نبذة عن حياة الخليفة الحاكم بأمر الله
1996 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السابع
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الخليفة الحاكم بأمر الله شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
الحاكم بأمر اللّه هو الخليفة الفاطمي السادس. و«الحاكم» هو لقبه، أما اسمه فهو المنصور وكُنْيَتُه أبو علي.
وهو شخصية فريدة اختلف الناس فيها. وصفه البعض بالعبقرية والذكاء.
وقالوا إنه كان عفيفا ناسكا عابدا وإنه كان سابقا لعصره، وإن الناس في ذلك الوقت لم يكونوا يفهمون الغرض من أعماله لذلك ذموُّه.
والبعض قال عنه إنه كان مجنونا وسفَّاكا للدماء، متقلِّبَ الأطوار، أصدر الكثير من الأوامر الغريبة، وظلم الناس والعباد، وإن ديانته لم تكن سليمة. وسوف نحاول أن نجد تفسيرا لهذا الخلاف حول تقييم شخصيته وأعماله.
ولد الحاكم في مدينة القاهرة في يوم 23 ربيع الأول سنة 375 هـ (الموافق 12 أغسطس 985م).
وعندما صار عمره 11 سنة تُوُفِّي والده الخليفة العزيز، فقام رجال الدولة بتعيينة خليفةً بدلا من أبيه. ولما كان صغيرا لا يستطيع إدارة الحكم فقد تم اختيار ثلاثة من رجال الدولة للقيام برعاية الخليفة الصغير والإشراف على شؤون الدولة.
والثلاثة هم: برجوان الصقلبي وكان من خدم العزيز وموظفا كبيرا في البلاط، والحسن ابن عمار المغربي شيخ قبيلة كتامة المغربية وقائد الجيش، ومحمد ابن النعمان كبير القضاة في الدولة الفاطمية.
وكان للحاكم أيضا أخت كبرى عاقلة وذكية اسمها سِتُّ الملك، عَمِلت على رعايته وحمايته من المخاطر. ولكن سرعان مادبَّ الخلاف بين هؤلاء الأوصياء.
وكان الصراع شديدا بين برجوان وابن عمار لأن كلا منهما كان يريد السيطرة على شؤون الحكم وأن يجعل أصحابه هم المسئولين عن الدولة.
ولقد تسبب الصراع بين هؤلاء في الكثير من الأذى والمشاكل. وكان الحاكم واخته الكبري ست الملك غير راضيين عن الذي يحصل.
وعندما أصبح عمر الحاكم 15 سنة تحرك، بمساعدة أخته، للقضاء على استبداد برجوان بالسلطة فأمر بقتله سنة 390هـ (1000م) وانفرد بالسلطة حتى اختفائه سنة 411هـ (1021م)
كان الحاكم شخصية مؤثرة: كان طويل القامة، عريض الصدر، أشهل العينين، ذا صوت ضخم.
وكان يبعث الهيبة في نفس من يراه. وكان عفيفا زاهدا ليس له طمع في أموال الرعية، بل إنه كان كثير الاختلاط بهم، يتجول في الأسواق، ويحادث الناس ويسألهم عن أحوالهم.ويأخذ منهم طلباتهم التي يكتبونها له.
ولقد خفف العديد من الضرائب عن الناس كما ألغى عدد منها مما لا يتفق مع الشريعة.
وقام بالعديد من الأعمال الحضارية الهامة، مثل بناء مسجد راشدة، وإكمال بناء مسجد الحاكم الذي بدأه أبوه، كما أنشأ «دار الحكمة» التي تعتبر أول جامعة في العالم الاسلامي، وأَلْحَقَ بها مكتبة ضخمة.
وكان متواضعا ابتعد عن مظاهر الأبهة والفخامة التي اعتاد عليها الخلفاء الفاطميون. يلبس الملابس البسيطة والعادية ويستخدم الحمير للركوب بدلا من الخيل، وكان يطلب من الناس ألا يلقبونه بالألقاب المُبَالَغ بها.
كما كان يحب التجوال بالليل في الأسواق والشوارع، أو كان يخرج من القصر ويذهب إلى جبل المقطم القريب من القاهرة ويقضي هناك الساعات وحده يتأمل السماء والنجوم.
بقي الحاكم خليفة مدة تزيد قليلا عن العشرين سنة. مارس فيها السلطة بصورة مباشرة واهتم خلالها بكافة أمور الحكم.
وأصدر خلال تلك الفترة العديد من القوانين والرسوم والأحكام الغريبة والصارمة التي لم تكن الحكومات في ذلك العصر تصدر أمثالها، أو إذا اصدرتها لم تكن تنفذها. ولم يَرْضَ الناس عن تلك الأحكام. لذلك اشتكوا منها وعَدُّوها أحكاما غير عادلة أو صادرة عن شخص مجنون
ويمكن أن نقسم هذه الأحكام والأوامر إلى أربعة أقسام:
أولاً: أحكام خاصة بالسلوك العام مثل منع النزهات والحفلات وبعض الأعياد، ومنع الغناء والحفلات، ومنع النساء من الخروج أو الذهاب للأسواق أو الحمامات، ومنع بيع الخمور.
ثانياً: أحكام اقتصادية مثل منع بيع بعض السلع كالملوخية والترمس، وتحريم أكل بعض أصناف الأسماك والقواقع، ومنع ذبح الأبقار إلا في أوقات معينة، وتحديد الأسعار ومصادرة بعض السلع.
ثالثا: اضطهاد أهل الذة (النصارى واليهود من أهل مصر والشام) ويتمثل ذلك في هدم الكنائس والمعابد ومصادرة الأوقاف، وطرد الموظفين المسيحيين واليهود وإجبارهم على الدخول في الإسلام وإجبارهم على لبس ملابس مميزة وتعليق علامات خاصة كالصلبان والأجراس والكرات على صدورهم.
رابعاً: القسوة المفرطة في التعامل مع رجال الدولة من العسكريين والمدنيين. وتحمل لنا كتب التاريخ أسماء العديد من كبار رجال الدولة الذين قتلهم الحاكم أو عذبهم.
وتمثل أعمال الحاكم سرا محيرا للمؤرخين. إذ أنها تمثل تناقضا عجيبا من نواحي عديدة. فمن المؤكد عنه كرمه المتناهي، فقد كان يسرف في إعطاء الهدايا والمنح وكان الناس يتكالبون عليه وهو يتجول بينهم وكان يغدق عليهم بالعطايا والمنح.
وكان عامة الناس يحبونه ولم يكن يخشى على حياته منهم حتى إنه كان يتجول في الأسواق والتلال وحيدا أو مع القليل من الحراس.
ولعب دورا مهما في تخفيف مشاكل الناس في مصر أيام المجاعة. وكان عفيفا عما في أيدي الناس، حتى الأشخاص الذين كان يأمر باعدامهم لم يكن يقوم بالاستيلاء على أموالهم.
والعديد من أعماله تدل على رغبة صادقة في إسعاد الناس ورعاية أحوالهم. ولكن أعماله تدل كذلك على قسوة مفرطة واستخفاف بالأرواح وتعصب ديني ومذهبي.
كما أنه كان شديد التقلب في أوامره ونواهيه إذ كثيراً ما كان يصدر الأمر لعمل ما ثم يأمر بإبطاله ليعود مرة أخرى فيطلب العمل به. ولم يكن أعوانه ورجاله يأمنونه إذ قتل عدد منهم وعذب كثيرا من أقرب الناس له. وكانوا يخافون منه خوفا شديدا.
وقد يعود هذا التناقض في أعماله إلى أنه قد حاول القيام بأعمال لم تكن من صميم أعمال الحكومات في ذلك الوقت، إذ لم تكن الحكومات تهتم بقضايا الاقتصاد أو السلوك العام أو العقائد إلا بقدر ما يتعلق ذلك بأمور الحكم المباشر.
ولكن يبدو أن الحاكم راى تلك الأمور من صلب مسئولياته، لذلك نراه يتدخل في الكثير من الأمور ويمارس الحِسْبةَ بصورة مباشرة.
والعديد من أوامره ونواهيه تتعلق بأمور الأخلاق العامة كقوانين النساء والبيرة التي كان يرى من واجبه توجيهها والتحكم بها.
وبعضها له علاقة بأمور الاقتصاد، إذا يبدو أنه حرّم الملوخية لاستهلاكها الزائد للمياه، ومنع ذبح الأبقار للحفاظ على الثروة الحيوانية ويبدو أن اضطهاده للمسيحيين ناتج عن محاولة تقليل نفوذهم في أمور الدولة بعد أن زاد هذا النفوذ أيام والد الحاكم.
كما كان العديد من ضحايا الحاكم من الموظفين والقادة من الأشخاص الذي استغلوا وظائفهم ونفوذهم. كذلك كان العديد من أوامره ونواهيه ناتجا عن رغبته في تثبيت الدعوة الفاطمية التي كان رئيسا لها بحكم منصبه كخليفة.
ولكن الناس لم تكن ترى هذا الجانب من أعماله. إذ لم يتعود الناس هذا التدخل الكبير في توجيه أمورهم، أو على هذه القسوة في التعامل مع كبارهم.
من ناحية أخرى يجب أن لا نغفل عن طبائع الحاكم الخاصة. إذ قد يكون لشخصيته القوية، التي جعلته ينتزع الحكم من برجوان وهو في الخامسة عشرة من عمره، جانب سلبي جعل منه شخصا مستبدا طاغيا يحكم عن طريق الإرهاب والإفراط في القسوة.
وهذا ما كان ظاهرا من تصرفات أعوانه ومساعديه الذين كانوا يعيشون في رعب مستمر منه. ويبدو أنه كان يعتقد أن القسوة والشدة هي الطريق الأمثل للحكم خصوصا وإنه كان حاكما مطلقا لا يخضع لأي سلطة ولا يخاف من أحد.
وقد تكون هذه السلطة التي حصل عليها وهو في سن صغيرة قد جعلته مغرورا يعتقد أن بامكانه القيام بأعمال تختلف عَمَّنْ سبقه من الحكام، وأن يوجه حياة الناس كما يريد.
ولكن لعلَّ هذا الجانب قد تغير بعض الشيء في أواخر أيامه. ففي سنة 395هـ الموافق (1005م) قام رجل ادعى النسب الأموي واسمه أبو ركوة بالثورة على الحاكم.
وانضم إليه العديد من الناس الذين لم يكونوا راضين عن سياسة الحاكم، وتمكن هذا الثائر من احتلال ليبيا وأجزاء من مصر وكاد أن يدخل القاهرة.
وتسببت هذه الثورة في اضطراب الدولة الفاطمية، ولم يتمكن الحاكم من القضاء عليها إلا بصعوبة بالغة.
وبعد القضاء على تلك الثورة قام الحاكم بتخفيف قيوده عن أهل الذمة فألغى القوانين الشديدة عنهم وسمح لهم ببناء الكنائس والمعابد كما خفف قوانينه العديدة عن الناس وقلَّل من تشدّد الدعوة الفاطمية، كما أحسن إلى قواده وموظفيه.
وفي ليلة 27 شوال 411 هـ (الموافق 13 فبراير 1021م) ركب الحاكم حماره كعادته وذهب في واحدة من جولاته الليلية إلى جبل المقطم.
وهناك أمر خادمه بالانتظار عن أسفل الجبل حتى يعود. ولكن عند الصباح لم يعد الحاكم من الجبل فقام رجال الدولة بالحبث عنه.
وبعد خمسة أيام وجدوا الحمار ميتا ووجدوا ثياب الحاكم وعليها أثر الدماء. فأعلنت أخته ست الملك وفاته وتم تنصيب ولده الظاهر خليفة من بعده.
وقد اختلف الناس حول مصيره فبعضهم يقول إن رجال الدولة هم الذين قتلوه بتحريض من أخته، وبعضهم يقول إن اللصوص قتلوه، وبعضهم يقول إنه اختفى ولم يرغب أن يعرف عنه أحد شيئا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]