الإجراءات الكندية المتخذة حول التكنولوجيا الحيوية
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
منذُ وقت مبكرٍ من تسعينات القرن الماضي، كانت كندا تلعب دوراً فاعلاً في المداولات الدولية (International Deliberations) عبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(Organization for Economic Cooperation and Development)، ومنظمة التجارة العالمية، وبروتوكول السلامة الأحيائية التابع للأمم المتحدة، وغيرها من المؤسسات العاملة في تحديد حوكمة التكنولوجيا الحيوية العالمية.
إذ طالما كان يشارك الموظفون التنظيميون لوكالة التفتيش الغذائي الكندية(Canadian Food Inspection Agency:CFIA) في المفاوضات المتعلقة بالمعايير العلمية والتقنية الدولية، التي تهدف إلى مواءمة الأطر التنظيمة الدولية (Harmonize International Regulatory Frameworks) لتسيير التجارة(Abergel, 2007) .
كان موقف كندا في كل هذه المفاوضات وفي الإجراءات التنظيمية الخاصة بها، هو أن التكنولوجيا الحيوية، كعملية، لا تسبب أي ضرر استثنائي، وبدلاً من ذلك يجب خضوع أي منتج، عليه جدل ما، إلى تقييم مخاطره.
وعليه، فقد كانت كندا مروّجاً قوياً لمفهوم المراقبة القائمة على العلم للمحاصيل المهندسة وراثياً، وقد عملت على ذلك في الكثير من الأحيان مع الولايات المتحدة الأميركية [وخصوصاً في الشق الذي] يتعلّق بمسألة التجارة الدولية.
في عام 1993م أسّس الإطار التنظيمي للتكنولوجيا الحيوية ضمن الحدود الكندية ثلاث وكالات مسؤولة عن تنظيم المحاصيل المهندسة وراثياً: وكالة التفتيش الغذائي الكندية (CFIA)، وكالة الصحة الكندية (Health Canada Agency)، ووكالة البيئة الكندية (Environment Canada Agency).
فكل من وكالة التفتيش الغذائي والوكالة الصحية الكنديتين تتعاملان مع معظم المواقف، حيث إنهما تستخدمان مفهوم "التكافؤ الجوهري" (Substantial Equivalence) كمبدأ لإجراء التقييمات. إذ يعني ذلك استخدام البيانات المقدمة من صاحب الطلب، بعدها يتم مقارنة بيانات النبات المهندس وراثياً مع نظيره غير المهندس وراثياً، لتحديد ما إذا كان [النبات المهندس وراثياً] آمناً مثل النبات العضوي غير المحوّر وراثياً، أم لا.
فعلى سبيل المثال، تستخدم وكالة التفتيش الغذائي الكندية في مقارنتها خمسة عناصر أساسية هي، إمكانية خلوّه [أي النبات الذي هو بصدد المقارنة] من الأعشاب الضارة، والتدفّق الجيني للأنواع ذات الصلة بالنبات، والتغيّرات المحتملة من خلال الآفات النباتية، والتأثيرات المحتملة في الكائنات غير المستهدفة، والتأثير المحتمل في التنوّع البيولوجي (Andrée 2002).
فإذا ما تمّ تحديد النبات ليكون مكافئاً جوهرياً لنظيريه العضوي، أو لإمكانية تقليل المخاطر، تتم الموافقة على تداول هذا النبات [المهندس وراثياً] بصورة تجارية، وبعد هذه الموافقة لا تكون للحكومة يد في المتابعة الطويلة الأمد أو الدراسات حول ذلك النبات المقصود.
وعليه فإن المستهلكين ودعاة حماية البيئة وغيرهم من المواطنين، عموماً، لا رأي لهم في تقييم تلك المنتجات (مصدر سابق)، علاوة على عدم وجود أي متطلّبات لوضع علامات على المنتجات المهندسة وراثياً في كندا.
وبعبارة أخرى، بمجرّد تحديد العلميين الرقابيين أن تلك المحاصيل متكافئة إلى حدٍّ كبير مع مثيلاتها من المحاصيل العضوية (ضمن النطاق الضيق لتلك المعايير) فلا يتمّ التعامل معها بشكل مختلف عن أي محصول نباتي آخر(10).
ما بين عامي 2000 و2001، أجرى فريق خبراء الجمعية الملكية الكندية(Expert Panel of the Royal Society of Canada (2001) تقييماً مفصّلاً للنُّظم الناظمة الكندية الخاصة بالتكنولوجيا الحيوية، واستنتجت أن مبدأ التكافؤ الجوهري معيبٌ بشكل عميق، وأن هذا النظام برمّته يفتقر إلى الشفافية والدقة العلمية.
كان هذا التقصّي مدعاةً للقلق، لأن العملية التنظيمية تلك استبعدت مشاركة العامة بصنع القرار تحت ضالّة التقييم بناءً على العلم، لكن العلم وفقاً لمراجعة الجمعية الملكية الكندية معيبٌ بحدّ ذاته، وقد تردّد هذا القلق أيضاً على لسان منتقدين آخرين، إذ أشاروا إلى المنظمين (المراقبين) بقولهم إنهم في الكثير من الأحيان لا يعرفون إلا القليل عن الآثار البيئية لـ "خط أساس المحاصيل" (Baseline Crop) وأصنافه التي تكون معدّة لمقارنتها بمحاصيل جديدة (Andrée 2002).
فالباحث البارز في علوم النباتات ر. كيث داوني (R. Keith Downey) (2001) انتقد التقرير علناً بمجرد صدوره ووصفه بـأنه "منحاز غلى أقصى الحدود" (Biased to the Extreme) ضد التكنولوجيا الحيوية، في حين أن منتقدي المحاصيل المهندسة وراثياً رحّبوا بالتقرير أيما ترحيب وطالبوا بتنفيذ توصياته المتعددة، ومن أجل ذلك أقدمت الحكومة الكندية على إنشاء "خطة عمل" (Action Plan) لبعض الإجراءات التي أثارها تقرير الجمعية الملكية الكندي، لكن في عام 2004م أشارت دراسة إلى أنها لم تدرك معظم التوصيات التي أوصى بها التقرير (Andrée and Sharratt 2004).
إضافةً إلى ذلك القلق الرئيسي بشأن التقييم العلمي لسلامة التكنولوجيا الحيوية، فإن تقرير مجموعة خبراء الجمعية الملكية الكندية (2001, 223) أقرّ أيضاً أن هناك "اعتبارات اجتماعية وسياسية وأخلاقية واسعة" ذات صلة بتنظيم المحاصيل المهندسة وراثياً، وخصوصاً في وضع العلامات التي تبيّن نوعية المنتج الغذائي.
مجموعات النشطاء [المناهضة للتكنولوجيا الحيوية] دعمت هذه التوصيات. فعلى سبيل المثال، معهد بولاريس (Polaris Institute) الذي يعمل على دعم الحركات المدنية في كندا، اعترف تكراراً بما جاء في تقرير الجمعية الملكية قائلاً إن القرارات حول التكنولوجيا الحيوية "يجب أن لا تستند فقط إلى البيانات المختبرية للتحقق بشكل مستقل عنما يتعلق بالمخاطر الصحية والبيئية، لكن يجب أن تستند أيضاً إلى دراسة المخاوف من القضايا الاجتماعية الاقتصادية والأخلاقية"(Andrée and Sharratt 2004, vii).
وفي عام 2010م، وفي أعقاب الاكتشاف المكلف لتلوّث صادرات الكتان الكندية لأوروبا، التي وجدت أنها [أي تلك الصادرات] ملوّثة مع مجموعة من أصناف الكتان المهندسة وراثياً، كان قد توقف إنتاجها، ناقش البرلمان الكندي جملة من التشريعات المتعلقة بضرورة تقييم الخسائر المحتملة للسوق قبل تسوية أي من المحاصيل المهندسة وراثياً.
وفي نهاية المطاف أقرَّ البرلمان الكندي تلك التشريعات، التي اعتُبرت بأنها ابتعاد عن النهج القائم على التقييم العلمي، والذي كان سائداً منذُ تسعينات القرن الماضي على تنظيم المحاصيل المهندسة وراثياً. فحتى لو أن تلك التشريعات لم تمرّ بإقرارها من البرلمان، فستبقى العملية التنظيمية محدودة بمجموعة مقيّدة من المعايير المتعلقة بكيفية تحديد السلامة.
باختصار، كانت الحكومة الكندية داعماً قوياً للصناعة التكنولوجية الحيوية، وقد أسست نظاماً ناظماً يتماشى مع التعهدات الواسعة لعولمة التجارة الزراعية. فبينما هناك بعض المحاصيل التي اعتمدت بشكل أوسع مثل الكانولا المهندسة وراثياً، كان هذا بالتأكيد على حساب هؤلاء المزارعين الذين اختاروا لأنفسهم تفادي اختيار البذور المهندسة وراثياً (سواء لأنهم يمارسون الزراعة العضوية ويتمنّون توفير بذورهم بأنفسهم [من محاصيل الموسوم السابق]، أو يرغبون في بيع منتجاتهم في الأسواق الرافضة للأغذية المهندسة وراثياً.
فبدلاً من الاستجابة للقلق العام المتعدد الأوجه للشعب على الصعيدين المحلي والدولي حول المحاصيل المهندسة وراثياً والتغير البنيوي لنظام الأغذية الزراعية، ادعت أن تقييم المخاطر مبنيّ على أساس علمي بوصفه إطاراً تنظيمياً (أو إطار مراقبة) تتشارك فيه كل الدول حول العالم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]