الأساليب والطرق المتبعة لـ”حِمايةِ البيئة”
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
أساليب حماية البيئة طرق حماية البيئة البيئة البيولوجيا وعلوم الحياة
منذُ بدأ الإنسانُ حياتَه على الأرضِ، وغايةُ أملهِ أن تعيش أجيالُه المتتابعةُ في سلام مع البيئة، فيحصلوا منها على متطلباتهم الضروريةِ بيسرٍ وهدوء.
وكان الإنسانُ يجمعُ ما يسد رَمَقَهُ ورمقَ أسرتِهِ من الثمار والأوراق، ويقطعُ ما يلزمه من أغصان لمأواهُ، ويصيد ما يشتهيه من حيواناتٍ بريةٍ يستخدمُها في الغذاءِ والكِساء.
وبعد أن اكتشفَ النار زاد من تطلعاتِه، فقطع الشجيرات ليستخدمها في التدفئة والطهي، ثم استقر في تجمعات يدويةٍ، واستأنس عدداً من الحيواناتِ يرعاها لتمدَّهُ باللبنِ والوبرِ واللحوم.
وخلالَ تلك العصور لم تسلم المجتمعاتُ البشرية البدائيةُ من قسوةِ الطبيعةِ وكوارثِها، فكانت السيولُ الموسمية والبراكين الثائرة والعواصفُ الرعدية وموجات الجفافِ الشديدة، تتحدى الإنسان وتُبدّد آمالَهُ في الاستقرار والنمو.
كما تعرضت تلك المجتمعات لهجوم الحيواناتِ المستأنسة. كذلك تناوبت موجاتُ الأمراضِ الوبائيةِ على تلك المجتمعاتِ، كالطاعون والكوليرا، فكانت تحصدُ الآلاف.
ولذلك كان كُلُّ هَمّ الإنسان آنذاك حمايةُ نفسِهِ من غوائِلِ البيئةِ، وجنّد كُلَّ طاقاتِه لمواجَهةِ تلك الغوائل والتحدياتِ، فأنشأ السدود وشقَّ القنواتِ، وتوسع في إزالة الغاباتِ وزراعةِ المحاصيل، واستقر في تجمعاتٍ من القرى والمدن.
واستحدث آلاتٍ للري والزراعةِ؛ وهكذا زادت المحاصيلُ وتوفَّرَ الغذاءُ، وتزايدَت أعدادُ الناس، حتى بدأ عصرُ الصناعةِ، وتقدمت الآلاتُ، فزاد الإنتاجُ واتسعتِ المدنُ، وأُدخلت مصادرُ جديدةٌ للطاقةِ هي الوقود الحفري من الفحم والبترول..
وهنا بدأت مشكلاتُ تلوثِ البيئةِ عندما أطلقت المصانعُ نواتجَ حَرْقِ ذلكَ الوقودِ، كما اتجهتْ الصناعةُ نحو البحثِ عن المعادنِ، فاستنزفت مواردَها، بل وأنتجت الصناعات مركباتٍ كيميائيةٍ جديدةً على البيئةِ.
فبدأت الشكوى من تراكم السموم في المياه حتى وصلت للأسماك ثم الإنسان. ومع زيادة الاستهلاك بدأ التحذير من تقلصِ مصادر الطاقةِ الحفريةِ والمعادنِ المختلفة.
وهكذا تدرجت العلاقةُ بين الإنسان والبيئةِ من بداية مُسالمةٍ إلى تَعامُلٍ حذرٍ ، ثم هيْمَنةٍ وصلت إلى حدّ استنزاف المصادر الطبيعيةِ، وتهديد الأجيال القادمةِ بالفقرِ والحِرمان.
إضافةً إلى تزايدِ التلوثِ وتركيزِ السموم في البيئة، حتى تحولت توجهاتُ الإنسانِ حالياً إلى حماية البيئة من غوائل الإنسانِ نفسِهِ وتعدياتِهِ.
وبين طرفي العلاقة، وتطورها التاريخي من حمايةِ الإنسان ومن غوائل البيئة إلى حمايةِ البيئةِ من غوائلِ الإنسان، يمكنُ أن يُقاس تقدم الأمم أو تخلفها؛ فلا تزال بعضُ المجتمعاتِ تُعاني من غوائل البيئة، كالجفافِ والسيولِ، ويروح بسببها آلافُ الضحايا كُلَّ عام.
كما يحدثُ في عددٍ من دول إفريقيا وآسيا، بينما تعاني مجتمات أخرى من زيادة تلوث البيئة وتآكل مصادِرها المتجددة وغير المتجددة، كما في كثير من الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا.
ولكي تعود العلاقةُ بينَ الإنسان والبيئةِ إلى حالتِها السوية، عليه أن يبذلَ قُصارى جهده لحماية البيئة بشتى السُبل، وعلى رأسِها العملُ الجماعيُّ، والتكامُلُ بين سلوكِ الفرد ونشاط الجماعةِ من جهةٍ، وبين مسئولية الحكومات داخلياً وخارجياً من جهةٍ أخرى، من أجل الحمايةِ الشاملةِ للبيئة.
ومن أجلِ ذلك لا بُدَّ أن يتحمل كلُّ فردٍ منا مسئوليته كاملة نحو البيئة، فالإنسانُ صغيرا كان أو كبيراً لا بد أن يُحافظَ على بيئتِه من أي ضرر يُصيبُها.
ومن أجلِ الحِفاظِ على البيئةِ وتناسقِ عناصِرها يجب علينا الحِرصَ على نَظافِتها وحماية نباتاتِها وحيواناتِها من أي تهديد، وأن نتعاوَنَ معاً في نظافةِ المنزِل والشارعِ والمدرسة، لكي نَشِبَّ على فضيلةِ التعاون والإيثار وتحمّلِ المسئولية، فنكون مواطنين صالحين نؤدي دَوْرنا تِجاهَ إخواننا من بني الإنسان.
فالبيئةُ ومصادرُها لا يملكهُا فردُ أو جماعةُ مهما بلغوا من السيطرةِ أو الغِنى، لكنها مُلْكُ مشاعُ للجميع.
ومن أجلِ ذلك نعرضُ مثاليْن بسيطين: أولهما المدخَّنُ الذي ينفثُ الدُخان في الأماكنِ العامةِ أو حتى في منزلِهِ، فيلوّثُ الهواءَ حولَ الآخرين ويسلبهم حقَّ تنفسِ الهواء النقي.
وثانيهما ذلك الذي يرفعُ صوتَ جهاز الراديو أو التلفاز في السيارة أو المنزل، فيتسببُ في تلوثِ البيئةِ بالضَّوضاء، ويسلب غيرَه حقَّ التنعمِ بالراحةِ والهدوء.. فأين ذلكَ من الوعي بحدود حريةِ الفردِ واحترام حقوقِ الآخرين؟
وهكذا بعد أن تعلَّم الإنسانُ من تجارُبِهِ السابقةِ وأخطائِهِ الفادحةِ تجاه البيئةِ، أصبح يُنادي بحمايةِ البيئةِ على شتى المستويات.
ويمكنُ أن تتلخصَ أساليبُ حِمايةِ البيئة ومصادرِها والإنسان على النحو التالي:
– حمايةُ البيئةِ من التلوثِ: ويتم ذلك بالطرق الاتية:
– استخدامُ وقود أقلَّ تلويثاً، مثلُ الغاز الطبيعي في المصانع بدل الفحمِ والجازولين.
– إدخالُ تعديلاتٍ على محركاتِ السياراتِ لزيادةِ كفاءةِ حَرْقِ الوقود، وخفضِ كميةِ الغازاتِ السامةٍ المنطلقةِ منهُ.
– استعمالُ وسائلِ ترشيح الملوثاتِ في عوادمِ السياراتِ، أو ترسيب الجُسيْمات في مداخِن المصانع مع تعليَتِها لتخفيفِ آثارِ الملوثاتِ على الهواء.
– إقامةُ المصانع خارجَ التجمعاتِ السكنية.
– التخلّصُ من القُمامةِ بطريقةٍ سليمة.
– مُعالجةُ مياهِ الصَّرْفِ الصحي والصِناعي، قبل إلقائها في الأنهار والبُحيراتِ.
– استخدامُ منظفات صناعية قابلةٍ للتفكك في الماء ولا تضر بالأحياء المائية.
– خفض استعمال المبيدات الحشريةِ والمخصباتِ الكيميائية، وابتكار موادَّ فعالةٍ طبيعية أو كيميائية غيرِ ضارةٍ بالبيئة.
– حمايةُ مصادِر البيئة من التدهور: ويتمُ ذلك بالطرق الآتية:
– ترشيدُ استهلاك المياهِ النقيةِ للأغراض المنزلية، فقد أصبحَ الماءُ النقيّ مطلباً مُلِحَّا في كثيرٍ من مناطِق العالم.
– تنقيةُ مياه الصرف الصحي والزراعي لإعادة استخدامها في الري أو البناء.
– تطوير بدائلِ الوقود الحفري، كطاقةِ الشمس في مختلف الاستخدامات الممكنة.
– استخدامُ بدائلِ المعادنِ، مع إعادة استخدام المعادني المصنعة.
– حمايةُ الغاباتِ والمراعي من القَطْع الجائِر للأشجار، أو الرعي الجائر.
– حِمايةُ التربةِ الزراعية من التجريف وعواملِ التصحر والجفاف.
– حمايةُ الحياةِ البرية من الصيد الجائر، ورعايةُ الأنواع النادرةِ من الحيوانات والنباتاتِ، وزيادةِ المحمياتِ الطبيعيةِ.
– حماية البحار والمصايد السمكية من الإسراف في الصيد، أو التلوث بصوره المختلفة.
– حمايةُ مصادر البيئة من الآفات والطفيليات بالطرق البيولوجية المدروسة بيئياً.
– حمايةُ حقوق الإنسان: ويتم ذلك بالطرق الآتية:
– مكافحةُ تلوثِ الغذاء، وضمانُ كِفايتِهِ وسلامتِهِ من الميكروبات والطفيليات والمواد الملوثة.
– مُكافحةُ التلوث السمعي، ومحاربةُ الضجيج الصادر عن وسائل النقل والآلات الهادرة.
– منعُ التلوث البصري، ومحاربةِ المناظر المؤذية، ونشرُ الحدائق العامةِ، وبثُّ التذوقِ الجمالي بترقيةِ الفنونِ والآداب.
– حمايةُ طبقة الأوزون من التآكل بواسطةِ الغازات التي تُطلِقها الطائراتُ النفاثةُ وبعضُ الصناعاتِ.
– مواجهةُ مشكلة الإنفجار السكاني الذي يسبب مضاعفة آثار المشكلات البيئية الأخرى، والعمل على ضبطِهِ بشتى السبل، من التنمية المتواصلة ورفع مستوى المعيشة.
– محاربةُ الاستهلاكِ الزائدِ في الطاقةِ، والحدُّ من الإسراف بشتى صورِه.
وبعد ذلك، فكل ما هو مطلوبٌ من الإنسان هو تنظيم سلوكياتِهِ وأنشِطَتِهِ بما يتوازنُ مع تطلعاتِهِ لحياةٍ أفضلَ، وفي إطار المحافظةِ على البيئة لكي يستمرَّ عطاؤها للأجيال المقبلة.
ومن أجل هذا لا بُدَّ أن تأخذ خططُ التنميةِ في اعتبارها المحافظة على البيئة، ومراعاةِ التأثيرات الحادثةِ عليها في المدى القريبِ والبعيدِ. فعند إقامةِ أي مشروع، بدءاً من بناء منزلٍ، أو إنشاء مصنع، أو مدَّ طريقٍ او شقّ قناةٍ إو إقامةِ جسرٍ.
يجبُ دراسةُ أثرِ كل منها على البيئة المجاورةِ، وما سيحدثه من تغيراتٍ على الأرض والأحياء، وكذلك على السكان وصحة الأجيال القادمة.
وبناء على ذلك فإن أي مشروع ناجح لا بد أن يضمن – بجانب عائِدِه المادي_ سلامة البيئةِ، وعدم ظهورِ أضرارٍ عليها وعلى الإنسان في المستقبل.
ولكي يتم هذا بأسلوب سليم، سنَّتْ مُختلفُ الدول كثيراً من القوانين والتشريعات التي تنص على إجراءات محددة، وتلزِمُ من يُخالِفُها بالعقوبات الرادعة.
ومع ذلك فليس بالقانونِ والعقابِ وحدهُما نحمي البيئةَ ونصونَها، ولكن بالوعي المرتفع وبالعمل الجماعي المسئولِ يتحقق هذا الهدفُ، فمصالحُ البشرِ مترابطةٌ، ومستقبلهم مشترك.
ويمكنُ تشبيهُ سكانِ هذه الارض جميعاً بركابِ سفينةٍ واحدةٍ، وعليهم التكاتُفَ في الدفاع عنها وإلاَّ غرقت وهلكوا جميعا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]