التاريخ

“حروب الردة” وأسباب نشوءها

1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

حروب الردة أسباب حروب الردة التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

يبدو أنه عند وفاةِ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن الإسلامُ قد تعمَّقَ في قلوبِ جميع العربِ، فمنهم من دخلَ الإسلام دونَ إيمانٍ، ومنهُم من دَخَل الإسلامَ تَجنُّباً لخَوْضِ الحُروبِ ضد المسلمين، ومنهم من دخلَ الإسلامَ طَمَعاً في مالٍ أو سلطةٍ 

فلما تُوفي الرسولُ صلى الله عليه وسلم ارتدَّ كثيرٌ من العربِ عن الإسلامِ، وكان أولَ هؤلاءِ المرتدين ضِعافُ الإيمان والمنافقون، وآخرون أعلنوا أنهم أنبياءُ، وتَبِعَهُم منتفعون وأشياعٌ، وفريقٌ ثالث منعوا الزكاةَ.

وقد شملَ هؤلاء جَمْعاً كثيراً من عربِ الجزيرةِ العربيةِ، ولم يبقَ تابعاً لدين الإسلام إلا مكة والمدينةَ والطائفَ. وقد قامت هذهِ المدنُ بواجِبِها خيرَ قيامٍ، ولم تبخَلْ بشيء لإعادةِ مجدِ الإسلامِ وإعلاءِ شأنِهِ، وتحملت قريشٌ أكبرَ العِبءِ في ذلك.

 

وكان التنبؤ ظاهرةً تدعو للسخريةِ حقاً، ذلك لأن العربَ وجدوا أنه في رِحابِ الرسول صلى الله عليه وسلم، تحقَقَت معجِزةٌ لم يصلْ لها خيالُ العربِ، وهي وحدةُ العربِ وتآلُفِهم؛ ولذلك ظَهرِ المتنبؤونَ متخذين ادعاء النبوةِ وسيلةً لجمعِ الناسِ حوْلَهُم.

وقد بدأ ذلك الاتجاهُ في أواخرَ حياةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، عندما بدأ نجاحُ رسالتِهِ يظهَرُ في رسالةِ مسيلمةَ الكذّاب إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وقوي ذلك الاتجاه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وانتشار الفتنِ في الجزيرةِ العربيةِ.

 

ويُعدّ مسيلمةُ الكذابُ من بني حُنيفة باليمامة من أكثر المتنبئين خطراً. ومنَ العوامل التي ساعدت على ازدياد خطر مسليمةُ: قوةُ بني حنيفة وبطولَتِهم الحربيةُ، وخِداعُ مسليمة للرِجالِ في بَراعَتِه في الكذبِ والنِفاقِ ، ثم زواجُهُ من امرأةٍ كذابةٍ مثله تدعى سَجاحُ من بني تميم ادّعتْ النبوة، فلما تزوج مسيلمة الكذاب سحاجاً اجتمع اتباعهما معاً ، وشكلوا خطراً كبيراً.

كذلك من الذين ادّعوا النبوةَ أيضا «عَبْهَلةُ ذو الحمار » باليمن، وهو معوف باسم «الأسود العَنْسي»، وطُلَيْحةُ بن خويلد في بني أسد.

 

وكان من أتباع هؤلاء الأنبياء المزيفين كثيرون أدركوا ضلال المُدعين، ولكنهم انضموا اليهم ليقووا بهم ضد قُريشٍ التي تُريدُ السُلطةَ كُلَّها .

كذلكَ انضمّ لهؤلاءِ أيضاً كثيرون من المرتدين ليستعينوا بِهم في الوقوفِ في وجُهِ الإسلام. وهناك مرتدون آخرون لم ينْضَموا إلى أحدٍ من المتنبئين، ولكنهم اكتفوا بتركِ الإسلام، ومِن هؤلاء سُكانُ البحرين حينذاك.

أما مانعو الزكاةِ فأغلبُهم من اليمنِ واليمامةِ وعُمانَ؛ وقد منعها بعضهم عناداً، ورأى فيها ضريبةَ إجباريةَ لم يُردْ أن يخضَع لها، ومِنْ هؤلاء فيما يبدو مالك بن نُويرة سيِّدُ بني حَنظلةَ، وقد اتُّهِمَ أيضاً بأنه يُساعِدُ سجاحَ الكذابةَ ويؤيدُها .

 

واستشار الخليفةُ أبو بكرِ الصحابةَ والمسلمين فيما يفعلُ في هذه المشكلات  الكبيرة، فرأى أكثرُ المسلمين ألاّ طاقةَ لهم بحرب غالبيةِ عرَبِ الجزيرةِ العربيةِ، كذلك رأى بعضُهُم أنه لا داعي لحرب مانعي الزكاةِ ما داموا ثابتين على إيمانِهم.

ولكنَّ أبا بكر صاح مُقْسِماً لَيُحارِبَّنَ الجميع حتى يثوبَ الجميعُ إلى الحق، أو حتى يموتَ أبو بكرٍ مُجاهداً في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ الله. فاستجابَ أغلبُ المسلمين أو كلهم لقسم أبي بكر، ووضعت قُريْشُ فَلَذاتِ أكبادِها تحتَ إمْرَتِهِ.

وبدأ يعملُ استعداداً للحرب، فكوَّنَ أحد عشرَ جيْشاً يقودُ كُلاَّ منها بطلٌ من أبطالِ العربِ المسلمينَ المحاربين مثل، خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعِكرمة ابن أبي جهل، وشرحبيل بن حسنة، وغيرهم، وقد هزت هذه الجُيوشُ الجزيرةَ العربيةَ .

 

وَقَبْلَ أن يُرسِلَها الخليفةُ أبو بكرٍ في اتجاهاتِها المرسومة، أرسل كتاباً للخارجينَ المرتدين، أجاب لهم فيهِ عن الشبهةِ التي كانت قد خطرت لهم، ودعاهم إلى العودةٍ إلى رِحاب الإسلام، وأنذرَهُم مَغبَّةَ استمرارِهِم في غيِّهم.

وقد نحجت الكتُبُ مع بعض الناس، وبقي آخرون على ضلالِهم، فاتجهتْ لهم الجيوشُ الإسلاميةُ بقيادةِ كبار القواد؛ وحققتْ هذه الجيوشُ نجاحاً بارزاً ونصراً كبيراً ضد المرتدين، وسَحَقتْ قُوَّتَهُم، ودكَّتِ الأرضَ من تحتِهم .

ومِن أهمِّ المعاركِ التي خاضَها المسلمون ضد المتنبئين؛ معركتُهُم ضد أربعين ألفاً من بني حَنيفةَ وأتباعِهم التفوا حوْلَ مُسليمةَ الكذابِ. ولما التقى الفريقان سرعان ما انهزم جيشُ مُسيلمة الكذاب.

 

وأرادَ مُسيلمة أن يحتمي بحديقةٍ فسيحةٍ لها سورٌ مُرتفع، فتراجعَ لها، ونادى أصحابَهُ أن يلحقوا بِه، ولكنَّ المسلمين تسوَّروها عليه، ودارت فيها معركةٌ عنيفةٌ سَقَطَ فيها الآلاف من الفريقين؛ حتى سُميِّت «حديقةَ الموتِ» على يدِ وَحْشي، ذلك الذي قتل حمزةَ عمَّ الرسول، صلى الله عليه وسلم.

في موقعة أُحُد، وكأنهُ أراد بهذا العمل الشجاع أن يُكَفِّرَ عن غلطتِهِ الأولى قبل أن يُصبحَ مُسلماً، وكان قائد جيشِ المسلمين البطل خالدُ بن الوليد.

وانهَزَمتْ كذلكَ جُيوشُ المتردِّ طُلَيْحةَ بن خويلد، وفر النبي المزعوم مهزوماً جباناً مًختفياً أمام شجاعةِ جيشِ الإسلام.

 

ثم ظَهرَ وأسلم في عهدِ الخليفةِ عمر بن الخطاب، وحَّسُنَ إسلامُهُ. أما الأسودُ العنسيُّ فكان قد قُتِلَ قبل ذلك غدراً.

وهكذا حققت الجيوشُ الإسلاميةُ في عهدِ الخليفةِ ابي بكرٍ الصديق انتصاراتٍ باهرةً ضد المرتدين، ورفعت علم الإسلام في جميع أرجاءِ الجزيرةِ العربيةِ.

وعادت الجيوشُ العربيةُ منتصرةً إلى عاصمةِ الدوْلةِ الإسلاميةِ «المدينةِ المُنوَرةِ» وتوحَّدَ عربُ الجزيرةِ العربيةِ بالدينِ الإسلامي، وكلمةِ الإسلامِ الواحدةِ .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى