الفنون والآداب

نبذة تعريفية عن كتاب “كليلة ودمنة” لابن المقفع

2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر

عبد الرحمن أحمد الأحمد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

كتاب كليلة ودمنة ابن المقفع الفنون والآداب المخطوطات والكتب النادرة

يُحكَى أنَّ قِرْداً رأَى نَجَّاراً يَشُّقُّ خَشَبَةً وهو راكِبٌ عَلَيْها. وكُلمَّا شَقَّ النَّجَّارُ منها جزءاً أدْخَلَ فيها وَتِداً حتَّى لا تَنْطَبِقَ الخَشَبَةُ. وأَرادَ القِرْدُ أنْ يُقَلِّدَ النَّجَّارَ. فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّجَّارَ، رَكِبَ القِرْدُ الخَشَبَةَ.

جَلَسَ القِرْدُ علَى الجُزْءِ المَشْقوقِ مِنَ الخَشَبَةِ فَتَدَلَّى ذَيْلُه في الشَّقِّ، ثُمَّ نَزَعَ القِرْدُ الوَتِدَ فانْطَبَقَتْ الخَشَبَةُ علَى ذَيْلِهِ، فتَأَلَّم أَلماً شديداً وأَخَذَ يَصيحُ.

حَضَرَ النَّجَّارُ فضَحِكَ مِنَ القِرْدِ وأخْرَجَ ذَيْلَهُ مِنَ الشَّقِّ، ولكنَّه ضَرَبَهُ عِقاباً له. فتألَّم القِرْدُ مِنْ ضَرْبِ النَّجَّارِ أكثَرَ مِمَّا تَألَّمَ مِنَ انْطِباقِ الخَشَبَةِ علَى ذَيْلِهِ.

 

هذه القِصَّةُ الطَّريفةُ حَكَاها كَليلةُ لِدِمْنَةَ. والحقيقَةُ أنَّ كليلةَ كانَ يريدُ أن يُعلِّمَ دِمْنَةَ مِنْ هذه القِصَّةٍ أنَّ مِنَ الخَطَأِ تقليدَ الآخرينَ من غيرِ تفكيرٍ وألاَّ يَعْمَلَ شَيْئاً لَمْ يَتَدَرَّبْ عَلَيْه ويُحْسِنْهُ.

وأَنْتَ إذا قَرَأتَ كتابَ «كليلةَ ودِمْنَةَ» لأبي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله بن المُقفعِ، وَجَدْتَ فيهِ قِصَصاً كثيرَةً كقصة القرد والنجار. وفي ظاهر هذه القصص تسلية وفكاهة وفي باطنها موعظة وحكمة.

ويقول ابن المقفع إن الذي لا ينظر إلَى ما تَهْدِفُ إلَيْه القِصَصُ مِنْ مَوْعِظَةٍ يُشْبِهُ الّذي نظرُ إلَى جَوْزَةٍ، فلا يَرَى إلاَّ قِشْرَها الظَّاهِرَ.

وكانَ الواجِبُ عَلَيْه أنْ يَتْعَبَ في كَسْرِها حتَّى يَسْتَمْتِع بما في باطِنِها من لُبٍّ مُغَذٍّ لَذيذٍ. ويقولُ أيضاً إنَّ الّذي يَتَعَلَّمُ الحِكْمَةَ يَجِبُ عَلَيْه أنْ يَعْمَلَ بِها، حتَّى لا يكونَ عِلْمُهُ بلا فائِدَةٍ.

 

ومعظم أبطال قصص كتاب «كليلة ودمنة» من الحيوان: أسود، ونمور وأفيال، وضفادع وأسماك، وسلاحف وثعابين، وحمام وغربان، وغيرها كثير.

وفي أحد فصول الكتاب، التي عددها ستة عشر، وعنوانه «الجرذ والسنور» (والجرذ هو الفأر الكبير والسنور هو القط)، تقرأ قصة لطيفة عن قط اسمه «رومي» وجرذ اسمه «فريدون».

وتشبه هذه القصة ما تشاهده في التلفاز من الصور المتحركة لتوم وجيري، في هذه الأيام. ولكن من هما كليلة ودمنة؟ وما هي حكاية الكتاب الذي يحمل اسميهما؟

 

أمَّا كليلةُ ودِمْنَةُ فَهُما أخَوانِ من بَناتِ آوَى. وبناتُ آوى حيواناتٌ مُفْتَرِسَةٌ، تُشْبِهُ الذّئابَ (انظر: ابنُ آوَى). وقَدْ كانَ كليلةُ ودِمْنَةُ حارِسَيْنِ علَى بابِ مَلِكِ الغَابَةِ، أَيْ الأَسَدِ. ولكنَّ دِمْنَةَ الماكِرَ اسْتطاعَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى الأَسَدِ حتَّى أصْبَحَ صديقاً له.

ولَمْ يَسْتَمِعُ دِمْنَةُ إلَى نُصْحِ أخيهِ الطَّيِّبِ كليلةَ، فأخذَ يَكْذِبُ عِنْدَ المَلِكِ. حتَّى قتل الأسدُ الثّورَ المُخْلِصِ شَتْرَبَةَ. وفي النِّهايَةِ افْتَضَح أمْرُ دِمْنَةَ، فنَدِمَ الأَسَدُ علَى غَلْطَتِهِ وقَتَلَ دِمْنَةَ.

ونَتَعَلَّمُ مِنْ هذه القِصَّةِ أشياءِ كثيرَةً: وجوبَ الاسْتِماعِ إلَى النَّاصِحِ الأَمينِ، وعَدَمَ تَصْديقِ الكاذِبِ الغَشَّاشِ، وألاَّ نَتَعَجَّلَ في الحُكْمِ علَى الأشْياءِ، وألاَّ نَظْلِمَ البريءَ فنُعاقِبَه بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وأنَّ الكاذِبَ لابُدَّ أنْ يَنْكَشِفَ كَذِبُهُ.

والقِصَّةُ في الكتابِ طَويلَةٌ، وفي داخِلِها قِصَصٌ كثيرةٌ. ومَعَ أنَّ كليلةَ ودِمْنَةَ لَمْ يُذْكرَا إلاَّ في الفَصْلَيْن الأوَلِ والثّانِي، إلاَّ أنَّ اسْمَيْهما أُطْلِقا علَى الكِتابِ كُلِّهِ.

 

ولَعَلَّكَ تَعْجَبُ مِنْ وجودِ أسْماءَ غريبَةٍ في هذا الكتابِ العَرَبِيِّ مثل: كليلةَ ودِمنةَ وفريدونَ وشَتْرَبَةَ. ولكنَّ السرَ في ذَلِكَ أنَّ أُصولَ هذه القِصَصِ هِنْدِيَّةُ قديمةٌ، كَتَبَها وزيرٌ حكيمٌ اسْمُه بَيْدَبا، كَيْ يَعِظَ بها المَلِكَ «دَبْشَليمَ».

والكتابُ كُلُّه حوارٌّ بينَ بَيْدَبا ودَبْشليمَ. وتُرْجِمَ الكتابُ إلَى السُّريانِيَّةِ والفارِسِيَّةِ. ثُمَّ نَقَلَهُ ابنُ المُقَفَّعِ من الفارِسِيَّةِ إلَى العَرَبِيَّةِ، لأنَّه كانَ يُتْقِنُ اللُّغَتَيْنِ.

ولكنَّ ابنَ المُقَفَّعِ كتبَ كتابَهُ بأسلوبٍ عَرَبِيٍّ إِسلامِيٍّ، وأضافَ إلَيْه، وكتَبَ مُقّدِّمَةً ذّكرَ فيها تاريخَ الكِتابِ.

 

وكتاب ابن المقفع مثال للنثر العربي البليغ. وكثير من الأدباء قد تعلموا منه الفصاحة وأسلوب الكتابة الجيد.

هذا فضلا على ما فيه من التسلية والفكاهة والحكم والأمثال والدعوة إلى الأخلاق الفاضلة. ويظن أن ابن المقفع قد ألف الكتاب بالعربية موعظة للخليفة أبي جعفر المنصور، المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، ومنشىء بغداد.

 

والأُصولُ الهِنْدِيَّةُ والتَّرْجماتُ السريانِيَّةُ والفارِسيَّةُ للكتابِ قَدْ فُقِدَتْ مع الزَّمَنِ. وبَقِيَ كتابُ ابنِ المُقَفَّعِ الّذي تُرْجِمَ إلَى لُغاتٍ كثيرَةٍ وعرَّف العالَمَ كليلةَ ودِمْنَةَ.

وكانَ أثرُ هذا واضحاً في قِصَصِ الأَطْفالِ والصُّوَرِ المُتَحَرِّكَةَ والأَفْلامِ السينمائِيَّةِ في بلادٍ كثيرةٍ من العالَمِ. وفي العَرَبِيَّةِ، توجدُ طَبَعاتٌ كثيرةٌ من الكِتابِ، بعضُها مُزَيَّنٌ بالرُّسومِ المُلَوَّنَةِ الجميلَةِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى