مصادر ومستويات ظاهرة “الضجيج” وآثارها السلبية على الإنسان
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
مصادر الضجيج مستويات الضجيج ظاهرة الضجيج الآثار السلبية للضجيج الفيزياء
يَتَفاوَتُ النَّاسُ في مَقْدِرَتِهِمْ عَلَى سَماعِ الأَصْواتِ، لكنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ في شِدَّةِ أَدْنَى صَوْتٍ يمْكنُ سَمَاعُهُ وكَذَلِكَ في جَهارَةِ الصَّوْتِ الّذي يُسَبِّبُ الأَلَمَ.
ومِنْ ثَمَّ أَمْكَنَ تَحْديدُ مَدَى الاسْتِجابَةِ التَّرَدُّدِيَّةِ للأُذُنِ البَشَرِيَّةِ العادِيَّةِ، أو المَدَى المَسْموعِ للتَّرَدُّداتِ فيما بَيْنَ 20 و20000 هِرْتِزْ.
وتَبْلُغُ حَساسِيَةُ الأُذُنِ للمَوْجاتِ السَّمْعِيَّةِ أقصاها في مَدَى التَّرَدُّدِ القَريبِ من 3000 هِرْتِزْ. وعِنْدَ التَّرَدُّداتِ الّتي تَخْتَلِفُ عَنْ ذَلِكَ لابُدَّ أنْ يكونَ الصوتُ أَكْبَرَ شِدَّةً لِكَيْ يُمْكِنَ سَماعُهُ.
وتُعْرَفُ شِدَّةُ الصَّوْتِ بأَنَّها الطَّاقَةُ الّتي تَحْمِلُها المَوْجَةُ الصَّوْتِيَّةُ في الثَّانِيَةِ الواحِدَةِ عَبْرَ وَحْدَةِ المِساحاتِ العَمودِيَّةِ عَلَى اتِّجاهِ انْتِشارِ المَوْجَةِ، وتُقَاسُ بِوَحْدَةِ «البِلْ»، نِسْبَةً إلَى العالِمِ الأَمريكيِّ «ألِكْسَنْدَرَ جراهامْ بِلْ» مُخْتَرِعِ الهاتِفِ. وتُسْتَعْمَلُ عادَةً وَحْدَةٌ أَصْغَر بِمِقْدارِ العُشْرِ تُسَمَّى «دِيسيبلْ».
وللتَّعْبِيرِ عَنْ اسْتِجابَةِ الأُذُنِ لِلأَصْواتِ يُسْتَخْدَمُ عادَةً مِقْياسُ شِدَّةِ الصَّوْتِ، أَوْ مِقْياسُ «الدِّيسيبِلْ» الّذي يَبْدَأُ من الصِّفْرِ، حَيْثُ تكونُ الأَصْواتُ شديدةَ الخُفوتِ، ويَزْدادُ إلَى 120، حيثُ تكونُ الأصواتُ مُسَبِّبَةً ألمًا شديدًا.
وهُناكَ اتِّفاقٌ عامٌّ عَلَى أَنَّ الحدَّ الأَقْصَى للضَّوْضاءِ يَجِبُ ألاَّ يزيدَ عَنْ 75 ديسيبِلْ حتَّى تكونَ مَأمونَةَ الجانِبِ إلَى حَدِّ كبيرٍ، ولا تُعَرِّضَ الإنْسانَ لفُقْدانِهِ حاسَّةَ السَّمْعِ، أو غَيْرِ ذلِكَ مِنْ آثارِ الضَّجيجِ الضَّارَّةِ.
ويُعَدُّ مُسْتَوَى الضَّجيجِ مُتَوَسِّطًا عَنْدَما تَقَعُ شِدَّتُهُ بَيْنَ 50 و75 ديسيبِلْ. ومِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: نُباحُ الكِلابِ (67 دِيسيبِلْ)، وضَجيجُ آلَةِ الكَنْسِ الكَهْرَبائِيَّةِ (70 دِيسيبِلْ)، وضَجيجُ سيَّارَةٍ خاصَّةٍ تَتَحَرَّكُ بِسُرْعَةِ 90 كم/ ساعة (73 دِيسيبِلْ).
أمَّا الضَّجيجُ الّذي تَزيدُ شِدَّتُه عَلى 75 دِيسيبِلْ فيُعَدُّ مُرْتَفِعَ المُسْتَوَى، ومِنْ أَمْثِلَتِهِ: الغَسَّالَةُ الكَهْرَبائِيَّةُ (78 دِيسيبِلْ)، وآلاتُ قَطْعِ الحَشائِشِ وآلاتُ الثَّقْبِ الّتي تَعْمَلُ بالهواءِ المَضْغوطِ (حوالَيْ 100 دِيسيبِلْ)، وصَوْتُ الطَّائِراتِ النَّفَّاثَةِ عَنْ قُرْبِ (103 دِيسيبِلْ)، والضجيجُ الناتجُ من الفِرَقِ المُوسِيقِيَّةِ الصَّاخِبَةِ (115 دِيسيبِلْ).
وعِنْدَما تَبْلُغُ شِدَّةُ الضجيجِ إلَى هذَا الحَدِّ المُزْعِجِ فإنَّها تكونُ غَيْرَ مَأْمُونَةِ الجانِبِ وتُؤَدِّي زيادَةُ شِدَّتِها بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الإحْساسِ بالأَلَمِ.
وفي ضَوْءِ هَذِهِ الأَمْثِلَةِ لِمُسْتَوَياتِ الضَّجيجِ ومصادِرِهِ لا يَجِدُ المَرْءُ صُعوبَةً في القِياسِ عَلَيْها لِمَعْرِفَةِ مَدَى الخَطَرِ الّذي يَتَهَدَّدُهُ بِسَبَبِ الضَّوْضاءِ المُرْتَفِعَةِ الّتي نَتَعَرَّضُ لَها لِفَتَراتٍ طَويلَةٍ، خُصوصًا بَعْدَ أَنْ أَخَذَ الجميعُ بأَساليبِ الحياةِ العَصْـرِيَّةِ.
وأَصْبَحَتْ أَجْهِزَةُ التَّكييفِ، والخَلاَّطاتُ، وآلاتُ الغسيلِ والتَّجْفيفِ، والمُبَرِّداتُ، وأَجْهِزَةُ التَّسْجيلِ والمِذياعِ والتِّلْفازِ مُنْتَشِرَةً في كُلِّ مَنْزِلٍ تَقْريبًا. وهي أَجْهِزَةٌ تُعَدُّ اليومَ مِنْ أَهَمِّ مَصادِرِ الضَّوْضاءِ المَنْزِلِيَّةِ.
يُضافُ إلَى ذَلِكَ ما يُعْرَفُ باسْمِ «ضجيجِ الخَلْفِيَّةِ»، الّذي يَصِلُ إليْنا ويُحيطُ بِنَا في صُورَةِ هَديرٍ مُتَّصِلٍ يَصْدُرُ عَنْ مَصادِرَ عَديدَةٍ تَشْمَلُ كُلَّ أنواعِ الأَصْواتِ والضَّوضاءِ المُنْبَعِثَةِ من حَرَكَةِ المُرورِ في الشَّوارِعِ.
ومن أَصْواتِ البَاعَةِ الجائِلينَ ومكبِّراتِ الصَّوتِ، أو الأَطفالِ الّذينَ يمرحونَ ويتصايحونَ، إلَى غيرِ ذَلِكَ من الأَصْواتِ غَيْرِ المُحَدَّدَةِ الّتي تَمْتَزِجُ معًا بِحَيْثُ يَصْعُبُ تَعَرُّفُ مَصادِرِها ويَعْتادُ عَلَيْها الإنْسانُ بِمرورِ الوَقْتِ.
ومع أنَّ الإِنْسانَ يمكنُهُ أَنْ يَتَعَوَّدَ الضجيجَ بِمُرورِ الوَقْتِ إلاَّ أَنَّ هَذَا التَّعَوُّدَ لا يَحْميهِ مِنْ حدوثِ بَعْضِ التَّغَيُّراتِ الفيزيولوجِيَّةِ في جِسْمِه، خصوصًا عِنْدَ زِيادَةِ شِدَّةِ الضَّجيجِ عَنْ حدودٍ مُعَيَّنَةٍ.
فَقَدْ تَضطرِبُ وظائِفُ الأُذُنِ والأَنْفِ والحَنْجَرَةِ، وقَدْ يَحْدُثُ اضْطِرابٌ في إفرازِ بَعْضِ الهُرْمونَاتِ في الجِسْمِ، إضافَةً إلَى تَأْثيراتٍ أُخْرَى نَفْسِيَّةٍ واجْتِماعِيَّةٍ.
هذا فَضْلاً عَلَى ما يُحْدِثُهُ الضَّجيجُ من آثارٍ ضارَّةٍ عَلَى كَفاءَةِ العَمَلِ والإنْتاجِ، نظرًا لأَنَّهُ يُقَلِّلَ كثيرًا من القُدْرَةِ عَلَى التَّرْكيزِ، ويَزيدُ مِنْ مُعَدَّلِ الشُّعورِ بالتَّعَبِ والإجْهادِ.
ولَعَلَّ أَكثرَ النَّاسِ تأَثُّرًا بِذَلِكَ هُم طُلاّبُ المدارِسِ حَيْثُ يُؤَثِّرُ الضجيجُ كثيرًا في مَدَى تَقَبُّلِهِمْ وفَهْمِهِمْ لِمَا يَتَلَقُّونَهُ مِنْ مَعْلوماتٍ.
ولَقَدْ بَلَغَ الضجيجُ في أَيامِنَا هَذِهِ حدًّا جَعَلَ البَعْضَ يَعُدُّه أَحَدَ أَشْكالِ التَّلَوُّثِ البِيئيِّ، بِمَعْنَى أَنَّه لَيْسَ أَقَلَّ خَطَرًا عَلَى صِحَّتِنا من السُّمومِ الموجودَةِ في الماءِ والهواءِ.
وعَلَى إِنْسانِ هَذَا العَصْـرِ في كُلِّ مكانٍ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِمُواجَهَةِ هَذَا الخَطَرِ. وقَدْ ظَهَرَ مُؤَخَّرًا بَعْضُ التَّقَدُّمِ في مجالِ مُكافَحَةِ الضجيجِ، وبَدَأَتْ بَعْضُ البُلْدانِ والمُنَظَّماتِ في وَضْعِ تَشـْريعاتٍ تُحَدِّدُ مُسْتَوَياتِ الضجيجِ المَسْموحِ بِها في الأَماكِنِ المُخْتَلِفَةِ لَيْلاً أو نَهارًا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]