نبذة تعريفية عن “الكثافة الحرجة” وتفسير سبب اندفاع العناقيد المجرية بسرعة عالية
1996 نحن والكون
عبد الوهاب سليمان الشراد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الكثافة الحرجة العناقيد المجرية علم الفلك
ومن خلال تشبيهنا العناقيد المجرية باندفاعها في الكون بعيدا عن بعضها برمي الحجر ، فإننا يمكن أن نتساءل هل تندفع العناقيد المجرية بعيدا بسرعة عالية بما يكفي للتغلب على الجذب المتبادل بينها ؟
ولمعرفة الإجابة عن ذلك السؤال ، فلقد وضع الرياضي السوفييتي إلكسندر فريدمان A. Freedman في عام 1922 أول نموذج كوني يعتمد في بنائه على نظرية انشتاين في النسبية.
ولقد توصل من خلال حساباته أنه اذا توفرت كمية كافية من المادة في المادة لإيقاف التمدد فستوجد جاذبية كافية لجعل الفضاء ينحني على ذاته متخذا شكلا كريا .
ولذلك سيتوقف التمدد في الكون إيجابيا في زمن ما وتبدأ مرحلة الانكماش ، أي أن تكون سرعة المجرات في الكون أدنى من سرعة الإفلات المتبادلة بينها .
وعندما كانت المجرات مندفعة بعيدا عن بعضها بسرعات مساوية تماما لسرعة الإفلات المتبادلة بينها ، فإن الكون لن ينكمش مطلقا.
ولكن ورغم ذلك سيتباطأ الى مستوى كبير ، وذلك حتى لو كانت الجاذبية المتبادلة غير كافية تماما لإيقاف اندفاع المجرات .
ويقودنا ذلك الى أنه لا توجد في نموذج فريدمان جاذبية تكفي لتحدب المكان على نفسه حتى ينغلق ، ولذلك فإن للكون انحناء يكون مقداره صفرا ، أي أنه في هذا الوضع سيكون مسطحا.
وتكون المجرات في الكون المسطح منتشرة بحيث يمكنها بالكاد التغلب على قوى الجذب المتبادلة فيها .
ويكون الجذب في الحالة الأخيرة من الضعف بحيث يسمح باستمرار تمدد الكون الى ما نهاية في الزمكان . وتبعا للنظرية النسبية العامة يجب أن يكون للكون شكل ذا قطع زائد ، وفي هذا الكون تندفع العناقيد المجرية متباعدة عن بعضها الى ما لا نهاية معلومة .
ولا شك أن بحثا في شكل ومستقبل الكون يفرض علينا أن نتعامل مع خصائصه عبر مقياس كبير جدا ، فالمجرات الهائلة ستتقزم وتصغر مقاساتها جدا عندما نقارنها عبر مسافات شاسعة في الكون مثل تلك التي تفصل بين العناقيد المجرية العظمى .
ويمكن تشبيه ذلك بمراقبة استاد رياضي ممتلئ بالمتفرجين من علو على متن طائرة ، فسوف نرى أن هناك كتلة واحدة عديمة الملامح ، ولن يكون الوضع كذلك عندنا نجلس بين هؤلاء فستكون التفاصيل جلية .
ولعل الوضع متشابه مع المجرات ، فالكون يعد هادئا عديم الملامح عندما ننظر إليه بمقياس كبير يتعامل معه ، ولذلك تعد نماذج فريدمان الكون متجانسا متناظر الخصائص في كل اتجاه يتم اجراء الارصاد في السماء منه .
ونتيجة للتجانس الكوني في المقياس الكبير ، يمكننا حساب معدل كثافة الكون ، افتراض أن المادة منتشرة بشكل متجانس عبر الكون ، بما يقود الى عدم الاكتراث بتفاصيل مجرة مفردة واحدة أو مجرات كثيرة .
ولا شك أننا بهذه الطريقة نعمل على ربط كمية المادة في الكون مع قوى الجاذبية التي تحدب الفضاء – أو المكان– space وكما ذكرنا فإن لشكل الكون علاقة وطيدة بنهايته ومستقبله ، ولذلك فإن حسابنا لمعدل الكثافة خلال الكون برمته ، سيمكنا من التنبؤ بالمستقبل النهائي للكون .
ويشكل نموذج الكون المستوى – الذي تحدبه صفر – الخط الفاصل بين الكون الكري – الذي له تحدب إيجابي – وكون القطع الزائد – تحدبه سلبي – وعلى ذلك فإن معدل الكثافة المرتبطة بالكون المستوي تمثل الكمية الحاسمة التي تحدد ماهية الحالة التي سيكون عليها، ولذلك يشار لمعدل كثافة الكون المستوي بالكثافة الحرجة Critical density .
ويمكن التعبير عن الكثافة الحرجة بأنها تدل على معدل الكثافة التي يجب أن يكون عليها الكون ، إذا كان مستويا فعلا، والتي عندها تستطيع العناقيد المجرية أن تكبح قوى الجذب المتبادلة بينها ، أي أن يقف التوسع عند حد معين .
ولو توافرت مادة موزعة في أنحاء الكون بشكل تكون الكثافة به أعلى قليلا من الكثافة الحرجة ، فإن الجاذبية ستكون كافية لإيقاف تمدده مستقبلا .
أما إذا كانت المادة الموزعة في الكون قليلة أي أن معدل الكثافة أدنى كثيرا من الكثافة الحرجة فإن الكون لن يجد صعوبة في التمدد الى ما لانهاية .
ويتضح بما سبق أن للكثافة الحرجة علاقة مباشرة بالمعدل الذي يتمدد به الكون .
ويدل ذلك أنها تمثل الكمية الحاسمة التي تحدد فيما إذا كان تمدد الكون سيستمر الى الأبد أو غير ذلك .
وعادة يتم حساب معدل تمدد الكون عن طريق رصد الحيودات نحو الأحمر ، وحساب المسافات التي تقع عندها المجرات النائية . وفيما لو استخدمنا نفس النتائج التي من خلالها أمكن رسم منحنى قانون هبل لتوصلنا الى معدل الكثافة الذي يجب أن يتماثل مع الكثافة الحرجة .
ولأدركنا أن الكثافة الحرجة ستكون ثلاثة بروتونات لكل متر مربع من الفضاء أو ما يعادل 4,7×10-30 جم / سم3 .
ويظهر الجدول التالي موجزا للعلاقات بين الكميات المختلفة التي تؤثر على مستقبل الكون :
ويمثل الكون الكري شكلا مغلقا ، ولعله بذلك يشبه الطريقة التي ينغلق بها سطح الكرة على نفسه .
ويمكن إدراك ذلك مبدئيا بافتراض سفرنا لمدة طويلة باتجاه محدد ، ثم معاودة رجوعنا في زمن ما الى نقطة البداية التي بدأنا منها ، وتماثل رحلتنا تلك الى حد كبير رحلة سفينة تدور حول الكرة الأرضية لترجع الى نفس الموقع الذي أبحرت منه .
إن مثل هذا الكون لن يكون نهائي الأبعاد، فهو لن يواصل التمدد الى ما لا نهاية ، ورغم ذلك فليس له حافات أو حوائط كما أنه ليس له مركز .
ولعل ذلك يماثل كثيرا كرتنا الأرضية . فباستطاعتنا مواصلة السفر والتنقل عليها الى ما لا نهاية ، وبدون بلوغ حافتها أو مركزها مطلقا .
وبنفس الطريقة يتمكن رائد الفضاء astronaut من الاستمرار بالتنقل الى الأبد في كون كري مغلق ، ولن يبلغ مطلقا حافة أو مركز هذا الكون .
وفي حالة الكون المسطح وذي القطع الزائد فهما على النقيض من الكون الكري ، فليس لهما نهاية ، ويمتدان الى ما نهاية في كل الاتجاهات ، وهما بذلك مفتوحان
ويدل ذلك بدقة أكثر على أن الكون المسطح هو بالكاد مفتوح ، حيث يمثل بتلك الحالة خطا يفصل بين الكون الكري والكون ذي القطع الزائد المفتوح تماما.
ومن البديهي أنه ليس لهذان الكونان المفتوحان مراكز أو حافات فهما يمتدان الى ما نهاية .
وعلى ذلك فلن تكون هناك أهمية لنوع الكون الذي نوجد فيه ، وليس كذلك هناك معنى لسؤالنا، عن ماذا يوجد خلف حافة الكون؟ وذلك لأن هذه الأكوان لا تمتلك حدودا أو حافات ، وبالتالي فلا معنى لسؤالنا السابق .
يعتمد مستقبل الكون على الكثافة الراهنة لكتلته وهو الان في حالة اتساع فاذا كانت كثافة الكتلة أدنى من تلك التي تجعل القوة التثاقلية كافية لإيقاف الاتساع كان الكون مفتوحا. وسوف يستمر في الاتساع الى الابد .
واذا كانت كثافة الكتلة كبيرة بحيث ترفع الطاقة الكامنة التثاقلية عن طاقة الاتساع كان الكون مغلقا .
وسوف يتوقف عن الاتساع لينكمش في النهاية متحولا الى كرة نارية ساخنة وكثيفة من الجسيمات الأولية . واذا كانت كثافة الكتلة تنتج طاقة كامنة تثاقلية تعادل تماما طاقة الاتساع فإنه يقال عن الكون انه مفلطح .
إن المعطيات المرتبطة بالليثيوم 7 تظهر ان الكون مفتوح ولكن المسألة مازالت بعيدة عن الحل. وهناك نظرية شائعة تقترح ان الكون مفلطح، ولا زال السؤال معلقا …
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]