ سنةٍ من رُجوع النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم ، إلى المدينة، وبحسب نصّ الاتفاقية سار النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، مع الصَّحابةِ ومعه كثيرٌ من المسلمينَ إلى مكةَ.
ودخلوها فطافوا بالكعبةِ المُشرّفةِ وأّدّوا مناسكَ العُمرةِ، ثم خرج النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بعدَ ثلاثةِ أيام، ورجع إلى المدينة.
وكانت هذِهِ العُمرة فاتحة خيُر للفتح الكبير، فتحُ مكة. وتحقَّق بهذِه العُمرة وعدُ الله لنبيه في الرؤيا من دخولِهم مكة، وطوافِهِم بالبيت، وحلْقِ رؤوسِهم أو تقصيرِها.
قال تعالى(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح 27.
ولكنّ المشركينَ لمْ يَسْتمروا في الوفاء بالصُّلح، فَحَدثَ منهم ما ينقُضُ هذا الصُلح، فإنَّ قبيلة كانت في عهد وميثاق قُريش اعتدت على قبيلة كانت في عهد وميثاق النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، فاستنجدت القبيلةُ المُعتدى عليها بالنبيّ صلى اللّه عليه وسلّم، فغضب النبيّ، صلّي اللهّ عليه وسلّم، وعزم على المسير إلى مكة ، وجهزّ جيشاً عدده عشرة آلاف مُجاهد، وكان هذا في شهر رمضان المبارك في السنة الثامنة من الهجرة.
ولمّا رأى كُفار قريش جيشَ المسلمين وعزمهم على القتال أرادوا الأمان على أنفُسهم وأهليهم فلم يقاتلوا النبي، صلىّ اللّه عليه وسلّم، إلا قليلٌ منهم، فدخل صلوات الله وسلامه عليه مكَّةَ فاتحاً مُنتصراً، ودخل المسجد الحرام فَقَّبّل الحجرَ الأسود، ثم طافَ بالكعبةِ المشرّفة، وبيده قوْس يطعنُ بها الأصنام التي كانت حوْل الكَعبة وعددها ثلاثمئة وستين صنماً، ويقول: «جاء الحّقُّ وزهقَ الباطلُ، إنّ الباطلَ كان زهوقا».
وكانت الأصنام تتساقط وتتكسّر ، وكان كُفّار قُريش يظنون أنّ النبيّ، سَيَتقتُلهُم جميعاً، لكنّ النبي صلىّ اللّه عليه وسلّم، بعد أن طافَ بالبيت، خَطبَ خُطبة عظيمةً بليغةَ قال فيها : «يا معشرَ قُريش، ما تروْنَ أنَّي فاعلٌ بِكُم؟
قالوا: خيراً، أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم. قال: فإنيّ أقول لكُم كما قال يوسُفُ لإخوتِع: «لاَ تُثريبَ عَلَيْكُم اليومَ «إذهبوا فأنتُم الطُلَقاء».
وبهذا كان صلحُ الحُديبية نصْراً وفتحاً مُبيناً وسبباً في فتح مكة، وكان النبيّ، صلّى اللّه عليه وسلّم، قد بشّرَ أصحابَهُ من قبلُ بأنَّ اللهَ سيفْتَحُ لهم مَكَة لأنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أخبرَهُ بذلك.
فَعندما رجعَ النبيُ صلّى اللّه عليه وسلّم، إلى مكةَ بُناءً على صُلح الحديبية، وهم في طريق العودةِ إلى المدينةِ أنزلَ اللهُ عزّ وجلّ قوله(إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴿1﴾ لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿2﴾ وَيَنصُرَكَ اللَّـهُ نَصْرًا عَزِيزًا) الفتح (1-3).
وقرأ النبيُ، صلّى اللّه عليه وسلّم، هذه الآيات على الصحابةِ الكرامِ ففرحوا فرحاً عظيماً، وحقّق اللهُ وعْدَهُ فَنَصَرَهُم وأعّزَ دينَهُم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]