إسلاميات

نبذة تعريفية عن الحادثة الحاصلة خلال “عام الفيل”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

عام الفيل إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

عَامُ الفِيلِ هُوَ العامُ الثَّالِثُ والخَمْسونَ قَبْلَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّـريفَةِ، المُوافِقُ لِسَنَةِ 571 مِيلادِيَّةٍ.

والرَّأْيُ المَشْهورُ أَنَّهُ في عامِ الفِيلِ وُلِدَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وأنَّهُ بُعِثَ بَعْدَ أَرْبَعينَ سَنَةً مِنْ هذا العام.

ولَمْ يَكُنْ العَرَبُ يُؤَرِّخونَ بالعَدِّ، وإِنَّما كانوا يُؤَرِّخونَ بالأَحْداثِ العَظيمَةِ الّتي تَمُرُّ بِهِم. ومِنَ الأَحْداثِ العَظيمَةِ الّتي أَرَّخُوا بِها عَامُ الفِيلِ.

 

وقِصَّتُهُ: أَنَّ أَبْرَهَةَ – وكانَ أَميرًا للنَّجاشِيِّ علَى اليَمَنِ – بنَى كَنيسَةً بِصَنْعاءَ، لم يُرَ مثلُها في زَمانِها في الأَرْضِ، سَمَّاها «القُلَّيْس»، ثُمَّ كَتَبَ إلَى النَّجاشِيِّ، وكانَ مَلِكَ الحَبَشَة: «إنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ أَيُّها الملِكُ كَنيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُها لِمَلِكٍ كانَ قَبْلَكَ، ولَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ إِليْها حِجَّ العَرَبِ».

فَلَمَّا بَلَغَ العَرَبَ خَبَرُ كِتابِ أَبْرَهَةَ هذا إلَى النَّجاشِيِّ، غَضِبَ رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى القُلَّيْسَ، فَتَغَوَّطَ فِيها، ثُمَّ خَرَجَ وعادَ إلَى أَرْضِه.

فأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبْرَهَةُ فَقال: مَنْ صَنَع هَذا؟ فقِيل لَهُ: صَنَعَ هَذا رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ الّذينَ يُقَدِّسونَ الكَعْبَةَ الّتي تَحُجُّ العَرَبُ إِلَيْها بِمَكَّةَ، لمَّا سَمِعَ قَوْلَكَ: «أَصْرِفُ إلَيْها حِجَّ العَرَبِ»، غَضِبَ، فَجاءَ، فَتَغَوَّطَ فيها، تَحْقيرًا لَها.

 

فَغَضِبَ أَبْرَهَةُ عِنْدَ ذَلِكَ وحَلَف لَيَسيرَنَّ إلَى الكَعْبَةِ حَتَّى يَهْدِمَها. ثُمَّ أَمَرَ الحَبَشَةَ فَتَهَيَّأَتْ وَتَجَهَّزَتْ، ثُمَّ سَارَ وأَخْرَجَ مَعهُ الفِيلَ.

وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ العَرَبُ فَأَعْظَمُوهُ، وَرَأَّوْا جِهادَ هَؤُلاءِ الغُزَاةِ مِنَ الحَبَشَةِ حَقًّا عَلَيهِم، لِما يُريدونَهُ من هِدْمِ بَيْتِ اللّهِ الحَرامِ – الكَعْبَةِ.

فَلَمَّا نَزلَ أَبْرَهَةُ المُغَمَّسَ – قُرْبَ مَكَّةَ – بَعَثَ إِلَيْها جَيْشًا وأَمَّرَ عَلَيْهِ رَجُلاً من الحَبَشَةِ، يُقالُ لَهُ: الأَسْوَدُ بنُ مَقْصودٍ. فسَارَ الجَيْشُ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَنَهَبَ كُلَّ ما فِيها مِنَ الأَمْوالِ.

 

وكانَ مِمَّا نَهَبَهُ مِنْها مِئتا بَعيرٍ لِعَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هاشِم، جَدِّ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبيرُ قُرَيْشٍ وسَيِّدُها.

فَهَمَّتْ القَبائِلُ الموجودَةُ هُناكَ – وهِيَ قُرَيْشٌ وكِنانَةٌ وهُذَيْلُ، ومَنْ كانَ بِذَلِكَ الحَرَمِ – بِقِتالِهِ، ثُمَّ عَرَفُوا أَنَّهُم لا طاقَةَ لَهُمْ بِهِ، فَتَرَكوا ذَلِكَ.

وبَعَثَ أَبْرَهَةُ أَحَدَ رِجالِهِ، واسْمُهُ حَناطَةُ الحِمْيَرِيُّ إلَى مَكَّةَ، وقالَ لَهُ: سَلْ عَنْ سَيِّدِ أَهْلِ هَذا البَلَدِ وشَريفِها، ثُمَّ قُلْ لَهُ: إنَّ المَلِكَ يَقولُ لَكَ: إنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكِمْ، إِنَّما جِئْتُ لِهَدْمِ هَذا البَيْتِ، فإنْ لَمْ تُحارِبونَا فَلا حاجَةَ لَنا بِدِمائِكُم، فَإِنْ هُوَ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي فَأْتِنِي به.

 

فَلَمَّا دَخَلَ حَنَاطَةُ مَكَّةُ، سَأَلَ عَنْ سَيِّدِ قُرَيْشٍ وشَريفِها، فَقيلَ لَهُ: عَبْدُ المُطَّلِبِ بنُ هاشِمٍ. فَجاءَهُ، فَقالَ لَهُ ما أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَةُ أَنْ يَقولَهُ لَهُ.

فقالَ لَهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ: واللهِ ما نُريدُ حَرْبَهُ، وما لَنا بِذَلِكَ مِنْ طاقَةٍ. هَذا بَيْتُ اللهِ الحَرامِ، وبَيْتُ خَليلِهِ إبْراهيمَ عَلَيْه السَّلامُ، فإنْ يَمْنَعْهُ مِنْه، فَهُوَ بَيْتُهُ وحَرَمُهُ، وإنْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ، فَواللهِ ما عِنْدَنَا دَفْعٌ عَنْه. فَقالَ لَهُ حَناطَةُ: فانْطَلِقْ مَعِي إلَى أَبْرَهَةَ: فإنَّهُ قَدْ أَمَرنِي أَنْ آتِيَهُ بِكَ.

فانْطَلَقَ مَعَهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ، ومَعَهُ بَعْضُ بَنيهِ حَتَّى أَتَى العَسْكَر، فَأَذِنَ لَهُ أَبْرَهَةُ بالدُّخولِ عَلَيْهِ. وكانَ عَبْدُ المُطَّلِبِ أَوْسَمَ النَّاسِ وأَجْمَلَهُم وأَعْظَمَهُم، فَلَمَّا رَآه أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ وأَعْظَمَهُ وأَكْرَمَهُ، ثُمَّ قَال لِتُرْجُمانِهِ: قُلْ لَهُ: ما هِيَ حاجَتُكَ؟ فَقَالَ لَهُ التُرْجُمانُ ذَلِكَ، فَقالَ: حاجَتِي أَنْ يَرُدَّ علَيَّ المَلِكُ مِئَتَيْ بَعيرٍ أَخَذَها لِي.

 

فَلَمَّا قالَ لَهُ ذَلِكَ، قالَ أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمانِهِ: قُلْ لَهُ: قَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُك، ثُمَّ قَدْ زَهِدْتُ فيكَ حِينَ كَلَّمْتَني، أَتُكَلِّمُنِي في مِئَتَيْ بَعيرٍ لَكَ تُريدُ اسْتِرْجاعَها، وتَتْرُكُ بيتًا هو دينُك ودينُ آبائِكَ قَدْ جِئْتُ لأَهْدِمَه فَلا تُكَلِّمُني فيهِ؟!

قالَ لَهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ: إنِّي أَنا رَبُّ الإِبِلِ، وإنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَحْمِيه. قَال: ما كانَ لِيَمْنَعَهُ مِنِّي قالَ: أَنْتَ وذَلِكَ. فردَّ أَبْرَهَةُ علَى عَبْدِ المُطَّلِبِ إِبِلَهُ.

فَلَمَّا رَجَع عَبْدُ المُطَّلِبِ إلَى قُرَيْشٍ، أَخْبَرَهُمْ بالّذي جَرَى بَيْنَه وبَيْنَ أَبْرَهَةَ، وأَمَرَهُم بالخُروجِ مِنْ مَكَّةَ، والتَّحَرُّزِ في رُؤوسِ الجِبالِ، والشِّعابِ، تَخَوُّفًا عَلَيْهِم مِنْ بَطْشِ الجَيْشِ. ثُمَّ قامَ عَبْدُ المُطَّلِبِ فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بابِ الكَعْبَةِ، وقامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِن قُرَيْشٍ يَدْعونَ اللهَ، ويَسْتَنْصِرونَهُ علَى أَبْرَهَةَ وجُنْدِه.

 

ثُمَّ تَرَكَ عَبْدُ المُطَّلِبِ حَلْقَةَ بابِ الكَعْبَةِ، وانْطَلَقَ هُوَ ومَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إلى رُؤوسِ الجِبالِ، فَاحْتَمَوْا فيها يَنْتَظرونَ ما أَبْرَهَةُ فاعِلٌ بِمَكَّةَ إذا دَخَلَها.

فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهيَّأ لِدُخولِ مَكَّةَ، وهيَّأَ فِيلَهُ، وعبَّأ جَيْشَه، وهو عازمٌ علَى هَدْمِ الكَعْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَعودَ إلَى اليَمَنِ.

وعِنْدَما أَمَرَ أَبْرَهَةُ جَيْشَهُ بالتَّوَجُّهِ نَحْوَ مَكَّةَ لِهَدْمِ الكَعْبَةِ، فُوجِئَ الجَيْشُ بأَنَّ الفِيلَ يَبْرُكُ إذا وَجَّهوهُ نَحْو مَكَّةَ. وقاموا بِضَرْبِهِ للسَّيْرِ نَحْوَ مَكَّةَ، ولَكِنْ وَجَدوا أَنَّهُ لا يَنْفَعُ ضَرْبُهُمْ لَهُ لإجْبارِهِ علَى القِيامِ للسَّيْرِ نَحْوَ مَكَّةَ، وإنَّه إذا وَجَّهوهُ إلَى اليَمَنِ للرُّجوعِ، أَوْ إلَى الشَّامِ قامَ يُهَرْوِلُ.

 

وبَيْنَما هُمْ يُحاوِلونَ إجْبارَ الفيلِ للسَّيْرِ نَحْوَ مَكَّةَ، والجَيْشُ القَوِيُّ المُدَجَّجُ بالسِّلاحِ، المُغْتَرُّ بِقُوَّتِهِ وجَبَروتِه واقِفٌ، إِذْ أَرْسَلَ اللهُ تعالَى عَلَيْهِم طُيورًا مِنْ جِهَةِ البَحْرِ أَمثالَ الخَطاطِيفِ، يَحْمِلُ كُلُّ طائِرٍ مِنْها ثَلاثَةَ أَحْجارٍ، حَجَرًا في مِنْقارِهِ، وحَجَرَيْنِ في رِجْلَيْه، بِحَجْمِ حَبَّةَ الحِمَّصِ والعَدَسِ، وأَلْقَتْهَا عَلَى الجَيْشِ، فَكانَتْ لا تُصيبُ مِنْهم أَحدًا إلاَّ هَلَكَ.

فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ مِنْهُم، وفَرَّ الباقونَ هارِبينَ، يَسْلُكونَ الطَّريقَ الّذي جاءُوا مِنْه، ولكنَّهُم بَدَءوا يَتَساقَطونَ في الطَّريقِ، يَموتونَ الواحدُ تِلْوَ الآخَرِ.

لَقَدْ أُصيبَ أَبْرَهَةُ في صَدْرِهِ، فَخَرجوا بِهِ مَعَهُم تَسْقُطُ أَنامِلُهُ أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً، ويَتَناثَرُ جَسَدُهُ، حَتَّى قَدِموا بِهِ صَنْعَاء وهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّائِرِ، فَما مَاتَ حَتَّى انْشَقَّ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِه.

 

في هَذا العامِ الّذي أَهْلَكَ اللهُ فيهِ أَبْرَهَةَ الطَّاغِيَةَ الظَّالِمَ، وُلِدَ مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، لِيَكونَ في مَوْلِدِهِ ثُمَّ في بَعْثَتِهِ نِهايَةُ الظُلْمِ والطُّغيانِ.

وتِلْكَ نِعْمَةٌ أَنْعَمَ اللهُ بِها علَى قُرَيْشٍ وعلَى العَرَبِ قاطِبَةً، بَلْ علَى النَّاسِ أَجْمَعين، وهَذا ما جَعَلَ القُرْآنَ الكَريمَ يُذَكِّرُ العَرَبَ والنَّاسَ أَجْمَعِينَ بِهَذِهِ الحادِثَةِ ويَمُنُّ عَلَيْهم بِها، فقالَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل 1 – 5).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى