علم الفلك

كيفية تكوّن “الثقب الأسود” وتفسير وجود الطاقة الهائلة داخل المجرات

1996 نحن والكون

عبد الوهاب سليمان الشراد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الثقب الأسود كيفية تكون الثقب الأسود المجرات علم الفلك

ولقد أدرك الفريقان أن كتلة المثقب الأسود الهائل تعادل نحو 5 بليون مرة مثل كتلة الشمس .

لقد كان إدراك مبدأ وجود الثقب الأسود يظهر اعتمادا على النظرية النسبية العامة التي يتفق على عدها من أفضل النظريات الحالية التي تفسر تأثير وعمل الجاذبية.

ويمكن القول إن الثقب الأسود يعد انتصارا للجاذبية على كل القوى الطبيعية الأخرى ، فمثلا عندما يستنفذ نجم هائل الكتلة كل مصادره الداخلية من الطاقة.

 

فإن الوزن الهائل لتريليونات الكيلو جرامات متكدسة فوق بعضها من مادة النجم المنطفىء سوف تنضغط الى الداخل مما يحدث انكماشا في حجم النجم ، وذلك ما يعرف بالانهيار الجذبي Gravitational cal– lopse ، ومع استمرار الانكماش تزداد الجاذبية حول النجم تدريجيا .

ويحدث ذلك تحدبا أو انحناء متزايدا لهندسة المكان والزمان حول النجم ، ولتفسير ما يحدث لنجم محتضر هائل الكتلة ، نجد أنه اذا كان النجم المحتضر كبير الكتلة بدرجة كافية ، كأن يكون أكبر بما لا يقل عن 3,2 مرة من كتلة الشمس. 

فإنه لن يقوى أي شيء على إيقاف الانكماش الكلي الذي سيعاني ذاتيا منه ، وبمعنى أدق لا توجد قوة في الطبيعة لها قدرة بما يكفي لمساعدة نجم يحتضر فائق الكتلة لكبح قوة جذبه الذاتية

 

وبينما يواصل الانكماش الى أجله المحتوم فإنه سوف يحدث انطواء للزمان والمكان على بعضهما ، وعند ذلك سيتوارى النجم من الكون ولا تبقى منه سوى ثقب في نسيج الزمكان.

وستكون جاذبية الثقب من الشدة بحيث لا يتمكن شيء ولا حتى فوتونات الضوء الإفلات منها ولا شك أن افتراض وجود العديد من الثقوب السوداء Black holes منتشرة حول مجرتنا يبدو من الأمور المسلم بها

ويمكن اعتبار الثقوب السوداء رفات نجوم خامدة هائلة الكتلة ، وبرصد آثار تلك الثقوب أمكن التعرف الى كثير منها في السماء.

 

ولا يعد الثقب الأسود المفترض وجوده في مركز المجرة 87M ثقبا عاديا ، فمن المعلوم أن أكبر النجوم كتلة في السماء لا تفوق كتلتها عن 50 مرة مثل كتلة الشمس.

أي إن بقايا تلك النجوم من غير المحتمل أن تحتوي من المادة المنكمشة ما يفوق كتلة الشمس بنحو 50 مرة، ويبدو أن كتلة الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز 87M أكبر بعدة مئات ملايين المرات من أكبر كتلة لثقب أسود اعتيادي.

وقد لا يمكن حاليا إيجاد التعليل حول  الطريقة التي تشكلت بها الثقوب السوداء فائقة الكتلة ، ولقد افترض البعض حدوث تكدس شديد في مركز مجرة كبيرة مما جعل الثقوب السوداء بها ترتطم ويلتهم بعضها البعض. 

 

ويحدث نتيجة لذلك تشكل ثقب أسود أكبر ، ويتبع ذلك وتدريجيا بمرور الوقت أن يبدأ هذا الثقب بالنمو بصورة مذهلة ومتواصلة .

ونجد هناك أيضا افتراضا آخر وهو أن الثقوب السوداء فائقة الكتلة قد تشكلت خلال الانفجار الكبير في بداية الخليقة ، ولا شك أن الكون في بدايته كان عنيفا جدا.

ولقد افترض الانجليزي ستيفن هوكنج S. Hawking من كامبريج أن معظم التكتلات الصغيرة في الكون حديثة الولادة ، قد تصادمت واسحقت مكونة العديد من الثقوب السوداء الصغيرة . فنتيجة الكثافة الهائلة التي كانت موجودة خلال الثواني التالية القليلة التي أعقبت الانفجار الكبير

 

فلعل الثقوب السوداء تلك تكون دفعت للنمو بنسب هائلة عن طريق ابتلاع بعضها البعض ، قبل أن يتمدد الكون بشكل هائل ، ثم أصبحت الثقوب البذور seeds التي نمت حولها المجرات والعناقيد المجرية في الكون .

ولم تكن حالة المجرة 87M أول وضع يواجه فيه الفلكيون افتراض وجود ثقب أسود فائق الكتلة في مركزها.

فقد دلت القياسات على أن كثافة النجوم في المنطقة الداخلية من التبانة عالية جدا وتزداد باتجاه المركز ، وربما كان معدل البعد بين النجوم بحدود 1/300 من البعد بين الشمس وأقرب مجاور لها .

 

ووفق هذه الظروف فعبر كل 100 مليون سنة أو نحو ذلك ، يقترب نجم من مجاورة اقترابا شديدا بحيث يجرف كل منهما مسار الآخر ويتقاسمان طاقتهما الحركية.

ونتيجة لذلك ، فإن السرعة المحتملة لأي نجم في التجمع العنقودي المركزي يجب أن تكون ذاتها لأي نجم آخر هناك .

ولكي يكون لكل النجوم السرعة المفترضة نفسها ، ولكي تبقى متماسكة معا بمجال جاذبيتها المتبادل ، يجب أن تتبع انتشارا محددا.

 

وفي الحالة المثالية يجب أن تكون الكثافة النجمية متناسبة 1/ 2 Rحيث  Rهي نصف القطر – أي البعد عن المركز – وعندئذ تتناسب الكتلة الكلية للنجوم داخل نصف قطر محدد مع R ، في حين يتناسب مجال الجاذبية تناسبا عكسيا مع البعد عن المركز .

وفي محاولة لحساب الفعاليات في مركز مجرتنا افترض دونالد بيل D.Bell في أواخر الستينات وجود ثقوب سوداء فائقة الكتلة قرب الرامي A، كما افترض أيضا أن الثقب يطلق عليه القرص المتنامي disk accretion يدور بمدار دائري حول الثقب ويبدو بهيئة شبيهة بالحلقات العملاقة الدائرة حول كوكب زحل Saturn .

وعندما يدور الغاز حلزونيا متجها الى داخل الثقب فإن جزيئاته تحتك ببعضها وتولد حرارة ترتفع درجة حرارتها ، وقبل أن تنغمر الغازات الساخنة المتحركة في الدوامة الى داخل الثقب فإنها تعمل على إصدار إشعاعات شديدة ، بحيث إنها تولد طاقة هائلة ، وذلك يعلل النشاط والفعالية التي ترصد في مركز مجرتنا التبانة .

ولا شك أيضا أن الثقوب السوداء فائقة الكتلة يمكن من خلالها تعليل النشاط غير الاعتيادي المرصود

 

في مراكز كثير من المجرات ، وفي عام 1976 وجد فابيان .Fabian A من كامبريج أن المادة المنهارة الى داخل الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز المجرة 5128 NGC التي تقع في كوكبة قنطورس Centaurus على بعد 13 مليون سنة ضوئية. 

قد يمكنه تعليل جميع خصائص تلك المجرة الغريبة ، وقد تبنى فابيان بأن كتلة الثقب تعادل كتلة 10 ملايين كتلة شمسية .

وقد أفادت هذه الفكرة فلكيي هارفرد عام 1978 عندما رصدوا مصدر أشعة سينية متغيرة الشدة في مركز المجرة 5128 NGC ، وكان المصدر ضئيل الحجم جدا وله لمعان متغير بنحو 25% كل بضع ساعات .

 

ولا يمكن على ذلك أن يكون قطر مصدر الأشعة السينية أكبر من بضع ساعات ضوئية ، وتلك هي تقريبا أبعاد المناطق الداخلية ذاتها للقرص المتنامي المحيط بالثقب الأسود فائق الكتلة .

ولقد أكد منظار هبل Hubble الفلكي المداري مؤخرا هذا الاتجاه بأن المراكز المشعة جدا لبعض المجرات الغريبة تستمد طاقتها من ثقوب سوداء .

ولعله من المعلوم حاليا أن الثقب الأسود الذي له كتلة تعادل 5 ملايين شمس سيكون قطره 3 دقائق ضوئية أو 60 مليون كم .

 

في حين أن الثقب الذي له كتلة تعادل كتلة 5 بلايين شمس مثل الموجدين مركز المجرة 87M فإن قطره يصل الى 28 ساعة ضوئية أو 30 بليون كم ، وللإيضاح يمكن مقارنة ذلك بقطر مدار كوكب Pluto الذي يبلغ 11 ساعة ضوئية أي نحو 12 بليون كم ، ويتضح أن للثقوب السوداء فائقة الكتلة أحجام يمكن مقارنتها بأبعاد النظام الشمسي .

ويبدو أن هناك سببين يرجحان فكرة وجود الثقوب السوداء فائقة الكتلة كتعليل للطاقة الهائلة المنطلقة من المجرات المتفجرة وأشباه النجوم .

ويمثل الحجم الصغير الذي تكون عليه الثقوب أول السببين ، فلها بشكل عام أقطار تعادل نحو يوم ضوئي واحد أو أدنى ، وهذا الحجم الصغير يسمح بوقوع تغيرات سريعة في اللمعان ، وهي عادة ما ترصد في أشباه النجوم والأجرام المرتبطة بها .

يكمن السبب الثاني في أن مجال جاذبية الثقوب الهائل يعد مصدرا شديدا للطاقة ، ولو افترضنا وجود الثقوب بداخل تلك الأجرام فمن المهم إدراك التعليل المفصل للطريقة التي يمكن لبعض كميات الطاقة الهائلة التخلص من شد مجال جاذبية الثقوب الشديد .

 

لقد كان أول نموذج لثقوب المجرات الراديوية السوداء ، والتي كان من الأمثلة عليها ما افترضه لا يندن بيل ، يتطلب وجود قرص متنام محيط بالثقب الأسود. 

وفي السنوات الأخيرة أضاف لو فيلاس R. lovelace من كورنيل وبلاندفورد R. Blandford من كامبيرج عاملين آخرين إلى الحسابات المرتبطة بالثقوب السوداء مما ساهم في تعقيد الوضع ، ولكن ظهر وكأن العاملين وهما المجال المغناطيسي والدوران سيقودان الى إدراك تام لأشباه النجوم.

ومن البديهي أن الثقب الأسود الواقع ذلك مركز المجرة أو شبه النجم يتحتم أن يكون من النوع الدوار ، وبجانب أن المجرات ذاتها تدور فإن للثقوب الدوارة بعض الخصائص الغريبة. 

 

فنجد على ذلك أن المكان و الزمان ينسحب بالقرب من الثقب ومن حوله ومن المستحيل الوقوف بجانب ثقب أسود دوار دون الاندفاع بحركة حلزونية نحوه .

ومن المفترض أيضا أن الغازات ستندفع إلى القرص المتنامي المحيط بالثقب ، وسيتبعها بعض مجال المجرة المغناطيسي.

ومن المعلوم أن معظم المجرات وأشباه النجوم تكون عادة محاطة بمجالات مغناطيسية ، ولهذه المجالات القدرة على تعجيل حركة الالكترونات تجعلها قادرة على توليد الاشعاع السنكروتروني الذي يمكن تتبعه ورصده .

 

وحينما تدور المادة في القرص المتنامي بشكل حلزوني متجهة نحو الثقب الأسود فإن المجال المغناطيسي المرافق للغازات الممتصة يصبح مركزا جدا ويكون اتجاهه موازيا لمحور دوران الثقب .

ولذلك أظهر لوفيلاس وبلاندفورد أنه يتحتم أن يكون الثقب الأسود فائق الكتلة محاطا بقرص ممغنط Magnetize

إن الثقب الأسود يسعى من خلال دورانه الى سحب مناطق المجال المغناطيسي الداخلية حول الثقب بسرعة هائلة.

 

ولكن يبدو من الطبيعي أن مناطق المجال المغناطيسي هذه الموجودة قرب الثقب سوف تكون بالكاد متماسة tangent مع بقية المجال المغناطيسي الواقع على مسافة شاسعة .

ولهذا الوضع أهمية ، فمن المتفق عليه أنه لا يوجد أي شيء بإمكانه الحركة بسرعة تفوق سرعة الضوء ، وهي ثابت أساس في النظرية النسبية الخاصة .

وعلى الرغم من محاولة الثقب الأسود جذب مناطق المجال المغناطيسي الداخلية المحيطة به بسرعات هائلة ، لكن مناطق المجال الخارجية لا تقوى على مجاراة هذه السرعات.

 

ويتحتم بهذه الحالة على مناطق المجال المغناطيسي الخارجية البعيدة عن الثقب أن تتحرك بسرعة أعلى من سرعة الضوء ، حتى تتوافق مع المناطق الداخلية المتحركة بسرعة عالية ويكون بالتالي من الصعب بمكان تحقيق ذلك.

وعليه فإن المجال المغناطيسي حول الثقب سينزلق  slip، وتنسحب مناطق المجال المغناطيسي الداخلية حول الثقب بسرعة أدنى من سرعة دونه المحوري .

وفي عام 1977 تم إنجاز تقدم كبير في هذا المضمار عندما أظهر بلاندفورد زنايك R. Znajek أن انسحاب المجال المغناطيسي حول الثقب يؤدي بالنهاية الى إحداث مجال كهربائي شديد.

 

ولعل ذلك يشبه مولدا عملاقا يولد مجالا كهربائيا عالي الشدة ، ويكون تأثيره ممتدا الى آلاف السنوات الضوئية بعيدا عن الثقب.

ومثل هذه الشدة الهائلة للمجال سوف تكون مما يكفي من القوة لإنتاج أعداد هائلة من أزواج الالكترونات والبوزيترونات Positrones فوق القطبين المغناطيسين الشمالي والجنوبي.

ويحدث المجال الكهربائي اندفاعا شديدا تتعرض له الالكترونات بعيدا عن الثقب الأسود باتجاه مواز للمحاور المغناطيسية .

 

ويبدو أن هذا النموذج الحركي Kinetic قد ساهم في تعليل العديد من الجوانب الخافية ، ولعل ذلك يتضح من خلال وجود ثقب أسود فائق الكتلة وقرص متنام ناقل للمجال المغناطيسي.

ويعمل المجال الكهربائي الناتج على إبعاد حزمتين من الالكترونات عالية السرعة المتدفقة بشكل متواصل بعيدا عن القطبين .

ومن خلال تتبع ذلك يبدو أننا قد وجودنا ضالتنا في تعليل ما يرصد فعليا في جميع المصادر الثنائية المنتشرة في السماء ، ويمكن بإحداث بعض التغيرات في النواحي الأساسية لتلك الأفكار إدراك أعم وأشمل لطبيعة أشباه النجوم ومجرات سيفرت.

ولعل النتيجة المثيرة التي يمكن بلوغها هي أن الثقوب السوداء فائقة الكتلة منتشرة جدا في الكون ، وقد تكون محتجبة عنا نتيجة وقوعها في مراكز معظم المجرات العظمى من حولنا .

 

ولا شك أن معظم المجرات ، مثل التبانة ، تبدو هادئة داخليا ، غير أن بعضها يعطي نشاطا راديويا شديدا وإصداراً لتحت الحمراء ، ومواد نافثة طويلة بسرعات عالية تقذف على ما يبدو من المركز.

وكمية الطاقة التي تطلقها المجرات النشطة تبدو كبيرة جدا بحيث لا يمكن أن تكون قد تولدت من الطاقة النووية بمفردها .

ولذلك فإن كثيرا من الفلكيين يفترضون أن الطاقة تنتج من سقوط المادة في الثقب الأسود.

 

هناك على الأقل مجرتان متجاورتان وهما المرأة المسلسلة An- dromeda المعروفة ، ومجرة أخرى صغيرة في مجموعة المثلث ، يفترض بأنهما تحتويان على ثقوب سوداء ، على الرغم من أنهما من المجرات الهادئة نسبيا ولا تختلفان عن مجرتنا .

وقد وجد دريسلر A.Dressler وريتشستون D. Richstone  أثناء عملهما في مرصد بالومار بكاليفورنيا ، أن السرعات النجومية تزداد كما يبدو باتجاه مركز هذه المجرات أكثر مما هو مفترض لها ، وكما لو كانت تضم كتلا لا مرئية .

والمسافات الى هذه المجرات القريبة نسبيا ولا تسمح بدراسة التفاصيل الدقيقة على حالة المادة وحركتها بالقرب المباشر من المركز ، كما هو الحال في التبانة.

 

ويمكن القول إن الاكتشافات الفلكية والوسائل التقنية الحديثة لمراقبة الإشعاعات الراديوية ، وتحت الحمراء ، أعطت معلومات مذهلة ودقيقة ، عن المركز المجري.

فكمية المواد هناك ، وحركتها وكثافتها وحرارتها وكمية وأوعية الطاقة بها ، وأعداد النجوم ، ونماذج حركتها أصبحت معلومة ،

ونتيجة لذلك فإن لدى الفلكيين الآن فهما اجماليا جيدا عن مركز مجرتنا ودليلا دافعا على وجود ثقب أسود عملاق يتوارى هناك ، ولكن يبقى هناك الشيء الكثير علينا أن نتعلمه ، حتى يمكن إدراك الكثير من الظواهر والأحداث في الكون .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى