معجزة وليست بمعجزه يوهان وجايكوب
2000 الرياضيات والشكل الأمثل
ستيفان هيلدبرانت و انتوني ترومبا
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
إن يوهان وجاكوب برنولي، اللذين جعلا من مدينة بال مركزاً عالمياً للرياضيات، بدءا يفكران في الوضع التوازني الذي يمكن أن تتخذه سلسلة ثقيلة مثبتة من طرفيها. وقد قررا أن السلسلة ليست سوى نظام ميكانيكي
مؤلف من عدد جد كبير من أجزاء صغيرة صلبة هي حلقاته. ومن ثم فإن وضع السلسلة التوازني يجب أن يتميز بأخفض موضع لمركز ثقلها. وهكذا فحين تتخذ السلسلة وضعاً لا يمكن فيه خفض إحدى حلقاتها دون إعلاء أخرى، فإن السلسلة تكون متوازنة. وبعد أن صاغ يوهان برنولي هذا المبدأ، توصل عام 1690 إلى الشكل الرياضياتي الدقيق للسلسلة المتدلية بحرية، وكذا فعل كل من هويكنز ولايبنتز. ويتمثل هذا الشكل بمنحنٍ يطلق عليه في أيامنا هذه اسم السلسلي catenary (وهو، رياضياتياً، جيب تمام زائدي hyperbolic cosine. ) وسنقابل هذا المنحني ثانية، وذلك في الفصل الذي يبحث في السطوح الأصغرية.
وقد أحرز تقدم كبير في نظرية توازن النظم الميكانيكية عام 1717 بوساطة يوهان برنولي الذي اقترح مبدأ العمل الافتراضي(1 principle of virtual work (وقد ظهر هذا في سياقات مختلفة) وعده القانون الأساسي في علم السكون. وهو ينص على أنه:
"في حال التوازن، لا لزوم لعمل بغية إحداث انتقال متناهي الصغر لنظام ميكانيكي مفروض".
وتسري هذه القاعدة ليس على التشكلات configurations المستقرة فحسب، بل أيضاً على التشكلات غير المستقرة. وكي ندرك ما تعنيه هذه القاعدة، لنتصور كرة فولاذية يمكنها التدحرج على أرض فيها انخفاضات وارتفاعات كما هو مبين في الشكل العلوي. فإذا كانت الكرة على قمة هضبة، فإنها تكون في وضع توازن غير مستقر. أما إذا كانت في قاع حفرة، فتكون في وضع توازن مستقر. وعندما تكون الكرة في القمة، فإن أي ركلة لها، مهما كانت صغيرة، ستحركها من على الهضبة بعيداً عن موضع توازنها، أما عندما تكون في قاع حفرة، فإن الكرة تسعى إلى العودة إلى موقعها التوازني أيا كان الاتجاه الذي ركلت فيه. أما إذا كانت الكرة في نقطة سرجية saddle (كما في الشكل C المرسوم على الصفحة التالية)، فإنها تكون في وضع توازن غير مستقر.
(1)ورد هذا المبدأ في رسالة كتبها >يوهان برنولي < إلى الفيزيائي الفرنسي P>.ڤارينيون< Varignon (1654 – 1722) في الشهر 1/1717. وقد نشر أول مرة عام 1725 في المجلد الثاني من كتاب ڤارينيون بعنوان الميكانيك الجديد Nouvelle Mecanique.
وفي هذه الحالة، ثمة اتجاهات لا عودة للكرة منها إلى موضع توازنها الأصلي بعد تلقيها ركلة خفيفة، وثمة اتجاهات أخرى تقوم فيها الكرة بعد تعرضها للحركة بحركة تذبذبية oscillatory motion. ولا لزوم لأي عمل (في التقريب الأول على الأقل) كي نحرك الكرة قليلاً من أي من المواضع التوازنية الثلاثة، لأن الثقالة gravity في كل من هذه النقاط تعامد المستويات المماسة للسطح، لذا فإنها توازن تماماً بقوة رد فعل الأرض.
هذا وليس من اليسير صياغة مبدأ العمل الافتراضي عامة دون اللجوء إلى بعض التقنيات الرياضياتية، بيد أنه يمكننا إعادة صياغة هذا المبدأ بأسلوب يمكننا من شرح فكرته الرئيسية دون الاستعانة بقدر كبير من هذه التقنيات. لنفترض أننا ألحقنا بكل حالة لنظام فيزيائي عدداً معيناً، وهذا العدد هو طاقته الكامنة potential energy. وهكذا يمكن اعتبار الطاقة الكامنة دالة function للحالات المختلفة للنظام. وإذ ذاك يمكن التعبير عن مبدأ العمل الافتراضي بالقاعدتين التاليتين، اللتين غالباً ما يطلق عليهما في الرياضيات مبدأ ديريخليه Dirichlet’s Principle.
القاعدة I. تتيمز حالة التوازن المستقر (أي حالة السكون) لنظام فيزيائي بشرط ينص على أنه في هذه الحالة تكون الطاقة الكامنة أقل من الطاقة الكامنة لأي حالة محتملة (أو افتراضية) قريبة لهذا النظام.
وللحصول على صورة هندسية تقريبية لما نعنيه بهذا الكلام، لنتصور أن مجموعة كل الحالات الممكنة لنظام فيزيائي هي مستوٍ، حيث كل نقطة في المستوي تمثل حالة ممكنة، وإذا فكرنا بالطاقة الكامنة على أنها ارتفاع سلسلة جبلية عن مستوى السهل، فإن أخفض نقاط في السلسلة (الوهاد pits ) توافق التوازنات المستقرة. وفي هذه النقاط، يكون المستوى المماس للسلسلة الجبلية أفقياً.
وكما هو معلوم، هناك نقاط أخرى لها مستويات مماسة أفقية، وهي أعلى نقاط السلسلة (الذُّرا) والنقاط السرجية (الشعابpasses ) في السلسلة، ويفترض أنها توافق الحالات غير المستقرة للسكون. وفي الحالة العامة، فإننا نطلق على الحالات الموافقة لنقاط السلسلة الجبلية، التي تكون المستويات المماسة فيها أفقية، اسم حالات التوقف stationary states للطاقة الكامنة، وعندئذ يمكن النص على القاعدة الثانية على النحو التالي:
القاعدة2: إن الحالات التوازنية لنظام فيزيائي هي حالات التوقف لطاقته الكامنة.
توفر هذه الصورة الهندسية إطاراً رياضياتياً بسيطاً يمكن في نطاقه أن ندرس توازنات نظام فيزيائيِّ.
ويمكِّننا حسبان الصغائر من أن نحدد على نحو دقيق تماماً المستويات المماسة الأفقية لسلاسل الجبال المتعددة الأبعاد multidimensional التي نقابلها في الفيزياء، وإذ ذاك يمكننا استخدام أساليب حسبان التغيرات لتحديد حالات التوازن. وعلى الرغم من أن التوازنات غير المستقرة لا تقل أهمية عن التوازنات المستقرة، فإن المعادلات الأساسية في معظم النظريات الفيزيائية تحدد الحالات التوازنية في الحالة العامة فقط، أما مسألة تعيين نوع التوازن فهي عادة مسألة صعبة.
وبالطبع ثمة مسألة حاسمة أخرى: ما الطاقة الكامنة التي يجب إلحاقها بكل حالة لنموذج model فيزيائي؟ وهنا تماماً تدخل الأدلة الفيزيائية والتجريبية. ولاكتساب بعض الإحساس بمفهوم الطاقةالكامنة، سنتناول الآن بعض النماذج البسيطة، دون أن نحدد فيها قيمة الطاقة الكامنة بدقة.
إذا كنت تتزلج على الجليد واكتسبت بعض الارتفاع في الجبال إما بوسيلة نقل معينة، وإما بالمشي نحو الأعلى، فإنك بذلك تكتسب أيضاً طاقة كامنة. ولدى وجودك على قمة الجبل، فإنك ستكون في توازن غير مستقر، وإن قيامك بحركة صغيرة كاف لجعلك تنطلق هابطاً نحو الأسفل، وخلال انطلاقك هذا تتحول طاقتك الكامنة إلى طاقة حركية أولاً، ثم إلى طاقة حرارية نتيجة الاحتكاك. وبعد توقفك في أسفل الوادي، ستكون في توازن مستقر وتكون طاقتك الكامنة أصغرية. بيد أنك لو صعدت إلى أحد شعاب الجبل، فستكون في وضع توازني غير مستقر، طاقتك الكامنة فيه ليست أعظمية ولا أصغرية.
ويوفر لولب (زنبرك) الميقاتية مثالاً آخر. إن هذا اللولب المرن يمكنه خزن قدر معين من الطاقة، فعندما تعبئ الميقاتية، تتحول الطاقة الحركية إلى طاقة كامنة يختزنها اللولب ويحررها ببطء أثناء تكتكة الميقاتية. وبعد خسارة اللولب توتره، يصبح في حالة توازن مستقر، وتتوقف عقارب الميقاتية عن الدوران.
كذلك، فإذا ضغطت على جسم مرن، كأن يكون كرة مطاطية أو حلقة مطاطية، فإنك تزوده بطاقة كامنة سيحررها لدى إبعاد يديك عنه. فعندما تترك هذا الجسم وشأنه، فإنه سيسعى إلى خسارة أكبر قدر ممكن من طاقته الكامنة وذلك بعودته إلى شكله الأصلي الذي تكون فيه الطاقة الكامنة أصغرية.
وإذا قطعت حلقة مطاطية وفتلت إحدى نهايتيها ثم لصقت النهايتين ثانية، تتولد في الحلقة توترات داخلية تسعى الحلقة تحريرها إذا ما تركت حرة. وستجد في النتيجة وضعاً توازنياً مختلفاً بعض الشيء عن الوضع الأصلي.
وهناك نماذج أخرى يمكن الحصول عليها بتحميل نظام من النوابض بوزن ثقيل. وإذ ذاك تواجه القوى المرنة للنوابض قوة الثقالة للوزن، وهنا يحدث التوازن أيضاً إذا كانت الطاقة الكامنة للنظام أصغر ما يمكن.
يمكنك الاستعاضة عن النوابض بقطعة من المطاط يمكنها أن تحضن مادة ثقيلة موضوعة عليها؛ كأن تكون حجراً،
أو مادة أكثر إثارة؛ كأن تكون سائلاً، وعلى الرغم من أن الهيئة الدقيقة للشكل التوازني أمر يعصب التنبؤ به، فإنه يمكن تجريبياً تعرفها بسهولة. ويمكننا النظر في مسألة أعقد إلى حد ما، وذلك، مثلاً، بإضافة قوى كهربائية أو مغنطيسية، وعندئذ لا بد من توفر درجة عالية من الإبداع والخبرة لإيجاد العبارة الدقيقة للطاقة الكامنة. هذا، ويمثل حقل ميكانيك المرونة elastomechanics أحد الموضوعات الصعبة والهامة جداً في الرياضيات التطبيقية، وهو موضوع لم يبلغ قط درجة الكمال على الرغم من الإنجازات المرموقة التي حققها العديد من علماء الرياضيات والفيزياء في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وترتبط قطع المطاط التي وضع فوقها سائل بظاهرة نصادفها يومياً: هي ظاهرة الشعرية capillarity. وقد لاحظ ليوناردو داڤنشي عام 1490 ارتفاع السوائل وانخفاضها في أنابيب صغيرة، هي الأنابيب الشعرية. وقد أعارت هذه الظاهرة اسمها إلى نظرية التوتر السطحي surface tension، التي باتت تسمى نظرية الشعرية the theory of capillarity. ترى، لم تتدلى قطرات الماء من سطح ما دامت ليست كبيرة جداً؟ لأعطاء تفسير عام لهذه الظاهرة، نتصور أن سطح كل سائل محدود بقشرة مرنة، وهذه القشرة توازن بوساطة خصائصها المرنة ثقل قطرة الماء، تماماً كما فعلت قطعة المطاط بالسائل، إن هذا التفسير جيد لأنه يمكن أن يفهم ببساطة، ولأنه يمكن تسويغه بعدة تجارب. وعلى سبيل المثال، ربما شاهدت خنفساء مائية تسير في أعلى سطح مستنقع، إنها تمشي على قشرة الماء.
إن التوتر السطحي للماء يعتمد كثيراً جداً على نوع المعادن المنحلة فيه وكميتها. ففي بعض أرجاء المعمورة، يكون التوتر السطحي من الشدة بحيث يمكنه حمل قطعة صغيرة من النقود. هذا وإن التوتر السطحي العالي يجعل من عملية غسل يديك أو ثيابك عملية بالغة الصعوبة، وما المهمة الأساسية لمواد التنظيف إلا إضعاف التوتر السطحي للماء المستعمل في الغسالات الآلية بقدرٍ جد كبير.
وإضعاف التوتر السطحي باستعمال الصابون أو مواد تنظيف أخرى هو الذي يمكننا أيضاً من تكوين أغشية صابونية على أسلاك أو سطوح، وهو الذي يسمح لهذه الأغشية أن تتكون دون حدود على شكل فقاعات صابون. ومن دون الصابون الذي يضعف التوتر السطحي، فلن يدوم الغشاء السائل للماء طويلاً، إذ سرعان ما ينهار.
إن التعليل الدقيق للتوتر السطحي بدلالة عمل القوى الجزيئية molecular forces ليس بالأمر السهل. فضلاً على ذلك، فلا بد أن تدخل إذ ذاك في الحسبان ظواهر أخرى- كطبقة البخار التي تغطي سطح السائل. لكن المفهوم الجميل والبسيط لتحديد حالات التوازن المستقر على أنها قيم صغرى للطاقة الكامنة سيجعل بمقدورنا تفسير سلوك الأغشية الصابونية على نحو مرضٍ تماماً، ولما كانت قشرة سائل تسلك إلى حد بعيد سلوك قطعة مطاطية مرنة، فإن طاقتها الكامنة يجب أن تكبر مع زيادة مطها، أي إن الطاقة المختزنة لسطح سائل ويجب أن ترتبط على نحو ما بمساحته، وإن أبسط قاعدة ترد في هذا الصدد هي أن تتناسب الطاقة الكامنة طردياً مع المساحة. وهكذا فإن غشاء صابونياً يتوازن توازناً مستقراً إذا كانت مساحته أصغر من مساحة أي سطح آخر يخضع للقيود نفسها.
هذا، وفي حالة قطرة سائل، تكون الطاقة الكامنة أعقد بكثير، إذ أنها تتعلق بمساحة السطح الحر وكمون ثقالة القطرة وكمون القوى التي تحدثها الحدود في السائل. وقد تكون قوى الحدود هذه سحباً pulling كما يحدث بين الزجاج والسائل، أو طرداً كما يحدث بين الزجاج والزئبق.
سطحان شعريان: (A) ماء ؛ (B) زئبق. يبين هذان السطحان القوتين الجاذبة والنابذة اللتين تحدثها جدران وعاءٍ في مائع.
وقد استعملت هذه المعالجة المبنية على مبدأ يوهان برنولي في العمل الافتراضي من قبل كاوس في بحثه بعنوان المبادئ العامة لنظرية توازن الموائع principia generalia theoriae fluidorum in statu equilibrii الذي ظهر عام 1830. وفي هذا البحث، وضع كاوس نظرية الشعرية التي كان قد اقترحها عام 1806 على أسس متينة .S.P>لاپلاس<Laplace في المجلد العاشر من موسوعته الذائعة الصيت الميكانيك السماوي Mecanique celeste.
وتوجد لبحث كاوس نتائج مهمة، إذ إنه يسمح لنا بوصف الأوضاع التوازنية للأغشية الصابونية على أنها سطوح تتخذ في حالة تشكلات حدودية boundary configurations مفروضة مساحة أصغرية بين جميع الأوضاع الافتراضية (الممكنة)، أو أن هذه السطوح هي في الأقل حالات توقف stationary للمساحة. وهكذا فإننا نكون قد وصلنا إلى نظرية السطوح الأصغرية التي سوف نعرض بعضاً من قسماتها الرئيسية في الفصل القادم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]