جسر تاكوما ناروز . تصميم جسور معلقه
2014 لنسامح التصميم
هنري بيتروكسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة
والحقيقة أن غالبية الجسور المعلقة القائمة كانت نسبها في الثلاثينات، وبالنسبة للمجازات القائمة، كان جسر غولدن غايت الوحيد الذي وصلت نسبة طوله إلى عرضه 45، وتبعات الرشاقة غير الاعتيادية لم تكن مفهومة ولا مقبولة من قِبل معظم المهندسين الذين كانوا يعملون في تصميم جسر تاكوما ناروز. لقد علم المصمِّمون أن ضيق المسار سيسمح لقدر كبير من المرونة، وحتى قبل الافتتاح علِم المخططون أن جسم الجسر قد ينحرف حوالي عشرين قدماً أفقياً في حالة هبوب ريح سرعته 90 ميلاً في الساعة، وفي ذلك الوقت كان تأثير الريح هذا الوحيد الذي أخذ بالاعتبار في تصميم الجسور المعلقة.
على كل حال، لم يغبْ الضيق المفرط غير المسبوق للجسر المقترح عن ملاحظة ثيودور إل. كوندرون (Theodore L. Condron)، المهندس الاستشاري السبعيني العمر الذي أبقته شركة تمويل إعادة البناء لمراجعة التصميم وتحضير تقرير يؤكّد أن الجسر المنوي بناؤه بموجب التصميم المقترح استثماراً سليماً. شعر كوندرون أن ضيق جسم الجسر قد أعطاه مرونة فائضة، والتمس تأكيدات من المهندسين المنهمكين في بحوث الجسور المعلقة بأن تصميم [جسر] تاكوما ناروز كان [تصميماً] معقولاً، وما رآه في التصميم ما يمكن أن يكون خطأً قاتلاً استمر في إزعاج كوندرون، لكنه تنازل في النهاية لخبرة السلطة ونفوذ ليون مويسيف، رئيس مهندسي الاستشارات (وهو مصمّم مؤثّر) للجسر الذي سيُبنى عبر تاكوما ناروز.
كان واضحا،ً حتى قبل أن يفتح الجسر لحركة المرور، إن الجسم الرشيق كان مرناً للغاية. وقيل إن عمال البناء اضطروا لمضغ الليمون للحد من شعورهم بالغثيان بينما كانوا يعملون على ما أصبح يُكنّى "غالوبينغ غرتي" (Galloping Gertie). لكن المهندسون طمأنوا العموم أن "ارتداد" الجسر ليس أمراً خطراً. بعد كل شيء، كان للعديد من الجسور المعلقة التي استكملت في عام 1939، أي سنةً قبل افتتاح جسر تاكوما ناروز، ارتدادة حيوية في مسارات الطريق، لكن لم يكن أي منها معرض لخطر الانهيار. ومع ذلك، حال ما تمّ افتتاح تاكوما ناروز رسمياً للمركبات، بدت السيارات السائرة فوق الجسر تشاهد حركة المرور التي أمامها تصعد وتهبط، وبالتالي تظهر وتختفي، عن النظر حسب تموج مسار الطريق صعوداً ونزولاً وكأنها تطفو على موجات في البحر. وفي محاولة لتحسين الحركة، تم تركيب حبال كابحة (Checking Cables)، ولكنها لم تقضِ بالكامل على السلوك غير المتوقّع [للجسر]، ومضى السائقون وركّابهم بعبور الجسر فقط لكي يخبِروا الظاهرة الغريبة، وتخطت عوائد الأجور جميع التوقعات.
استمر سلوك الجسر بهذه الحالة لحوالي أربعة أشهر، وخلال ذلك الوقت، ظهر على جسم الطريق تموّجات أخذت الشكل غير الدقيق للموجة الجيبية [في علم المثلثات] (Sine Wave)، ولكن من جانب إلى آخر وبقي [الطريق] مسطحاً دون ميل إلى جانب وعلى كل جانب من مماشي الجسر الجانبية، بقيت أعمدة النور بوضعها العمودي المتوازي محدّدة بالانحناءات التي كانت بشكل إهليليجي (Parabolic) لحبال التعليق الرئيسية، على الرغم من أنها ارتفعت وانخفضت والتوت خلفاً وأماماً بين أبراج الجسر، واستمر هذا النمط لغاية الساعة العاشرة من صباح اليوم الأخير للجسر، لحين اتساع الحركة العمودية حيث اتخذ [الهيكل] التواءً غير مألوف، والظاهر أن الحركات العمودية للجسر تسبّبت في ارتخاء شريط الحبال قرب وسط المجاز وانزلاقه خارج موقعه، مما أحدث اختلالاً في تناسق القوى المقيدة لمتن الجسر، وبدأ الجسر بتأرجحات التوائية، والمتن يلتوي حول خطّه المركزي، وكأنت أجزاء بدن الطريق طائرة تتناوب في ميلانها شمالاً ويميناً. وأعمدة الإضاءة بدأت تميل الآن للداخل والخارج بالنسبة للسطح العمودي للحبال المعلقة التي تربط بدن الجسر إلى الحبال الرئيسية، وقد أغلق الجسر للمرور، وهرع البروفسور فريدرك بارت فاركوهارسون (Fredrick Burt Farquharson)، الذي كان يتابع سلوك الهيكل الحقيقي بجانب تجاربه على نموذج للهيكل في جامعة واشنطن، إلى الجسر لمراقبة سلوكه الجديد بشكل مباشر وقام فريق التصوير بالاستعداد على اليابسة لالتقاط فيلم لهذا الحادث المثير.
بقيت سيارة وحيدة على المجاز المركزي للجسر الملتوي، تُركت من قبل ليونارد كوتسوورث (Leonard Coatsworth)، وهو مراسل من المحتمل أنه كان يحاول أن يعبر الطريق المتحرّك، ربما ليحصل على قصة شخصية أولى، وفي فيلم الجسر الملتوي، تبدو السيارة على الجانب الخاطئ من الطريق، حيث علم يعد ذلك أن محركها قد توقف، وحتى لو لم يتوقّف المحرّك، فإن جيشان جسم الجسر كان سيجعل السيطرة على السيارة مهمة شبه مستحيلة، وبعد أن هجر كوتسوورث مركبته، أصبح راجلاً نادماً حاول أن يعدو في المجاز لكنه طُرح أرضاً مرّات متكرّرة مما اضطره إلى أن يحبو على أطرافه الأربعة على امتداد الرصيف الصاعد والهابط، وقد استطاع أن يزحف إلى بر الأمان ولكن بأيدٍ وركبٍ مخدشة ومدماة.
قد التقطت صورة البروفسور فاركوهارسون على نفس الفيلم ماشياً أحياناً كبحّار ثمل، على الخط المركزي الثابت نسبياً، والذي بقي من دون حراك بالرغم من ارتفاع وهبوط جسم الجسر على الجانبين وعليه، والخط المركزي الثابت هو ما يعرف بعلم الميكانيك الفيزيائية بالخط العقدي (Nodal Line)، والمهندس العلمي فاركوهارسون كان على علم بهذه المبادىء النظرية وطبقها لتساعده على الهروب، ويُعتقد أنه جازف بحياته محاولاً دون نجاح إنقاذ كلب صغير اسمه تبي (Tubby) كان محصوراً في داخل السيارة العاطلة؛ وكان الكلب المرعوب – وهو من نوع كلاب الصيد (Cocker Spaniel) يعود لابنة المراسل كوتسوورث – الوحيد الذي فقد حياته عندما التوى الجسر وهوى، وقد وفّر الفيلم الذي التقط للدقائق الأخيرة لالتواء جسر تاكوما ناروز مقاطع نوعية لفشل هيكلي حقيقي، ومشاهده، كما عبر عنها أحد المراسلين، "تعتبر بين أكثر المشاهد إثارة وانتشاراً في العلم والهندسة".
حصل فيلم انهيار الجسر على تعليقات متفاوتة من مهندسين. فبالرغم من أنه وفّر رؤية فريدة لهيكل كامل الأبعاد يعرض حدود مرونته، يوفر الفيلم أيضاً إثباتات غير قابلة للنقاش بأن بإمكان المهندسين اقتراف أخطاء جسيمة – أشياء منها يجب أن يتذكّره البعض، وعلى العكس من ذلك، لم يجد الفيزيائيون أي حرج من إعادة عرض الفيلم وكأنه حلقة لا تنتهي، ليس فقط لأنه يعرض مثالاً لمشهد من العالم الحقيقي لظاهرة ميكانيكية مثيرة، ولكن لأنه يتيح الفرصة لتأكيد أن نظرياتهم يمكن أن تفسر وتنبأ بسلوك لم يتوقعه على الأقل بعض المهندسين. وربما لم تكن صدفة أن الفلم الشهير للانهيار سيء الصيت لجسر تاكوما ناروز كان يوزع ليس من قبل منظمة هندسية ولكن من قبل الرابطة الأمريكية لمدرسي الفيزياء. (لغاية انهيار البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمية في أيلول/ سبتمبر 2001، والتي تم تصويرهما بواسطة الفيديو من زوايا متعددة من قبل شهود متعددين وتمت إعادتها مرّات ومرّات على التلفزيون، بقي فيلم انهيار جسر تاكوما ناروز وحيداً كتذكير بمقدار هشاشة هياكلنا حتى الكبرى منها).
في مساء الانهيار، كان المهندس الاستشاري والمصمم في مكتبه في مدينة نيويورك عندما أخبر مراسل أسوشياتد برس أنه كان "في حيرة تامة لتفسير الانهيار"، وسافر بالطائرة الشريك الصغير لمويستيف، فريدرك لاينهارد (Fredrick Lienhard)، إلى الساحل الغربي نفس الليلة ليحقق في الانهيار؛ وقد خطط مويستيف أن يتبعه بالقطار، وفي اليوم التالي، تكهّن أن الحادث قد سببه "حالة ريح غريبة". فالحالات الاعتيادية لا يمكن أن تُسقط الهيكل حسب مويستيف، لأنه قد تمّ بناؤه حسب القواعد المتبعة. "لم يكن هناك أي شيء غير اعتيادي حول مشروع البناء، ولم يتم استخدام أية مواد غير اعتيادية، ومع ذلك، لم يستطع إنكار أنه حتى الريح الخفيفة كانت تحدث "اعوجاجاً" في جسم الهيكل. لهذا كان يتمّ اختبار نموذج لجزء من الهيكل في [مختبر] نفق الريح في جامعة واشنطن.
لم يكن المهندس المقيم للجسر شارلز إ. أندروز (Charles E. Andrews) في حيرة لتوضيح ما حدث. فقد أبدى رأيه في مقابلة على الراديو يوم الانهيار – وأكّد أنه رأيه الشخصي فقط – بأن الانهيار يعود لاستخدام العارضات الصلبة لتصليب الجسم بدلاً من الجملونات، وحسب أندروز، فالعارضات "أدّت إلى ارتجاف الجسر كما ترتجف ورقة [شجرة]، في الريح، وأدّى ذلك إلى إحداث اهتزاز بدأ يتصاعد حتى حدث الفشل"، ولاحظ أن مجاز تاكوما كان "الأضيق مقارنة بالطول بين مجازات الجسور، في العالم". وقارن أندروز كذلك تاكوما ناروز بجسر برونكس وايتستون (Bronx Whitestone)، الذي كان يظهر كذلك تموجات – لكنها صغيرة – في الريح، ومع ذلك، فقد أشار أن مجاز الهيكل كان أقصر ولكنه أوسع. بعبارة أخرى، إن نسبة الطول – إلى العرض كانت أصغر من نسبتها في تاكوما ناروز، وأندروز الذي كان أيضاً مهندس إنشاءات صاحب ذلك الهيكل، كان قد استوعب المزايا التصميمية وثيقة الصلة بالجسر الفاشل المنكوب. وفي خلال يومين من الانهيار، نشرت الأسوشياتد برس أن مهندس الجسر إيلدردج "قال إن مهندسي الولاية للطرق السريعة اعترضوا على التصميم، لكن بناءه قد تم لاعتبارات اقتصادية". واعترفت مقالة افتتاحية في النيويورك تايمز أن من المبكر جداً التصريح عن سبب الحادث، "مع أن رأي مهندسي الإنشاءات بأن استخدام صفيحة التصلّب أو عارضات عنكبوتية بدلاً من النوع القديم من العارضات الشعرية أو المفتوحة كانت المسؤولة [عن الحادث]".
من المفهوم أن بعض المهندسين لا يرغبون بالتباهي بصور الفشل. لكنهم يعترفون أنه عندما يسيء جسر معلّق مهم السلوك بحيث ينهار، عندئذٍ تبرر المناسبة كبرهان بأن الوضع الفني لتصميم الجسور المعلقة ذات المجازات الطويلة ينقصه أشياء مرغوبة، وكان ذلك الحال في تشرين ثاني/ نوفمبر 1940، ولذا كان من المناسب حينئذٍ الإشارة للانهيار كـ "لغز"، وقد تم تكليف لجنة تقصّي من قِبل وكالة الأعمال الاتحادية (Federal Works Agency – FWA) لإيجاد حلّ لذلك اللغز، وتكوّنت اللجنة الثلاثية من أوثمار ه. أمّان (Othmar H. Ammann)، المهندس المسؤول عن جسر جورج واشنطن؛ وغلن ب. ووودرف (Glenn B. Woodruff)، مهندس تصميم لجسر خليج سان فرانسيسكو – أوكلاند؛ وتيودور فون كارمان (Theodore von Karman) مهندس الطيران ومدير مختبر غاغينهايم للطيران (Guggenhiem Aeronautical Laboratory) في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. ومبكراً، عزى كارمان سبب فشل جسر تاكوما ناروز إلى شيء كان ملماً به بشكل جيد– وهو انسياب دوّامات من الهواء بشكل دوري، ظاهرة أحدثت انسحاباً هوائياً خلفها (Wake)، عرفت بشارع دوّامة كارمان، وفي رأي فون كارمان، فإن هذا الانسحاب الهوائي قد دعم الاهتزازات الهيكلية التي نمت حتى وصل جسم الجسر إلى حد لم يستطع معه التماسك، ولم يعكس تقرير FWA قناعات فون كارمان – ربما لأنه هُزم بالتصويت من قبل مهندسي الجسر – وصرّح أنه من "غير المحتمل أن الرنين مع دوّامات متعاقبة يمكن له أن يكون له دور مهم في اهتزازات الجسور المعلقة"، وأن سلوك جسر تاكوما ناروز ربما كان بسبب "الاهتزازات المسلطة والمحفزة من عمل عشوائي لريح هائجة". هكذا غموض حول سبب الانهيار تجده في الأدبيات حتى هذا اليوم. والأهم، وجدت اللجنة أن القوى الأيروديناميكية، التي قد أصبحت عند ذلك معروفة بشكل واسع في صناعة الطيران المتنامية، لم تؤخذ بالاعتبار في تصميم جسم الجسر، الذي جعلته النسب الرشيقة يتصرّف كجناح بدلاً من جسم. لم تؤخذ القوى الأيروديناميكية بالاعتبار كأمر مهم من قبل أي من المهندسين المصممين للجسور المعلقة خلال ثلاثينات القرن الماضي، لذا تمّ إعفاء مهندسي جسر تاكوما ناروز من قِبل اللجنة من أي إهمال أو عمل خاطىء. لكن من المؤكّد أن الفشل أعطى دروساً لمهندسي جسور المستقبل، ليس أقلها أن يكونوا ملمين بالتطوّرات الفنية في الحقول البازغة في الهندسة والعلم.
من الطبيعي أن الذكرى الخمسين لانهيار جسر تاكوما ناروز استوجبت استذكار المناسبة، وقد ذكرت إحدى المقالات في عدد تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 من مجلة كونستركشن توداي (Construction Today) [البناء اليوم] "بالرغم من التقارير الرسمية وخمسين سنة من التحليل، فإن الفشل العنيف….. لم يفهم كلياً". ويقيناً، فإن كمية كبيرة من البحوث والكتابات والنقاشات قد ركزت على سبب فشل تاكوما ناروز خلال نصف القرن الماضي، ليس فقط بين مهندسي وعلميي الهندسة بل كذلك بين خبراء الرياضيات والفيزيائيين الذين لم يكونوا ضد قيامهم بدراسة ظاهرة مصطنعة، وبالرغم من حقيقة أن فشل الجسر ربما لن "يُفهم بشكل كامل"، لأن الهيكل الحقيقي لم يعد قائماً كي تجرى عليه، بشكل لا جدال فيه، فحوصات أية فرضية للفشل، لكن تقدّماً كبيراً باتجاه فهم ذلك قد حصل، وأي إرباك عالق، قد يمثّل انقطاعاً في التواصل بين حقول [المعرفة] وليس بسبب شحة نتائج البحوث.
يدل الفهرس المتراكم لمطبوعات الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين على أن الجمعية أهملت مناسبة الانهيار. لكن، عدد كانون أول/ ديسمبر 1990 من [مجلة الجمعية] سفل انجينيرنغ (Civil Engineering) حملت خبراً بأن الورقة القادمة في الأميركان جورنال أوف فيزكس (American Journal of Physics) "ستنشر الحقيقة" حول سبب الانهيار السيىء الصيت. وبما أن الورقة قد أعدت من قبل مهندسين اثنين وعدا مقابلة التفسير الهندسي مع ما هو موجود في كتب الفيزياء المقررة، لذا تطلعت بشوق لعدد المجلة، ولم يخب أملي. لقد درس روبرت ه. سكانلان (Robert H. Scanlan)، الذي كان بروفسوراً للهندسة المدنية في جامعة جونز هوبكنز (Johns Hopkins)، وكان قد درس ديناميكيات الهياكل عبر مسيرة طويلة ومميزة. فقد شارك في وقت مبكر عام 1971 في تحقيقات في التشابه بين خفقان جنيحات (Airfoils) الطائرات وأجسام الجسور – بحوث قادت في النهاية إلى توضيح طبيعة فشل تاكوما ناروز، ولم يحظ التوضيح باهتمام منتشر خارج دوائر الهندسة المدنية حتى ظهر لاحقاً في المقالة المكتوبة من قبل سكانلان وطالب سابق له، هو ك. يوسف بله (K.Yusuf Billah) التي ظهرت في مجلة الفيزياء، وجاءت فكرة كتابة مقالة مراجعة حول انهيار جسر تاكوما ناروز لبله نهاية الثمانينات من القرن الماضي بينما كان يتصفّح الكتب في مكتبة. إذ وجد نفسه يتمّعن بثلاثة كتب منهجية رائجة في الفيزياء "أثارت استدلالات حول واقعة تاكوما ناروز تختلف عن الفهم الهندسي للفشل". وقال: كشف البحث في المكتبات ومخازن الكتب "الحضور المنتشر لفشل تاكوما ناروز في عدد كبير آخر من النصوص" (أشير لثلاثين منها في مقالة بله وسكانلان). معظمها أشار لسلوك الجسر كمثال للرنين.
في مقالتهما، وبعد الاقتطاف من عدد من الكتب المنهجية تؤكّد أن الرنين هو المجرم، اعترف بلّه وسكانلان أن الكتب المنهجية كانت محقة نوعياً، لكن لم تحدد المقالة بشكل مقبول أو كمّي مصدر النبضات الدورية – كما في موجات الصوت في صوت المغني المهشم للكأس – التي قد تنتج الرنين، وقد أشير ضمنياً أن الريح نفسها كانت المصدر لتزامن الذبذبات، لكن لا توجد دورية مرتبطة بوضوح بهبوب الرياح والعواصف. وقد اكتشف بلّه عدداً من النصوص التي اعتمدت على تفسير فون كارمان بأن الدوّامات المسكوبة هي التي أحدثت النبضة الدورية التي أوصلت الجسر إلى التحطّم، ولدحض هذه النظرية، احتسب بلّه وسكانلان ذبذبة الدوّامات المسكوبة في هبوب الريح الذي كانت سرعته 42 ميلاً في الساعة عندما انهار الجسر، والذبذبة كانت دورة واحدة في الثانية، والتي ذكر أنها "غير متزامنة كلياً مع الذبذبات الالتوائية وقدرها 0.2 دورة في الثانية والتي تمت مشاهدتها وقياسها من قبل فاركوهارسون".
قام المهندسون بإعادة رسم مخطط بياني من نشرة محطة تجارب هندسة واشنطن(Washington Engineering Experiment Station Bulletin) روى فيها فاركوهارسون سلوك الإيروئيلاستيك (Aeroelastic) لنموذج جسر كامل الحجم في [مختبر] نفق ريح، ويُظهر الرسم أنه، بينما كانت حالات سعة الذبذبة العمودية محدِّدة ذاتياً تحت السرعة المتزايدة للريح، فهي لم تكن كذلك بالنسبة للهزة الملتوية، وبحسب النموذج الهندسي – العلمي، بينما جرى في جسم تاكوما ناروز هزّات التوائية، تم انسياب نوعين من الدوّامات. الأول تلك المرتبطة بشارع دوّامة كارمان وله ذبذبة لا تتطابق مع الذبذبة الطبيعية لحركة الجسر، والنوع الثاني عبارة عن دوّامات معقدة مرتبطة بالذبذبة الهيكلية نفسها، ولها نفس ذبذبتها بالضبط – نوع من الدوّامة المرتبطة بانسحاب الرجّة الهوائي الذي أحدث من قبل جسم لا انسيابي في انسياب هوائي، ويبدو أن الدوّامات المستحثّة بالحركة، التي تهيمن على سعات كبيرة من الذبذبات هي التي أدّت إلى تحطّم الجسر. واعترف بلّه وسكانلان بمعضلة "الدجاجة والبيضة": هل الدوّامات أدّت إلى الحركة أم الحركة أدّت إلى الدوّامات؟ "واستنتجا أنها الحالة الأخيرة. فإن كان هناك رنين، فهو معقّد وموجود بين حركة الجسر والدوارات المتأتية من نفس الحركة.
كما روى بلّه وسكانلان، إن تأثيرات التثبيط أو امتصاص الصدمة التي تقيّد الاهتزازات في أجسام الجسر غيرت اتجاه تأثيرها عند سرعة ريح محددة، ونتج من ذلك ظاهرة سمحت للجسر بالاهتزاز بسعات متزايدة، أدّت بالنهاية إلى انهيار هيكلي. من المؤكد أن حالة التواء التحطّم الذاتي لم تحصل في تاكوما ناروز لحين حصول فشل هيكلي صغير نتج منه ظروف غير متناسقة؛ فحال ما بدأت استغرقت 45 دقيقة فقط لتصبح خارج السيطرة كلياً. أنهى بلّه وسكانلان ورقتهما حول فشل جسر تاكوما ناروز بملاحظة أن "الصور المثيرة جعلت من الحالة مثالاً تربوياً". إضافة لذلك "لسهولة رسوخ الحالة في الذاكرة، فمن المهم بشكل مزدوج للتربويين استخلاص دروسٍ صحيحة من هذه الحادثة الكلاسيكية المثيرة". ويقيناً، فالتعرّف على حالات دراسية للفشل هي ضمن أهم الوسائل الفعّالة لتحاشي حالات فشل مماثلة في المستقبل. ولكن، إن كانت التفسيرات المصاحبة للحالات الدراسية هي بذاتها خاطئة أو مضلِّلة، عندئذٍ فإمكانية الضرر [من هذه الحالات الدراسية] أكثر من الفائدة.
تعتمد الهندسة الحديثة بشكل كبير على الأسس الرياضية والفيزيائية، لذلك تهيمن دورات الرياضيات والفيزياء على مساقات أول سنتين في الهندسة، ويتساءل طلاب الهندسة المتحمسون قليلو الصبر عن صلة هذه الدورات بالهندسة الحقيقية، لذا تعتبر مناقشة أمثلة حقيقية مثل اهتزاز وانهيار جسر تاكوما ناروز ساحرة بشكل خاص للطلاب المتفتحين والمتحسسين. ويتم تذكير مدرسي الهندسة باستمرار كيف أن من الصعوبة التغلب على العادات الرديئة للضعف بالرياضيات والعلوم، وبالذات تلك التي اكتسبت في الدورات الأولية التي تعطي توضيحات وقائية لظاهرات هندسية درامية وحالات للفشل، ومع ذلك ففي الحالة الدراسية لتاكوما ناروز، فإن الرياضيات والفيزياء – التي تعتبر مستلزمات مهمة – تقف من دون شك خلف علم الهندسة.
بالرغم من أنه تفسير لاحق لما حدث، فإن لتجاور تفسير عملي [فيزيائي] بسيط مع خطأ هندسي معقّد في التقدير وعدم كفاءة التصميم تبعات أبعد بكثير من مجرّد حل للغز، لأن ذلك يعاكس الصور الكاريكاتورية لشخصية الرياضي/ العلمي الملمّ بكل شيء والمهندس/ المصمم المتخبّط، ولكن لا يوجد أي عذر للتبسيط المفرط والقولبة في الكتب المنهجية وصفوف الدراسة بهذا الشكل، سواء كان صراحةً أو ضمناً. سيبقى انهيار جسر تاكوما ناروز من دون شك، كما يجب أن يكون، مثالاً تربوياً لا يقاوم؛ ويجب ألا يبقى مثالاً كلاسيكياً للتنازع والكبرياء بين التخصّصات. لاختبار أية فرضية للفشل بشكل كامل وقاطع، على الجسر نفسه أن يعاد بناؤه، بجميع ترابطاته غير المتسقة، والمفاصل الرخوة [غير المشدودة]، والعيوب الأخرى بالضبط كما كانت في الأصل، ولأن هذه الحقائق للبناء الفعلي لا يمكن معرفتها، بالإضافة لصعوبة استنساخها، فإن أية تجربة لاختبار نظرية فشل تاكوما ناروز ستتعرض لانتقادات وتحديات.
فرض التقييم الهندسي – الذي طُلب من قبل شركات التأمين لجسر تاكوما ناروز إثر الفشل – عدم إعادة استخدام أي جزء من الهيكل الكلي في [الجسر] البديل. فمعظم المجاز المركزي كان في قعر نهر ناروز – وهو باق هناك لهذا اليوم، ومُدرج في السجل الوطني للأماكن التاريخية، بالتالي، يجب عدم إزعاجه، حتى عندما يتم وضع الأساسات لأي جسر جديد – والمجاز الجانبي عاني أضراراً مماثلة ومن الممكن أن تبقى تحت الماء كذلك، والأبراج التي كانت قد صممت لتُسحب بالتساوي في كل اتجاه بواسطة الحبال، قد سحبت بشكل غير متناسق نحو الساحل القريب مما أدّى إلى انحنائها بشكل دائم في قاعدتها وبالتالي لم يعد بالإمكان إعادة استخدامها كذلك. وقد أكمل هدم الهيكل المتضرّر – منتصف عام 1943، واستخدم الفولاذ الذي تم إنقاذه في المجهود الحربي. لذا من المحتمل أن جزيئات من الجسر القديم وجدت طريقها إلى الدبابات والسفن.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]