البيولوجيا وعلوم الحياة

عملية تقطيع وجمع الدنا

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

في سنة 1973، أصبح النقاش بشأن الدنا المترابط مطروحاً على الملأ. لقد كان البشر يعيدون توحيد الدنا منذ آلاف السنين بطبيعة الحال، من خلال الزراعة وإنسال الحيوانات الأليفة.

وفي أواسط القرن التاسع عشر، بدأ تشارلز داروين وغيره من مهندسي نظرية التطوّر يدركون الإنسال والتهجين من خلال التطوّر.

وفي أوائل القرن العشرين، أضافوا التفسير المندلي الصبغي، حيث الإنسال مسألة تتعلّق بعلم الوراثة والنموّ، وكل ذلك في سياق التطوّر.

وفي أواسط القرن، أنتج بريغز وكينغ ثم غوردون نوعاً معيّناً من الهجائن التي جمعت معاً تجريبياً جينات موروثة من كائنات حية مختلفة. لقد كانت إعادة التركيب الجيني شائعةً في الواقع، في الطبيعة والمختبر أيضاً.

مع ذلك طرأ تغيّر في سنة 1973. اكتشف العلماء خطوة خطوة كيف يعزلون إنزيم اقتطاع (Restriction Enzyme) يمكن أن يقطع الدنا في مواقع "مقيّدة". يعمل الإنزيم بمثابة نوع من المقصّ لإجراء أنواع محدّدة من الاقتطاعات.

 

وسرعان ما أقرّت أهمية هذا الابتكار بحيث تسلّم ورنر آربر (Werner Arber) ودانيال ناتانز (Daniel Nathans) وهاملتون أ. سميث (Hamilton O. Smith) جائزة نوبل في سنة 1978 في الفيزيولوجيا والطب لاكتشافهم إنزيمات الاقتطاع وتطبيقهم تقنيات علم الوراثة الجزيئي. وعرف آخرون كيف يعزلون إنزيم الليغاز (Ligase) الذي يمكن أن يجمع قطع الدنا معاً.

إن القطع والجمع معاً لا يبدوان أمراً صعباً جداً، أو مذهلاً، لكنهما كذلك. فبهذه التقنية يمكن قطع جديلة من الدنا وفصلها ثم جمعها مع أجزاء إضافية أو مع أجزاء مختلفة وإعادتها. وأصبح من الممكن ترابط [إعادة تركيب] الدنا، ليس هذا فحسب وإنما يمكن ترابط الدنا من أنواع مختلفة.

كان ذلك رائعاً. ربما نحصل على "جينات تصميمية" بالائتلاف الذي نريد بالضبط. أضف إلى ذلك القدرة المطوّرة مؤخّراً على عزل الجينات واستنساخها (أي صنع نسخ مضبوطة عنها) بحيث يكون هناك الكثير مما تريد جاهزاً للتضفير (Splice)، فتصبح هذه البحوث قادرة نظرياً على توليد ائتلاف الدنا الذي يريده الباحث.

في سنة 1973 جاءت أولى الحالات الناجحة لتضفير أجزاء خارجية من الدنا في بلازميدات (Plasmids) دنا دائرية مستمدّة من جراثيم. وبعد ذلك أعيد إقحام البلازميدات في جراثيم الإشريكية القولونية (E. coli). لم يعد ترابط الدنا ممكناً نظرياً، بل نجح.

إنه أمر رائع. تصوّر احتمالات مساعدة مريض بشري ابتُلي بوراثة دنا معيب بطريقة معيّنة. ربما تكون القدرة على معالجة كربوهيدرات معيّنة ناقصة على سبيل المثال: في الماضي كان هذا المرء محكوماً عليه بالمرض وربما الوفاة المبكّرة، لكنه قد يتمكّن من العيش حياة عادية من خلال المعالجة الجينية.

يستطيع العلماء نظرياً إيجاد نسخة "معافاة" من الجين الناقص، وتضفيرها بجراثيم معيّنة أو ناقل آخر ثم إدخالها إلى المريض. وسرعان ما بدأ الناس يتخيّلون التطبيقات، مثل تضفير جين لإنتاج الإنسولين وإدخاله إلى مرضى السكري. بدت الاحتمالات هائلة، وسرعان ما تلقّف العلماء والجمهور الاحتمالات.

غير أن المناقشات في اجتماع في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في سنة 1973 كشفت مقدار قلّة ما يدركه العلماء عن هذا العلم وألمحت أيضاً إلى المشاكل العميقة لتكنولوجيا الدنا المترابط وحدودها والنتائج المترتبة عليها.

 

إذا كان في وسع العلماء إقحام الدنا في البلازميدات، ثم وضعها في جراثيم، مثل الإشريكية القولونية، التي تقيم داخل أمعاء البشر بصورة طبيعية وتنتشر فيها، هل يمكن أن يشكّل الإجراء مخاطر على الأفراد الذين يلوَّثون بإدخال الدنا؟ ألا يمكن أن تهرب الجينات المترابطة من المختبر وتحدث اضطراباً في البيئة؟ ماذا لو كان لأجزاء الدنا البريئة في الظاهر عواقب باثولوجية حادّة على البشر؟ ماذا لو أن الجراثيم الملتهمة للنفط لا تلتهم فقط النفط "الرديء" الذي يندلق من الناقلات وإنما النفط "الجيّد" أيضاً الذي نحتاج إليه لتزويد سياراتنا بالوقود وتدفئة منازلنا؟ امتلأت الصحافة العامة بمثل هذه السيناريوهات، وبعضها أثارها العلماء أنفسهم.

ظهر الخوف من تغيير مسار التطوّر بإعادة جمع أجزاء من الدنا التي يكون لها عادة حدود طبيعية لأنها تقيم في أنواع مختلفة. ربما تتخذ الخيمرات (Chimeras) التي أنتجت بهذه الطريقة حياة خاصة بها وتصبح وحوشاً. كنا نعرف القليل عن الحواجز الطبيعية التي يوفّرها التطوّر للنمو، لكن هناك بعضها حتماً.

وسنتدخّل في الطبيعة ونهدم الجدران والحمايات التي ربما نحتاج إليها حقاً، من دون أن يكون لدينا أي فكرة عما نتوقّعه. وسواء أكان هذا البحث سيقودنا إلى أداء "دور الإله" والتصرّف بنوايا حسنة ونرتكب أخطاء بسبب الجهل، أم إجراء تجارب مقصودة وطائشة، مثل الدكتور فرانكشتاين، فإن المجتمعين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في سنة 1973 خلصوا إلى أن على العلماء التفكير في ما يقومون به والعمل وفقاً لذلك أو إخضاعهم للرقابة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى