طاقة الكم
2013 الرمل والسيليكون
دنيس ماكوان
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
يبين الشكل 3.5 طيف الإشعاع الصادر عن الشمس (تأتي المعطيات من http://rredc.nrel.gov/solar/spectra/am1.5/ASTMG173/ASTMG173.html).
تزداد شدة الإشعاع مع زيادة الطاقة وتبلغ قيمة عظمى وتتناقص عند الطاقات الأعلى.
وتشاهد السمات العامة لهذا الطيف في إصدار الضوء من عائلة كاملة من أجسام ساخنة مثل النجوم والشمس والفرن العالي وحتى من جسم الإنسان.
دُرست هذه الأطياف خلال العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر وطُورت النظرية العامة لوصف سماتها خلال العقد الأول من القرن العشرين. ويعمل الفيزيائيون التجريبيون على فهم الطبيعة عبر تصميم أنظمة مثالية والقيام بعد ذلك بقياسات هذه الأنظمة ثم تطوير النظرية التي تعطي وصفاً رياضياً للمشاهدات. وفي حالة الإشعاع الحراري، يسمى النظام المثالي بإشعاع الجسم الأسود.
لنعتبر فرناً افتراضياً عند درجة حرارة ثابتة. سيكون في داخل الفرن إشعاع كهرطيسي يتألف من طاقات متعددة مختلفة. وفي حالة الجسم الأسود، يُفترض أن أي إشعاع يصدم الجدران يُمتَص بالكامل أي أنه "أسود". في الواقع، تُصدر الجدران الإشعاع باستمرار بحيث يحصل مع الزمن توازن تكون فيه الكمية الممتصة من قبل الجدران مساوية للكمية الصادرة. يكون إشعاع الجسم الأسود هو الإشعاع الصادر من ثقب صغير في جدار الفرن بعد بلوغه التوازن.
يمكننا دراسة شدة إشعاع الجسم الأسود بدلالة الطاقة مع تغير درجة حرارة الفرن، وقد تبين أن الطاقة الكلية الصادرة في واحدة الزمن تتغير بالتناسب مع الأس أربعة لدرجة الحرارة (قانون ستيفان- بولتزمان (Stephan- Boltzmann)) وأن الطاقة التي تصدر عندها الكمية العظمى للطاقة تتغير أيضاً مع الحرارة (قانون انزياح فين (Wien)).
وعندما تم اشتقاق هذه القوانين نظرياً، تبين أن ثوابت التناسب في القانونين كانت تراكيب من الثوابت الأساسية في الفيزياء. يتعلق شكل منحني الإشعاع بدلالة الطاقة وطاقة القيمة العظمى للطاقة بدرجة الحرارة فقط.
ويُظهر عدد من الأجسام المختلفة شدة إشعاع حراري وطيفاً يقترب من ذلك المحسوب في إشعاع الجسم الأسود عند درجة حرارة مناسبة، وتشتمل الأمثلة على الشمس عند درجة حرارة 5800°مطلقة (الشكل 3.5) وجسم الإنسان عند درجة حرارة 300°مطلقة.
لتوضيح أهمية إشعاع الجسم الأسود في تطور فيزياء القرن العشرين، يعطي الشكل 3.5 منحنيين نظريين لتابعية إشعاع الجسم الأسود للطاقة. يمثل المنحني الأول قانون رايلي جينز (Rayleigh Jeans) والثاني قانون بلانك (Planck)، ويبدأ المنحنييان معاً ويتباعدان مع تزايد الطاقة. يتوافق قانون بلانك لجسم أسود عند درجة 5800°مطلقة جيداً مع الطيف المعاين الناتج عن الشمس.
والمسألة الهامة هي أن قانون رايلي جينز كان قد اشتُق بالاعتماد على قوانين الفيزياء التقليدية التي طورت خلال القرن التاسع عشر. (تاريخياً، اشتُق قانون رايلي جينز بعد قانون بلانك لكنه يعتبر أداة تربوية مفيدة لتوضيح فشل الفيزياء التقليدية). إن حقيقة فشل هذا القانون في تبيان تناقص شدة الإشعاع الحراري عند قيم الطاقة العالية تعني أن شيئاً ما ينقص في الصورة التقليدية للطاقة الحرارية.
لقد قاد تفسير هذا التباين إلى نظرية الكم التي غيّرت جذرياً نظرتنا إلى العالم، وكان المفتاح إلى ذلك ما قام به بلانك في عام 1900. ويكمن الفارق الأساسي بين قانون رايلي جينز وقانون بلانك في كيفية فهم الطاقة. فالضوء شكل من الطاقة ينتشر على شكل موجة. في القرن التاسع عشر، كان يُعتقد أن الضوء عبارة عن تيار من الطاقة يمكن تقسيمه إلى وحدات اعتباطية صغيرة.
ومنذ زمن الفيلسوف الإغريقي ديموقراط، اعتُبرت المادة حبيبية تتكون من وحدات صغيرة غير قابلة للقسمة نسميها اليوم بالذرات. لهذا، لماذا لا تُعتبر الطاقة حبيبية أيضاً؟ في القرن السابع عشر، اقترح نيوتن حقيقةً أن الضوء كان يتألف من كميات صغيرة من الطاقة لكن النظرية الموجية للضوء هيمنت على التفكير خلال القرن التاسع عشر لأنها فسرت بالكامل تقريباً كل التجارب على الضوء. رجع بلانك إلى فكرة نيوتن.
في إشعاع الجسم الأسود، تمتص وتُصدر جدران الفرن الضوء باستمرار، وحسب النظرية التقليدية للضوء، يمكن لكميات صغيرة اعتباطية من الطاقة أن تصدر أو تُمتص. وتقود هذه الفرضية إلى قانون رايلي جينز الذي لا يتفق مع المشاهدات.
طور بلانك نموذجاً افتراضياً لجدران الفرن التي يحدث فيها عدد من الاهتزازات يمتلك كل منها تواتره الخاص. في هذا النموذج، تكون الطاقة في كل اهتزاز وعند أي زمن معين مضاعفاً لثابت عمومي (يُعرف الآن بثابت بلانك) مضروب بتواتره.
وعندما يتبادل هزّاز الطاقة مع الضوء داخل الفرن عبر اصدار أو امتصاص الضوء، فإنه يفعل ذلك بواسطة وحدات طاقة تساوي ضرب ثابت بلانك بتردد الهزاز. اقترح بلانك أن الطاقة تكون في الحقيقة حبيبية وأن هناك وحدة دنيا للطاقة هي كم الطاقة (Quantum).
إن التغير من النظرة المستمرة إلى النظرة الحبيبية للضوء يغير جذرياً رياضيات حساب الإشعاع الحراري بدلالة الطاقة. ويؤدي ذلك إلى معادلة تتوافق مع الطيف الشمسي المُقاس كما يبين الشكل 3.5. نال بلانك جائزة نوبل عام 1918 "كتعبير عن الاعتراف بالخدمات التي أسداها من أجل تقدم الفيزياء عبر اكتشاف كمات الطاقة".
يرجع اعتماد فيزياء الكم في نموذج بلانك لإشعاع الجسم الأسود إلى الهزازات الافتراضية في جدران الفرن. ويعود لأينشتاين النظرة الأعمق في أن حقل الضوء الكهرطيسي نفسه هو الذي يخضع لفيزياء الكم.
كانت سنة 1905 متميزة لأينشتاين الذي نشر أربع مقالات بعيدة النظر غيرت مسار الفيزياء. يًقرِن الناس أينشتاين مع العلاقة E= mc2 (تكافؤ المادة والطاقة) ومع نظرية النسبية، لكنه في الحقيقة نال جائزة نوبل عام 1921 " لقاء خدماته للفيزياء النظرية وخاصة اكتشافه لقانون المفعول الكهرضوئي". فبينما كان بلانك قد شرح إصدار الضوء من جسم ساخن، فإن أينشتاين هو من فسَّر امتصاص المعدن لضوء ذي طاقة كافية وإصداره للإلكترونات، وهذا ما يسمى المفعول الكهرضوئي.
ومثل إشعاع الجسم الأسود، لا يمكن تفسير المفعول الكهرضوئي بواسطة الفيزياء التقليدية. وتُصدر كل المعادن إلكترونات عند تعريضها لضوء ذي طاقة كافية ولا يصدر أي إلكترون قبل طاقة حدية تختلف من معدن إلى آخر.
ما هو أكثر إدهاشاً، أنه عندما تزداد شدة الضوء عند تواتر معين، يزداد عدد الإلكترونات الصادرة لكن طاقة كل إلكترون صادر لا تتغير، الأمر الذي يبدو معاكساً للحس عندما نتمثل الضوء على شكل موجة بسيطة. فعندما نراقب الرياح توجه أمواج المحيط مع اقتراب عاصفة، تتزايد سعة الأمواج مع تزايد قوة الرياح، وتتناسب الطاقة مع مربع السعة وتتزايد بالنتيجة طاقة الموجة.
في المفعول الكهرضوئي، لا تتغير طاقة الإلكترونات الصادرة عندما يحدث امتصاص أكبر لضوء ذي طاقة معينة. وتماشياً مع بلانك، أدرك أينشتاين أنه إذا كان الضوء حبيبياً، فإن حبيبة ضوء (تسمى اليوم بالفوتون) تعطي كل طاقتها للإلكترون، ومع ازدياد شدة الضوء، يحدث امتصاص الفوتونات بواسطة عدد أكبر من إلكترونات تنبعث من سطح المعدن مع امتلاك كل منها نفس الطاقة.
من أجل تحرير إلكترون من معدن، يحتاج الأمر فوتوناً ذا طاقة دنيا، ومع زيادة طاقة الفوتون فوق الطاقة الحرجة، تزداد طاقة الإلكترونات الصادرة لأن هناك طاقة فائضة عن الطاقة الحرجة اللازمة لتحرير الإلكترون.
وتفسر نظرية أينشتاين للمفعول الكهرضوئي كل المشاهدات التجريبية أي الطاقة الحرجة لإصدار الإلكترونات وشدتها مع تزايد الطاقة.
أفضى كم الطاقة لبلانك وفوتون الضوء لأينشتاين بالاقتران مع ميكانيك الكم إلى تفسير امتصاص وإصدار الضوء في أنصاف النواقل وخاصة الوصلات p-n، كما أفضى هذا التفسير إلى تطوير الخلايا الشمسية وكواشف الإشعاع- المنتجات التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]