علوم الأرض والجيولوجيا

النظريات المفسرة لـ”نشأة الغلاف الجوي”

1998 الموسوعة الجيولوجية الجزء الخامس

ترجمة أ.د عبد الله الغنيم واخرون

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

نشأة الغلاف الجوي الغلاف الجوي علوم الأرض والجيولوجيا

تشير النظريات الحديثة إلى أن الغلاف الجوي لكوكب الأرض قد تكوّن في وقت مبكر جداً من تاريخ هذه الأرض.

وبعد نشأة الحياة على الأرض فإن العمليات الحيوية – البيولوجية – أصبحت هي العامل الرئيسي والمؤثر في تركيب الغلاف الجوي. ويشكل الغلاف الجوي الذي يحيط بكوكب الأرض قشرة رقيقة جداً.

ولا تتجاوز كتلة الغلاف الجوي واحداً في المليون من كتلة الأرض الصلبة، حتى إن كثافة هذا الغلاف عند مستوى سطح الأرض تقل عن واحد في الألف من كثافة الصخور.

 

وتقدّر كتلة الغلاف الجوي بحوال (5.136 ± 0.007) × 10 21 جرام (جدول 1 ).

ويقل سمك الغلاف الجوي فوق سطح الأرض عن واحد في المائة من نصف قطر الأرض، كما أن 97% من كتلة الغلاف الجوي تقع تحت ارتفاع 29 كيلومتراً.

ولقد بحث العلماء في كيفية نشوء الغلاف الجوي، وحاولوا تفهم ما طرأ على التركيب الكيميائي للغلاف الجوي من تغيير عبر العصور الجيولوجية المتعاقبة.

ولم يكن هذا بالأمر السهل لاستحالة الحصول على عيّنات من الغلاف الجوي خلال الأزمنة الغابرة، ومع هذا فإن الحصول على هذا المطلب لم يكن ميئوساً منه.

 

فنشأة الحياة، ووجود الحيوانات منذ أكثر من 600.000.000 سنة، والعلامات التي بقيت على الرواسب القديمة نتيجة لتفاعل الغلاف الجوي مع الصخور، وطبيعة الغازات البركانية خلال حقب الحياة القديمة، كلّها أدّت إلى تزويد العلماء والباحثين ببعض المعلومات حول تطور الغلاف الجوي.

وعلى أية حال فإنه لا يمكننا بمثل هذه المعلومات أن نحلّ جميع الألغاز الخاصة بتاريخ الغلاف الجوي للأرض.

وقد يكون من الأفضل أن نعرّف المشكلة بشيء من الدقة قبل أن نحاول إيجاد الحلول لها. فالغلاف الجوي يحتوي حالياً على عدد بسيط من المكوّنات الرئيسية وعلى عدد كبير جداً من المكوّنات الثانوية – حسبما هو موضح في الجدول السابق (رقم 1 ) .

 

ولكلٍّ من هذه المكوّنات ضغطه الخاص به. فلبعض هذه المكوّنات ضغط ثابت عند مستوى سطح الأرض، وللبعض الآخر ضغط متغيّر في الزمان والمكان.

ففي الوقت الحاضر، على سبيل المثال – يمكن أن توجد بعض الغازات مثل: الأمونيا، والميثان، (CH4) والهيدروجين في الغلاف الجوي على شكل «أثر» فقط لأن مثل هذه الغازات تكون غير مستقرة بسبب وجود الأكسجين بكميات كبيرة في الوقت الحاضر.

في حين أن الأكسجين ما كان ليشكل عنصراً رئيسياً في الغلاف الجوي في الأزمنة الماضية، عندما كانت غازات المثيان والأمونيا والهيدروجين توجد بكميات وفيرة.

 

أصل الأكسجين:

إن أصل الأكسجين ووجوده في الغلاف الجوي للأرض كان ولا يزال محلّ جدل خلال عدة عقود.

وقد سادت نظريتان وصولاً لحلول علمية لهذه المشكلة.. تقول النظرية الأولى إن الأكسجين قد نتج عن عملية البناء الضوئي خلال العصور الجيولوجية المتعاقبة، حيث ينفصل الكربون عن الأكسجين في ثاني أكسيد الكربون، ويمكن التعبير عن ذلك بالمعادلة التالية:

ويسير هذا التفاعل في الاتجاه المعاكس أيضاً أثناء تحلل النباتات وتنفس الحيوانات.

 

وعلى هذا فإن معظم الأكسجين الذي ينتج عن عملية البناء الضوئي يُستهلك ثانية بواسطة تحلل النباتات وتنفس الحيوانات.

أما الكمية الصغيرة الباقية من الأكسجين فهي المسؤولة عن وجود الأكسجين بهذه الكمية الكبيرة نسبياً في الوقت الحاضر.

وتقول النظرية الثانية إن الأكسجين الحرّ ينتج عن الأشعة فوق البنفسجية التي تعمل على تفكك جزيئات الماء إلى أكسجين وهيدروجين في الجزء العلوي من الغلاف الجوي، إلا أن معظم هذين العنصرين يتحدان من جديد.

 

ولما كانت كتلة ذرة الأكسجين تزيد 16 مرة عن كتلة ذرة الهيدروجين، فإن ذرات الهيدروجين بسبب خفة وزنها تفلت من الغلاف الجوي، وتبقى ذرات الأكسجين.

فالاكسجين الحر نشأ إذن من تحلل بخار الماء وانفلات غاز الهيدروجين. غير أن هناك عاملاً آخر يحدّ من إنتاج الأكسجين، ألا وهو وجود الأوزون (3).

 فهذا الغاز – كما هو معروف – يمتص الأشعة فوق البنفسجية، ويمنع جزءاً كبيراً من هذه الأشعة من الوصول إلى الطبقات السفلى من الغلاف الجوي حيث توجد كميات كبيرة من بخار الماء.

 

الشواهد الحيوية – البيولوجية:

إن الفرضية التي تقول بأن التركيز العالي لغاز الأكسجين في الغلاف الجوي في الوقت الحاضر يعود لإنتاج الأكسجين بفعل عملية البناء الضوئي، لتدل على أن جو الأرض كان يحتوي على نسبة ضئيلة من الأكسجين قبيل وجود عملية البناء الضوئي.

ومن المحتمل جداً أن تكون الحياة قد نشأت في وقت مبكر جداً من تاريخ الأرض.

فالصخور الرسوبية التي اكتشفت في جبل باربيرتون (Barbeton) في جنوب أفريقيا تعتبر أقدم صخور الأرض حيث يعود عمرها إلى حوال 3.3 ×10 9 سنة.

 

وتحتوي هذه الصخور على قطع من الفحم بالغة الصغر، والتي قد تكون حسب رأي موير (M. Muir) ذات منشأ حيوي.

فالأحجار الجيرية في جنوب أفريقية، والتي يعود تاريخ وجودها إلى نفس الحقبة الزمنية، تحتوي على النسيج الضام الذي هو على الأغلب بقايا طحالب جيرية. وعلى هذا الأساس فإنه من المحتمل أن تكون الحياة قد بدأت منذ أكثر من 3 ×10 9 سنة.

وعلى أية حال، فإنه لم يعرف بعد متى تطورت الكائنات الحية حتى أصبح بإمكانها إنتاج الأكسجين، غير أن الشواهد التي تركتها الصخور الرسوبية تدل على أن ذلك حدث منذ أكثر من 2 × 10 9 سنة.

 

وقد افترض كل من بركنر (L. V. Berdner) ومارشال (L. C. Marshal) أن الحياة النباتية والحيوانية التي نشأت على اليابسة منذ حوالي 400 × 10 6 سنة قد حدثت عندما بلغ مستوى ضغط الأكسجين حواليقيمته الحالية، لأنه في مثل هذا المستوى فإن شدة الأشعة فوق البنفسجية التي تصل من الشمس إلى الأرض تكون بطيئة إلى الحد الذي لم تعد معه تسبب خطراً على الحياة.

ومع أن هذه الفرضية قد لا تعدو كونها مجرّد تصوّر مثير، إلا أن وجود الحيوانات، وهي التي تستهلك الأكسجين، ليدل على أن مستويات الأكسجين في الجو خلال الـ 400 × 10 6 سنة الماضية لم تقل عن قيمتها الحالية.

 

الشواهد التي تركتها الرواسب:

نجد في عصرنا الحاضر أن تأكسد الصخور على سطح الأرض منتشر على نطاق واسع.

ولو أن الأكسجين لم يكن موجوداً في الأزمنة الغابرة. فإننا نتوقع أن تكون المعادن في الرواسب القديمة أقل تأكسداً.

والمعادن مثل الحديد والمنجنيز واليورانيوم والكبريت هي من بين العناصر التي تستجيب في ايامنا هذه بسرعة لعملية الأكسدة.

 

فأكسيد اليورانيوم (UO2) – على سبيل المثال – يتفاعل بسرعة مع الأكسجين ليكوّن أنواعاً متعددة من أكاسيد اليورانيوم.

وتدل المشاهدات على أن الجو منذ حوالي 2 ×10 9 و 3 ×10 9 سنة كان على الأرجح اقل قدرة على أكسدة العناصر مما هو عليه في الوقت الحاضر، ومع هذا فقد كان كافياً لأكسدة الحديد وتكوين أكاسيد الحديد التي تراكمت على نطاق واسع.

 

الشواهد من انبثاق الغازات:

أوضح روبي (W. W. Rubey) أن العديد من المكوّنات المتطايرة للغلاف الجوي والمحيطات لا يمكن أن يكون مصدرها تجوية الصخور النارية (البركانية).

وقد بيّن أن تصاعد هذه المكوّنات المتطايرة كان نتيجة لغليانها في باطن الأرض عبر تاريخها الطويل. وتعتبر ثورة البراكين في عصرنا الحاضر، بالإضافة إلى انبثاق مياه النافورات الحارة شاهداً على ذلك.

وتتكون الغازات التي تتصاعد عن انبثاق المصهورات البركانية على سطح الأرض بشكل رئيسي من: الماء وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت والهيدروجين وأول أكسيد الكربون والنيتروجين. ويوضح جدول (2) نسب الغازات لصادرة عن بركان جزر هاواي.

 

ويتضح مما سبق أن الاكسجين الحر يكاد يكون لا وجود له، فضغط الأكسجين في هذه الغازات حوال 10 -7 ضغط جوي.

ويلاحظ من الجدول أن غاز ثاني أكسيد الكربون يلي الماء من حيث نسبة وجوده في هذه الغازات، في حين أن نسبة وجود هذا الغاز في الغلاف الجوي وفي المحيطات صغيرة جداً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى