نبذة تعريفية عن أَسْوَاق العَرَب قديماً
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثاني
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
أَسْوَاق العَرَب ديانات وثقافات المخطوطات والكتب النادرة
نحنُ نعيشُ الآنَ في مُدُنٍ كبيرةٍ أو قُرَىً مُنَظَّمَةٍ حديثةٍ، وعِنْدَمَا نحتاجُ إلى شيءٍ من ضروراتِ الحياةِ أو من كَمَالِيَّاتِها نشتري حاجَتَنا من الأسواقِ الكثيرةِ المُتَنَوِّعَةِ، حيث يجلسُ فيهَا البائعون في متاجِرِهِم ويتردَّدُ عليهِمْ المُشْتَرُون.
أمَّا في الزمانِ القديم وقبلَ أن تَتَطوَّرَ وسائلُ النقلِ ويسهلُ التقاءُ النَّاسِ لشـراءِ بضائِعِهِمْ وبَيْعِها، لم تَكُنْ لَهُمْ مثلُ هذه الفُرَصِ الكثيرةِ للاجتماعِ والتَّعَامُلِ.
فالأماكنُ متباعدةٌ والتَّبَادُلُ المستمرُّ صعبٌ، ولكنًّ هذا لم يُوقِفْ عمليةَ البيعِ والشـراءِ، فقد استطاعُوا أن يتغلَّبُوا على هذه المشكِلةِ يتنظيمِ حياتِهم بطريقةٍ معيَّنَةٍ
ففي القُرَى أو المدنِ القائمةِ آنَذَاكَ أقامُوا أسواقاً ثابتةً مثلَ أَسواقِنَا لِتُلَبِّيَ الحاجاتِ اليوميةَ، واستطاعُوا كذلكَ أن يستفيدُوا من المناسباتِ الاجتماعيّةِ والدينيّةِ في إِقامةِ أسواقٍ موسميّةٍ ينتقلُ إِليها التُّجَّارُ والناسُ.
حيثُ يتلقُون في أماكنَ مُحَدَّدَةٍ وفي مواعيدَ معروفةٍ لديهم من قَبْلُ، فيلتقي أصحابُ المدنِ والقُرَى والباديةِ وغيرُهم.
ونحن نعرفُ أن العرَب القدماءَ كانوا يتوزَّعُونَ في الصحراءِ العربيةِ وفي بعضِ المدنِ العربيةِ القائمةِ آنذاكَ مثلَ مَكَّةَ والمدينةِ والطَّائفِ.
ولهذه المدنِ أَسواقُها الثابتةُ مثل الأسواقِ التي نعرفُها الآن، ولكنَّها صغيرةٌ لا تلبِّي إلاَّ حَاجةَ أهلِ هذه المُدُنِ فَقَطْ.
لذلك كانَ لا بدَّ من قيامِ أسواقٍ موسِمِيَّة تُقَامُ في أماكِنَ مُعَيَّنَةٍ وأزمانٍ محدَّدَةٍ يعرفُها الناسُ ويحضرون إِليها، فإذا انْتَهَتْ المُدَّةُ المُقَرَّرةُ لهذا السوقِ انتقلُوا إلى مكانٍ آخرَ ليقيمُوا سوقاً جديداً، وهكذا طَوَالَ السَّنَةِ.
وهذه الأَسواقُ متوزِّعَةٌ في كلِّ انحاءِ الجزيرةِ العَرَبِيَّةِ وتُغَطَّي شهورَ السَّنَةِ العربيةِ، ففي كلِّ شَهْرٍ عربِيٍّ يقامُ سوقٌ أو أكثرُ من سُوقٍ.
وكانتْ هذه الأسواقُ تبدأ من أَوَّلِ شهرٍ ربيعٍ الأولِ وتنتهي في شهرِ ذي الحِجَّةِ، لتعودَ من جديدٍ وهكذا كما هو مُبَيَّنٌ في الجدولِ.
وقد استمرَّتْ ظاهرةُ هذه الأسواقِ حتَّى بعدَ ظهورِ الإِسلامِ، ولكنَّ استقرارَ المسلمينَ في المُدُنِ الكبيرةِ قَلَّلَ من أَهَمِّيَتِهَا وشُهْرَتِها.
ولعلَّ مِنْ أشهرِ الأَسواقِ التَّي نشأْت بعدَ الإسلامِ "سوقُ المِرْبَدِ" الذي كان قريباً من مدينةِ البصـرةِ وكان في الأصلِ سُوقاً للإبلِ، ويقعُ غَرْبَها عَلَى مشارفِ الصَّحْراءِ العربِيَّةِ حيثُ يذهبُ إليه أهْل البصـرةِ ليلتقُوا معَ العربِ القادمين من الجزيرة العربيَّةِ.
ولكنَّ الأَسواقَ المُهِمَّةَ هي الَّتِي بدأَتْ تنتشـرُ في المدنِ الكبيرةِ مثل البصـرةِ والكوفةِ وبغدادَ والقاهرةِ ودِمَشْقَ والقَيْرُوَانِ.
ومع ذلك بَقِيَتْ ظاهرةُ الأَسواقِ الموسميةِ التي تُعْقَدُ في أماكِنَ محددةٍ في هذه المدنِ أو حَوْلَها وتكونُ مرتبطةً بمناسبةٍ مُعَيَّنَةٍ أو يَوْمٍ مُحَدَّدٍ، فيقالُ مثلاً سوقُ الجمعةِ أو سوقُ الثُلاَثَاءِ أو سوقُ الأَربعاءِ، وقد تُسَمَّى باسمِ المكانِ الذي تُعْقَدُ فيه.
وهذه الأَسواقُ لم تَكُنْ تقامُ للتِّجَارَةِ وتَبَادُلِ البضائعِ فَقَطْ، ولكنَّها تُمَثِّلُ أَيضاً تَجَمُّعاً ثَقَافياً وأَدَبِيًّا وسيَاسِيًّا، حيثُ تُروَى فيها الأخبارُ والحكاياتُ وتُنْشَدُ الأَشعارُ، ويَتِمُّ التعارُفُ وتُحَلُ القضايَا والمشكلاتِ التي كانتْ تقومُ بين الناسِ أو القبائلِ.
كما تُعْقَدُ فيها الأَحلافُ والعقودُ والمواثيقُ، وتنتشـر من خلالِها الدَعَواتُ والآراءُ الجديدةُ. وقد شَهِدَ سُوقُ "عُكَاظٍ" الكثيَر من المُنَاظَرَات الأَدبية، وفيه أُنْشِدَتْ أَهَمُّ قصائدِ العَصْـرِ الجَاهِلِيِّ.
وقد ذهبَ الرسولُ، صلّى اللّه عليه وسَلَّمَ، إلى بعضِ هذه الأسواقِ للتِّجارة، قبلَ أن ينزلَ عليه الوَحْيُ، وعادَ إِليها بَعْدَ بَعْثَتِه لِيَدْعُوَ إلى الدِّينِ الإِسلامِيِّ.
أمَّا سوقُ المِرْبَدِ فقد لَعِبَ دوراً مُهِمًّا، فهو أشهرُ سُوقٍ أُقيمَ في الإسلامِ. فقد جمعَ التجارةَ والعِلْمَ، حيثُ كانَ علماءُ اللُّغةِ والتاريخِ يقصدونَه ليجمعُوا الأَخبارَ ويُدَوِّنُوا اللُّغةَ العَرَبِيَّةَ ويسمعُوا الشعراءَ وهم يُنْشِدُون، والعلماءَ وهم يَتَنَاظَرُون، وتحيي العراقُ ذِكْرَى ذلكَ السوقِ في مِهْرَجَانَاتٍ شِعْرِيَّةٍ.
أسماء أهم الأسواق العربية في الجاهلية وأماكنها ومواعيدها:
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]