البيولوجيا وعلوم الحياة

دور الأسواط في خلية “الإيشـريشيا كولاي”

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الأسواط خلية الإيشريشيا كولاي البيولوجيا وعلوم الحياة

يؤثر الحجم الصغير لخلايا الإيشـريشيا كولاي تأثيراً عميقاً على الطريقة التي تتفاعل بها مع ما يحيطها من أشياء. حيث لا تشكل الجاذبية بالنسبة لهذه الخلايا نفس ما تمثله في حياتنا كقوة عظمى.

وبدلاً من الجاذبية، فإن الضغط المستمر من جزيئات الماء المحيطة بالخلايا يكون أكثر أهمية. ففي حالة الأحجام الصغيرة، فإن الماء لا يكون هو ذلك السائل المتدفق الذي نعرفه.

 

فعلى سبيل المثال تستطيع الحشرات الصغيرة أن تنزلق على سطح بحيرة وذلك نتيجة لإحدى خواص الماء المألوفة لنا وهي التوتر السطحي (Surface Tension). 

ولكننا لو حاولنا أن نفعل ما تفعله تلك الحشرات الصغيرة، فإن الأوزان الهائلة لأجسامنا سوف تتغلب على قوى التوتر السطحي الطفيفية للماء.

وسنجد أنفسنا نغوص إلى أسفل الماء. ويزداد تأثير هذه الإختلافات في حالة الخلايا. حيث تعيش الخلايا في عالم ثخين ولزج من الماء، غير واعٍ غالباً بالجاذبية.

 

وعند انتقال الخلايا من مكان لآخر، فإنها تنفق أغلب طاقتها في محاولة الدفع بنفسها خلال هذا السائل اللزج، وليس لكي ترفع جسمها من على الأرض.

على سبيل المثال، تحدث إي.إم. بيرسل (E. M. Purcell) عن ملاحظة مثيرة للدهشة في محاضرة ألقاها عام 1976 تحت عنوان "الحياة عند رقم رينولدز أقل"(Life at Low Reynolds Number).  

حيث أوضح أن خلايا الإيشريشيا كولاي يمكنها أن تسبح باستخدام أسواط طويلة حلزونية الشكل تعمل مثل المراوح الدافعة (Propellers) بالطائرات أو السفن.

 

وتستطيع هذه الخلايا أن تشق طريقها في الماء، بحث تتحرك بسرعة 30 ميكرومترا في الثانية (تمثل مسافة 30 ميكرومترا 10 أو 15 مرة طول الخلية).

ولكن، عند قيام الخلية بإيقاف حركة الأسواط، فإنها لا تستطيع استكمال عملية الإبحار كما يمكن أن تفعل السفينة أو الغواصة. فبدلاً من ذلك يعمل الماء المحيط بالخلايا على إيقاف الخلايا بشكل فوري وقبل أن تكمل مسافة تعادل طول قطر جزىء ماء.

إن محرك الأسواط (Flagellar Motor) هو أحد عجائب عالم الجزيئات الحيوية (شكل 8.4). حيث يمتد هذا المحرك خلال الجدار الخلوي، ويقوم بحركة دورانية تصل إلى 18000 لفة في الدقيقة.

 

شكل 8.4 محرك الأسواط: يتم تحريك الأسواط الطويلة ذات الشكل الحلزوني ((A بواسطة محرك أسواط معقد يتركب من بروتينات المحرك (B) وأسطوانة كبيرة دوارة (C).

ويتم التحكم في محرك الأسواط بواسطة مستشعرات بروتينية، مثل مستقبلات الحمض الأميني أسبارتك (D)، والتي تراقب مستوى المغذيات في الوسط المحيط بالخلية.

وعند الحاجة إلى القيام بفعل ما بواسطة الأسواط، فإن البروتينات الذائبة مثل CheY (E) تقوم بتوصيل إشارة إلى محرك الأسواط.

 

وتنتج كل لفة من سريان حوالي 1000 أيون هيدروجين خلال الغشاء الداخلي للخلية. والشىء المدهش هو أن هذا المحرك يستطيع أن يحرك السوط حركة دورانية في اتجاه عقارب الساعة أو عكسها وذلك تبعاً لحاجة الخلية.

وعندما يقوم المحرك بتوجيه الحركة لاتجاه ما، فإن كل الأسواط تتشابك في حزمة، وتعمل مجتمعة على دفع الخلية فيما يحيط بها من ماء.

ولكن إذا قام المحرك بتغيير اتجاه الحركة، فإن الأسواط تنفصل وتتباعد عن بعضها في إتجاهات مختلفة، مما يؤدي إلى إيقاف حركة الخلية وتعثرها.

 

تواجه البكتيريا مشكلة جادة لإيجاد وجهتها في الوسط الذي توجه فيه. فنظراً لأنها متناهية الصغر، فإنها لا تكون قادرة على توجيه نفسها في الإتجاه الصحيح. حيث لا تستطيع الخلية البكتيرية أن تلقي نظرة على الطريق أمامها لتحدد المكان الذي يوجد به الغذاء.

وبدلاً من ذلك ، فإن خلايا الإيشـريشيا كولاي تستخدم التوافق الفعال ما بين العوم  والتقلّب (Tumbling) والذي تقوم به أسواطها.

فلدى كل خلية مجموعة من المستشعرات (Sensors) التي يمكنها أن تقدر مستوى الغذاء الموجود في المنطقة المجاورة مباشرةً للخلية. ثم تقوم الخلية بالسباحة في اتجاه عشوائي، وتعمل على قياس مستوى المواد المغذية في هذا المكان.

 

وفي حالة استمرار تزايد مستوى المغذيات، فإن الخلية تستمر في السباحة في نفس الاتجاه، حيث أن الأمور تسير هناك بشكل أفضل بالنسبة لها.

وإذا لم يكن ذلك هو الحال، تقوم المستشعرات بإرسال إشارة إلى « محرك الأسواط » لتخبره بأن يقوم بعكس الاتجاه الذي تتحرك فيه الخلية.

وهذا يؤدي إلى تقلب الخلية واتخاذها لاتجاه جديد لكي تعوم فيه متمنيةً أن يكون هذا أفضل من سابقه، وهذا الأسلوب العشوائي الذي تتبعه الخلية يكون كافياً لكي تحصل بواسطته على إحتياجاتها الغذائية في الوسط المائي الغني بأمعائنا.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى