أهم الأنواع البحرية التي يشتملها صيد الإنسان في البحر والوسائل المتبعة لذلك
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الأنواع البحرية صيد البحر وسائل صيد البحر الحيوانات والطيور والحشرات البيولوجيا وعلوم الحياة
تُغَطِّي المحيطاتُ والبحارُ نحوَ ثلاثةِ أَرْباعِ سطحِ كُرَةِ الأَرْضِ. ومتوسِّطُ عُمْقِ الماءِ في هذهِ المِساحَةِ الشَّاسِعَةِ يَقْرُبُ من أربعةِ كيلومتراتٍ، فيها كمّيّاتٌ هائِلَةٌ من الماءِ.
ومعظمُ النّاسِ لا يعرفون أنَّ الكائناتِ الحيَّةَ الّتي تعيشُ في هذا الماءِ أكثرُ مِمَّا يعيشُ علَى الأَرْضِ اليابِسَةِ، من حيثُ الأَنْواعُ والأَعْدادُ.
ووَسائِلُ الغَوْصِ الحديثةُ كَشَفَتْ لنا الكثيرَ مِمَّا هو مَخْبوءٌ في أَعْماقِ المحيطاتِ والبِحارِ، ولكنَّنا ما زِلْنا نَجْهَلُ منها الكثيرَ!
وعَرَفَ الإنْسانُ الأَوَّلُ كَيْفَ يصيدُ الأَسماكَ من الأَنهارِ ومنَ المياهِ الضَّحْلَةِ بالقُرْبِ من شواطِئ البحارِ، ووَجدَ فيها لَحْمًا طَرِيًّا شَهِيًّا. ثم أَخَذَتْ وسائلُ الصَّيْدِ من البحارِ تَتَقَدَّمُ وتَعَدَّدَتْ الكائناتُ البحريَّةُ الّتي يستخرجُها الإنسانُ، وأَصْبَحَتْ تشكِّلُ جزءًا مهمًّا من طعامِهِ.
ثم أخذتْ أعدادُ البَشَـرِ تزدادُ بمعدّلاتٍ كبيرةٍ حتَّى أصبحَتْ موارِدُ الغذاءِ من نباتاتِ الأَرضِ وحيواناتِها لا تكادُ تَكفِيهِمْ. ولهذا زادَ اهتمامُ الإنسانِ بِصَيْدِ البَحْرِ، ووَجَدَ فيهِ حلاًّ لأزْمَةِ الغذاءِ الّتي تهدِّدُهُ.
وصيدُ البحرِ شديدُ التَّنَوُّعِ، ولا يقتصـرُ علَى الحيواناتِ وَحْدَها، وإِنَّما يشملُ العَوالِقَ (الكائناتِ الدقيقةَ الهائِمَةَ)، والأَعشابَ البحريَّةَ والطَّحالِبَ أيضًا. ويمكنُ تحضيرُ طعامٍ شَهِيٍّ من بَعْضِ العوالقِ.
أمَّا الطحالِبُ فبعضُها يصلُح غذاءً للإنسانِ والحيوانِ، وتُسْتَخْرَجُ منها موادُّ مختلفةٌ متعدِّدَةُ الفوائدِ في شَتَّى الأغراضِ.
ومن الحيواناتِ البحريَّةِ البُدائِيَّةِ الّتي يجمعُها الإنْسانُ من قعورِ البحارِ الأَنواعُ الاقْتصادِيَّةُ من الإسْفَنْجِ، وأنواعٌ من المَرْجانِ منها المَرجانُ الأَحمرُ الثَّمينُ الّذي تُصْنَعُ منه الحُلِيُّ، والمَرجانُ الأَسودُ الّذي تُصنعُ منه المَسابِحُ وبعضُ أدواتِ الزِّينَةِ.
ومن الرَّخْويَّاتِ ما يعيشُ في قَعْرِ البَحْرِ مُثَبَّتًا علَى الصخورِ أو زاحفًا عَلَيْها أو مُخْتَبئًا في داخِلِها أو مدفونًا في رمال القَعْرِ. وهذه تشملُ المحارِيَّاتِ والقَواقِعَ الّتي يُقْبِلُ النَّاسُ علَى تناوُلِها لِطَعْمِها اللَّذيذِ وقيمتِها الغِذائِيَّةِ العالِيَةِ.
كذلِكَ تُصْنَعُ من أَصدافِ هذهِ الكائناتِ الأزرارُ والتُّحَفُ، ويُطَعَّمُ بها الأَثاثُ والمصنوعاتُ الخَشَبِيَّةُ. هذا فضلاً علَى أنَّ مِنها أَيضًا مَحارَ اللّؤْلُؤِ الثَّمينِ.
ولكنْ من الرِّخْويَّاتِ ما هو طَليقٌ سابِحٌ في الماءِ، كأَنواعِ الحَبَّارِ والأُخْطبوطِ اللَّذَيْن يُؤْكَلُ لَحْمُها اللَّذيذُ.
والقِشْريَّاتُ من حيواناتِ البَحْرِ مَفْصِلِيَّةِ الأَرْجُلِ. ونحن نَأْلَفُ مِنها أَنواعَ الرّوبيانِ وسَرَطانِ البحرِ الّتي نَعُدُّها من أَطايِبِ الطَّعامِ.
أما شَوْكيَّاتُ الجلدِ، فمنها قَنافِذُ البَحرِ الّتي لا يُؤْكَلُ منها إلاَّ مَناسِلُها (أي: غُدَدُها التَّناسُلِيَّةُ)، وخِيارُ البَحْرِ الّذي يستخرجُ منه هُلامٌ يَدْخُل في إعدادِ بَعْضِ الأَغْذِيَةِ.
ولكنْ لا شَكَّ أَنَّ أَشْهَرَ ما يصادُ من البَحْرِ وأَعْظَمَها قيمةً اقتصادِيَّةً هي الأَسماكُ الغُضـْروفِيَّةُ والعَظْمِيَّةُ. ولكنَّ الإفراطَ في صَيْدِ الأَسماكِ، وصَيْدِ صغارِها قَبْلَ أنْ تَكْبُرَ وتَبيضَ، واستخدامَ وسائلِ الصَّيْدِ العِمْلاقَةِ..
كُلُّها عوامِلُ تُهَدِّدُ بِتَدَهْوُرِ الثَّرْوَةِ السَّمْكِيَّةِ في كثيرٍ مِنَ المناطِقِ، مع أنَّ الآمالَ تُعْقَد عَلَيْها في تَزْويدِ البَشَرِ بِمَصْدَرٍ غَنِيٍّ من الغِذاءِ البروتِينِيِّ. وكذلك الحالُ في الثَّدييَّاتِ البَحْرِيَّةِ.
وأَدَواتُ صَيْدِ البَحْرِ وطُرُقُه كثيرةٌ جدًّا؛ وهي مُتَعَدِّدَةُ الأَشْكالِ والأَحْجامِ والأَغراضِ، ولَنْ نَذْكُرَ إلاَّ بَعْضَ المشهورِ مِنْها.
ولعلَّ أَقْدَم تِلْكَ الأَدواتِ الرِّماحُ والحِرابُ والسِّهامُ الّتي اسْتُخْدِمَتْ منذُ فَجرِ التَّاريخِ. وقَدْ تُسْتَخْدَم الكلابُ المُدَرَّبَةُ والطُّيورُ، مثل البجعِ وغُرابِ البَحْرِ.
واستخدامُ الشُّصوصِ طريقةٌ شائِعَةٌ؛ والشُّصوصُ مِنها اليَدَويُّ، ومنها ما يَرْتَبِطُ بِخَيْطِ وقَصَبَةٍ؛ ومنها الخيوطُ القصيرةُ والطويلةُ الّتي قَدْ تَبْلُغَ مِئاتِ الأَمْتارِ، وهي تَحْوِي عددًا كبيرًا من الشُّصوصِ المُطَعَّمَةِ بأشْياءَ تجتذبُ الأَسماكَ. وقَدْ تُسْحبَ خيوطُ الشُّصوصِ من قاربٍ آلِيِّ مُتَحَرِّكٍ، فتجتذبُ الطعومُ المُتَحَرِّكَةُ الأسماكَ إليها.
وفي بعضِ المناطِقِ يَسْتَخْدِمُ الصّيَّادونَ مصايدَ ثابِتَةً، تُسَمَّى الجُوبيَّات، لِصَيْدِ الأَسْماكِ والقِشْريَّاتِ الّتي تعيشُ عِنْدَ قَعْرِ البَحْرِ، كالرُّوبيانِ والسَّرطاناتِ.
والجوبيَّاتُ تَتَنَوَّعُ وتَتَطَوَّرُ لزِيادَةِ كَفاءَتِها. ومن هذهِ المصايدِ القَراقِيرُ المصنوعةُ من الأَسْلاكِ والّتي تُسْتَخْدَمُ في الكُوَيْتِ في المياهِ ذاتِ القُعورِ الصَّخْرِيَّةِ الّتي لا يُمْكِنُ اسْتِخدامُ الشِّباكِ فِيها.
ومِنَ المَصايِدِ الثَّابِتَةِ «الحَظْرَةُ»، أو «مَصْيَدَةُ السَّوارِي»، الّتي تقامُ في مِنْطَقَةِ المَدِّ منْ سواحِلِ الكُوَيْتِ. وهي حَظيرةٌ تَحُدُّها حَوَاجِزُ شَبَكِيَّةٌ، لَها مَدْخَلٌ، ورَدْهَةٌ مُتَّسِعَةٌ تُسَمَّى «الحوشَ» تُؤَدِّي إلى غُرفةٍ صغيرةٍ داخِلِيَّةٍ تُسَمَّى «السرَّ». فعِنْدَ المدِّ تَنْقادُ الأسماكُ إلَى المدخلِ، ثم إلى الحوشِ، ثم إلى السِّرِّ.
وعنْد انحسارِ الماءِ عِنْدَ الجَزْرِ تُحْتَجَزُ الأَسْماكُ في داخِلِ الحَظْرَةِ، وبخاصَّةٍ في غُرْفَةِ السِّـرِّ، ثُمَّ تُجْمَع بِشَبَكَةٍ يَدَوِيَّةٍ بسيطَةٍ. وكانَتْ الأعوادُ الرَّأْسِيَّةُ لجِدارِ الحَظْرَةِ (أو السَّوارِي) تُصْنَعُ من جريدِ النّخيلِ.
أمَّا الأجزاءُ العرضِيَّةُ بَيْنَها فكانَتْ تصنعُ من حبالٍ من ليفِ النَّخيلِ أيْضًا. ولكنَّها تُصْنَع الآنَ من شِباكٍ من الأَسْلاكِ المُجَلْفَنَةِ وحبالٍ من الأليافِ الاصْطِناعِيَّةِ.
أمَّا الشِّباكُ فأنواعُها كثيرةٌ جدًّا. ومنها «الشِّباكُ الخَيْشومِيَّةُ» مُتَعَدِّدَةُ الأَشْكالِ؛ وهي جُدْرانٌ، أو حواجزُ، ضَخْمَةٌ من الشِّباكِ تُنْصَبُ في طريقِ الأَسماكِ، ولا تَسْمَح عُيونُها إلاَّ بمرورِ رُؤوسِ الأَسْماكِ، فإذا تَرَاجَعَتْ الأَسماكُ اشْتَبَكَتْ خَياشِيمُها بخيوطِ الشَّبَكَةِ فلا تستطيعُ فِكاكًا.
و«شِباكُ التَخَبُّطِ» تُشْبِهُ الشِّباكَ الخَيْشومِيَّةَ، ولكنَّها لا تُمْسِكُ بالأَسْماكِ من خياشِيمِها. فعِنْدَ اصْطِدامِ الأَسْماكِ بهذهِ الشّباكِ، تَشْتَبِكُ بعضُ أَشْواكِ زَعانِفِها بِخُيوطِها.
وكُلَّما حَاوَلَتْ السَّمَكَةُ الإفلاتَ ازْدادَ «تخَبُّطُها» وارْتِباكُها واشْتباكُها بالخُيوطِ. وقَدْ تَقَدَّمَتْ صِناعَةُ شِباكِ الصَّيْدِ، وتُتَّخَذُ خُيوطُها الآنَ من موادَّ اصْطِناعِيَّةِ لا تُرَى وهي مَغْمورَةٌ بالماءِ.
ويمكنُ صَيْدُ جماعاتٍ من الأَسْماكِ بإحاطَتِها بشباكٍ ضَخْمَةٍ. وهذه الشِّباكُ المُحيطةُ مُتَعَدِّدَةُ الأَشْكالِ، فمِنْها الشِّباكُ الحَلْقِيَّةُ، الّتي تَتَّخِذُ شَكْلَ الحَلْقَةِ أو الدَّائِرَةِ.
ومنها الشِّباكُ الكِيسِيَّةُ الّتي تَتَّخِذُ شَكْلَ كيسٍ كبيرٍ يَنْتهِي بجزءٍ ضَيِّقٍ تَتَجَمَّع فيهِ الأَسْماكُ. وتُسْتَخْدمُ هذهِ الشّباكُ في صَيْدِ أَسْرابِ الرِّنْجَةِ والسَّرْدِينِ والسَّلْمونِ والتُّونَةِ.
وهناكَ مجموعةٌ من شباكِ الصَّيْدِ تُسَمَّى «شِباكَ الجَرِّ»، لأَنَّها تُسْحَبُ خَلْفَ سَفينَةِ الصَّيْدِ، وهي الطَّريقَةُ المِثالِيَّةُ لِلْصَّيْدِ التِّجارِيِّ عظيمِ المَحْصولِ. وقَدْ تُسْحَبُ هذهِ الشِّباكُ في المياهِ المُتَوَسِّطَةِ لِصَيْدِ الأَسْماكِ السَّابِحَةِ، أَوْ تُدَلَّى إلَى القُعورِ غَيْرِ الصَّخْرِيَّةِ لِجَرْفِ الأَسْماكِ القَعْرِيَّةِ.
ولهذهِ الشِّباكِ أشكالٌ وأسماءٌ مُتَعَدِّدَةٌ، ولكنَّها جميعًا تَحْتاجُ إلَى سُفُنِ صَيْدِ مُتَخَصِّصَةٍ وآلاتٍ لِرَفْعِ الشِّباكِ المُثْقَلَةِ بالأَسْماكَ، وعَدَدٍ من الرِّجالِ المُدَرَّبينَ.
وبعضُ وَسائلِ الصَّيْدِ الّتي ذَكرناها يَعْتَمِدُ إلَى حَدٍّ كبيرٍ علَى اجْتِذابِ الأَسماكِ إليها: بالطُّعومِ المُناسِبَةِ، أو الضُّوءِ، أو بإِصْدارِ أَصْواتٍ تُشْبِهُ أَصْواتَ الأَسْماكِ أو الكائناتِ البحرِيَّةِ الأُخْرَى الّتي تَفْتَرِسُها الأَسْماكُ الكِبارُ فتَجْتَذِبُها نَحْوَ وَسيلَةِ الصَّيْدِ.
وفي بَعْضِ الأَحْيانِ تُسْتَخْدَمُ بعضُ الموادِّ الكيميائِيَّةِ، أو التَّيَّاراتِ الكَهْرَبائِيَّةِ في اجتذابِ الأَسماكِ أو تَوجيهِها إلَى المَوْضِعِ المُناسِبِ لِصَيْدِها.
كذَلِكَ يَعْتَمِدُ كثيرٌ مِنْ وسائِلِ الصَّيْدِ علَى تحديدِ الأَماكِنِ الّتي تَكْثُرُ فيها الأَسْماكُ. وكانَ الصّيَّادونَ يعتمدونَ في ذلِكَ علَى خِبْراتِهِمْ السَّابِقَةِ، وعلَى بعضِ الظَّواهِرِ الّتي يُشاهِدونَها علَى سَطْحِ الماءِ، أو علَى تَجَمُّعِ الطُّيورِ البَحْرِيَّةِ فَوْقَ مِنْطَقَةٍ مّا.
ولكنَّ الدِّراساتِ الحديثَةَ لِسُلوكِ الأَسْماكِ، ودَوْراتِ تَكاثُرِها وهِجْرَتِها تُساعِدُ كثيرًا في تَتَبُّعِ تَجَمُّعاتِها. وكانَ بعضُ الصَّيَّادينَ يُدْلُون في الماءِ سِلْكًا ينتهِي بِثِقْلٍ، إلَى أَعْماقٍ مُخْتَلِفَةٍ، ثُمَّ يلاحظونَ ما يَطْرَأُ علَى هذا السِّلْكِ من اهْتزازاتٍ. أمّا الآنَ فإنَّ مراكبَ الصَّيْدِ تعتمدُ علَى دراسَةِ صَدَى المَوْجاتِ الصَّوْتِيَّةِ الّتي تَبْعَثُها أَجْهِزَتُهُم في الماءِ.
ورافَقَ التَّقَدُّمَ في وسائِلِ الصَّيْدِ، تَقَدُّمٌ مُماثِلٌ قي اسْتِخدامِ المَراكِبِ المُتَخَصِّصَةِ في أَعْمالِ الصَّيْدِ ومُعالَجَةِ الأَسْماكِ بَعْدَ صَيْدِها. وأَصْبَحَتْ تجارةُ صيدِ الأَسْماكِ تعتمدُ علَى أساطِيلَ من سُفُنِ الصَّيْدِ المُزَوَّدَةِ بِمُخْتَلِفِ الآلاتِ.
ولكنَّ هذا التَّقدُّمَ الهائِلَ في وسائِلِ الصَّيْدِ يهدِّدُ بإضعافِ الثَّرْوَةِ السَّمَكِيَّةِ العَالَمِيَّةِ، كما قَدَّمْنَا. وهناكَ مُحاوَلاَتٌ دَوْلِيَّةٌ كثيرةٌ لِتَنْظيمِ صِناعَةِ الصَّيْدِ وتَرْشيدِها وحِمايَةِ بَعْضِ أَنْواعِ الكائناتِ البَحْرِيَّةِ المُهَدَّدَةِ بالانْقِراضِ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]