أمثلة على الفشل التصاميم الهندسية والتكنولوجية لنسامح التصميم تفهم الفشل
2014 لنسامح التصميم
هنري بيتروكسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة
منذ الزمن القديم وحتى وقتنا الحاضر تم تعريف حجم السفن، ووزن المسلّات، وارتفاع الكاتدرائيات، ومجازات الجسور، وارتفاع ناطحات السحاب، ومُديات المركبات الفضائية، وسعات الحواسيب، وحدود كل شيء، ولو بشكل أولي أو مؤقت، من خلال الفشل. لقد بنى الإنسان أشياء أكبر ثم أكبر، وأشياء أصغر ثم أصغر، حتى ظهرت إشارة إنذار، أو تعدّينا حدود تيار قاطع دورة، أو وصلنا إلى مأزق وانطلق منبّه لليقظة. لكننا لا يمكننا أن نجزم أن الحجم وحده هو سبب الفشل في التصميم. حتى عندما لم نكن نحاول مجتمعين أن نتخطّى الحدود القصوى للهندسة والتكنولوجيا في التصميم كنا نقوم باستلام إشارات فظّة منبّهة. فليست السفينة الأكبر هي التي انشطرت إلى نصفين في الحرب العالمية الثانية، وليس الجسر الأطول في العالم هو الذي انهار بسبب الرياح عام 1940، وليس الحاسوب الأسرع الذي يتعطّل في أحضاننا عندما كنا نحاول متابعة بريدنا الإلكتروني فالفشل شائع وكليّ وشامل ومملّ، وفي نفس الوقت غير متوقّع، ومتوقّع دوماً.
عند حدوث فشل كبير واضح مرئي يكون التركيز على بنية انهارت أو نظام فشل، فردود الفعل المعتادة والتكهّنات، وبالأخص من وسائل الإعلام، هو وضع اللوم على التصميم، وبطبيعة الحال فإن بعض حالات الفشل تُعزى إلى خطأ في التصميم ولكن هذا الخطأ ليس السبب الوحيد للحوادث، فالتصميم هو تعبير لمفهوم تكنولوجي، والشيء المصمّم أو النظام يمكن أن يُهمل، أو يساء استخدامه أو تناوله من قبل أصحابه، أو مدرائه أو مشغّليه ومستخدميه، والوصول إلى الأسباب الحقيقية للفشل قد يستغرق سنوات، لأن بعض أنواع الفشل دقيقة وغير متوقّعة.
تقع الحوادث بسرعة، لكن بعد أن تكون قد انقضت فترة طويلة من التشغيل الطبيعي أو شبه الطبيعي. مثال ذلك المشروع الملحمي الذي تولّته مدينة بوسطن نهاية القرن العشرين، وهو مشروع إنشائي، صُنِّف بأنه أكثر مشاريع البُنى التحتية تعقيداً وإثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وهدفُ المشروع الرئيسي هو تحويل، ما يسمّى بالشريان المركزي للمدينة لشبكة النقل، من موقعه الحالي المزدحم في طريق معلّق إلى أنفاق تحت مساحات واسعة من حدائق المدينة. كان من المفترض عند إكمال المخطّط أن يؤدّي المشروع إلى جعل شبكات الطرقات مخفيّة، وحركة النقل أكثر كفاءة، والهدف الآخر للمشروع إحداث نفق للمركبات منفصل جديد يربط قلب المدينة بالمطار عبر الميناء، والمشروع، الذي أصبح يطلق عليه عموماً الحفرة الكبرى بيغ ديغ [تعبيراً عن ضخامته]؛ كان قد بدأ من الناحية السياسية في سبعينات القرن الماضي وامتدت فترة تنفيذه حول 15 سنة. وأُعلن عن افتتاح هذا المشروع الذي بلغت كلفته 15 مليار دولار، عام 2006، ولكن هذا الافتتاح لم ينهِ القصة الملحمية، إذ بدأت مشاكل الأنفاق الجديدة تظهر، حتى قبل الافتتاح الرسمي للمشروع.
بمرور الزمن، تسرّبت كميات كبيرة من الماء من خلال الجدران الكونكريتية الواسعة للأنفاق المتعددة القنوات تحت شوارع المدينة. كان المفروض أن تكون الجدران كتيمة [أي غير نافذة]، لذا فإن فشل هذه الجدران كان غير متوقّع، وقد عزي سبب ذلك، ليس لتصميم الجدران، بل لطبيعة المادة الكونكريتية المستخدمة، والطريقة التي استعملت، في بعض الحالات، لصبّ الكونكريت في القالب المخصص، ولأن الجدران كانت بالضرورة سميكة وعميقة، فقد احتاج العمل إلى كميات كبيرة من الكونكريت، وقامت إحدى الشركات بتجهيز اكثر من 130000 حمل شاحنة من مواد الصب القابلة للتقولب؛ وقد اكتُشف لاحقاُ أن نوعية معظمها كانت متدنّية، مما تسبّب في جعل بعض الجدران نفيذة للماء، وتبيّن كذلك في حالات أخرى أن الكونكريت قد تمّ صبّه فوق طبقات من الرمال والحصى والصلصال وحطام الأحجار، وقد أدّى إدماج هذه المواد في الجدران المكتملة إلى إضعافها وجعلها مسامية التركيب، وفي أيلول/ سبتمبر 2004 انفجر جزء من حائط، ما أدّى إلى حدوث فيضان في النفق من خلال تسرّب المياه الجوفية التي كان على الحائط أن يمنع تسربها. عزي الفشل، ما بين أسباب أخرى، إلى الموقع الخاطىء لقضبان الفولاذ المستخدمة في التسليح، وقد بلغ عدد التسرّبات المكتشفة في الجدران حوالي 3600، منها ما هو ثقوب كبيرة ومنها صغيرة بحاجة إلى التصليح، ومن المتوقع أن يستغرق تصليح هذه الثقوب ما يقارب 10 سنوات.
لم تكن المشاكل في الكونكريت بسبب كيفية الصب فقط، وإنما في توقيت الصب أيضاً. فحسب المواصفات، كان يجب أن يتم صب الكونكريت لمختلف الأجزاء خلال ساعة ونصف من خلطه، وقد اعترف أحد المجهّزين أنه "قام بإعادة تدوير كونكريت قديم ومغشوش" بإضافة الماء وبعض المكوّنات الأخرى كي "يظهر الكونكريت وكأنه حديث الخلط"، وقد زاد في الطين بِلّة قيام المُجهِّز بتزوير الوثائق ليظهر أن خلط الكونكريت قد تمّ في الوقت المقبول، وقد أدى حجم هذا الغش إلى قيام المجهّز، الذي يعتبر أكبر مجهّز للكونكريت والأسفلت في ولاية نيو إنجلاند، بدفع 50 مليون دولار تسوية للأضرار المتأتية من ذلك، ومن الصعب أن نتوقّع أن تمتصّ التصاميم مثل هذه الإساءات في التنفيذ من دون ظهور نقاط ضعف غير مقصودة تؤدّي إلى الفشل الكامل المباشر، وفي بعض الأحيان قد يستغرق ظهور الفشل سنوات عديدة.
أدّى التسرّب الذي حصل في الأنفاق إلى تشويهات جمالية ومضايقات في حركة المرور من دون أن تتعداها إلى حالات تهديد الحياة، ولكن حالة أخرى كانت مميتة، لا علاقة لها بالمشاكل التي ذكرت آنفاً، ولم تكن مكتشفةً وجدت في نفق المطار. فلمنع تراكم الغازات الضارّة بالصحة في أنفاق المركبات، كان يُضخّ كميات كبيرة من الهواء النقي داخلها ويتمّ سحب نفس كمية الهواء الفاسد منها باستمرار، وتحتاج هذه العملية إلى تجاويف كبيرة أشبه بقنوات تكييف الهواء في المباني والبيوت (Ducts). ففي نفق تيد وليامز (Ted Williams) الذي يربط حركة المرور بين مدينة بوسطن ومطار لوغان (Logan Airport)، صمّم تجويف لسحب الهواء فوق النفق من خلال تعليق ألواح كونكريتية (وزن كل منها 3 طن) من السقف، ويبدو أن قرار استخدام هذه الألواح الثقيلة والخطرة كان جزءاً من التصميم، كي لا يؤدي ضخّ الهواء إلى تذبذب هياكل الألواح الكونكريتية وتوليد أصوات وضوضاء غير مقبولة بالإضافة إلى الأصوات العالية الصادرة عن حركة المرور، وسبب آخر لاستخدام الألواح الكونكريتية كان جزءاً من إعادة تصميم هذه التجويفات. ففي بداية عملية التصميم اختيرت ألواح معدنية خفيفة الوزن مع إنهاءات من الخزف. إلا أن كلفة هذه الألواح كانت عالية، في حين أن إدارة المشروع كانت تسعى لعصر النفقات، ولغرض تثبيت الألواح الكونكريتية، قام العاملون بتعليقها بواسطة نهايات قضبان حديدية مثبتة في سقف الأنفاق، وتطلّب تثيبت القضبان الفولاذية حفرَ ثقوب في السقوف الكونكريتية وتنظيفها من الغبار المحيط بها باستخدام فرشاة معدنية لترك مساحة خشنة ولكن نظيفة، وحقن مادة الإيبوكسي اللاصقة في الثقوب ووضع القضبان في اللاصق وتحميلها والانتظار لحين جفاف الإيبوكسي بشكل تام، وعند إكمال عملية التثبيت بالإيبوكسي رفعت الألواح إلى أعلى وتمّ تثبيتها في مكانها الصحيح بواسطة البراغي، وفي الليلة المشؤومة للحادث انفكت أربعة من هذه الألواح المعلقة، من دون إنذار، ووقعت على سيارة تحمل زوجاً وزوجته كانا متوجّهين إلى المطار، وقد تحطمت السيارة وأُصيب الزوج إصابة شديدة وماتت الزوجة.
قام المجلس الوطني لسلامة النقل في أميركا(The National Transportation Safety Board)، (NTSB) عقب الحادث مباشرة بالتحرّي عن الأسباب التي أدّت إلى وقوعه. أشارت التكهّنات الأولية إلى عوامل متعدّدة، منها درجة حرارة النفق – التي قد تكون سبباً مؤثّراً في سيولة الإيبوكسي – وكذلك الاهتزازات الناتجة من مشروع إنشائي مجاور للنفق، والتي قد تكون أدّت إلى ارتخاء البراغي المثبتة للألواح. كما أن التصميم الكلي للتجويف المكوّن من الألواح الكونكريتية كان من ضمن الأمور التي خضعت للتحقيق والتدقيق، ولكن التصميم كان تصميماً مجرّباً في حالات عدّة، لذا توجّه البحث إلى الطريقة التي تمّ فيها تثبيت القضبان الفولاذية، وتوجّه كذلك إلى جهاز التثقيب المستخدم لرؤوس التثقيب الماسية الشكل، حيث إن استخدامها يجعل الثقوب ملساء من الداخل [مما يضعف من تماسك الإيبوكسي عند حقنه]، خلافاً للثقوب الخشنة السطح التي تنتج من استخدام رؤوس مثقاب كربيدي (Carbide). ولربما لم يتم تنظيف الثقوب جيداً من غبار الكونكريت قبل حقنها بالإيبوكسي، [مما يجعلها أضعف تماسكاً]، وبالتالي أدّى إلى تخلخل القضبان، وهكذا استمرت التكهنات.
تبيّن في النهاية السبب الحقيقي للكارثة. فقد وجد أن هناك نوعين من مادة الإيبوكسي التي يتم تصنيعها وبيعها. النوع الأول سريع التصلّب، والثاني غير ذلك، وقد جُهّز هذان النوعان من الإيبوكسي بحاويات متشابهة، والاختلاف الوحيد كان في لون العلامة التي تلصق عليها. فالنوع السريع التصلّب فائدته في سرعة التثبيت، ولكنه لا يمتلك قوة التماسك على الأمد الطويل مقارنة بالنوع الثاني المعياري، وبمرور الوقت أدّى ثقل الألواح الكونكريتية إلى سحب القضبان من مواقعها المثبتة [في سقف الأنفاق] بالثقوب [المملوءة بالإيبوكسي] وهي ظاهرة معروفة [في الهندسة الإنشائية] بـ "الزحف"، وقد تمّ رفع القضبان التي أدّت إلى سقوط الألواح أولاً وتبيّن من خلال الفحوصات الإضافية للأنفاق أن هناك مواقع أخرى قد تتعرّض لانهيارات مماثلة، مما أكّد سبب الحادث، وقد كان هنالك جدال في كل هذه الحالات فيما إذا استخدم النوع الخاطئ من الإيبوكسي؛ وقد أدّى الحادث إلى تنبيه المعنيين إلى احتمال الخلط بين مختلف أنواع الإيبوكسي وقدرة هذه الأنواع على مقاومة قوة شد كبيرة، وتبيّن من خلال ذلك أنه لا غبار على التصميم المعتمد المشؤوم في نظام أسقف الأنفاق و[تجاويف الهواء].
مع ذلك، فالتصميم الهيكلي للأنفاق والمباني والجسور يتم عادة في مكاتب هندسية وأجواء هادئة ونظيفة نسبياً. أما الغبار الذي يتعامل معه المهندس فيكون عادة على سطح شاشة الحاسوب بسبب الكهربة الاستاتيكية (الساكنة) المولّدة على مثل هذه السطوح، ولا يتوقّع المهندس الجالس أمام الحاسوب أن قوة وتماسك الأعمدة أو العوارض أو القضبان التي يقومون باحتساب أبعادها ورسمها ضمن الرسم الرقمي على الحاسوب ستتأثر بالغبار والنفايات المتواجدة عادة في المواقع الإنشائية للمشاريع، وعلى الرغم من أن الجميع على دراية بأن الواقع مختلف إلى حدٍّ كبير في الظروف الحقيقية، فلا غرابة أن نواجًه في التنفيذ بالعديد من الانحرافات والأخطاء؛ ويعني ذلك أن العناية والحذر مطلوبان عند محاولة تنفيذ ربط الألواح الكونكريتية وتثبيت القضبان الفولاذية في مواقعها. يعتبر الكونكريت مادة شائعة الاستخدام مما يجعلنا نتعامل معها من دون اهتمام كافٍ أو تفكير. تبدأ رحلة صبِّ الكونكريت بتحضير"الخلطة"، المتكوّنة من مادة الإسمنت يضاف إليها كميات من التراب والحصى والماء ومواد أخرى. يجب إيصال الخلطة إلى موقع العمل بعد فترة زمنية لا تتعدّى الـ 90 دقيقة من تحضيرها، وهي ذات المادة التي نمشي عليها ونستخدمها لوقوف السيارات، ويلتصق بالكونكريت الكثير من النفايات مثل زيت السيارات وغيرها من السوائل وما يعلق في أحذية مستخدمي الممرّات الكونكريتية؛ وغير ذلك من الظروف، فالكونكريت مادة واسعة الاستخدام لا نفكر كثيراً بها أو نعطيها الاهتمام الكافي لغاية حصول شق أو تسرّب أو تغيير في اللون عندئذ يثار اهتمامنا.
استُخدم الكونكريت أيضاً لتشييد عدد من أجمل مباني العالم. فالقبّة البصرية الشهيرة فوق البانتيون الروماني المبنيّ في القرن الثاني الميلادي مصنوعة من الكونكريت، وجسر سالجينا توبل (Salgina Tobel) الذي أنجز عام1930 في ريف سويسرا المصمم من قبل روبير مايار (Robert Maillart) على شكل قوس خفيف التقوّس يعتبر تحفة معمارية بامتياز، وقاعة المطار الرئيسية لمطار دلس في واشنطن وقاعة TWA الأصلية في مطار جون كينيدي (JFK) في نيويورك صممتا من قبل المعماري الفلندي – الأميركي إيرو سارينين (Eero Saarinen) عام 1962، هما نماذج مثالية في التصميم للصَدفة الكونكريتية، وعلى الرغم من القابليات التي يتمتّع بها الكونكريت في الصبّ والنحت والتشكيل في هياكل فنية، فهو يعتبر أقل شأناً من هياكل الفولاذ. فالمباني العالية جداً تعتمد هياكل الفولاذ بدلاً من الهياكل الكونكريتية، ولو أن هذا التقليد قد بدأ بالانحسار. فعندما قرّرت ماليزيا بناء أعلى ناطحة سحاب في العالم تمّ اختيار الكونكريت بدلاً من الفولاذ لأن الدولة النامية ماليزيا لا تملك صناعات فولاذ وطنية، وفي القرار الجريء لاستخدام هيكل كونكريتي تحدّى المهندسون المسؤولون عن تصميم أبراج بتروناس (Petronas) الواقعة في كوالا لامبور(Kuala Lumpur) عملية استخدام الكونكريت العالي القوة وتوصلوا إلى وسيلة لضخّ الكونكريت إلى ارتفاعات أعلى بكثير مما تحقّق سابقاً، وبعد ذلك بعقد من السنين برزت بلدية دبي في تصاميمها المعمارية المتحدية وتوسعاتها في جميع أنواع البناء. فبرج خليفة الذي افتتح سنة 2010 هو بالأساس هيكل كونكريتي لأعلى ما يمكن أن يصل إليه ضخ الكونكريت، والذي كان أقل بقليل من 2000 قدم. ثم أضيف إليه هيكل من الفولاذ ارتفاعه 700 قدم ليكون البرج بذلك أعلى من أي مبنى آخر في العالم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]