التناظر وبنية البلورات
2013 الرمل والسيليكون
دنيس ماكوان
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
يعتبر البرهان على أن البلورات تتألف من شبكات منتظمة والقدرة على تحديد مواقع الذرات في البلورة من انتصارات العلم في القرن العشرين.
وخلال القرن التاسع عشر، كان مختصو الفلزات ينظرون إلى التناظر الخارجي للبلورات التي كانوا يجدونها في الطبيعة ويتساءلون حول بنيتها الداخلية.
أدرك مختصو الفلزات أن وجوه البلورات يمكن أن ترتبط بالوجوه الأخرى بواسطة واحدة من أربعة نماذج من عمليات التناظر المختلفة. تخيل أنك تجلس داخل البلورة في مركزها وأنك تنظر نحو الوجوه التي تحد البلورة.
يكون الانقلاب أحد نماذج عمليات التناظر حيث يكون لكل وجه على سطح بلورة وجهاً مكافئاً على الجانب المقابل للبلورة. ويسمى ذلك بمركز التناظر. على سبيل المثال، إذا جلس أحدهم داخل مكعب، فإنه سيرى نفس الشيء إذا نظر نحو اليمين أو الشمال، نحو الأمام أو الخلف، ونحو الأعلى أو الأسفل. من جهة أخرى، إذا جلس أحدهم داخل رباعي وجوه، عندها لن يكون نفس الشيء نحو اليمين أو اليسار، نحو الأمام أو الخلف، ونحو الأعلى أو الأسفل. فالمكعب يمتلك مركز تناظر، أما رباعي الوجوه، فلا يمتلكه.
يتمثل النموذج الثاني للتناظر بالدوران عندما تبدو البلورة مماثلة لنفسها بعد الدوران حول محور يمر من مركزها. فالمكعب يمكن دورانه بزاوية 90° أو 180° أو 270° حول محور عمودي على أيٍ من وجوهه ويمر من مركز الوجه، إنه يمتلك محور دوران رباعي. وعلى نحو مماثل، يمكن دوران رباعي وجوه بزاوية 120° أو 240° حول محور عمودي على الوجوه المثلثية، إنه يمتلك محور دوران ثلاثي.
عملية التناظر الثالثة هي الانعكاس عبر مستوي مرآة، ففي كلٍ من المكعب ورباعي الوجوه، هناك عدد من مستويات المرآة حيث يكون نصف المكعب أو رباعي الوجوه صورة مرآة للنصف الآخر. وأخيراً، هناك تراكيب لدوران يليه انقلاب.
يوجد فقط 32 تركيب فريد من نوعه ممكن من أجهزة التناظر هذه يطلق عليها " المجموعات النقطية ".
ويصنف مختصو الفلزات البلورات بواسطة المجموعة النقطية التي تنتمي إليها. وقد بدأ العلماء يتساءلون فيما إذا كان التناظر الخارجي لبلورة يعكس تناظرها الداخلي.
وفي عام 1782، اقترح رينيه هوي (René Haüy) كيفية ترابط التناظر الخارجي والداخلي، وتقول القصة أنه أسقط بلورة من الكالسيت (كربونات الكالسيوم)، فانكسرت إلى عدد من البلورات الصغيرة. وقد لاحظ أن كلاً منها كان له نفس شكل البلورة الأصلية، فاستنتج أن البلورات تتألف من وحدات بنيوية مجهرية نسميها اليوم وحدة الخلايا (Haüy 1782) التي تتكرر ملايين المرات في كل اتجاه لتشكيل بلورة جهرية (عيانية). ويشبه ذلك تنضيد كومة من الآجر كما في الشكل 8.1.
لبناء بلورة جهرية، تُعرَّف شبكة نقطية ثلاثية الأبعاد حيث توافق النقاط زوايا كل الخلايا الأحادية، وانطلاقاً من إحدى زوايا الخلية الأحادية، تُرسم خطوط أو محاور وهمية من الزاوية وعلى طول أضلاع الخلية المكونية. وتعرِّف هذه المحاور الشبكة كما يبين الشكل 8.1 من أجل شبكة مكعبة والشكل 7.1 من أجل شبكة سداسية. ووفق رؤية هوي، تتكرر الخلايا المكونية ملايين المرات في كل الاتجاهات لتشكيل بلورة جهرية.
في عام 1850، برهن عالم الفيزياء والرياضيات الفرنسي أوغست برافيه (Auguste Bravais) أنه يمكن تماماً تعريف 14 شبكة مختلفة (Bravais 1850)بحيث تظهر البلورة مماثلة لنفسها عند النظر إليها من أي نقطة من الشبكة. ومن الأمثلة على ذلك، الشبكة المكعبة في الشكل 8.1 حيث تتساوى في الطول جوانب المكعب وتساوي الزوايا بين كل جانبين 90°.
والمثال الثاني هو الشبكة السداسية في الشكل 7.1 حيث يكون طول أحد جوانب وحدة الخلية مختلفاً عن الجانبين الآخرين اللذين يشكلان بينهما زاوية 120°. ويمثل الشكل في الصندوق 1.2 المثال الثالث لشبكة متمركزة الوجوه.
في عام 1890، برهن وليام بارلو (William Barlow) وإيفغراف فيدوروف (Yevgraf Fedorov) وآرثر شونفلايز (Arthur Schönflies) كلٌ بمفرده أن تركيب 32 مجموعة نقطية مع 14 شبكة برافيه يعطي 230 تركيباً متميزاً مستقلاً لأجهزة تناظر تشمل الانقلاب والدوران والانعكاس والانزياح. وتسمى هذه التركيبات بالمجموعات الفضائية حيث توصف بنى كل الأجسام الصلبة تقريباً بواسطة واحدة منها (Barlow 1894; Fedorov 1895; Schönflies 1891). (في عام 1982، وجد دانيال شيكتمان (Daniel Schechtman) عائلة بلورات أشباه البلورات التي لا تمتلك تناظر انزياح).
يقود تصنيف تناظر البلورة تبعاً لمجموعتها الفضائية إلى نتيجة ملفتة للنظر مفادها أنه يجب تحديد المواقع في الفضاء فقط لعدد قليل من الذرات في وحدة الخلية في حين يتم تحديد مواقع بقية الذرات فيها بواسطة عمليات تناظر المجموعة الفضائية المناسبة. وبالتالي، سيتم الحصول على مواقع كل الذرات في بلورة جهرية مثالية بانزياح وحدة الخلية إلى كل نقطة أخرى في الشبكة. وعلى سبيل المثال، بتحديد موقع ذرة واحدة من السيليكون وذرة واحدة من الأوكسجين في وحدة خلية الكوارتز- بيتا، فإنه يمكن حساب المواقع في الفضاء لأكثر من 1023 ذرة في بلورة جهرية مثالية.
تمتلك البلورات الحقيقية عيوباً وتُظهر انحرافاً عن النموذج المثالي. ومع ذلك ، وكما سنرى في الفصل الثالث، فإن بلورات السيليكون، التي تعتبر أساس صناعة الإلكترونيات، تمتلك قليلاً من العيوب وتُقارب نموذج البلورات المثالية.
لبيان كيفية استعمال التناظر لتحديد مواقع الذرات في وحدة الخلية، لنعتبر ذرات الأوكسجين في وحدة الخلية للكوارتز- بيتا (الشكل 9.1).
تمتلك مجموعة الفضاء للكوارتز- بيتا عدداً من عمليات التناظر المختلفة، لكننا نحتاج فقط لاستعمال اثنتين منها لربط كل ذرات الأوكسجين في وحدة الخلية. يُظهر الشكل نوعين مختلفين من محاور الدوران يسمى الأول بالمحور الحلزوني ويرمز له 3t. وتشتمل هذه العملية على مرحلتين حيث تدور في الأولى كل الذرات في وحدة الخلية عكس عقارب الساعة بزاوية 120° حول محور عمودي على مستوي الشكل (الورقة).
وبعد هذا الدوران ، تنزاح الذرات في مستوي الشكل (الورقة) بمقدار ثلث طول ضلع وحدة الخلية. تتضمن عملية التناظر الثانية محور دوران من المرتبة الثانية حيث تدور كل الذرات في وحدة الخلية بزاوية .180° وعندما يكون موقع الذرة 1 محدداً، فإن نوعا محاور الدوران ستحدد مواقع كل ذرات الأوكسجين الباقية في وحدة الخلية، ويبين الشكل هذا التتابع من 1 وحتى 6.
انطلاقاً من مشاهدة رينيه هوي (René Haüy) بالمصادفة والبراهين الهندسية اللاحقة التي أسست المجموعات النقطية والمجموعات الفضائية، تم في نهاية القرن التاسع عشر تطوير البناء الرياضي الذي يسمح بتوصيف بنية البلورة بالاعتماد على تناظرها.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]