إسهامات علماء المسلمين في المجالات العلمية
2002 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثالث عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
إسهامات علماء المسلمين في المجالات العلمية التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
قدم علماء الحضارة الإسلامية مآثر ذات قيمة معرفية وتطبيقية في تاريخ الحضارة الإنسانية.
وتشكل إنجازاتهم العلمية أساسا لكثير من المباحث التي تعامل اليوم كعلوم تخصصية مستقلة نظرا لاتساع دائرة البحث في موضوعاتها.
ففي مجال الرياضيات وضع الخوارزمي معادلة جبرية تصلح لإيجاد حلول خاصة لمسائل متشابهة، واستطاع أن يتوصل إلى علم جديد يضيفه للمعرفة هو علم الجبر الذي ظل محتفظا بلفظه العربي في كل اللغات.
ويرجع الفضل إلى العرب في تطوير وتعميم منظومة الأرقام العربية (0987654321) التي نستخدمها إلى اليوم، ونظام الخانات أو المراتب العشرية، وفكرة الصفر الذي أخذ من لفظه العربي جميع الألفاظ المقابلة له في اللغات العالمية.
وهذه الأشياء، التي تبدو اليوم بسيطة مألوفة، هي من أعظم المبتكرات الإنسانية، التي لولاها ما تقدم أي علم من العلوم الحديثة، ولما أمكن ابتكار الحاسبات الآلية وكل ما تفرع منها من مخترعات وتقنيات رقمية، ولما أمكن ارتياد الفضاء.
وواصل العلماء بعد الخوارزمي عملية التعميم للكيانات الرياضية، سواء كانت خطوطا هندسية أو أرقاما عددية.
فأضاف ثابت بن قرة تعميما لنظرية فيثاغورس يصلح لأي مثلث، وبرع عمر الخيام في تصنيف المعادلات ذات الدرجة الثالثة والرابعة وحلها. وظل هذا المنهج أسلوبا لفكر الرياضيين حتى أصبح من أهم خصائص المعرفة العلمية.
وفي مجال الفيزياء سبق علماء الحضارة الإسلامية إلى تحديد الكثير من المفاهيم العلمية في ميادين الميكانيكا والبصريات والصوتيات وخواص المواد الصلبة والسائلة والغازية.
وقدم العلماء المسلمون لأول مرة في تاريخ العلم أساسا مقبولا لتفسير السقوط الحر للأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية.
وهم قد تركوا في ذلك مؤلفات عديدة، منها: «كتاب الجوهرتين العتيقتين» للهمداني، وكتاب «ميزان الحكمة» للخازني، وكتاب «الشفاء» وكتاب «المناظر»، وكتاب «التحصيل» لابن المرزبان، وغيرها.
وفي مجال الكيمياء أجمع المؤرخون على أنها تحولت في عصر النهضة الإسلامية من «الصنعة» الخرافية إلى العلم التجريبي بفضل علماء أفذاذ، أمثال جابر بن حيان، وأبو بكر الرازي، والجلدكي، وغيرهم.
وعرف هؤلاء العلماء العديد من العمليات الكيميائية كالترشيح والتبخير والتصعيد والتقطير الجزئي والتبلور.
وهم قد استخدموا في ذلك الأدوات والأجهزة، فتجاوزوا حدود الآراء النظرية والتأملات الفلسفية المميزة لعلوم الإغريق والهنود.
وفي مجال الفلك والأرصاد الجوية وضع علماء المسلمين أصول الكثير من النظريات الحديثة عن الظواهر الجوية والفلكية، كما اهتموا بوضع الأزياج (الجداول الفلكية والرياضية)، التي كان لها دور بالغ الأهمية في النتائج التي جمعها «تيكوبراهي»، واستخدمها من بعده «كبلر» في صياغة قوانينه المشهورة عن حركة الكواكب.
وعلى هذه الأسس تقدمت علوم الفلك والأرصاد. وصاحب ذلك ازدهار في الملاحة في البحرين الأبيض والأحمر وفي المحيطين الهندي والهادي، وظلت اختصاصا عربيا إسلاميا حتى مطلع العصور الحديثة.
وفي مجال الطب أخذ علماء المسلمين بنظام التخصص، واهتموا بعلم التشريح والتشريح المقارن، واعتمدوا في استخلاص النتائج على المشاهدات والتجارب.
كذلك اهتموا بعلم الجراحة وأظهروا دراية فائقة بجراحة الأجزاء الدقيقة من الجسم الأعصاب والعظام والعيون والأذن والأسنان واستئصال الأورام الخبيثة
وهم قد اكتشفوا العديد من الأمراض، ووصفوا أعراضها وطرق علاجها، وقدموا خدمات جليلة للحضارة الإنسانية تتمثل في إنشاء المستشفيات وكتابة العديد من المؤلفات القيمة التي نهلت منها أوروبا.
وظل معظمها يدرس في جامعات الغرب حتى عهد قريب، مثل كتاب «الحاوي» لأبي بكر الرازي، و«القانون» لابن سينا، و«التصريف» للزهراوي، و«شرح تشريح القانون» لابن النفسي».
ويزخر تراث المسلمين العلمي أيضا بمؤلفات في علم الأوبئة منها «رسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الأوباء» للكندي، و«فنون المنون في الوباء والطاعون» لابن المبرد، و«رسالة في تأثير فصل الربيع وتغير الهواء تبعا لذلك» لأبي بكر الرازي، و«كتاب دفع مضار الأبدان بأرض مصر» لابن رضوان، وكتاب «مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرر من ضرر الأوباء» لمحمد بن أحمد التميمي.
وكان تقدم العلوم الصيدلية مواكبا لتطور علوم الطب، فظهر علم «الأقرباذين»، أو «دستور الأدوية»، الذي كان يعني بادئ الأمر تركيب الأدوية المفردة وقوانينها، وأصبح يعني في العصر الحديث علم طبائع الأدوية وخواصها.
واكتشف علماء المسلمين العديد من العقاقير التي لا تزال تحتفظ بأسمائها العربية في اللغات الأجنبية، مثل الحناء والحنظل والكأفور، وغيرها.
وفي مجال العلوم البيطرية أو طب الحيوان، اهتم علماء المسلمين بالثروة الحيوانية وكل ما يتعلق بتطويرها ونمائها، وتضمنت مؤلفاتهم دراسات قيمة تتعلق بتغذية الحيوان وتربيته ومداواته من الأمراض التي تصيبه.
ويعترف العالم بإسهامات المسلمين في مجال تحسين النسل الوراثي عن طريق انتقاء صفات وراثية معينة، وذلك من خلال حرصهم على أنساب الخيول العربية بحصر التزاوج بينها وبين أفراس أصيلة ذات صفات وراثية متميزة.
وكان لهذا الأسلوب الوراثي أكبر الأثر في لفت الأنظار بعد ذلك إلى استيراد الخيول العربية، ودخولها في التهجين مع سلالات أخرى لرفد جيناتها بخصائصها الفذة.
وفي مجال علوم الأرض صنف علماء المسلمين مؤلفات عديدة عن تقويم البلدان، وتحدثوا عن العصور الجيولوجية، ووصفوا تكون الجبال والصخور بأنواعها، وحدوث الزلازل، وما يطرأ على اليابسة والماء من تطورات خلال الأزمنة الجيولوجية المتعاقبة.
كذلك اهتم علماء المسلمين بالمناجم وتوزيع المعادن في أنحاء الكرة الأرضية، وأولوا عناية فائقة للمياه الجوفية وطرق استخراجها والإفادة منها على نحو ما جاء في كتاب «إنباط المياه الخفية» للكرجي.
أما في علم التربة (أو البيدولوجيا) فنجد أصوله في كتاب «جامع فرائد الملاحة في جوامع فوائد الفلاحة» لرضي الدين الغزي الذي تحدث بإسهاب عن نظرية تكوين التربة.
ووصف بوضوح تام الفروق المميزة بين ما يعرف باسم «التربة السطحية» و«التربة التحتية» و«التربة المنقولة»، وربط حالة التربة وخصوبتها بمجموعة من العوامل الفيزيائية تشمل الحرارة والرطوبة والكثافة الظاهرية باعتبارها مقياسا للانتفاش أو المسامية.
ومن ناحية أخرى، في مجال التكنولوجيا (التقانة) أسهم علماء المسلمين في تطوير واستحداث تقنيات عديدة شملت الآلات والتجهيزات الميكانيكية التي تعتمد على حركة الهواء، أو حركة السوائل واتزانها، والصمامات الآلية ذات التشغيل المتباطىء، والأنظمة التي تعمل من بعد بطريقة التحكم الآلي، والأجهزة والأدوات العلمية، والجسور والقناطر المائية، والهندسات والزخارف المعمارية، وغيرها.
ومن أمثلة مؤلفاتهم في مجال التقنيات الهندسية الميكانيكية نذكر «كتاب الحيل» لبني موسى بن شاكر، وكتاب «الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل» لبديع الزمان الجزري، وكتاب «الأسرار في نتائج الأفكار» لابن خلف المرادي.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]