شخصيّات

اهتمام الدكتورة “ولترود” بالمكفوفين ومساهماتها البنّاءة في تغيير حياتهم

1995 نساء مخترعات

الأستاذ فرج موسى

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

المكفوفين الدكتورة ولترود شويخارت شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

ولكن لماذا تبدو الدكتورة ((ولترود)) مهتمة إلى هذا الحد بالمكفوفين ومشاكلهم؟ وربما تؤدي المصادفة المحضة في بعض الحالات إلى القيام بهذه الرسالة، وذلك ما حدث مع ولترود.

وعندما نسمعها تحكي القصة بنفسها كانت تقول: ((في عام 1972، وكنت قد انتهيت توا من حصولي على الدرجة الجامعية في الرياضيات، عندما اتصل بي مديرو المعهد الألماني لتعليم المكفوفين.

وقد طرحوا مؤخرا مقررات دراسية بالمراسلة للأطفال المكفوفين، وكانوا يبحثون عن طرق لتدريس الهندسة.

 

كانوا يفكرون في استخدام شرائط الكاسيت في التدريس، وطلبوا مني أن اقوم بتسجيل دروس لإتمام كتاب مطبوع بطريقة بريل، المسماة باسم الرجل الفرنسي لويس بريل الذي اخترعها، وتقديم الشرح الكافي لها)).

وبعد عدة سنوات، وبينما كانت الدكتورة ((ولترود)) تقوم بتدريس الرياضيات في إحدى مدارس تعليم الكبار، طلب منها إعداد مقرر آخر خاص بالمكفوفين.

وتشرح الدكتورة ((ولترود)) هذا الأمر فتقول: ((لقد أظهرت تجاربي العديدة مع المكفوفين مدى الصعوبة التي يواجهونها في تخيل شكل هندسي، وبالتالي في رسمه.

 

ومع ذلك، فإن كثيرا منهم كان يحلم بالانخراط في عمل أو وظيفة علمية. وحتى ذاك الوقت، كانت هناك أعمال محددة متاحة للمعاقين بصريا مثل، صناعة المكانس، وتوصيل الرسائل، ونسج السلال، والرد على الهاتف، وما شابه ذلك.

وفي رأيي، أن الكمبيوتر قدم الحل المثالي للمشاكل العديدة المرتبطة بتعليم المكفوفين. فالكمبيوتر يمكن أن يطيعهم، وينفذ العمليات لهم، ويرسم جميع هذه الأشكال، وجميع الخطوط التي يجدون استحالة في رسمها)).

وتواصل الدكتورة ((ولترود)) شرحها: ((تذكر أن الشخص الكفيف لا يجد أي صعوبة في استخدام لوحة مفاتيح، فبالضبط، كما نرى أن الناس العاديين لا يحتاجون للنظر إلى المفاتيح عندما يستخدمون الآلة الكاتبة.

 

ولهذا كان الأمر ببساطة، هو إيجاد طريقة لتحويل الصورة على شاشة الكمبيوتر – الحروف، والأرقام، والرسومات – إلى نظام حسي ملموس باستخدام جهاز خاص.

وبما أنني مقتنعة بأن المكفوفين يجب ألا ينحوا جانبا، لهذا يجب أن يصبحوا قادرين على الدراسة جنبا إلى جنب مع الآخرين.

ففي المستقبل، ستزود جميع المدارس بأجهزة الكمبيوتر، وسيتيسر لكل فرد الوصول إلى عالم الكمبيوتر. ولهذا كانت قناعتي بأن الكفيف لن يحتاج أكثر من نظام مساعد لأداء المهمة)).

 

وفي عام 1977، انضمت الدكتورة ((ولترود)) إلى فريق عمل بقيادة البروفسير «R.Gunzenhauser» مدير معهد علوم الكمبيوتر بجامعة ((شتوتجارت))، الذي دعم مشروعها في الحال.

((وهكذا بدأت العمل في بحثي، وبعد فترة قليلة أصبحت مسؤولة عن فريق يتكون من أربعة، منهم السيد ((الفريد فيرنر))، وهو مبرمج كفيف)).

وانحصرت هذه التجربة العظيمة المثيرة للدكتورة ((ولترود)) وفريقها في فترتين زمنيتين. ففي أثناء الفترة الأولى – ما بين عام 1978، 1981 – أكملت رسالتها الخاصة بالدكتوراة، وابتكرت ((أسلوبا تعليميا وبيئة عمل للمكفوفين أساسهما الكمبيوتر))، حيث اخترعت جهازين مختلفين يستطيع الكفيف استخدامهما – كل على حدة – حسب الحاجات الخاصة لكل منهم في ذاك الوقت.

 

وكلا الجهازين متصلين بكمبيوتر شخصي تقليدي موديل (IBM 5110). الجهاز الأول هو طابعة إليكترونية بطريقة ((بريل)).

أما الثاني فهو عبارة عن جهاز بدون ورق، يستطيع الكفيف الذي يعرف طريقة بريل أن يقرأ سطحه، لأن العلامات مجهزة بنفس طريقة ((بريل)) مع استبدال النقاط الناتئة بدبابيس معدنية قابلة للانسحاب.

كما أضافت المخترعة أيضا دبوسين بارزين لكل رمز من رموز ((بريل))، ولهذا أصبح عدد الرموز 256 بدلا من 64 رمزا. وساعد هذا التعديل على توضيح الحروف الكبيرة والمائلة، وكذلك الأفكار الأساسية الأخرى الخاصة بلغة الكمبيوتر.

 

وكلمة ختامية، قامت الدكتورة ((ولترود)) بصياغة أنظمة التعليمات المطلوبة لتشغيل هذين الجهازين، بالإضافة إلى إعداد سلسلة من البرامج، من ضمنها دروس في الهندسة فصلت خصيصا حسب حاجات المكفوفين.

وفي عام 1982، انضمت الدكتورة ((ولترود)) إلى صفوف الرواد على المستوى العالمي، وكانت في الحقيقة أول شخصية تتمكن من تطوير نظام الدبابيس الموصوف فيما تقدم وإتقانه، إلى درجة لا يستطيع الكفيف معها أن يقرأ النص وحسب.

بل أن يعرف الرسومات والخطوط البسيطة أيضا، بل حتى التمييز بين ألوانها. وقد أطلقت على نظامها الجديد اسم مصفوفة الدبابيس «Pin Matrix».

 

وفي اختراع من هذا النوع، يكون من الصعب جدا الفصل أو التمييز بين الجزئيات الملازمة للجهاز عن الجزيئات الملازمة للبرنامج.

فالدكتورة ((ولترود)) لم تقم فقط بصياغة البرامج الخاصة لمصفوفة الدبابيس رفيعة التطور هذه وحسب، بل قامت أيضا بتوفير تفصيلات لا حدود لها تتعلق ببناء الجهاز نفسه، والذي قامت بصنعه شركة من شركات ألمانيا الغربية.

ومع تحفظات كل الذين يزعمون علمهم بعالم المكفوفين، والذين ينكرون فائدة هذا النظام الجديد، فإن اختراع ((ولترود)) يعد إسهاما رئيسيا حقا لرفاهية المكفوفين.

 

وهذا يتجلى بصفة خاصة منذ ظهور ((الفيديو تيكست))، الذي يوفر خدمة عامة تعرض مجموعة من المعلومات على شاشة تليفزيون.

وفي المستقبل، سوف يزيد ((الفيديو تيكست)) من استخدام الرسومات والأشكال البيانية الملونة لتوضيح الحركات في الأسواق المالية، ونتائج الانتخابات، والإحصاءات، وما شابه ذلك.

والنموذج الأصلي لجهاز «Pin Matrix» مصفوفة الدبابيس الذي اخترعته الدكتورة ((ولترود))، كان قد تم صنعه في عام 1985، وركب في معهد علوم الكمبيوتر بجامعة ((شتوتجارت)).

 

ولكن كيف يعمل هذا الجهاز؟ إنه مجموعة من الدبابيس ترتفع وتنخفض على سطح الآلة، وتتحرك إلى أعلى وإلى أسفل تحت أصابع الكفيف. فبمجرد لمس الدبابيس، يبدأ الحوار بين الكفيف والكمبيوتر، وينتهي ((برؤية)) الخطوط، والأشكال، وحتى الألوان.

فإذا أخبر الكفيف الكمبيوتر، مثلا، عن كلمة ((أحمر))، فإن كل الأشكال الحمراء الموجودة بالصورة تصل إلى الكفيف بلغة اللمس!

بل الأفضل من ذلك، أن الآلة تمكنه من الشعور بالأضواء المتحركة. فدوران المنارة عند طرف عمود، أو وميض إشارات النيون على قمة مبنى يمكن أن تحاكى بالارتفاع والانخفاض المتكرر للدبابيس.

 

ويحتوي هذا الجهاز على نحو (7000) دبوس موزعة على سطح بمساحة 37×18 سم. والبرنامج الذي قامت بتصميمه ((ولترود))، يجعل من الممكن تشغيل كل دبوس على حده.

وقد أمدت هذه الطريقة الجديدة تماما، المعاق بدرجة إدراك حسي عالية للغاية، ومكنته من عقد حوار معقد مع الكمبيوتر، والحصول منه على إجابات كاملة ومفصلة.

وكما تقول الدكتورة ((ولترود)) : ((إنني سعيدة للغاية بهذه النتائج. ويوما ما، سوف يأتي أناس آخرون ويحسنون هذا الجهاز ويجعلون منه نافذة كبيرة يطل منها المعاقون بصريا على العالم)).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى