العلوم الإنسانية والإجتماعية

ما بعد الإنسان الاقتصادي لبناء مجتمع السوق؟

2014 مجتمع السوق

سبايز بوتشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

طورت بعض التيارات ضمن إطار الاقتصادات التقليدية مفهوماً أكثر تعقيداً للعقلانية والسلوك الفرديين، أهمّها نظرية اللعبة (Game Theory) التي تطورت في خلال الحرب العالمية الثانية إلى جانب علوم الكمبيوتر الناشئة. وقد بنت على المناهج القائمة على الاختيار العقلاني للاقتصادات الكلاسيكية الجديدة، التي تبحث في اتخاذ القرارات العقلانية لاختيارات الأشخاص.

هذه النظرية تبني الحالات وكأنها كما لو كانت لعبة. فالناس في الحالة المحددة هم "لاعبون"، وتتبع اللعبة "قواعد" تنصّ على أي خيارات مفتوحة أمام اللاعبين وتخصص "ربحاً" لكلّ لاعب يرتبط بما يحصل عليه في النهاية (مراجعة فاروفاكيس  (Varoufakis)2001). فهي تطوّر أدوات تشرح كيف سيلعب لاعبون عقلانيون لعبةً محددةً وبالتالي كيف يرجّح أن يستجيب الناس إلى نوع محدد من الحالات الاقتصادية (الاجتماعية).

وتتمتع نظرية اللعبة بأفضليتين مقارنةً بالنظرية الكلاسيكية الجديدة في فهم السلوك الفردي. أولاً، هي تركز الانتباه على "قوانين اللعبة"، أي الحالة التي يتم من خلالها اتخاذ القرارات، ما يسهّل الاندماج مع علوم اجتماعية أخرى عبر تغير بنية الألعاب لتعكس افتراضات مختلفة حول الأحوال الاقتصادية أو الاجتماعية، فهي تفاعلية واستراتيجية في آن واحد. العمل الاستراتيجي هو حيث نعمل استناداً إلى مفهوم بأن أعمالنا قد تؤثّر في أعمال غيرنا.

تفترض الاقتصادات التقليدية القائمة على "التنافس المثالي" أن المنتجين والمستهلكين الفرديين لهم تأثير محدود على النتائج الإجمالية، مثل سعر السلعة. وبالنتيجة، يفترض أن المستهلكين يشترون البضاعة الأرخص ثمناً فيما تنتج الشركات ما يطلبه المستهلكون بأقل تكلفة ممكنة. ولكن ذلك يتجاهل كيف تؤثّر أعمالهم في تكوين أعمال الآخرين. في المقابل، تفترض نظرية الألعاب أن اللاعبين قادرون على التأثير بأعمال لاعبين آخرين وسيأخذون ذلك في عين الاعتبار عند اتخاذ القرارات.

كما سهّلت نظرية اللعبة اختبار الافتراضات الاقتصادية، فبنيتها ملائمة لإجراء الاختبارات. ويمكن للاقتصاديين تصميم ألعاب تمثّل حالات اقتصادية محددة ثمّ اختبار النتائج من خلال دفع الناس إلى ممارسة اللعبة ومراقبة النتائج ( 1993Roth ).

تقود "الاقتصادات الاختبارية"(Experimental Economics)  إلى نتائج مثيرة. وقد تختلف النتائج ولكن في الكثير من الحالات لا يتصرف الناس استناداً إلى النظرية الكلاسيكية الجديدة، إذ يرجح أن يتعاونوا في ما بينهم. كما أنهم يرتكبون أخطاءً بانتظام، مثلاً قد يستجيبون بطرق مختلفة إلى الخسائر الكبرى مقارنةً بالأرباح الكبرى. وقد قاد ذلك، إلى جانب تطور علم النفس السلوكي، إلى نسخ معدّلة من الإنسان الاقتصادي.

المثال الأكثر شهرةً هو نموذج هيربرت سيمون (Herbert Simon) عن العقلانية المكبحة (1957). فقد شمل عمل سيمون جميع العلوم الاجتماعية من اقتصاد وسياسة واجتماع وعلم نفس. فيقول إن الناس لديهم عادةً معلومات محدودة فقط والقليل من الوقت لجمع المعلومات، كما أن الناس يواجهون صعوبةً في تقييم الحالات المعقّدة. وبدل احتساب المقاربة الفضلى لكلّ حالة جديدة، يطوّرون"قاعدةً بحكم التجربة" يبدو أنها تعطي نتائج منطقيةً في معظم الوقت. واعتبر ذلك "مرضياً" بدل أن يكون "الحدّ الاقصى"، أي السعي إلى نتيجة مرضية بدل النتيجة الفضلى. ويستخدم بعض اقتصاديي التطور هذه المقاربة من أجل شرح تطور العادات الاجتماعية. وهنا ينظر إلى العادات على أنها "القاعدة بحكم التجربة" التي طورها مجتمع ما على مرّ الوقت، كردّة فعل على نوع محدد من الحالات.

ويتعين دمج هذه التطورات بشكل ملائم في معظم التحاليل الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة. ومع ذلك، كانت تلك مؤثرةً جداً في بعض المقاربات الجديدة، مثل الاقتصادات المؤسساتية الجديدة التي تجمع التحليلات الكلاسيكية الجديدة التقليدية مع عناصر من نظرية اللعبة، المكبحة بعقلانية مع التركيز على المؤسسات. وهكذا، تميل الاقتصادات المؤسساتية الجديدة إلى منح الحياة الاقتصادية بعداً تاريخياً واجتماعياً أكبر، يكون أقرب إلى علم الاجتماع والاقتصاد السياسي. أمّا نظرية الشبكات فهي مقاربة أخرى ذات شعبية في علم الاجتماع الاقتصادي، تسعى أيضاً إلى الجمع بين عناصر عمل فردية والبنية الاجتماعية (مراجعة الفصلين  4 و10).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى