موارد الصحراء الكبرى
2013 دليل الصحارى
السير باتريك مور
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
– المياه: تعتبر الصحراء الكبرى بيئة معادية. وهطول المطر نادر جداً بحيث لا يسمح بدعم المحاصيل، وحتى تربية المواشي ليست من الأنشطة القابلة للحياة بصورة عامة.
وتكاد مثل هذه البيئة القاحلة ألا تسند الحياة البرية والمواشي أو الناس، كما أن الحياة النباتية والحيوانية الموجودة اضطرت الى التكيف بصورة دراماتيكية كي تتمكن من البقاء.
وقد طورت المجتمعات البشرية في الصحراء الكبرى طوال التاريخ طائفة من الاستراتيجيات المبتكرة المتميزة في كفاحها من أجل البقاء.
يعبر الصحراء الكبرى نهر كبير واحد هو نهر النيل، ويلامس نهر النيجر حدودها الجنوبية ثم يغير اتجاهه من جديد، وتتغلغل بعض الأنهار دائمة الجريان حدودها، مثل «لوغون» و «تشاري» وهما يغذيان بحيرة تشاد، وعلى الرغم من ذلك فإن البعض الآخر من الأنهار سريع الزوال (وتتدفق فقط في بعض الفصول والسنين) مثل «اويد ساورا» في الجزائر.
وتدعم هذه الأنهار أربع أخماس أو أكثر من السكان. ويجعل هذا من الصحراء الكبرى واحدة من أكثر المناطق خلواً على سطح الأرض.
ومع ندرة المياه السطحية وعدم إمكانية الإعتماد عليها، حظيت المياه الجوفية على الدوام بأهمية بالغة في الصحراء الكبرى. ومعظم المياه الجوفية في الصحراء الكبرى من النوعية عالية الجودة، وتصلح للإستعمالات الزراعية والمحلية معاً. غير أن أكثر من نصف المياه التي تصلح لاستثمار مياه قديمة هطلت على شكل مطر قبل عدة آلاف من السنين.
ويُظهر تأريخ المياه في أكبر الخزانات الجوفية المائية في (Nubian Sand stone) في شمال شرقي الصحراء الكبرى أن عمر المياه الأكثر عمقاً يراوح بين 200,000 الى 1,200,000 سنة والمياه الموجودة فوق 600 متر تحت السطح يصل عمرها الى 160,000 سنة. ولا بد أن الطبقات الصخرية المائية قد امتلأت عندما كانت الصحراء الكبرى أكثر رطوبة مما هي عليه اليوم.
ولذلك فإن موارد المياه هذه هي محدودة وبمجرد استعمالها لن تعوّض –أو على الأقل حتى الفترة الرطبة التالية أياً كان موعد حدوثها– كما أن الطبقة الصخرية المائية الرئيسة تحت الجزائر وجنوبي تونس هي تكوين جيولوجي قاري وتتجدد المياه فيه من خلال الأمطار القليلة التي تهطل وتترسب تدريجياً في هذا الخزان الواسع، غير أن عملية إعادة التعبئة هذه بطيئة للغاية.
وكان أبرز تطور في عمليات استعادة المياه الجوفية في الصحراء الكبرى قد نَفُذَ في ليبيا خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وفي ذلك الوقت كانت المياه تستخدم فقط في منطقة الكوفره وفي «فيزان». أما الآن فإن خطين من الأنابيب – وهما ضمن مشروع النهر العظيم، وكل واحد منهما كبير بما يكفي لقيادة شاحنة فيه، ينقلان المياه الى ساحل البحر الأبيض المتوسط.
وعلى الطريق تمت اقامة أنظمة ري مركزية حيث زرعت المحاصيل فيما كان من قبل صحراء غير صالحة مطلقاً للزراعة. وتعطي بعض التقديرات حول الاحتياطي هذه الخطة 100 سنة قبل أن تجف المياه فيها.
وتقول تقديرات اخرى ان المدة قد تصل الى 500 سنة. وتوجد الطبقة الصخرية المائية النوبية أيضاً تحت أجزاء من مصر، حيث تم استثمارها أساساً لأغراض الري، وفي السودان وتشاد حيث لم تستغل بعد.
– الموارد المعدنية: تعتبر المعادن، في المفهوم الاقتصادي، أكثر الموارد الطبيعية أهمية في الصحراء الكبرى. وتوجد احتياطيات ضخمة من النفط في الأجزاء الليبية والجزائرية منها.
وتحقق الدولتان أكثر من 90 في المئة من أرباح التصدير من تلك الهيدروكربونات. وقد استفادت مصر وتونس أيضاً من النفط ولكن بقدر أقل الى حد كبير.
الموارد المعدنية الاخرى كانت، ولا تزال، مساهماً رئيسياً في اقتصاديات البعض من دول الصحراء الكبرى. والفوسفات، على سبيل المثال، هي صادرات تونس الرئيسة، وفيما تعتبر المغرب وموريتانيا والصحراء الغربية من منتجي الفوسفات الرئيسيين فإن استقرار تلك الصادرات تعرّض لإضطراب نتيجة انعدام الأمن والنشاط الحربي في المناطق الحدودية لتلك الدول. وتعتبر موارد الحديد الخام مهمة أيضاً وخاصة في موريتانيا.
وتسطع الشمس بصورة كبيرة في تلك المنطقة طوال السنة، وتعطيها المساحة الواسعة من الأرض أكبر امكانية بين كل صحارى العالم لتطوير الطاقة الشمسية. ٍغير أن المشكلة لا تكمن في التقنية المتعلقة بتحويل الطاقة الشمسية، التي أصبحت أكثر تعقيداً، بل في أسعارها بالنسبة الى أسعار الطاقة الأحفورية.
وعلى أي حال ومع معدلات الارتفاع الحادة لتكاليف الطاقة الأحفورية (في عام 2006) فإن التقنية الشمسية قد تصبح منافسة في وقت قريب تماماً. وقد ارتبطت الأجزاء الشمالية من الصحراء الكبرى أصلاً مع شبكة أوروبية، والتجارب من أجل تغذية تلك الشبكة بطاقة شمسية قد تتم عما قريب.
وتأثيرات ذلك على اقتصاديات الصحراء الكبرى موضع جدال. وقد يغير مستوى آخر من الطاقة الشمسية، عندما تصبح منافسة، الحياة في الصحراء الكبرى: إذ يمكن أن تستعمل في الامدادات المحلية –كما هو الحال الآن في الاتصالات – وفي تشغيل مضخات المياه أو تحلية المياه قليلة الملوحة (حتى مع الطاقة الأحفورية بأسعارها الحالية يمكن أن تكون طريقة منافسة لتوفير الماء العذب). وفي الوقت الراهن تمثل تكلفة رأس المال والصيانة قضايا كبيرة تحول دون انتشار تلك التقنية.
– الطوارق: عندما تقدمت الجيوش العربية عبر شمال أفريقيا في القرن الحادي عشر حلت محل البربر كمجموعات سكانية حاكمة. وفيما كان الكثير من سكان البربر، ولا يزالون، مقيمين فإن البعض كان من البدو.
والمجموعة المعروفة بشكل أفضل بينهم هي الطوارق التي يوفر مقاتلوها واحدة من أكثر الصور المألوفة في الصحراء الكبرى. وبعد أول الفاتحين العرب تردد الطوارق بشكل أولي في اعتناق الإسلام، ولكن خلال القرون التالية استُبدل هذا التردد بموالاة صادقة.
ويتعين على رجال الطوارق ارتداء نقاب طويل مصنوع من القطن يكون في الغالب باللون الأزرق، فيما ترتدي النساء نقاباً أصغر يغطي الفم فقط.
يصل عدد الطوارق الى حوالي المليون شخص. وهم مقسّمون الى سبع مجموعات أو اتحادات كونفيدرالية، ويقع موطنهم في ست دول هي: مالي وبوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر والجزائر وليبيا. وطوال قرون اتبعوا طريقة حياة بدوية أو شبه بدوية تقوم على تربية الجمال والماعز والغنم والمواشي.
ويتكلم الطوارق لهجات «تماهاك» وهي شكل من سنهادجان البربر، وتختلف اللهجات وفقاً للكونفيدرالية القبلية. واتحاد أهاغار الطوارق الكونفيدر في حد ذاته مقسم الى ثلاث قبائل هي: الكيلا ريلا، تيغيهي ملة والتيتواق. ويرأس كل قبيلة عشيرة تتميز بالأرستقراطية، كما يتكون مجتمع الطوارق التقليدي من ثلاث طبقات هي: النبلاء والأتباع والعبيد.
وتاريخياً سيطر النبلاء على طرق قوافل الصحراء الكبرى وركز الأتباع على تربية المواشي، فيما قام العبيد سابقاً بأعمال وضيعة بما في ذلك العناية بزراعة الواحات وحراسة المخيمات القبلية.
ثقافة الطوارق تقوم على السن، غير أن وراثة زعامة القبيلة تمر عبر الإناث بحيث يكون الخليفة هو الإبن الأكبر من الأخت الكبرى للرئيس.
وكانت خلافة القبيلة على الدوام قضية براغماتية (Pragmatic) تقررها رغبة العشيرة في تقدير القائد.
تعرضت تقاليد الطوارق الى معاناة تحت الضغوط الاقتصادية والسياسية في السنوات الأخيرة.
وتطورت تقاليدهم في الأصل ضمن طراز مرن بسبب صعوبة الحفاظ على الفَرْق والتسلسل الهرمي الاجتماعي الدقيق بين مجموعات بدوية كثيرة التنقل وقد اضطر اتحاد أهاغار الكونفيدرالي الى تقسيم العشيرة والأقسام القبلية الى مجموعات عائلية أصغر لأن حدة الجفاف في المنطقة تتطلب حركة سريعة بين مؤن المياه ومناطق الرعي.
وإضافة الى اقتصاد الرعي عملت قبائل الطوارق لفترة طويلة مثل وسيط لحركة النقل عبر الصحراء الكبرى. ولفترات طويلة من الزمن سيطر نبلاء الطوارق على العديد من طرق التجارة عبر الصحراء الكبرى، وكانوا يوفّرون المرشدين للتجار العرب من الأقليم الساحلي لشمال أفريقيا.
وقد أزالت الميكنة الكثير من المشاكل المتعلقة بالنقل في الصحراء، وحرمت الطوارق من مصدرهم الرئيس من الدخل الخارجي. واضافة الى ذلك يعاني الطوارق الآن من التأثيرات المباشرة للجفاف الطويل الممتد من السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وأرغم هذا الحال العديد منهم الى الاستقرار في المدن.
– شعب مهدد: شهد تاريخ الطوارق في القرن العشرين ثلاث ثورات عسكرية. الأولى، والتي اندلعت في السنوات الأولى من القرن، تم قمعها بسهولة من قبل الفرنسيين.
وكان الطوارق آخر شعب في شمال أفريقيا يوقع معاهدات مع القوى الاستعمارية (في 1905 و1917). وبعد فترة قصيرة سُمِح بممارسة النشاط السياسي حتى زمن تقسيم وطن الطوارق التقليدي في «آير» و آزاواد (Air and Azawad) بين الدول حديثة الاستقلال وهي مالي وبوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر والجزائر وليبيا.
وفي أواخر السبعينات من القرن الماضي بدأ الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بتجنيد رجال العصابات من الطوارق للقتال في تشاد. ونتيجة لذلك بدأ العديد من الطوارق السعي لتحقيق حلم تحرير آزاواد.
وفي مالي والنيجر شنت مجموعات من مقاتلي الطوارق حرب عصابات ضد حكومات الدول التي كانت حدودها تمر عبر وطن الطوارق. ويعتقد أن عدة مئات من الآلاف قُتلوا، وقد اختلفت مطالبهم من الإستقلال التام لـ«آير» وأزاواد الى الحكم الذاتي (Autonomy) الإقليمي الأكبر.
وقد انتهت تلك الحرب في عام 1992 في مالي وفي النيجر عام 1995 (على الرغم من اندلاع حروب عصابات منذ ذلك الوقت)، وتوصل الطوارق الى نوع من التسوية مع الحكومات الوطنية القائمة. وأصبحت موسيقاهم، وهي اشارة على الاستمرار الثقافي، معروفة تماماً في أوروبا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]