الطب

نبذة تعريفية على أهمية علم “الصيدلة” ومدى تطوره عبر الزمن

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الصيدلة أهمية الصيدلة تطور الصيدلة عبر الزمن الطب

إذا شَكا إِنسانٌ مَرَضًا ذهبَ إلَى الطبيبِ ليَفْحَصَهُ ويعرفَ سببَ شَكْواه، ثم يقدِّمَ لهُ النُّصْحَ، ويحدِّدَ لهُ الدّواءَ المُناسِبَ.

عِنْدَئِذٍ يذهبُ المريضُ إلَى الصَّيدلـيِّ ومعـهُ وَصْفَـةُ الطَّبيبِ، فَيُعطيهِ الدَّواءَ،ويكتبُ له علَى كلِّ عُلْبَةٍ الإرْشاداتِ الدَّالَّةَ علَى كيفيَّةِ تعاطيهِ.

فَعَمَلُ الصًّيْدَلِيِّ إِذَنْ مُتَمِّمٌ لِعَمَلِ الطَّبيبِ. والصَّيْدَلَةُ والطِّبُّ عِلْمَانِ متكامِلانِ ومِهْنَتانِ مُتَعاوِنتانِ لِعلاجِ المَرْضَى وتحقيقِ الشِّفاءِ لَهُمْ.

 

ومنذُ عَهْدٍ غيرِ بعيدٍ كانَ الطبيبُ يَكْتُبُ العَناصِرَ الّتي يَتَكَوَّنُ مِنها الدَّواءُ، ثُمَّ يقومُ الصًّيْدَلِيُّ بتجهيزِهِ وَفْقًا لِهذهِ الوَصْفَةِ.

وما زالَ هذا مُتَّبَعًا في أَحوالٍ قليلةٍ، ولكنَّ مُعْظَمَ الأَدْوِيَةِ يُجَهَّزُ الآنَ، ويُعَبَّأُ، ويُغَلَّفُ في أَغْلِفَةٍ جَذَّابَةٍ بكَمِّيَّاتٍ كبيرةٍ، في مَعامِلَ ضَخْمَةٍ جَيِّدَةِ الإعْدادِ والإدارَةِ. ويَكْتَفي الطَّبيبُ الآنَ بِكتَابَةِ الاسْمِ التِّجارِيِّ للدَّواءِ، الّذي يكونُ عادَةً مُتَوَفِّرًا في الصَّيْدَلِيَّاتِ.

والصَّيْدَلِيَّاتُ الكُبْرَى الحديثَةُ لا تُقَدِّمُ الأَدْوِيَةَ مُخْتَلِفَةَ الأَشْكالِ والأغراضِ فَحَسْبُ، وإِنَّما تَعْرِضْ أيضًا بَعْضَ الأَدواتِ والأَجْهِزَةِ الطِّبِّيَّةِ البَسيطَةِ كالتِّرْمومِتْراتِ وأَجْهِزَةِ قياسِ ضَغْطِ الدَّمِ، والمَحاقِنِ، وأدواتِ تَضْميدِ الجُروحِ، ودَعْم الأَعْضاءِ الضَّعيفَةِ من أَحْزِمَةٍ وأَلْبِسَةٍ وأَرْبِطَةٍ.

 

بلْ إنَّها تَضُمَّ أيضًا أَدَواتِ تَرْبِيَةِ الرُّضَّعِ والأَطْفالِ وشيئًا مِنْ لُعَبِهِم وأَغْذِيَتِهِم، فضلاً علَى مجموعةٍ كبيرةٍ من العُطورِ ومُسْتَحْضراتِ التَّجْميلِ.

والصَّيْدَلِيُّ مُحْتَاجٌ إلَى أنْ يكونَ مُلِمًّا بكثيرٍ من العُلومِ. فهو محتاجٌ أَوَّلاً لِدراسَةٍ جَيِّدَةٍ لِعلمِ الكيمياءِ من النَّاحِيَتَيْنِ النَّظَرِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ.

ولمَّا كانَ كثيرٌ من مكوِّناتِ الأَدْوِيَةِ مُسْتَمَدًّا من أُصولٍ نباتِيَّةٍ، وَجَبَ علَى الصَّيْدَلِيِّ أنْ يَدْرِسَ النَّباتاتِ الطِّبِّيَّةَ دراسةً شامِلَةً، ويَعْرِفَ في أيِّ جزءٍ من أَجْزاءِ النَّباتِ توجَدُ الموادُّ العِلاجِيَّةُ، وكَيْفَ تُسْتَخْلَصُ من تِلْكَ الأَجْزاءِ.

 

وعَلَيْهِ أيضًا أنْ يَعْرِفَ الخصائِصَ الطِّبِّيَّةَ لِكُلِّ الموادِّ الدَّاخِلَةِ في تَرْكيبِ الأَدْوِيَةِ، مَهما كانَتْ مَصادِرُها، وما الّذي تَفْعَله في أَجْسامِ مَنْ يَتَناوَلونَها.

وعليهِ أيضًا أنْ يُلِمَّ بالأُسُسِ الطِّبِّيَّةِ العامَّة، وأُسُسِ الصناعاتِ الكيميائِيَّةِ وإدارَةِ المَعامِلِ والمُؤَسَّساتِ التِّجارِيَّةِ، ونَحْوِ ذَلِكَ.

ونَظَرًا لِتَزَوُّدِ الصَّيْدَلِيِّ بِكلِّ هذهِ المَعْلوماتِ، كانَ هُوَ الشَّخْصَ الوحيدَ المُؤَهَّلَ للتَّعامُلِ مع الأَدْوِيَةِ وبَيْعِها أو تقديمِها لِلْجُمهورِ، في الصَّيْدَلِيَّاتِ الخاصَّةِ أو صَيْدَلِيَّاتِ المُسْتَشْفَيَاتِ والمُؤَسَّساتِ.

 

وفي أحوالٍ كثيرَةٍ يكونُ الصَّيْدَلِيُّ هو أَقْرَبَ الفَريقِ الطِّبِّيِّ للمريض، فيستطيعُ أنْ يقدِّمَ له النُّصْحَ في بَعْضِ المَتاعِبِ الصِّحِّيَّةِ البَسِيطَةِ، وقَدْ يُنَبِّهُ المريضَ إلَى ضَرورَةِ اسْتِشارَةِ الطَّبيبِ.

والصَّيْدَلِيُّ مُؤْتَمَنٌ علَى ما في حَوْزَتِهِ من عقاقِيرَ لا تُصْرَفُ إلاَّ بِوَصْفَةٍ طبِّيَّةٍ مكتوبَةٍ، حِفاظًا علَى صِحَّةِ النَّاسِ، بلْ رُبما علَى حَياتِهم أحيانًا. ولا نَنْسَى أنَّ خِدْماتِ الصَّيْدَلِيِّ ممتدَّةٌ أيضًا إلَى تقديمِ أَدْوِيَةِ عِلاجِ الحَيَواناتِ المَريضَةِ.

ولا تَقْتَصِرُ مَهَامُّ الصَّيْدَلَةِ علَى الصَّيدليَّاتِ. وإِنَّما تُوجَدُ في كلِّ دَوْلَةٍ إِداراتٌ من كبارِ الصَّيادِلَةِ للتَّخْطيطِ للصِّناعاتِ الدَّوائِيَّةِ، والإشْرافِ علَى حُسْنِ تَوْزيعِها والتَّحَقُّقِ من صَلاحِيَةِ ما هو مَطْرُوحٌ في الأَسْواقِ مِنْها، وتَرْشيدِ اسْتِعْمالِها واسْتيرادِ الجَيِّدِ والضَّرورِيِّ من الأَدْوِيَةِ المَصْنوعَةِ في الخَارِجِ، ونَحْوِ ذَلِكَ من الأُمورِ.

 

وتَعْتَمِدُ الهَيْئاتُ المُخْتَصَّةُ في الدَّوْلَةِ كِتابًا أو قائِمَةً تَضُمُّ العَقاقِيرَ والموادَّ المُسْتَخْدَمَةَ في صِنَاعَةِ الأَدويَةِ، وخصائِصَها، والحدودَ الصّحيحَةَ لاسْتِعْمالِها. وهذا الكتابُ يُسَمَّى «فارماكوبيا» أو «دُسْتورَ الأَدْوِيَةِ».

وتَطَوَّرَتْ الصَّيْدَلَةُ عَبْرَ التَّاريخِ بِتَطَوُّرِ تَعَامُلِ الإنْسانِ مع بَحْثِهِ عن الموادِّ الّتي تُخَلِّصُه من آلامِهِ وتَشْفِيه من أَمْراضِهِ.

وكانَ لِعُلَماءِ العَرَبِ والمسلمينَ دَوْرٌ في هذا التَّاريخِ، كما كانَ لَهُمْ دَوْرُهُمْ في تَقَدُّمَ سائِرِ العُلومِ. وكانَتْ الصَّيْدَلَةُ جُزْءًا من اهْتِماماتِ كبارِ الأَطِبَّاءِ المُسْلِمينَ، فَخَصَّصَ أبو بكرٍ الرَّازِيُّ قِسْمًا من كتابِهِ الكبيرِ «الحَاوِي»، للأَدْوِيَةِ وتَحْضيرِها.

وكذلِكَ فَعَلَ الشَّيْخُ الرّئيسُ ابنُ سِينَا في كتابِهِ العَظيمِ «القانون»، والطَّبَرِيُّ في كتابِهِ «فِرْدَوْسُ الحِكْمَة»، وابنُ زُهْرٍ في «كتاب التَّيسيرِ في المُداواةِ والتَّدْبيرِ»، وغيرُهم.

 

وكانَ هؤلاءِ الأَطِبّاءُ العِظامُ يَتَحدَّثونَ عَنْ «الأَدْوِيَةِ المُفْرَدَةِ» (أيْ الّتي تُؤْخَذُ دونَ أَنْ تُخْلَطَ بِغَيْرِها) وعَنْ «الأَدْوِيَةِ المُرَكَّبَةِ» الّتي تَتَأَلَّف من عِدَّةِ موادَّ نباتِيَّةٍ أو حيوانِيَّةٍ أو مَعْدِنِيَّةٍ كيميائِيَّةٍ.

ولكنَّ الصَّيْدَلَةَ ما لَبِثَتْ أَنْ اسْتَقَلَّتْ عَنْ الطِّبِّ، وظَهَر صَيادِلَةٌ مُتَخَصِّصونَ.

ومِنْ هؤلاءِ ابنُ البَيْطارِ (القَرْن السابعُ الهِجْرِيُّ: الثَّالِثَ عَشَر الميلادِيُّ) صاحبُ كتابِ «المُغْنِي في الأَدْوِيَةِ المُفْرَدَةِ» وكتابِهِ الأَشْهَرِ «الجَامِعُ لِمُفْرَداتِ الأَدْوِيَةِ والأَغْذِيَةِ».

ثم جاءَ مِنْ بَعْدِهِ داوُدُ الأَنْطاكِيُّ (القَرْن العاشِرُ الهِجرِيُّ: السَّادِسَ عَشَرَ الميلادِيُّ) الّذي أَلَّفَ «تَذْكِرَةَ أُولِي الأَلْبابِ والجامِعَ لِلْعَجَبِ العُجابِ» المَشْهورَ باسْمِ «تَذْكِرَةِ دَاوُدَ».

 

وقَبْلَ هَذَيْن العالِمَيْن وأَمثالِهِما، كانَتْ النباتاتُ الطِّبِّيَّةُ تَرِدُ في المُؤَلّفاتِ عَن عِلمِ النَّباتِ، ككِتَابِ «النّباتِ» العَظيمِ الّذي أَلَّفَه أَبو حَنِيفةَ الدِّينَوَرِيُّ في القَرْنِ الثّالِثِ الهِجْرِيِّ (التَّاسِعِ المِيلادِيِّ).

وعلَى الرَّغْم من هَذَا الاهْتِمامِ بالعقاقِيرِ، كانَ كِبارُ الأَطِبَّاءِ العَرَبِ يُفَضِّلونَ العِلاجَ بِتَنْظيمِ الغِذَاءِ، ولا يَسْتَعْمِلونَ العقاقِيرَ إلاَّ للضَّرورَةِ.

فإذا ما عالَجوا بالأَدْوِيَةِ فَضَّلُوا الأَدْوِيَةَ البَسيطَةَ المُفْرَدَةَ علَى الأَدْوِيَةِ المُرَكَّبَةِ، وفَضَّلوا الأَدْوِيَةَ المُرَكَّبَةَ مِن عَناصِرَ قليلةٍ.

 

ومَعَ تَقَدُّمِ العُلومِ البَيولوجِيَّةِ والكِيمْيائِيَّةِ المُتَّصِلَةِ بالدواءِ، تَوَسَّعَتْ الاهْتماماتُ الصَّيْدَلِيَّةُ، فلَمْ تَعُدْ مَقْصورةً علَى المصادِرِ النَّباتِيَّةِ والحَيوانِيَّةِ والمَعْدَنِيَّةِ التَّقْلِيدِيَّةِ، وإنَّما تَعَدَّتْها إلَى اسْتِعمالِ الإنْزيماتِ، والهُرْموناتِ، والفِيتاميناتِ والمُضَادَّاتِ الحَيَوِيَّةِ.

ولما عُرِفَتْ أَسْرارُ المَناعَةِ ووَسائِلِ الجسمِ في مُقَاوَمَةِ الأَمْراضِ وتَوَقِّيها، نشَأَتْ صِناعَةُ الأَمْصالِ واللَّقاحَاتِ لاسْتخدامِها في الوِقايَةِ والعِلاجِ3

ولما ازْدادَ فَهْمُ العُلَماءِ بآثارِ الموادِّ الكيمْيائِيَّةِ في الكائناتِ المُسَبِّبَةِ للأَمْراضِ، أَصْبَحوا يَبْتَكِرونَ مَوَادَّ جَديدَةً مُخَلَّقَةً، يُؤَلِّفُونَها بِحَسبِ الطَّلَبِ! ثم أَصْبَحَ الآنَ الحديثُ عَنْ العلاجِ بالجيناتِ، بَعْدَ تَقَدُّمِ الوِراثَةِ الجُزيئِيَّةِ والهَنْدَسَةِ الوِراثِيَّةِ.

 

وفي الوَقْتِ نَفْسِهِ ظهَرَتْ حديثًا نَزْعَةٌ إلَى اسْتِعمالِ «الأَعْشابِ» الطِّبِّيَّةِ، بِحالَتِها الطّبيعِيَّةِ، وأَقْبَلَ النّاسُ يَشْتَرونَها من العَطَّارِين أو من الصَّيدليَّاتِ.

ولكنَّ هذا الاتِّجاهَ ينبغِي أَنْ يُعامَلَ بشـيءٍ مِنَ الحَذَرِ، لأَنَّ النَّباتَ الواحِدَ كثيرًا ما يَحْتوِي علَى عَدَدٍ من الموادِّ الّتي تَخْتَلِفُ في آثارِها، وقَدْ يكونُ من بَيْنِها ما يَضُرُّ فَرْدًا بِذاتِهِ أو حَالَةً بِذاتِها.

ولكنَّ شَرِكاتِ الأَدْوِيَةِ الكُبْرَى انْطَلَقَتْ، من ناحيةٍ أُخْرَى، تُرْسِلُ بَعَثاتٍ من العُلَماءِ إلَى الشُّعوبِ ذَاتِ الحَضاراتِ العَريقَةِ والقَبَائِلِ البُدَائِيَّةِ، لِيَتَعَرَّفُوا وَسائِلهُم التَّقْلِيدِيَّةَ في العِلاجِ.

 

ويبعثُ هَؤلاءِ العُلماءُ إلَى مُخْتَبَراتِهِمْ بِعَيِّناتٍ مِنَ النَّباتاتِ وغيرِها من الموادِّ العِلاجِيَّةِ التّقليدِيَّة، لِتَحْلِيلِها وعَزْلِ مُرَكَّبَاتِها، ودِراسَةِ كلٍّ مِنْ عَناصِرِهَا.

ولكنَّ الطريقَ أمامَ أيِّ عُنْصُرِ تُرْجَى فائِدَتُه كَيْ يَتَحَوَّلَ إلَى صورةٍ دَوائِيَّةٍ مُعْتَمَدَةٍ، طَريقٌ طويلٌ وباهِظُ التّكاليفِ، وبَعْدَ تَجْرِبَتِه مِرارًا في حَيواناتِ التَّجارِبِ، ثُمَّ علَى المُتَطَوِّعينَ والمَرْضَى مِنَ البَشَرِ.

ولا تَعْتَمِدُ الجِهات الطِّبِّيَّةُ والصَّيْدَلِيَّةُ الرَّسْمِيَّةُ تَدَاوُلَه إلاَّ بَعْدَ مُرورِه في كلِّ هذهِ السِّلْسِلَةِ من الدِّراساتِ والبُحوثِ والاخْتِبارَاتِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى