المظاهر المختلفة لـ”الطاعة” الواجبة على الإنسان القيام بها
2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الطاعة مظاهر الطاعة إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
الطَّاعَةُ هي امْتِثالُ الأَمْرِ بِأَنْ نَفْعَلَهُ، والنَّهْيِ بِأَنْ نَتْرُكَهُ. فإذا أَمَرَنا اللهُ تَعالَى بِشَـيْءٍ فَتَجِبُ علينا طاعَتُهُ، وإذا نَهانا عَنْ شَيْءٍ فَيَجبُ علينا تَرْكُهُ.
والّذينَ تَجِبُ عَلَيْنا طَاعَتُهُمْ حَدَّدَهُمْ القُرْآنُ الكَريمُ، وسُنَّةُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. فَيَجِبُ طَاعَةُ اللهِ تَبارَكَ وتَعالَى، وطاعَةُ الرَّسولِ مُحَمَّدِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وطاعَةُ حُكَّامِنا، وطاعَةُ العُلماءِ، وطاعَةُ الوالِدَيْن.
فطاعَةُ اللهِ تعالَى، وطاعَةُ رَسولِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، واجِبَةٌ لأَنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قالَ في القُرآنِ الكريمِ: قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد 33).
فاللهُ، عزَّ وجَلَّ، خالِقُنا، ورازِقُنا، ومُحْيينا ومُمِيتُنا. واللهُ تعالَى يَعْلَمُ ما يُصْلِحُ حالِنَا وحَياتَنَا، ويَعْلَمُ ما يَضُرُّنا.
وقَدْ أَمَرَنا اللهُ بِكُلِّ خَيْرٍ، ونَهانا عَنْ كُلِّ شَرٍّ: أَمَرَنا بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والحَجِّ والصَّومِ وفِعْلِ كُلِّ الطَّاعاتِ، وأَنْ نَأْمُرَ بالمَعْروفِ ونَنْهَى عَنَ المُنْكَرِ، ووَعَدَنا بالجَنَّةِ إذا نَحْنُ حَقَّقْنا طاعَتَهُ في ذَلِكَ كُلِّهِ، وحَذَّرَنا مِنَ النَّارِ إِذا نَحْنُ عَصَيْناهُ.
وطاعَةُ الرَّسولِ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، واجِبَةٌ؛ لأَنَّ اللهَ تَعالَى جَعَل طاعَةَ الرَّسولِ مِنْ طاعَتِهِ، عَزَّ وجَلَّ.
فقالَ في القرآنِ الكريمِ (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (النساء 80).
والرَّسولُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وهو لا يَنْطِقُ ولا يَتَكَلَّمَ إلاَّ بالوَحْيِ مِنَ اللهِ، قالَ في الحديثِ: «من أَطاعَنِي فَقَدْ أَطاعَ اللهَ، ومَنْ عَصانِي فَقَدْ عَصَى اللّهَ».
وطَاعَتُنا لِلرَّسولِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، تكونُ باتِّباعِ سُنَّتِهِ. وسُنَّتُه هِيَ أَقْوالُهُ، وأَفْعَالُهُ، وكُلُّ ما يُقِرُّهُ مِنَ الأَعْمالِ الحَسَنَةِ الطَّيِّبَةِ.
فطاعَةُ الرَّسولِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، تَجِبُ في كُلِّ ما أَمَرَ بِهِ، فَنَفْعَلُ منه ما نَسْتَطيعُ وإذا نَهانَا عَنْ شَيْءٍ فَيَجِبُ أَنْ نَنْتَهِيَ دُونَ تَرَدُّدٍ.
ولِذَلِكَ قالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «إذا نَهَيْتُكُم عَنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبوهُ، وإذا أَمَرْتُكُمْ بِشَـيْءٍ فَاتُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ».
وطاعَةُ أُولِي الأَمْرِ مِنْ حُكَّامِنا المُسْلِمينَ واجِبَةٌ عَلَيْنا لأَنَّ اللّهَ، عزَّ وَجَلَّ، أَمَرَنا بِها، فقالَ اللّهُ تعالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء 59).
والمَقْصودُ بأُولِي الأَمْرِ هُمْ حُكَّامُنا المُسْلمونَ الّذينَ يَحْكُمونَ البلادَ، ويَسْهَرُونَ علَى تحقيقِ السَّعادَةِ والأَمْنِ.
فالسَّعادَةُ والأَمْنُ لا يَتَحَقَّقانِ إلاَّ إِذا أَطَعْنا حُكَّامَنَا، ونَفَّذْنا أَوامِرَهُم في كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الأُمورِ الّتي تُحَقِّقُ رِضاءَ اللهِ، عزَّ وجَلَّ.
والأَشْياءُ الّتي تُحَقِّقُ رِضَاءَ اللهِ هِيَ كُلُّ خَيْرٍ وسَعادَةٍ ولَيْسَ فيهِ مَعْصِيَةٌ لِلّهِ، تَبارَكَ وتَعالَى. ولِذَلِكَ يقولُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «السَّمْعُ والطَّاعَةُ علَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيما أَحَبَّ وكَرِهَ، ما لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ؛ فإِذا أُمِرَ بِمَعْصِيةٍ فلا سَمْعَ ولا طَاعَةَ».
وطاعَةُ العُلماءِ أَوْجَبَها اللهُ عَلَيْنا، لأنَّ العُلَماءَ هُمْ مِنْ ضِمْنِ أُولِي الأَمْرِ الّذينَ ذَكَرَتْهم الآيةُ الكريمةُ السَّابِقَةُ. فالآيَةُ تَشْمَلُ الحُكَّامَ والعلماءَ.
والعُلماءُ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبياءِ، فَهُمْ الّذينَ يُبَيِّنونَ للنَّاسِ أُمورَ دِينِهِمْ وأُمورَ دُنْياهُمْ. وإذا اخْتَلَفْنا في شَيْءٍ رَجَعْنا إلَيْهِم لِيُبَيِّنوهُ ويُوَضِّحُوه فَنَسْمَعَ لِكلامِهِمْ.
وقَدْ بَيَّنَ اللّهُ لَنا هَذا، فقالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء 59).
والّذينَ يَفْهمونَ آياتِ اللهِ وأَحاديثَ النَّبيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، هم العُلماءُ، فَيَجِبُ أَنْ نُطيعَهُم ونَسْمَعَ قَوْلَهُم وفَهْمَهُم لِلآياتِ والأَحاديثِ.
وعلَى أَيْدي العُلماءِ وبِجُهودِهِم وإخْلاصِهِمْ تَتَقَدَّمُ الأُمَمُ، فالمدرِّسونَ والأَطِبَّاءُ والمُهَنْدِسونَ وغَيْرُهم مِنَ عُلماءِ الرِّجالِ والنِّساءِ هُم الّذينَ يقومونَ بالتَّعْليمِ وبِناءِ الدَّولَةِ والحَضَارَةِ.
وأمَّا الوالِدانِ فيَجِبُ أَنْ نَحْرِصَ حِرْصًا شَديدًا علَى طاعَتِهِما، فقَدْ أمَرَنا اللهُ بِذَلِكَ في القُرآنِ الكريمِ: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء 23،24).
فاللّهُ تعالَى يوجِبُ عَلَيْنا طاعَةَ الوالِدَيْن والدُّعاءَ لَهُما وأَنْ نَبَرَّهُما ونُحْسِنَ إلَيْهما ولا نَتَأَفَّف ونَتَضايَقَ من أَوامرِهِما وطَلَباتِهِما، خاصَّةً إذا كانا كَبيرَيْن في السِّنِّ، لأَنَّهما يَكُونان عَنْدَئذٍ في حاجَةٍ أَكْبَرَ إلَى الرِّعايَةِ والعِنايَةِ.
ونَحْنُ حينَما نَفْعَلُ ذَلِكَ نُطيعُ رَبَّنا، ونَرُدُّ إلَيْهما شَيْئًا مِنَ الأَعْمالِ الجَليلَةِ الّتي قَدَّماها لَنا ونَحْن صِغارٌ، فَقَدْ تَعِبَا وسَهِرَا اللَّيالِيَ في سَبيلِ راحَتِنا وتَعْليمِنا.
وقَدْ حَذَّرَنا النَّبيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، مِنْ عِصيانِ أَوامِرِهما أَوْ عَدَمِ العِنايَةِ بِهما، وعَدَّ ذلِكَ مِنَ الأَعْمالِ الكبيرَةِ الّتي يَتَرَتَّبُ عَلَيْها الإثْمُ وغَضَبُ اللهِ واسْتحقاقُ العَذابِ والعُقوبَةِ من اللهِ تَعالَى.
فيقولُ رَسولُنا الكريمُ، صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ، وهو يُحَدِّثُ أَصْحابَهُ الكِرامَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهم: «أَلا أُنَبِّئُكُم بِأَكْبَرِ الكَبائِرِ. قُلْنا: بَلَى يا رسولَ اللهِ. قالَ: الإِشْرَاكُ باللهِ، وعُقوقُ الوَالِدَين».
فَعَلَيْنا أَنْ نَحْرِصَ عَلَى طاعَةِ اللهِ، وطاعَةِ رَسولِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وطاعَةِ أُولِي الأَمْرِ مِنْ حُكَّامِنا، وطاعَةِ العُلَماءِ، وطاعَةِ الوَالِدَيْنِ.
واللهُ حَذَّرَنَا مِنْ مُخالَفَتِهِمْ، وعِصيانِ أَمْره، فقالَ تعالَى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور 63).
فَكُلُّنا يَجِبُ علينا طاعَةُ اللهِ، وكُلِّ مَنْ أَمَرَنا اللهُ بطاعَتِهِمْ، وتَجَنُّبُ عِصْيانِهِ وعِصيانِهِمْ لِتَتَحَقَّق لَنا السَّعادَةُ والحَياةُ الطَّيِّبَةُ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]