تنديدات حول استخدام التكنولوجيا الحيوية
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
ففي غضون سبعينات وثمانينات القرن الماضي، طرح العلميون ذوو الفكر النقدي (Critically Minded Scientists) وخبراء البيئة (Environmentalists) والشكوكيون حول التكنولوجيا(Technology Skeptics) في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا أسئلة حول "مخاطر تلك التكنولوجيا الجديدة التي قد تثيرها على البشر والكائنات الحيّة الأخرى حول قضايا تتعلق بالمجتمع والأخلاق والمعنويات، تظهر عندما تتدخل تلك التكنولوجيا في الطبيعة من خلال استعانتها بمجموعة جديدة من الأدوات القوية" (Schurman and Munro 2010, 57).
وفي الوقت ذاته، شكك نقاد التنمية (Development Critics) – الباحثون والنشطاء منهم الذين شككت أعمالهم في فرضيات وفحوى مخططات التحديث الاقتصادي للعالم الجنوبي – في التكنولوجية الحيوية نتيجة مخاوف من سيطرة الشركات على البذور، وتلاشي التنوّع الوراثي النباتي.
وخلال ثمانينات وبدايات تسعينات القرن الماضي تقاطع عمل الأفراد مع الشواغل الاجتماعية ووجهات النظر العالمية فبدؤوا في تشكيل تحليل متماسك للتكنولوجيا؛ وهو ما أدّى إلى ظهور الانتقادات الحالية للمحاصيل المهندسة وراثياً، وإلى درجة كبيرة نتيجة جهد مبكر لهؤلاء العلميين ذوو الفكر النقدي والنشطاء الناقدين الذين عملوا لفهم الأدوات الجديدة للتكنولوجية الحيوية.
نتيجة لهذا التاريخ الفكري المتنوّع لنقاد التكنولوجيا الحيوية تشابكت المخاوف على البيئة والصحة مع مخاوف من السلطة وعدم المساواة في نظام الأغذية الزراعية العالمية.
فمن منظور نقدي قُدِّم من قِبل بعض المراقبين أمثال الناشط الهندي البارز فاندانا شيفا (Vandana Shiva) وعالم الاجتماع الأميركي جاك كلوبنبرغ(Jack Kloppenburg) لا تشكل الأبعاد الاجتماعية والبيولوجية تجاه المحاصيل المهندسة وراثياً. مسائل منفصلة عن بعضها البعض، بل تكون أجزاء في نفس عملية سيطرة الشركات على الزراعة والموارد الطبيعية. ففي مقالة حول التكنولوجيا الحيوية وحفظ التنوّع البيولوجي في عام 1995م كتب شيفا قائلاً (1995 و198-199Shiva ):
التعرية البيئية وتدمير سبل العيش كلاهما مرتبطبين ببعض. فإزاحة مواقع التنوّع ومصادر رزق البشر، كلاهما، قد ينشأ من وجهة نظر التنمية والنمو المبنية على أساس الاتساق الذي نشأ من خلال السيطرة المركزية. فعملية السيطرة تلك والعلم وفعالية والتكنولوجيا الاختزاليتين تعمل كلها في خدمة مصالح اقتصادية قوية.
في حجة مماثلة، يؤكّد كلوبنبرغ (Kloppenburg 1988, 2005, 314) شرحه لوجهة نظره حول الاستخدامات المفيدة المحتملة للتكنولوجيا الحيوية:
"أعتقد أن التكنولوجيا الحيوية بصورة عامة – والهندسة الوراثية على وجه الخصوص- يمكن استخدامهما بطريقة آمنة متقدمة اجتماعياً ومستدامة، إذا ما سمحت الظروف الاجتماعية لها بالتطور بطرق مناسبة لتحقيق تلك الأهداف.
فاستدامة البيئة والمجتمع ستتبع أساساً الإجراءات الاجتماعية التي نحن نبنيها، وليس من التكنولوجيا التي نحن نوجدها…. وفي حين أنني لا أعتقد أننا في موضعٍ نمتلك فيه الآن المعرفة العلمية لاستخدام تكنولوجيات وراثية جديدة مأمونة، فإني أكثر قلقاً لكوننا الآن لا نمتلك مؤسسات اجتماعية راسخة قادرة أن تضمن أنه يتم استخدامها بشكل صحيح وجيد….. حيث إن أدوات التكنولوجيا الحيوية القوية يجري الآن استغلالها بصورة كبيرة من قِبل مجموعة صغيرة من الشركات الكبرى التي تدّعي استخدامها [لتلك التكنولوجيا] للقضاء على المجاعة وحماية البيئة وعلاج الأمراض، لكن في واقع الأمر فإن [هذه الشركات] تريد استخدام [تلك التكنولوجيا] بالسرعة الممكنة من أجل كسب المال بأسرع وقت ممكن".
لقد لفت كلٌّ من شيفا وكلوبنبرغ الانتباه إلى المشاكل التي غالباً ما كانت تحجبها النقاشات حول المخاطر المترتبة من المحاصيل المهندسة وراثياً. فهُما لم ينقدا فحسب، بل وضّحا إمكانية حدوث ضرر [من المحاصيل المهندسة وراثياً] وكذلك النظم الاجتماعية التي تسمح لتلك الأضرار بالتكاثر والانتشار.
إنه من النادر جداً أن تدمج مثل هذه الانتقادات الاجتماعية في العمليات الناظمة الرسمية. ففي الواقع، كما أشرت مسبقاً في حديثي حول الصراع على الفلفا المهندسة وراثياً، كان مؤيدو المحاصيل المهندسة وراثياً قد عارضوا بشدة السماح للحكومة، عند اتخاذ قراراتها لتنظيم ذلك، بالنظر في أي شيء باستثناء التقييم المستند إلى العلم.
وكما سأشرح في الفصل الثاني، فإن الحوكمة في المحاصيل المهندسة وراثياً كانت قد استخدمت العلمائية [خليطاً بين السياسة والعلم] في اتفاقاتها العالمية ممثل [اتفاقات] منظمة التجارة العالمية. ومع ذلك فالحالات التي تضمنها هذا الكتاب لا تبيّن الانقسامات البسيطة حول "القيم الاجتماعية المحلية" (Local Social Values) مقابل "المؤسسات التكنوقراطية العالمية" (Global Technocratic Institutions).
فتأويلات الحركات الاجتماعية لمشاكل المحاصيل المهندسة وراثياً نادراً ما تكون في تناقض تام مع الخطابات المهيمنة على مشكلتها. فكما شرح عالما الأنثروبولوجيا – في الحوكمة البيئية – جيمس فارهيد(James Fairhead) ومليسيا ليتش (Melissa Leach) (2003, 2) علميّاً:
" أن القوى العالمية والمحلية يمكن توحيدهما من خلال تأطير المشاكل. الاهتمامات المحلية أو أشكال المعرفة التي تتبادر لتتمثّل في المناقشات الوطنية والدولية لها الحصة المهيمنة في أحيان كثيرة، مع المسائل المعولمة (مثلاً، حول ما يحدث والاتجاهات التي ينبغي وقفها أو تعديلها)، بينما تسقط الأطر البديلة وتداعياتها خارج ما يعالج … ومن هذا المنطلق، فحتى الجهات المحلية الفاعلة قد يكون بالإمكان إغراقها في دوامة من الجدل العالمي، على الرغم من عدم المساواة في مقدرتها على صياغة شروطها".
إن أحد الأسئلة المطروحة لتحفيز هذه الدراسة هي، كيف وتحت أي ظرف يمكن لهؤلاء الذين يدافعون عن أشكال بديلة للحياة الاجتماعية -المسارات البديلة في الزراعة- أن يصوغوا شروطاً "لدوامة النقاش العالمي" (Vortex of Global Debate).
لقد اعتمد أنصار الزراعة البديلة في الكثير من الأحيان على الخطاب السائد في التقييم العلمي للمخاطر للتعبير عن معارضتهم [بإقرار استخدام] المحاصيل المهندسة وراثياً.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]