الرياضيات والهندسة

تاريخ الهندسة

2014 أبجدية مهندس

هنري بيتروسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الرياضيات والهندسة الهندسة

تاريخ الهندسة (History and Engineering). يبدو أن هناك سوء إدراك مشترك بأن تاريخ الهندسة ليس  له تأثير خاص بممارسة الهندسة اليوم. تبدو الصورة المسبقة، بالأحرى، على أن تاريخ الهندسة شيء يجب دراسته كهواية يمارسها المهندسون المتقاعدون الذين لديهم المتسع من الوقت. ولكن هذا قصر نظر.

إن قراءة الأعمال الرومانية القديمة لفيتروفيوس وفرونتينوس تظهر أن المهندسين، من حيث المفهوم، لألفي سنة خلت كانوا يقاربون حلّ المسائل بالطريقة نفسها تقريباً التي يفعلها مهندسو اليوم. وعلى الخصوص، فإن تحديد أنماط الفشل قبل البدء بالتصميم كان إلى حدّ كبير مهماً بقدر ما هو عليه اليوم. وأمثلة الممارسة الحسنة تبدو لا علاقة لها بالزمن، كما هي طبيعة التصميم التي لا تتغير مع الزمن أيضاً؛ والدروس المتعلمة لعصور خلت لا تزال صحيحة. ولسوء الحظ، فإن العديد من المهندسين يتجهون إلى تحاشي معرفة التاريخ البعيد لميدان عملهم، لذا فإن الأخطاء نفسها ترتكب مرة بعد مرة.

فالحالة ليست جديدة، إذ كتب فرونتينوس عن مسألة تأثير حجم ما في القرن الأول قبل الميلاد، ومع ذلك كتب غاليليو في القرن السابع عشر عن كيف لم يفهم مهندسو عصر النهضة طبيعة ذلك التأثير، مع أن الهياكل الطبيعية تظهره، وفشل زيادة أحجام المسلات والسفن تؤكذده.

كمثال، يمكن أن نعتبر عمل جون روبلينغ عند تصميمه للجسور المعلقة. وقد كانت هناك حالات فشل عديدة لمثل هذه الجسور في مطلع القرن التاسع عشر. درس روبلينغ حالات الفشل هذه لمعرفة الأخطاء المشتركة بحيث يمكن تصميم جسر ناجح. وفي مقال عام 1841 صرّح بأن الريح هي عدو الجسور المعلقة، محدّداً إياها باعتبارها القوة الطبيعية الأهم التي يجب أن يكون التصميم موجّهاً ضدها. واكتمل جسر مضيق نياغارا (Niagara Gorge Suspension Bridge) المعلّق الذي صممه روبلينغ عام 1854 وكان أول جسر يقاوم الريح، وكذلك تحمّل ضربات الأوزان الثقيلة لقطارات السكك الحديدية. وعندما سُئل عما يجعل جسره باقياً في حين فشلت جسور قبله، أجاب بأنه نجح بسبب الوزن وصلابة طريقه المعبد، ومشدّاته التي تقمع أي حركات صغيرة تسببها الريح قبل أن تكون قادرة على أن تصبح كبيرة بشكل خطر.

تطورت الجسور المعلقة على مدى القرن الماضي من جسور حديدية وخشبية إلى جسور فولاذية. ومن سوء الحظ أن التصاميم المتتالية المتدرجة ابتعدت عن الوزن والصلابة والمشدّات التي اعتبرها روبلينغ أساسية جداً. وتتابعت عملية فقدان الذاكرة التاريخية حتى ثلاثينات القرن الماضي، عندما بُنيت جسور مثل جسر الألف جزيرة (Thousand Islands) بين الولايات المتحدة وكندا، وجسر جزيرة الغزال (Deer Isle) في مين وجسر برونكس – وايتستون (Bronx-Whitestone) في مدينة نيويورك التي صممت وبنيت لتبدو خفيفة ورشيقة، بما يجعلها مرنة وقابلة للتأثّر بالحركات غير المتوقعة عند هبوب الريح. وبلغت العملية التطورية ذروتها عام 1940 مع تصميم جسر تاكوما ناروز في ولاية واشنطن، الذي كان منحلاً ضيّق الأرضية بالمعنى الحرفي للكلمة. وبالنسبة إلى طوله فإن ضيق طريقه كان لا سابق له، وأثبت هيكله أنه غير قادر على البقاء ثابتاً مُكسباً إياه لقب جيرتي المهرول (Galloping Gertie). وانهار الجسر بشكل مريع في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1940، وصوّر ذلك أثناء تعرّضه لريح بسرعة 42 ميلاً في الساعة. والنتيجة التي وصلت إليها اللجنة التي درست انهياره خلصت في الجوهر إلى ما كان روبلينغ قد توصل إليه قبل قرن: الريح هي عدو الجسور المعلقة. انظر مثلاً: Richard S. Hobbs, Catastrophe to Triumph: Bridges of the Tacoma Narrows (Pullman: Washington State University Press, 2006).

كُتب ونُشر عدد متزايد من الكتب عن تاريخ الهندسة في السنوات القليلة الماضية. ومن بين  هذه "الأعمال المشهورة" تلك المنشورة منذ أكثر من نصف قرن نجد كتاب:Richard Shelton Kirby et al., Engineering in History, first published by McGraw-Hill in 1956 and reprinted by Dover Publications in 1990. انظر أيضاً بند: الهندسة القديمة (Ancient Engineering).

تاريخ التكنولوجيا (History of Technology). نوقشت أهمية تاريخ الهندسة في مطلع القرن العشرين، التي كانت موضوع نقاش حامٍ كما هي عليه الحال اليوم. وكان هناك من الممارسين – مثل مهندس الجسور الكبير وادل (1854-1938)(J. A. L. Wadell)  – من اعتقد بأن على المهندسين المهنيين أن يكونوا على علم كامل بتاريخ ميدانهم. وكان هناك المهندسون الأكاديميون الذي ظنوا أن التاريخ ومواد دراسية تتعلق بالعلوم الإنسانية والاجتماعية تستغرق وقتاً دراسياً من الأفضل أن يُنفق على قضايا تقنية. وطلب وادل من جمعية إعلاء التعليم الهندسي – عندها لم تكن الجمعية الأميركية للتربية الهندسية معروفة بعد – دعم كتابة تاريخ الهندسة بما يناسب استخدامه في المدارس الهندسية. ولكن لم تتوفّر الأموال اللازمة لذلك، ففترت الفكرة.

نحو منتصف القرن توفّر التمويل لإرساء برنامج تربية عام للمهندسين في معهد كيس للتكنولوجيا (Case Institute of Technology). ومن بين أساتذة الكلية الجدد كان ميلفن كرانزبيرغ (Melvin Kranzberg) (1917-1995)، وهو أوروبي يعمل بالتاريخ طُلب منه أن يُدرِّس مادة ويكتب نصاً عن الحضارة الغربية. كان كرانزبيرغ نشطاً في دراسة جوانب غير تقنية من التربية الهندسية، وفي عام 1956 أصبح رئيساً للجنة مكلّفة بسبر طرائق يمكن عبرها لجمعية التربية الهندسية أن تستطيع التعاون مع جمعية تاريخ العلوم في تطوير برامج نفع متبادل.

بدا لكرانزبيرغ ومجموعة صغيرة من المؤرخين المدرسين للمهندسين أن عليهم أن يركزوا على التكنولوجيا بدلاً من العلم في دروسهم. ولسوء الحظ، لم يكن هناك ما يكفي من الكتابات المهنية لمشروعهم الدراسي، لأن جمعية تاريخ العلوم لم تخصّص سوى وقت قصير في اجتماعاتها، أو مساحة محدودة للتكنولوجيا في مجلتها إيزيس (Isis). وعلى نحو متزايد فقد بدا واضحاً لمجموعة المؤرخين للتكنولوجيا الحاجة إلى جمعية جديدة مع مجلة جديدة. وفي عام 1957، أصبحت تطلّعاتهم واضحة لممثلي جمعية تاريخ العلوم، وفي عام 1958 تشكّلت جمعية تاريخ التكنولوجيا SHOT. وأصبح عالم الاجتماع وليام ف. أوغبيرن (William F. Ogburn) أول رئيس لهذه الجمعية وكرانزبيرغ أول محرّر لمجلتها. أما روث شفارتز كوان (Ruth Schwartz Cowan) التي أصبحت رئيسة لهذه الجمعية في ما بعد، قد يُستذكر أنها عندما كانت طالبة في الدراسة العليا في الستينات كان موضوع تاريخ التكنولوجيا الحديث يوصف بأنه "للبسطاء الذين لا يستطيعون فهم العلم". انظر: American Heritage of Invention & Technology, Summer 2003, p. 60.

كانت حساسية منظمة جمعية تاريخ التكنولوجيا الشابة لمؤيديها الهندسيين واضحاً عندما جاء وقت تسمية مجلّتها. كان البعض متخوفاً من أن عنوان Technology and Culture قد يخفّف من همّة بعض المهندسين؛ ولكن في النهاية، رُجّح هذا العنوان على احتمالات العناوين الأخرى مثل Vulcan, Technics والعنوان المبتذل جريدة تاريخ التكنولوجيا  (Jour­nal of the History of Technology). وفي السنوات الأولى لجمعية تاريخ التكنولوجيا قام المهندسون والمهندسون الذين تحوّلوا إلى مؤرخين بدور نشط في عمليات الجمعية، وأصبح مهندس الجسور ديفيد ستاينمان (1886-1960) ثاني رئيس لها. ولسوء الحظ أنه توفي قبل أن يمارس مهامه. ولتذوّق ما يفكّر به مؤرخو التكنولوجيا ويكتبوه حول الهندسة، انظرTerry S. Reynolds, ed., The Engineer in America: A Historical Anthology from Technology and Culture (Chicago: University of Chicago Press, 1991).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى