المذنبات العظيمة
2013 أطلس الكون
مور ، السير باتريك مور
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
المذنبات العظيمة
ليس من الغريب أن الشعوب القديمة كانت تصاب بالذعر عند ظهور المذنبات الساطعة، فقد كانوا يعتبرون ظهور “النجوم ذوات الشعر” – كما كانوا يسمونها- نوعا من النحس، كما يظهر من سطر شكسبير في (يوليوس قيصر): “عندما يموت المتسولون، لا تظهر أية مذنبات، لكن السماوات نفسهن تتلظين عند موت الأمراء”، و قد حصلت نوبات هلع عدة بسبب المذنبات، ففي عام 1736 أشعل إحداها الموقر ويليام ويستون الذي خلف نيوتن في كرسي أستاذية الرياضيات في كامبريدج. ولأسباب دينية بالمقام الأول، تنبأ ويستون بنهاية العالم نتيجة لاصطدام سيقع في 16 أكتوبر من العام التالي وقد كان في لندن ذعر عظيم لدرجة أن رئيس أساقفة لندن اضطر أن يعلن تنصله رسميا من هذه النبوءة.
ولو حدث و ارتطمت نواة مذنب قطرها عدة كيلومترات بالأرض فإنها ستحدث بالتأكيد دمارا واسع الانتشار، لكن فرصة حدوث ذلك طفيفة جدا، و قد اقترح السير فريد هويل و تشاندرا ويكرماسينج نظرية من طراز آخر إذ يعتقدان أن المذنبات يمكن أن ترسب بعض الفيروسات في طبقات الهواء العليا و تسبب أوبئة كالجدري لكن هذه النظرية لم تلق صدى واسعا لدى الفلكيين ولا لدى الخبراء الطبيين.
ندرت مشاهدة المذنبات العظيمة في القرن العشرين لكن الكثير منها ظهرت في الماضي وعلى سبيل المثال فالمذنب C/1743 X1 (كلينكنبيرج – دي شيزو) قد ظهرت له ذيول متعددة و أظهرته الرسوم المعاصرة بشكل يشبه المراوح اليابانية. وكان مذنب 1811 العظيم (C/1811 F1) أكثر إثارة للإعجاب، وقد اكتشفه الفلكي الفرنسي أونوريه فلاجيرجو (Honore Flaugergues) إذ امتدت ذؤابته بعرض مليوني كيلومتر (1.2 مليون ميل) وامتد ذيله 16 مليون كيلومتر (10 ملايين ميل) بزاوية قدرها 90 درجة بينما امتد ذيل مذنب 1843 العظيم (C/1843 D1( 330 مليون كيلومتر (205 مليون ميل) وهي مسافة أكبر بكثير من المسافة بين الشمس و المريخ . وبالنظر إلى أحجامها الضخمة يكاد المرء ينسى أن هذه الأجسام واهية جدا وأن كتلها تكاد لا تذكر إذا ما قورنت بكتل الكواكب.
يقال أن مذنب عام C/1858 L1 من عام 1858 (دوناتي) هو أجمل مذنب رآه البشر برأسه الساطع و ذيلين أيونيين مستقيمين و ذيل غباري على شكل سيف معقوف، وبعده بثلاث سنوات جاء المذنب C/1861 J1 (تيبت) والذي اكتشفه هاو أسترالي واقترب إلى مسافة مليوني كيلومتر (1.2 مليون ميل) من الأرض بل أننا قد نكون مررنا عبر طرف الذيل، رغم أنه لم يسجل وقوع أي حدث غريب في تلك الفترة عدا مسحة صفراء خفيفة وغير مؤكدة على السماء.
كان مذنب سبتمبر 1882 العظيم ساطعا بما فيه الكفاية ليلقي بظلاله وليظل مرئيا حتى بعد صعود الشمس فوق الأفق، وهو أول مذنب يتم تصويره بطريقة صحيحة، إذ حصل السير دافيد جيل في رأس الرجاء الصالح على صورة ممتازة للمذنب مما أدى إلى تطور مهم. فقد رأى جيل نجوما عديدة جدا في الصورة لدرجة أنه اقتنع أن التصوير الفوتوغرافي هو وسيلة أفضل لرسم خرائط نجمية للسماء بدلا من الوسيلة الشاقة المستخدمة وهي القياس البصري. وقد كان مذنب 1882 عضوا في مجموعة ملامسي الشمس المسماة كروتز والتي تتميز بمسافة حضيض صغيرة جدا.
ظهر مذنب 1910 النهاري (C/1910 A1) قبل ظهور هالي بعدة أسابيع و قد كان بلا شك هو الأكثر سطوعا، وقد كان مرئيا مع وجود الشمس وكان له ذيل طويل و مهيب، وله مدار إهليلجي، لكننا لن نراه لفترة طويلة حيث أن دورته من رتبة ال4 ملايين سنة. من الجلي أننا لا يمكن أن نحدد الفترة بدقة إذ أنه لا يمكننا رصد أكثر من مقطع صغير جدا من هذا المدار كما أنه من الصعب التفريق بين شكل إهليلجي شديد الانحراف وشكل القطع المكافئ.
كان مذنب C/1927 X1 لعام 1927 (سكيلرب- ماريستاني)ساطعا جدا لكن فترة مجده دامت لمدة قصيرة، وظل قريبا من الشمس في السماء بشكل يتعب الرائي، وقد تميز بذلك أيضا – لكن ليس بنفس الدرجة – المذنب C/1965 S1 (إيكيا – سيكي) والذي اكتشفه مراقبان يابانيان كل على حدة، و كان المذنب أيضا عضوا في مجموعة ملامسي الشمس المسماة كروتز، و قد بدا ساطعا جدا في بعض بقاع العالم لفترة لكنه سرعان ما بهت ولن يعود إلا بعد 880 سنة. أما عن المذنب C/1973 E1 (كوهوتيك) فقد كان المتوقع أن يسطع بشدة لكنه خيب الآمال إذ أنه كان بالكاد مرئيا بالعين المجردة.
ومن المذنبات الأقل أهمية من ذلك يجب أن نذكر مذنب C/1956 R1 (أريند- رولان) من عام 1957، مذنب C/1969 Y1 (بينيت) من عام 1970، ومذنب C/1975 V1 (ويست) من عام 1976. فالأول كان مرئيا في المساء لمدة أسبوع أو اثنين في أبريل 1957 وظهر له مثل مسمار غريب باتجاه الشمس، و لم يكن هذا المسمار ذيلا مقلوبا بل كان طبقة رقيقة من المادة في مدار المذنب قد أصابها ضوء الشمس من زاوية مناسبة، أما الثاني فكان أكثر سطوعا و بذيل طويل ودورة تبلغ 1700 عاما، أما الثالث C/1975 V1 ويست)، فقد كان ساطعا أيضا لكنه تضرر بشكل بالغ عند مروره بالحضيض و تفتت نواته.
في السنوات الأخيرة ظهرت مذنبات ساطعة فقط في أعوام 1996، 1997، 2007 وهي C/1995 O1 (هياكوتاكي)، C/1996 B2 (هيل – بوب)، والذي ظل مرئيا بالعين المجردة لفترة 18 شهرا، و C/2006 P1(مكنوت). وعلى الأقل فإن ظهور ثلاث مذنبات ساطعة في عقد واحد هو شيء مشجع. اكتشف الفلكي الأنجلو-استرالي روب مكنوت (Rob McNaught) مذنب مكنوت من مرصد سايدينج سبرينج في أغسطس 2006، و مع بدايات 2007 كان مشهدا رائعا للمراقبين في نصف الكرة الجنوبي.هو أسطع مذنب منذ إيكيا – ساكي، حيث امتد ذيله في ذروته إلى 35 درجة عبر السماء. لا نعرف متى سيكون الظهور التالي له لكننا نأمل ألا يتأخر كثيرا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]