نبذة تعريفية عن “الكائنات المضيئة” المتواجدة في البحار والمحيطات
2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر
عبد الرحمن أحمد الأحمد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الكائنات المضيئة البيولوجيا وعلوم الحياة
لو أتُيحَ لكَ أَنْ تَسْتَقِلَّ قارباً في البَحْرِ ليلاً، فإنَّك سوفَ تشاهدُ ضوءاً يَنْبَعِثُ من جوانِبِ القارِبِ عِنْدَ شَقِّهِ الماءَ.
ويرجعُ ذَلِكَ إلَى وُجودِ أَعْدادٍ هائِلَةٍ من البَكْتِيرْيا وبعضِ الحيواناتِ الأَوَّلِيَّةِ الّتي تُصْدِرُ ضوءاً عِنْدَ احْتِكاكِ القارِبِ بالماءِ.
كذَلِكَ يشاهدُ رُكَّابُ غَوَّاصاتِ الأَعْماقِ عالَماً مُضيئاً يَعِجُّ بالكائِناتِ الّتي تُصْدِرُ الضَّوْءَ بِكُلِّ لَوْنٍ. وهذه هي ظاهِرَةُ «الإضاءَةُ الحيوِيَّةُ» الّتي تَتَميَّزُ بها بعضُ الكائناتِ الحيَّةِ.
ويَقْطُنُ معظمُ الكائناتِ المُضيئَةِ البِحارَ والمُحيطاتِ، ويندُرُ وجودُها في المياهِ العذبَةِ. أمَّا علَى اليابِسَةِ فتوجدُ حشراتُ «الحُباحِبِ» أو «اليَراعِ»، وتسمَّى خطأَ «ذبابَ النَّار»، مع أَنَّها أنواعٌ من الخَنافِسِ.
وهي تُصْدِرُ وَمَضاتٍ ضوئِيَّةً في إيقاعٍ خاصٍّ بكلِّ نوعٍ من أَنْواعِها ولو جُمِعَ عددٌ من هذه الحشراتِ في داخلِ إناءٍ زجاجِيٍّ، فإنَّها تعطِي ضوءاً حيويّاً يكفي لقراءةِ صَحيفَةٍ أو كِتابٍ. ويصنعُ المُواطِنونَ هناكَ منها عُقوداً وأَساوِرَ للإضاءَةِ والتَّزَيُّنِ.
والضَّوْءُ الحيويُّ الّذي تُوَلَّده الكائناتُ الحيَّةُ ذو أطْوالٍ مَوْجِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ، فمنها الأَبْيضُ، والأَخْضَرُ، والأَزْرَقُ المائِلُ للخُضْرَةِ، والوَرْدِيُّ، والأَصْفَرُ، والأَحْمَرَ القانِي. ويوجدُ ما يَرْبو علَى مِئَةِ نوعٍ من البَكْتيرْيا الّتي تصدِر إضاءةً حيوِيَّةً.
وقَدْ تعيشُ البكْتيرْيا المضيئَةُ مُسْتَقِلَّةً، أو مُرْتَبِطَةً بغيرِها من الأَحْياءِ كالأَسْماكِ والحَبَّارِ وغيرِها، في عَلاقَةٍ تبادلِيَّةٍ.
وقَدْ توجدُ هذه البكْتيرْيا في تَجاويفَ أو غُدَدٍ خاصَّةٍ منتشرةٍ علَى جِسْمِ السَّمَكَةِ أو الحَبَّارِ، فتجعلُ الحيوانَ كلَّهُ مضيئاً.
وقَدْ توجدُ البكتيرْيا في داخِلِ أعْضاءَ مُتَخَصِّصَةٍ ذاتِ تركيبٍ مُعَقَّدٍ مزوَّدِ بعدسَةٍ وعاكِسٍ، فكأنَّهُ مَصْباحٌ دقيقٌ.
وقَدْ يوجدُ فوقَ هذا المِصْباحِ ثَنْيَةٌ جلديَّةٌ تكشفُهُ أو تحجبُهُ. وفي البُرْتغالِ يَطْلَي الصيَّادونَ الطعومَ الّتي يصيدونَ بها الأَسْماكَ بإفرازِ هذه الغُدَدِ، حتَّى تَتَوَهَّجَ بالضَّوْءِ وتجتذبَ الأسْماك.
ومن جَوْفيَّاتِ المِعَي الّتي تولِّدُ الضَّوْءَ الحيوِيَّ أنواعٌ من قناديلِ البَحْرِ وأَقاحِي البحرِ والمَرْجانيَّاتِ وريشِ البحرِ.
ويُعَدُّ بعضَ أنْواعِ الدّيدانِ الحَلقِيَّةِ الّتي تعيشُ في الأَعْماقِ المُتَوَسِّطَةِ مِنْ أَكْثَرِ اللاَّفَقارِيَّاتِ توليداً للضَّوْءِ الحيويِّ، حتَّى إنَّ بعضَها يفرزُ مُخاطاً مضيئاً.
وقَدْ أُكْتُشِفَ حديثاً نوعٌ منها يفرزُ عندَ إثارَتِه سائِلاً مضيئاً من ثقوبٍ في جمسِه ويؤدِّي هذا الإنذارُ إلَى تكوينِ سَحابةٍ مضيئَةٍ تَحْجِبُ جِسْمَ الدُّودَةِ تماماً ولا تَتْرُك وراءَها سِوَى أَثَرٍ متوهِّجٍ، بينما تلوذُ هي بالفرارِ.
ويوجدُ علَى أجْسامِ بعضِ أنْواعِ الرُّوبيانِ الّتي تعيشُ في أَعْماقٍ متوسِّطَةٍ أعضاءٌ تُوَلِّدُ الضَّوْءَ مُرَتَّبَةً في نظامٍ خاصٍّ يختلفُ من نوعٍ إلَى نوع. أمَّا بَعضُ أنواعِ الأسْماكِ الغُضروفِيَّةِ فيغَطِّي جِسْمَها حاملاتٌ لأَعضاءِ الإضاءَةِ.
وقَدْ تكونُ تِلْكَ الحاملاتُ مَطْمورَةً في الجلدِ وتحتوِي علَى مُولِّداتِ الضَّوْءِ الحيوِيِّ الّتي تَعْملُ بِفِعْلِ المؤَثِّرِ الكهربائيِّ الّذي يؤدِّي لانْقِباضِ العَضَلاتِ.
ولكنْ كيفَ تَتَوَلَّد الإضاءَةُ الحيويَّةُ؟ إنَّها عَمَلِيَّةٌ كيميائِيَّةٌ حَيَوِيَّةٌ تحدثُ بأكْسَدَةِ مادَّةٍ تُسَمَّى «اللِّيسيفيرين»، ويساعدُ عَلَيْها إنزيم يسمَّى «اللِّيسيفِيريزْ». وخَلْطُ هاتيْن المادَّتيْن في أنبوبَةِ الاختبارِ يولِّدُ ضوءاً حيوِيّاً.
وتفاعلُ الإضاءَةِ الحيوِيَّةِ لا تتولَّدُ منه حرارَةٌ، وهي في هذا تختلفُ اختلافاً أساسِيّاً عن توليدِ الضوءِ في معظمِ أنواعِ المصابيحِ الّذي يصاحبُهُ ارْتفاعٌ كبيرٌ في درجةِ الحرارَةِ لا يناسبُ الأحياءَ.
وقَدْ استخدم اليابانيّونَ – خلالَ الحربِ العالَمِيَّةِ الثّانِيَةِ – مسحوقاً من أسماكٍ وقشرياتٍ مضيئةٍ، يُصدرُ ضوءاً خافِتاً إذا بُلِّلَ علَى راحَةِ اليد، يكفِي لقراءَةِ الخرائِطِ أو العدَّاداتِ دونَ أن يكتشفَهُ الأعداءُ.
ولنا أنْ نتساءَلَ الآنَ: ما هي الوظيفةُ الّتي تُؤَدِّيها الإضاءَةُ الحيوِيَّةُ للكائناتِ الحيَّةِ المضيئَةِ؟
يبدُو أَنَّ الإضاءَةَ الحَيَوِيَّةَ في البكتيرْيا والحيواناتِ الأَوَّلِيَّةِ ليسَ لها هدفٌ معيَّن، علَى قدرِ عِلْمِنا. وكذَلِكَ هي الحالُ في معظمِ الأحياءِ الّتي ليسَ لها عيونٌ أو أعضاءٌ خاصَّةٌ باسْتِقبالِ الضوءِ.
ولكنَّنا قَدْ عَرَفْنا وظائِفَ هذه الظاهِرَةِ في عددٍ من الأحياءِ. فالأَسْماكُ المضيئَةُ قَدْ تستخدمُ الضَّوْءَ لِجَذْبِ الفَرائِسِ الّتي تَغْتذِي بها، كما أنَّ الإضاءَةَ الحيوِيَّةَ قَدْ تكونُ وَسيلَةً لإخافَةِ المُفْتَرِساتِ المُهاجِمَةِ وإرباكِها، كما ذَكَرْنا، أو قَدْ تكونُ علامةَ تحذيرٍ للأَعداءِ الطامِعَةِ في الكائِنِ المضيءِ.
وفي بعضِ الأحيانِ تكونُ الإضاءَةُ الحيوِيَّةُ نوعاً من المُشاكَهَةِ. فالأَسْماكُ وأنواعُ الحبَّارِ الّتي يضيءُ سَطْحُها البطنيُّ تَخْفَى، وَسَط ضوءِ الشَّمْسِ الساقِطِ من أَعْلَى، علَى الحيواناتِ الّتي تنظرُ إلَيْها من أَسْفَلَ. كذَلِكَ، من المعقولِ أَنْ تكونَ الإضاءَةُ الحيوِيَّةُ أُسلوباً من أَساليبِ التَّواصُلِ، يُعينُ تِلْكَ الكائناتِ علَى التجمُّعِ وتعرُّفِ بعضِها البَعْضِ.
وفي حشراتِ الحباحِب تُعَدُّ الإشاراتُ الضوئِيَّةُ الخاصَّةُ بكلِّ نوعٍ منها وَسيلةً لالْتِقاءِ الذكورِ والإناثِ في موسِمِ التزاوُجِ
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]