تأثير القضايا الإدعائية على التعبئة الاجتماعية
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
تحوّلت المحكمة لأن تكون غير راغبة في طرح أسئلة تتعلّق بالقرارات الناظمة بشأن سلامة المحاصيل المهندسة وراثياً.
كما أن المحكمة لربّما صارت مصدر إحباطٍ أكبر للمزارعين، وغيرهم من منتقدي قرار المحكمة ضدّ شمايزير.
فقد فشلت الدعاوى القضائية الجماعية للجنة صندوق دعم الزراعة العضوية، من جهة، في حلّ التناقض ما بين حالة الجينات المحوّرة وملكيتها الفكرية، وفشلت أيضاً من جهة أخرى في حلّ مشكلة عدم توفّر قوانين لمعالجة عواقب إطلاق جينات براءات الاختراع في البيئة.
فبالمقارنة مع قرار الحكم لصالح شركة مونسانتو ضد المزارع شمايزير، نجد أن الملفت للنظر في هذه القضية، أن قاضي المحكمة قد توصلت لنتائج أشارت إليها، والتي تنصّ على أن شركات التكنولوجيا الحيوية قد تكون غير مسؤولة عن الإزعاج أو الادعاءات الأخرى، لكون فعلهم لم يكن سبباً مباشراً لما واجهه المزارعون [العضويون] من مشاكل.
ففي الدعوى القضائية ضد شمايزير، كان الفرق شاسعاً ما بين [المزاعم ضد] شركة مونسانتو والجين المقاوم لمبيدات الأعشاب الضارة في كانولا المزارعين (من حيث التدابير التي وقعت ما بين تسويق البذور واكتشافها في حقل شمايزير)، إذ كانت الشركة حتى حين الدعوى لها الحقُّ في ممارسة حقوق براءات الاختراع. فالمسافة الفاصلة ما بين الشركات والمزارع العضوية لا تبدو كبيرة بما فيه الكفاية [في هذه القضية]، إلا أنه يبدو أن القانون قد قبِل هذا التضارب بينهما.
كما درج الحال في الفصل السابق إذن، فإنه من المجدي التساؤل في ما إذا كانت التعبئة القانونية هي استراتيجية مؤثّرة أم لا للحركة المناهضة للتكنولوجيا الحيوية، والتعبئة القانونية، ويمكن أن تكون تأثيراتها مختلفة في أنواع مختلفة من النشطاء في الشبكة.
حيث يتضح أن تجارب كلٍّ من المزارعين العضويين والنشطاء المناهضين للتكنولوجيا الحيوية الآخرين المحيطين بالدعوى الجماعية للجنة صندوق دعم الزراعة العضوية، مختلفة إلى حدٍ ما عن بعضها البعض.
فبالنسبة للنشطاء المناهضين للتكنولوجيا الحيوية الذين التزموا مسبقاً بالتعبئة السياسية، كانت تلك الدعوى القضائية الجماعية ما هي إلا استنزاف للموارد. في حين على النقيض منهم، لم يشارك مزارعو المنتجات العضوية، في أي نشاط سياسي [مضاد] للتكنولوجيا الحيوية قبل هذه الدعوى القضائية، وبالتالي فإن الدعوى كانت بالنسبة لهم بوابةً للمشاركة في الكفاح ضد التكنولوجيا الحيوية.
فقهاء القانون يدركون جيداً، «أن التقاضي بطيء، ومكلف، ويصعب الوصول إليه، وردة فعله محفزة، ويحول اتجاه الطاقات لحلول قوية فورية لمشاكل البيئة» (McLeod-Kilmurray 2007, 189).
فبالنظر إلى العقبات التي واجهت الدعوى الجماعية، تحدّث النشطاء المناهضون للتكنولوجيا الحيوية بقلق أعربوا فيه أن استراتيجية الفعل القانوني غير مفيدة لبناء الحركة، لأنها أخذت وقتاً، وكانت قيادات الحركة ومواردها بعيدين عن النشاطات الأخرى.
فأحد نشطاء الأغذية والزراعة(Saskatoon, July 13, 2006) قد أوضح، أنه عندما تحوّل الاهتمام بالدعوى القضائية الجماعية، فإن الجهود الأخرى قد تعرّضت للمعاناة:
إن دعوتنا القضائية كما يبدو قد أبحرت بنا رياحها بعيداً عن النشطاء… كانت هذه المجموعة الفاعلة في مجال التكنولوجيا الحيوية، وكنت منضوياً معهم، ونظّمنا هذا المؤتمر، وكنا نعقد لقاءات وننظم مظاهرات احتجاج وأشياء أخرى من هذا القبيل.
ومن ثم في نهاية المطاف عندما بدأت تلك الدعوى القضائية… كانت المكان الذي بدأت أضع كل طاقتي فيه… بطريقة أو أخرى، يبدو أن مثل هذه الدعوى القضائية، هي دعوى كبيرة جداً وليس هناك ما يكفي من الناس في ساسكاتشوان [للمساعدة فيها].
لقد جذبت انتباه الجميع تقريباً ممن يعمل في مجال الكائنات المحورة وراثياً، وبعض الأشياء الأخرى [ذات العلاقة] التي لربما لم تكن لتحدث لولا إقدامنا على هذه الدعوى القضائية… فالإجراءت القانونية بإمكانها امتصاص الكثير من الطاقات والوقت… فهي منهجية مختلفة لمحاولة حلّ المشاكل بدلاً من بناء سلطة سياسية وقاعدة سياسية وعقلية جمعية وما شاكل كل ذلك من الأمور.
إن صياغة المظالم قانونياً يمكن أن تسبّب للحركة الاجتماعية خسارة أيضاً تُفقدها قدرتها الحاسمة. ولكن يمكن للصراعات القانونية أيضاً أن تسهم في تعبئة الحركة الاجتماعية، ولا سيّما عند التعبير عن المظالم وبلورتها ضمن الادعاء القائم على أساس الحقوق.
فواقع الأمر هو أن المزارعين العضويين قد شاركوا في هذه الدعوى القضائية الجماعية، وأدّت الإجراءات القانونية إلى المزيد من النشاط السياسي. فقد ولّدت الدعوى هذه اتصالات مع مناضلين آخرين يدافعون عن المحاصيل غير المهندسة وراثياً، لا في كندا فحسب، بل في جميع أنحاء العالم أيضاً. حيث سافر أعضاءٌ من الهيئة العامة للزراعة العضوية في ساسكاتشوان (SOD) ولجنة صندوق دعم الزراعة العضوية (OAPF) إلى كل من فرنسا والهند والدنمارك وإنجلترا وأستراليا ونيوزلندا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية للقاء النشطاء المناهضين للتكنولوجيا الحيوية والتحدّث معهم حول خبراتهم(Saskatchewan Organic Directorate 2006).
كما نمّى المزارعون العضوييون أيضاً علاقات واسعة مع الحركة المناهضة للتكنولوجيا الحيوية في كندا. فعلى سبيل المثال، أصبحت الهيئة العامة للزراعة العضوية في ساسكاتشوان الآن عضواً في شبكة عمل التكنولوجيا الحيوية الكندية (CBAN) وهي المنسق الرئيس لنشاط حركة المناهض للتكنولوجيا الحيوية في كندا.
فالنشطاء البارزون في مناهضة التكنولوجيا الحيوية، مثل ديفيد سوزوكي (David Suzuki)، تحدثوا مدافعين عن المزارعين العضويين في ساسكاتشوان وساعدوهم بجمع الأموال لدعم الفعل القانوني.
لقد قاد الانخراط الواسع [بالإجراءات القانونية] بالنسبة للبعض والدولة معاً، إلى الإحباط من الحركة المناهضة للتكنولوجيا الحيوية في كندا. فعلى سبيل المثال، قال أحد المزارعين العضويين إنه لم يكن يعتقد سابقاً بشخصه بأنه ناشط، ولكن اشتراكه في هذه الدعوى القضائية حولته تدريجياً إلى واحد من النشطاء.
وأعرب عن شعوره بالإحباط من بطء الإجراءات القانونية والنقص النسبي في التعبئة الشعبية ضد المحاصيل المهندسة وراثياً في كندا. واستند في جزء من تصوره للوضع في كندا إلى خبرته مع الحركة المناهضة للتكنولوجيا الحيوية في فرنسا، التي صادفها كنتيجة من مشاركته في لجنة صندوق دعم الزراعة العضوية. حيث تمّت دعوته للإدلاء بشهادته لدعم مجموعة من الذين قُدموا للمحاكمة بتهمة تدمير حقل اختباري للذرة المحورة وراثياً في ريف فرنسا. متحدثاً بأن المتهمين الفرنسيين يبغون:
استخدام أمثلة لماهية ما حدث في شمال أميركا، وهو أمرٌ استمر لسنوات، فكما تعرف، هناك مواسم [زراعية] مفتوحة، والحكومات تشجع على ذلك، وعدم تعبئة المجتمع المدني بما فيه الكفاية أو القدرة أو اللامبالاة أو مزيج من كل ما سبق، أن تفعل شيئاً حقاً حيال ذلك. ولكن المناخ في أوروبا، والأمر كذلك، يختلف جداً [عن كندا]. فقد وجدت أنه من المثير حقاً الذهاب إلى هناك والمشاركة في ذلك.
ذهب واصفاً مشاركته في تلك المظاهرة الاحتجاجية في فرنسا التي احتشد فيها الآلاف من أبناء المدينة التي فيها اتُّهم المزارعون بتدمير المحاصيل أثناء المحاكمة:
المسير في مدينة غرونوبل (Grenoble) بين ثلاثة آلاف شخص قوي يحملون اللافتات ويهتفون، في مكان لا يتجاوز ككل تسع ياردات، ويستقبلون الجميع حقيقة برحابة صدر، جعلتني أفكر بأن ذلك نجاح باهر، وشيٌ غير عادي!… لذلك فهذا الشيء قد منحني الشجاعة – كما تعرف، هذا أمرٌ مثير حقاً! وأعود هنا وأقول إنه مثالٌ جيد. يمكنك حضور اثنين من اللقاءات ويمكنك أن تعمل نشاطات معينة وهذا شئ عظيم، ولكن لا يبدو أن هناك أي تقدّم يذكر في هذا الأمر. فهو جزئياً له علاقة بتحديد أنظمة العدالة لربما. فأنا لا أعرف في ما إذا كان هناك المزيد مما يمكننا القيام به واقعاً (Organic Farmer, Saskatchewan, July 15, 2006).
كانت هناك فرصة قليلة للمزارعين العضويين وللمناهضين للتكنولوجيا الحيوية للطعن بالطريقة التي تُدار بها التكنولوجيا الحيوية في كندا. فالوكالات الناظمة والتشريعية غير جاهزة للنظر بمظالم المتضرّرين بتأثيرات الجين الناشز.
وعلاوة على ذلك، فقد وجدت لجنة صندوق دعم الزراعة العضوية أن النظام القضائي قد أُنشأ على أساس معالجة المشاكل التي يواجهها المزارعون العضويون.
وعليه فحينما يشارك [المزارعون] بدعوى قضائية جماعية، فلربما يقود ذلك المزارعين إلى الانخراط بشكل عميق في النشاط السياسي، وقد كشف ذلك أيضاً عن نقص في الفرص السياسية أيضاً.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]