مجريات أحداث “موقعة الجمل”
1996 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السابع
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
موقعة الجمل إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
قُتل الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في ذي الحجة سنة 35 هـ، على أيدي الثوار الذين توافدوا على المدينة من مصَر والعراق، يطالبون بتغيير بعض وُلاَتِه في تلك الأقاليم لسوء تصرفاتهم واستغلال نفوذهم بسبب قرابتهم من الخليفة.
وأدرك الذي شاركوا في قَتْل عثمان، وغيرهُم ممن وجدِ من الصحابة في المدينة، أنه لا بد من اختيار خليفة جديد يتولى الأمْر كَيْ لا تتدهور الأمور، وتصل إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها.
لذا اتجهو إلى علي بن أبي طالب يَعرضون عليه الخلافة، إلا أنه رفض قبولها منهم قائلا: «لا حاجة لي في أمركم فمن اخترتم رضيت به».
ولكنه وافق بعد إلحاح شديد منهم على شرط موافقة كبار الصحابة على بيعته (أي العهد بإسناد الخلافة إليه). وبالفعل وافق طلحةُ بنُ عبيدِ الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، بعد أن بايع أهل المدينة ومن وُجد فيها كافة.
وبذلك تكون خلافة علي بن أبي طالب انتخابية شرعية كخلافة أبي بكر وعمر، ولكنها لم تكن إجماعية، أي لم تكن بإجماع ومبايعة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كافة. وذلك لأنها تمت في موسم الحج، وكان كثير منهم قد ذهب إلى مكة ليؤديَ مناسك الحج.
ولكي يؤكد علي سلطته ويِقُرَّ الأمن في جميع ولايات الدولة الإسلامية، كتب إلى أهلها يشرح فيها سبب قبوله الخلافة بعد مقتل الخليفة السابق عثمان بن عفان.
كما أسرع بعزل الولاة السابقين على تلك الولايات، حيث كانوا سببا في نَقْمة الكثير من الأهالي فيها، وعَيَّن بدلا منهم ولاةً آخرين يثق فيهم.
وقد أطاع جميع الولاة أمر العزل ما عدا والي الشام معاوية بن أبي سفيان الذي رفض مبايعة الخليفة الجديد، بل اتهمه بأنه تخاذل في الدفاع عن عثمان بن عفان، وطالبه بدمه.
مكث علي بن أبي طالب في المدينة أربعة شهور، أرسل خلالها الكتب المتتالية إلى معاوية بن أبي سفيان للحصول على مبايعته، وأخذ يُمَنيه ويُخوِّفُه إلى أن أعلن عدم مبايعته، فبدأ عليُّ الاستعداد لحربه.
ونظرا لعدم وجود جيش قوي عنده يستطيع مواجهة جيش والي الشام القوي، رأى الخروج إلى الكوفة والبصرة لعله يجد فيهما أنصارا له.
وفي الطريق إليهما علم بأن طلحة والزبير أدَّعيا بأنهما أكرِها على مبايعته، وخرجا إلى مكة بحُجَّةِ العمرة،
وفي طريقهما إلى مكة لقيا السيدة عائشة زوجةَ النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبراها بما حدث من بيعة أهل المدينة لعلي، وبأنهما أتيا مكة لعدم رضائهما على بيعة علي.
فرجعت إلى مكة معهما، وهناك اجتمع إليها من هرب من بني أمية من المدينة، والذي حقدوا على عَلي لقبوله الخلافة من أيدي قتلة عثمان من الثوار.
وفي الوقت نفسه علمت بموقف أهل الشام الرافض لمبايعة الخليفة الجديد، فأخذت تدعو لطلب الثأر من قَتَلة عثمان.
فتجمع حولها عدد كبير من الذين رأَوا رأَيها في علي بن ابي طالب. ثم أخذوا يتشاورون أين يذهبون، فاستقر رأيهم على الذهاب إلى الشام، إلا أنهم رأوا أن واليها القوي معاوية بن أبي سفيان قد أقَرَّ الأمور فيها ضد الخليفة الجديد علي بن أبي طالب، وهو بذلك يناصرهم ويتفق مع رأيهم.
فاتفقوا على الذهاب إلى البصرة. زاعمين لأنفسهم الحق الكامل في تتبع قتلة عثمان ما دام الخليفة قد تهاون في رأيهم في القيام بواجبه في ذلك.
وكان علي يُعِدُّ العُدة للخروج إلى الشام لمواجهة واليها معاوية، إلا أنه حين فوجئ بخروج السيدة عائشة ومن تَبعها باتجاه البصرة منشقين على طَوْعه، اضطر إلىَ تغيير خطته.
وبدلا من أن يخرج إلى الشام، خرج على رأس جيشه في اتجاه البصرة مُؤمِلا أن يوَّفق في إقرار الصلح بينه وبين من خرج عليه فيها. وفي الطريق إليها علم أن البصرة قد وقعت في أيدي الجماعة التي تتزعمها السيدة عائشة.
فاتجه صوب الكوفة يستنجد بأهلها، فاستجابوا لدعوته، وخرج معه من أهلها عدد كبير، فسار بهم باتجاه البصرة لملاقاة الجماعة المنشقة عليه.
ونزل في موقع قريب منها يُعرف «بالخريبة» فخرجت السيدة عائشة مع أنصارها لملاقاته، فالتقى الجمعان عند مَيْسرة «المربد».
وقبل نشوب القتال بين الطرفين حاول عليُّ بن أبي طالب إقناع المعارضين له بالحجة والدليل القاطع بأنه لم تكن له يد في مقتل الخلية عثمان، وأنه مصمم على الأخذ بثأره، ولكن بعد أن تهدأ الأمور وتستكين إليه.
ونجح بالفعل في إقناعهم لولا تدخل السبئية، وهم أنصار عبدالله بن سبأ، ويعرف بابن «السوداء»، وهو يهودي ادعى الإسلام، وكان له دور كبير في إثارة الفتنة التي أدتَّ إلى قتل الخليفة السابق عثمان.
ونجحت مؤامرتهم، وذلك بأن هاجمت جماعة منهم معسكر الفريقين في الليل في الوقت نفسه. مما جعلهم يَهُبون لمواجهة بعضهم البعض، وبذلك ضاعت الثقة بينهما.
وفي محاولة أخرى من علي بن أبي طالب لتجنب القتال أمر أحد أتباعه برفع المصحف، وهذا معناه الرجوع لحكم كتاب الله، إلا أن بعض أعوان عبد الله بن سبأ قتل حاملهُ.ُ
مما أدى إلى نشوب القتال بين الطرفين. وهزيمة الجماعة التي تتزعمها السيدة عائشة الذين التفوا حول الجمل الذي كانت تركبه في محاولة منهم لحمايتها.
ولما زادت حدة القتال رأت السيدة عائشة أن تُحْقن دماء المسلمين بأن تُوقِف الحرب المشتعلة بين الطرفين، فأمرت كعبَ بنَ سور الأزدي، وكان يقود جَمَلها، بأن يرفع المصحف، ويدعو إلى الرجوع لحُكْمه.
ومرة أخرى يُفشل اتباع عبد الله ابن سبأ محاولة الرجوع لحكم الله وحقن دماء المسلمين، مما أدى إلى وقوع الكثير من القتلى من الطرفين، وخاصة بين الجماعة التي تقودها السيدة عائشة، حيث قتل حول جملها أكثر من سبعين رجلا.
ولما رأى علي بن أبي طالب كثرة القتلى حول الجمل أمر بقتله، فضربه رجل من أتباعه فعقره فسقط الهودج الذي به السيدة عائشة على الأرض وانتهى القتال، ومن ثَمَّ عرفت هذه الموقعة باسم موقعة الجمل.
وخلص الهودج، وكان كالقنقذ من كثرة ما رمي به من النبال. وبلغ عدد القتلى في هذه الموقعة حوالي عشرة آلاف قتيل من الجانبين، مع اختلاف الروايات في التقدير.
وبعد انتهاء المعركة دخلت السيدة عائشة البصرة في حماية أخيها محمدِ بن أبي بكر.
فزارها علي بن أبي طالب وسلم عليها وقعد عندها، ودار حديث بينهما اتسم بروح الإسلام العظيمة وسماحته، تجلى فيه العفو عند المقدرة من جانب المنتصر، والاعتراف بالخطأ من طرف المهزوم، ولبى علي بن أبي طالب طلبها بالرحيل إلى المدينة، فجهزها وسيّر معها أولاده لحمايتها مَسيرة يوم، وخرج هو بنفسه مع الناس لتوديعها.
فقالت وسط مُشَيِّعيها: «إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها (أي أقارب زوجها)، وأنه (وتعني علي) على معتبتى من الأخيار «فرد علي: »أيها الناس، صَدَقت والله وبَرَّت، ما كان بيني وبينها إلا ذلك (يعني ما قالت)، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]