• مجرة درب التبانة و جيرانها

    السلام عليكم .. في كثير من حلقات البرنامج السابقة تكلمنا عن اهم عناصر المجموعة الشمسية التي نعيش فيها من كواكب و أقمار و كيوكبات و احزمة .. و انتهينا بشرح عن بلوتو و حدود المجموعة الشمسية .. ولكن هذه المجموعة تقع و تدور ضمن كيان و محيط اكبر .. و هي المجرة التي نعيش فيها و تحوي الملايين و الملايين من النجوم المشابهة لشمسنا و غيرها من الشموس و نطلق عليها درب التبانة .. في هذه الحلقة سنسافر في رحلة كونية بعيدة نتعرف فيها على بنية المجرة و مكوناتها و كيفية حركتها  و نقارنها بانواع المجرات الأخرى من حولنا ونتعرف على كل تفصيل علمي يخص هذه الكيانات العظيمة التي أيضا تتشكل في مجاميع معينه و تسبح في الفضاء .. .. قبل ان نبدأ الحلقة احب ان أوصل رسالة مهمة فيما يخص فيروس كورونا .. و هي ثم الحرص ثم الحرص على التباعد الاجتماعي فهي افضل وسيلة دفاعية مستنتجة حتى الان لدى جميع دول العالم لمكافحة هذا الوباء و هو السبيل بعد الله للنجاة من هذه الازمة الخانقة.. مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة و السلامة .. و انوه بان هذه الحلقة من البودكاست تتآيكم برعاية من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي .. مؤسسة الكويت لديها العديد من البرامج و الكتب العلمية الشيقة و المناسبة لجميع الاعمار و جميع التخصصات .. تابعوهم و اختاروا ما يناسبكم .. و اخر هذه الإصدارات كانت مجلة sky at night العريقة و الجميلة في مجال الفلك حيث تم ترجمتها الى اللغة العربية ببراعة و جودة عالية جدا  .. انصح الجميع باقتنائها .. أخيرا .. هذه الحلقة ستكون اخر حلقة في هذا الموسم الثاني من برنامجكم الكون بودكاست .. اتوقف لفترة بسيطة انشالله.. احضر فيها مواضيع جديدة ومختلفة  فيها الفائدة و أتمنى ان تنال على اعجابكم في الموسم القادم.. و احب جدا ان اقرأ تعليقاتكم على اللودكاست و المواضيع المطروحة سواء في اكاونت التويتر@ sherazus  او من خلال المنصات التي تستمعون منها للبودكاست  .. الان و حان الوقت الان لنتحدث عن مدينة النجوم و تفاصيلها ..

    اذا كنت في وسط منطقة مظلمة بدرجة كبيرة جدا و بعيد عن التلوث الضوئي الحاصل في مددننا التي نعيش فيها .. عمثلا في أماكن بعيدة من البر او في البحر حتى .. فعلى الأرجح انك ستلاحظ وجود حزام مضيئ يمر في زاوية معينة و شغل حيز من السماء .. وصدقني بان ذلك مشهد مميز جدا و لن تنساه عيناك ابدا ما حييت  .. و بالنسبة للقدماء الذين كانوا يعتمدون على النار كمصدر للاضاءة ليلا و كانت حياتهم اقل صخبا و تلوث مما لدينا اليوم .. كان هذا الحزام يعتبر قطعة خاصة تزين سمائهم ليلا .. فغزت تفكيرهم ومخيلتهم لما يمكن ان يحتويه هذا الحزام من مكونات .. و احتل مكانة خاصة في حياتهم و حاولوا تفسير سبب وجوده .. فمزجوا في تفسيراتهم بين العلم و الأسطورة التي يعتقدون بها .. و من شكل هذا الحزام فكانما احدهم سكب الحليب في السماء ليتكشل هذا الحزام هناك .. و اطلق عليه من ذلك الوقت الدرب الحليبي او اللبني.. و الكثير من القصص في الحضارة اليونانية تفسر هذا الحزام على انه سال من صدر مرضعة في اثناء رضاعة احد الألهات.و انسكب في السماء على هذا الشكل و غيرها من الفلكلورات و الميثولجيا في ثقافتهم … و في الجانب العلمي او لنقول الجانب المنطقي لمفكرين الحضارة اليونانية فقد ابدوا ارائهم المختلفة مثل فيثاغورث عندما قال انها تتكون من الاف النجوم غاية في البعد و دليل ذلك هو ضعف تألقها في داخل السحابة و قال ديموكريتوس انها عدد كبير جدا من النجوم الصغيرة وانها قريبه من بعضها البعض لدرجة انها تنير بعضها الاخر .. و ذهب ارسطو الا انها كتلة هائلة من البخار فوق ماكان يعتقد انه الاثير و غيرها من الأفكار .. اما عند بقية شعوب العالم القديم فقد ذهبت الاساطير الا ان هذا الطريق اللبني ما هو الا نهر .. بل نهر سماوي هائل الضخامة .. و سمي في وادي الرافدين بنهر تسيري أي نهر الثعبان و سماه العرب ب النهر و درب التبانة نسبة الى التبن الذي كان يسقط من مواشيهم ويتشكل على الأرض ..  و اسموه العبرانيون نهر دي نور و في الصين كان يسمى تيان هو .. أي النهر السماوي .. و في مصر و الحضارة المصرية العظيمة .. ارتبط هذا النهر السماوي بنهر النيل و الالهة ايزيس .. الذي نثر الاف الحبوب بين النجوم ليتجنب ظهور التايفون و هو مخلوق خرافي له مئة رأس و صوته مرعب و اصبحث بعد ذلك هذه الحبوب بالطريق اللبني .. و من ضمن الميثلوجيا و اعتقادات الشعوب القديمة .. كان يظن بان هذا الطريق اللبني هو النهر الذي ترتاده أرواح الموتى و تدخله من باب يحرسه الالهة ساجيتوريوس .. و وتظل الأرواح منتظره  هناك حتى يحين موعد تجسيدها مجداا فتغادر من الباب جيمني و هي منطقة في السماء منبعثة الى الأرض مرة اخرى.. و منذ ذلك الوقت والناس ينظرون الى ذلك الحزام و لم يتطور كثيرا فهمه لماهيته و مكوناته و ظل الفهم حائرا و مقتصرا على النظر بالعين المجردة و التخيلات حتى اتى جاليليو و جاء بتلسكوبه في بدايات القرن السابع عشر و عندها فهم انه هذا الحزام يتكون من الاف مؤلفة من النجوم متراصة بجانب بعضها البعض .. ومن بعد ذلك تطورت المشاهدات و الدراسات المتراكمة عبر تاريخ البشرية بالإضافة للثورات التكنلوجية و العلمية في العقود الأخيرة ..  بينت لنا شكل المجرة الي نعيش فيها .. فهي عبارة عن قرص  او أسطوانة  يمكن تشبيهه بقطعة البان كيك .. طول قطر هذه الأسطوانة يقدر تقريبا ب مسافة مئة الف سنة ضوئىة .. يعني اذا تبتدي رحلة افتراضية من طرف المجرة و تمشي بخط. مستقيم للطرف الاخر يتطلب الامر مسير مسافة مئة الف سنة ضوئية ..و هذه الأسطوانة..  لها سماكة .. تخيل معاي انك  تشاهد وتراقب المجرة من على الجانب .. سوف تشاهد سماكة معينة للمجرة  يقدرها العلماء ب  1000  الى 2000 سنة ضوئية .. على مساحة و امتداد المجرة تتوزع مناطق كثيرة للسدم و هي مصانع تكون النجوم و هناك نجوم زرقاء حارة و أخرى باردة و نجوم حديثة الولادة و أخرى على مشارف نهاية حياتها .. و في منتصف هذه الأسطوانة تجمع ضخم من النجوم الكبيرة و القديمة و يميل معظهما الى اللون البرتقالي و الأحمر و هناك أيضا يقبع الثقب الاسود العملاق في وسط منطقة الرامي او ساقيتاريوسA  بوزن يصل ٣.٢ الى ٤ مليون مرة من كتلة الشمس في وسط المجرة .. و تسمى هذه المنطقة the bulge و بالعربي يعني الانتفاخ .. لانها منطقة مميزه عن باقي مكونات المجرة .. حتى الان تكلمنا عن اسطوانه و انتفاخ بالمنتصف كمكونات رئيسية للمجرة .. هناك المكون الثالث الرئيسي و هو هالة تحيط باكمل أسطوانة المجرة تقريبا شبه كروية الشكل و هي عبارة عن تجمعات نجمية متبعثرة و و يصعب رؤيتها مقارنة بالاسطوانة الرئيسية للمجرة و الانتفاخ في المنتصف .. و النجوم التي تسكن هذه الهالة في اعلى و اسفل أسطوانة المجرة او قطعة البانكيك كما شبهناها .. لا تتبع حركة النجوم في الأسطوانة.. بل لديها حركة مبعثره غير منظمة ولكن محورها مركز المجرة .. و هذه الهالة مهمة جدا في الكثير من الاستدلالات التي وصل اليها العلماء لطبيعة تركيب المجرة كما سنسمع بعد قليل  ..  اما موقعنا في المجموعة الشمسية و موقعك و انت تسمع هذا البودكاست بالنسبة لياقي المجرة فهو .. على مسافة ٢٨ الف سنة ضوئية من منتصف المجرة .. و اذا اردنا ان نكمل وصف مجرتنا درب التبانة .. هناك مكون مهم يحب ان لا نغفل عن ذكره .. هو ما يسمى الوسط البينجمي .. او وسط ما بين النجوم .. هذه الترجمة العلميةلمصطلح.  Interstellar medium .. فالمسافة ما بين نجوم المجرة ليست فراغ كلي كما كان يعتقد سابقا .. فيقدر العلماء ان هناك تقريبا مادة مكونه من ٩٠٪من الغاز و طبعا الغاز اما الهيدروجين او الهيليوم  و ١٠٪ من الغبار ما بين الكربون   او السيليكات مكون الصخور  .. و تقدر كثافة المادة ب  ذرة لكل متر مكعب ..  صحيح انها كثافة منخفضة جدا جدا و بل و منخفضة بلايين المرات اكثر من الهواء الذي نتنفسه .. ولكنها موجودة و تشغل هذه المساحة الشاسعة بين النجوم و لذلك لا يوجد ما هو فراغ كلي بمعنى الكلمة في الفضاء .. و هذه المادة أيضا تلعب دور محوري و مهم في كشف اسرار المجرة .. طيب نحن نعيش في الكرة الأرضية ..  داخل المجموعة الشمسية التي تسبح و تدور حول مركز المجرة مبتعدة عنها بمسافة ٢٨ الف سنة ضوئية كما ذكرت .. فهناك سؤآل يجب ان يتبادر الى الذهن .. كيف عرفنا كل هذه التفاصيل الدقيقة من ابعاد و طبيعة و مركبات للمجرة و نحن نعيش بداخلها و لم نرها من الخارج .. و هو ما سنتعرف عليه بعد قليل مع وليام هرشل و غيره من العلماء قبل الذي توصلوا لكثير من الإجابات قبل مئتين سنة من اليوم و قبل الوصول الى التكنلوجيا المتطورة في هذه الأيام ..

     الحزام المضيئ الذي رصده البشر في سمائهم ليلا .. يمكن مشاهدته في النصف الشمالي للكرة الأرضية و كذلك اذا ذهبت الى دول النصف الجنوبي من الكرة تراه امتواجد امامك في اللظلام و السواد الحالك .. و من هنا يمكن ان نستنتج بان هذا الكيان يحط بالكرة الأرضية من كل جانب و كاننا نعيش و موقعنا في الأرض و المجموعة الشمسية في مستوى افقي من هذا الكيان.. أي على نفس سطح البانكيك الذي شبهته بانه أسطوانة المجرة التي ندور فيها .. زيادة على ذلك من المشاهدات التي نراها في النصف الشمالي و الجنوبي للكرة الأرضية نرى بان شكل هذا الحزام متشابه في النصفين مما يوحي باننا في نقع في منتصف هذه الأسطوانة فلو كنا في احد أطرافها لاختلف ما نراه في النصفين الشمالي او الجنوبي .. و هذا ما عكسه وليام هرشل عندما حاول ان يتصور شكل المجرة و رسمها..  وكانت رسمته عبارة عن مجموعة من النجوم تسبح في كيان مظلم رسمه باللون الاود  و المجموعة الشمسية تقع قريبه من منتصف المجرة .. و اعتمد في ذلك على تقسيم السماء الى ٦٨٣ منطقة .. و قام بحساب اعداد  النجوم في كل مكان بالسماء في هذه المناطق..  و قارنها ببعدها النسبي عن هذا الحزام الذي يظهر بالسماء و هو قلب او مركز المجرة .. فظهر له بان الأرض و المجموعة الشمسية بشكل عام بالمنتصف كون النجوم التي كان يراها و عكسها في خريطته للنجوم  متوزعة بشكل شبه متساوي حسب مشاهداته.. بذلك استنتج انه المجموعة الشمسية قريبه من المنتصف  .. و لكن مالم يكن يحسب حسابة هرشل .. هو وجود غبار ما بين النجوم منتشر في المجرة ..  و هذا الغبار يعمل على اخفات ضوء الكثير من النجوم و لا يصلنا الى الأرض بظاهرة تسمى خمود بينجمي او interstellar extinction  .. و بذلك لم تظهر كثير من النجوم الموجودة في الخريطة التي رسمها هرشل .. و هي المشكلة التي تنبه لها العالم روبرت ترامبلر عام ١٩٣٠ عندما لاحظ وجود خفوت في الاضاءة غير طبيعي لبعض التجمعات النجمية .. اذا كيف عرفنه بان موقع المجموعة الشمسية تقريبا ثلث المسافة بعدا عن مركز المجرة و ليس بالمنتصف ؟ .. فذلك تم عن طريق التجمعات النجمية التي ترصد فوق و تحت أسطوانة المجرة التي تدور حول المركز و تسمى globular cluster  .. والتي ذكرناها على عجالة قبل قليل عندما تكلمنا عن مكونات المجرة .. و لكن بشكل عام الان هذه التجمعات موجودة اسفل و اعلى الأسطوانة الرئيسية للمجرة و تعطي شكل كانه كروي حول المجرة أي بمعنى تصنع هالة حول المجرة و ميزتها الرئيسية انها مشعة بدرجة كبيرة بحيث نستيطع تمييزها عن باقي نجوم المجرة التي تدور معنا حول المركز.. ساعطي مثال بسيط يوضح موقع هذه التجمعات القلوبيولار كلاستر قبل ان اكمل طريقة الحسابات .. تخيل الان ان الكعبة الشريفة في مكة المكرمة هي مركز المجرة التي نعيش عليها .. و الحجاج او المعتمرين من الناس  لبذين يطوفون حول الكعبة هم النجوم التي تدور حول المجرة .. هذه هي البنية الرئيسية لديسك او أسطوانة المجرة التي تسكن بداخلها النجوم .. الان فلنفترض انك رفعت رأسك لتشاهد فوق الكعبة مجموعة من الطيور تحوم حولها و ادرت برأسك للطابق الأول جهة اليمين من الحرم المكي و شاهدت مجموعة من المصلين وكذلك مجموعة من المصلين جهة اليسار .. فتلك المجاميع من الطيور فوق الكعبة و المصلين في الطابق الأول هم بالتقريب موقع التجمعات النجمية مقارنتا بالنجوم العادية التي تدور حول مركز المجرة  …. و ميزتها عن باقي النجوم انها لامعه و بارزة تستطيع الاعتماد عليها في الحسابات لتعرف بعدك عن مركز المجرة ..  ولكن تبقى مشكلة أخرى وهي أولا عليك ان تحسب بعدك عن هذه التجمعات النجمية .. ثم تقوم بحسابات ثانية لتحسب بعدك عن مركز المجرة .. و هنا يأتي دور ما يسمى بالنجوم المتغيرة .. variable stars .. و هي نجوم تتغير شدت اضائتها بشكل منتظم مع الزمن .. فمثلا أسبوع تكون عالية الشدة في الإضاءة و الأسبوع الذي يليه تكون منخفضة الشدة .. بدوره منتظمة متكررة بدقة عالية جدا .. بعضها كل يومين يكرر العملية و بعضها كل ٥٠ يومين و هكذا تترواح من ١ الى ٥٠ يوم .. و هذه النجوم المتغيرة موجودة في بعض من هذه التجمعات النجمية .. و هناك علاقة رياضية تربط بين شدة الإضاءة و المدة لتكرار دورتها..  و بين المسافة التي يصل فيها الضوء الينا في الأرض ..  و أخيرا بعد كل التعقيد وجد العلماء طريقة يحسبون بها بعد الأرض و المجموعة الشمسية عن مركز المجرة  و التي رسموها على شكل كرة بالابعاد الثلاثية و حسبت المسافات .. و يتبين بان المجموعة الشمسية ليست بمنتصف هذه الكرة ولكن تقع تقريبا بمسافة الثلث عن المركز .. بهذا القدر استطاع الفلكيين و العلماء تحديده دون اللجوء الى التكنلوجيا الحديثة فقط بالمراقبة و الرصد بالتلسكوبات العادية و الرياضيات تمكننا من معرفة كل هذا الكم من المعرفة حيال موقعنا من هذه المجرة .. ولكن لمعرفة اكثر من ذلك لمواصفات مجرتنا فام الامر يتطلب ان يتطور العلم و بالتحديد استخدام ماهو اكثر من اشعة الطيف المرئى .. فالرؤية بالعين المجردة لقلب المجرة لا يأتي بالكثير و لا يمكن ان نتعلم و نتعرف على مكونات مركز و باقي موكنات المجرة بالنظر فقط من خلال اشعة الضوء المرئي .. فليست كل الموجات من المجرة يمكننا رؤيتها بالاعتماد على اشعة الضوء المرئى فهناك الكثير من العوائق من الغازات و الغبار مثل ما عرفنا.. لنعطي مثل على ذلك ..اذا كنت جالس في غرفتك و فتحت الانارة يمكن ان ترى الضوء بطبيعة الحال لعدم وجود أي عائق بينك و بين الضوء .. و لكن اذا خرجت من الغرفة و أغلقت الباب فلا يمكنك ذلك بسبب وجود حائل بينك و بينه .. و لكن الجميل في الضوء انه موجه كهرومغناطيسية لها خواص مختلفة عند كل تردد مختلف .. فمثلا شبكة الوايرلس في منزلك عبارة عن ضوء ولكن بتردد مختلف عن الإضاءة المرئية .. فيمكنها بسهولة اختراق الجدران و المكاتب و عمل اتصال بأجهزة التلفون او اللابتوب .. من نفس المبدأ ليست كل الإضاءة قادرة على اختراق الفضاء من المجرة لكي نرصدها بالضوء المرئي .. و لذلك لم يتطور فهمنا لمجرة درب التبانة الا مع التقدم العلمي و التكنلوجي الذي أتاح لنا رؤية المجرة بانواع مختلفة لترددات الضوء بداية من الاشعة تحت الحمراء مرورا بالضوء المرئي و انتهاءً بالأشعة السينية و جاما .. و عند دراسة كل طيف تظهر لنا خواص جديدة لم نكن نعلمها عن المجرة .. حتى استطعنا تحديد بنيتها و و طولها و سماكتها و كل مكوناتها .. فمثلا التركيبة التفصيلية لسحب الهايدروجين المتناثرة في كل مكان في المجرة لم يكن بالإمكان تخيل وجودها و تصوريها الا بعد ان تم تطوير المراصد الراديوية و ذلك بسبب انه الموجات الراديوية طويلة بدرجة كافية تمكنها من اختراق الغبار و الغازات بين النجوم .. و الذي ساعد على ذلك هو ان سحب الهيدروجين تبث موجات راديوية من خلال حركة البروتون و الالكترون في داخل الذرة .. ولذلك استطعنا رصدها من المراصد الرادوية في الأرض .. هذا الاكتشاف و الرسم التفصيلي لسحب الهيدروجين في المجرة هو سبب رئيسي و أساسي لاكتشاف اذرع مجرة درب التبانة  الجميلة التي نراها في الصور .. و باختصار طريقة حصل ذلك عن طريق تأثير دوبلر .. فقد لاحظ العلماء بان بعض ذرات الهيدروجين في هذه السحب لديها انزياح للون الأحمر و البعض الاخر لديه انزياح باللون الأزرق .. و ذلك يعني انه بعضهم في حالة ابتعاد عنا و البعض الاخر في حالة اقتراب الينا .. هذه الملاحظة الأولى .. اما الملاحظة الثانية فكانت توزيع هذه السحب ليس منتظم ولكنه متركز في اذزرع و يوجد فراغات في أماكن أخرى .. و عند دمج هذين المعطيين نخرج بنتيجة وجود اذرع لهذه المجرة تدور حول المركز و هم ذراعين كبيرين جدا .. تقريبا هذه اهم الطرق التي تمكن العلماء من خلالها معرفة تفاصيل المجرة و اعتذر اذا كان هناك مصطلحات لم اشرحها مثل الانزياح او ظاهرة دوبلر و حتى تفاصيل الموجات .. ولكني اعدكم بحلقة مخصصة لمثل هذه الطرق تكون مثل المرجع لكل الحلقات نشرح فيها اهم الطرق و الادوات التي يستخدمها العلماء و الفلكيين للتعرف على الحقائق الفيزيائىة لهذا الكون ..و الان بعد ان عرفنا تفاصيل مجرتنا العزيزة فلننتقل الى جيراننا فلدينا العديد من المجرات باشكال و أنماط و احجام مختلفة عنا كثيرا ..

    بعد ان عرفنا تفاصيل مجرتنا حان الوقت الان لنخرج من هذا الكيان و نبحر بعيدا .. فسنرى ان هناك البلايين من المجرات الأخرى التي تحتوي بدورها على ملايين النجوم بداخلها .. هذه المجرات ليست كلها شبيه بمحرتنا درب التبانة بل اشكال والوان مختلفة و منتثرة بزوايا مختلفة كذلك فبعضها اذا نظرنا اليه من الأرض نستطيع رؤية طرف الأسطوانة و بعضها الاخر نستطيع رصده و كاننا نراه من الأعلى الاى الأسفل بحيث يمون مركز المجرة ضاهري الينا و الكثير من الزوايا العشوائية .. حاول العالم ادون هابل تقسيمها وكان يعتقد انه هذه المجرات تتطور بالشكل من واحدة الى أخرى ولكن كان فهمه قاصرا للمجرات و مخطأ في هذه النقطة.. ولكنها كانت بداية مفيدة استفادة منها من بعده العلماء .. فعندما أراد العلماء تقسيم هذه المجرات او بلأحرى تصنيفها  .. فتم تصنيفها حسب الشكل الظاهري لها .. و هي ثلاث اقسام .. قسم يدعى بالمجرات ذلت الاذرع الحلزونية وهي التي تندرج تحتها مجرتنا درب التبانة و القسم الثاني يسمى بالمجرات الاهليجية و قسم ثالث هو في الحقيقة أي شكل للمجرات لا يقع ضمن التصنيف الأول و الثاني .. النوع الأول و هو المجرات ذات الاذرق الحلزونية ينطبق عليها ما شرحت قبل قليل عن درب التبانة .. أسطوانة تحتوي على خليط من النجوم الكبيرة و الصغيرة بالعمر تسبح ما بين الغاز و الغبار المنتشر في كل مكان تدور حول المركز المكتظ بالنجوم القديمة و يحيط بهذه الأسطوانة عشوائيا مجموعة من النجوم القديمة و التجمعات النجمية مشكلة الهالة.. بالنسبة للنوع الثاني من المجرات و هو النوع الاهليجي .. فالامر مختلف قليلا.. فبشكل عام هذه المجرات اضخم بالحجم و اكبر بالكتلة .. و من ناحية الشكل فهي ابسط من المجرات ذات الاذرع فهي لا تحتوي على اسطوانه تدور حولها اذرع و انما و تحتوي على عدد قليل من النجوم حديثة الولادة و اغلبها نجوم قديمة بالعمر .. و النوع الأخير هو المجرات الغير منتظمة مثل ما ذكرت قبل قليل .. أي مجرة لا ينطبق عليها وصف الاهليجي او ليس لديها اذرع تكون غير منتظمة  مثل سحابتي ماجلان الصغيرة و الكبيرة و هي مجرتين رصدوا منذ قديم الزمان في سماء النصف الجنوبي للكرة الأرضية .. فهذين السحابتين لا يمكن ان يروا من نصف الكرة الشمالي .. في البداية اعتقد الناس انها نوع من السدم و لكن لاحقا بعد ان تقدم علم الفلك و حسب الفلكيين و الرياضيين ابعاد هذه الاجرام تبين انها تقبع خارج كيان منظمومة درب التبانة .. هذه المجرات الغير منتظمة بشكل عام هي الأصغر في العمر .. فمعظمها يكون متكون من نجوم فتية حارة جدا زرقاء .. اما ذات الاذرع فهي المتوسطة بالعمر و الاقدم بشكل عام تكون المجرات الاهليجية .. كونها تتكون بمعظمها من نجوم حمراء قديمة في نهاية الخط الزمني لحياة النجوم .. و بما اننا نتكلم الان عن المجرات فلا بد ان نذكر المسافات فيما بينهم..فعند تصادم المجرات فليس بالضرورة ان يحدث تصادم بين النجوم التي تسكن بداخلها .. فهذه الصورة النمطية نتخيلها بسبب الفيديوات و المحاكاة و الصور التي نراها بالعادة للنجوم و المجرات .. ولكن العلم و الواقع يقول بان هذه النجوم لا تشغل الاحيز صغيير جدا من كيان المجرة و المسافات بينها شاسعة جدا جدا فعند تصادم او تداخل مجرتين فان الغالب هو تداخل فراغات المجرتين بين بعض .. و ما سؤثر علي النجوم هو الجاذبية التي ستغير من مساراتها التي كانت تدور فيها لملايين و بلايين السنين ..

    و هناك ملاحظة مهمة كذلك عن المجرات .. فعند النظر الى الاجرام السماوية في هذا الكون نلاحظ انها دائما تشكل كيان اعظم منها منفردة .. فمثلا .. نحن البشر متجمعين مع الحيوانات و النباتات مع كل ما نلاحظه في حياتنا من طبيعة بحار و محيطات و صحراء و غابات داخل كيان الكرة الأرضية .. و عندما ننظر الى الكرة الأرضية من الخارج نراها تعيش داخل منظمومة من كواكب أخرى و كلها مجتمعة لا تساوى سوى نسبة بسييطة جدا من الكيان الأكبر التي تدور حوله و هي الشمس .. اقرب النجوم الينا .. وهذه الشمس بدورها ما هي الا نجمة من بين مئات البلايين من النجوم يدورون حول الكيان الأعظم الذي يشكلونه و هي المجرة .. و لكن هل ماذا تشكل المجرة .. هل هناك كيان اكبر يمكن ان ينشأ عندما ننظر بصورة اكبر للخارج .. في الحقيقة و على الرغم من التباعد الكبير و الشاسع في الفضاء بين المجرات .. الا ان قوى الجاذبية عملت ولا زالت تعمل منذ ازل الزمان على جذب هذه الكيانات العملاقة مع بعضها البعض و تكون عناقيد مجرية تسمى galaxy  cluster   تتجمع فيها مئات او الاف من المجرات بجانب بعضها البعض على امتداد بعض الملايين من السنين الضوئية .. و عند تحليل هذه المجاميع المجرية .. نلاحظ وجود مجرة ضخمة جدا و اكبر من باقي المجرات تكون في منتصف هذا التجمع يصل الى ١٠ او ٢٠ مره كتلة مجرة درب التبانة باكلمها و تكون باقي المجرات في هذا التجمع في حالة دوران.. في نظام محاكي لكواكب المجموعة الشمسية و هي تدور حول الشمس .. و هذه المجرات الضخمة تكون ناتجة من اندماج مجرات بنفس الحجم او مجرات اصغر على مدار الزمن من بداية الكون الي يومنا هذا و ما بعده من الأيام .. فهي سنة كونية تحركها قوى الجاذبية المتغلغة في نسيج هذا الكون.. تقريبا هذا شرح موجز لبنية لمجرتنا درب التبانة و و جيرانها في هذا الفضاء الكبير .. ارجوا ان تكونوا استمتعتم بهذه الرحلة بين المجرات .. لا تنسون تقييم القناة و كتابة التعليقات حول البودكاست و مشاركة المواضيع التي تحبون الاستماع اليها في الموسم القادم .. فحتى ذلك الحين اتمنالكم السلامة .. ابقوا في منازلكم وابقوا امنين حتى انقضاء هذه المحنة و نلقاكم على خير باذن الله .. الى اللقاء

  • العلم والإشاعة

    في تاريخ 23 أبريل عام 2013 غرّد حساب تويتر وكالة أسوشيتد برس عند الساعة الواحدة ظهرًا تقريبًا بخبر عاجل يقول إن هناك انفجارين في البيت الأبيض وأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما مصاب. وبعد أقل من عشرين دقيقة حذفت الوكالةُ التغريدةَ وصرحت أن الحساب تم اختراقه، وأن خبر انفجارات البيت الأبيض غير صحيح وأن الرئيس الأمريكي بخير، ولكن للأسف بعد فوات الأوان، خلال ست دقائق فقط هبط مؤشر داو بواقع مئة وأربعين نقطة وخسرت أسهم الشركات من قيمتها السوقية ما يقارب مئة وثلاثين بليون دولار إلى أن عاد المؤشر إلى الصعود مرة أخرى بعد نفي الخبر.

    شبكة الإنترنت، وما تحتويه من وسائل للتواصل الاجتماعي، تعتبر من أهم وسائل نقل المعلومات بين البشر. وكما أن الحقيقة تنتشر من خلالها كذلك ينتشر الكذب، فهي سلاح ذو حدين ولكن حدّي هذا السلاح مختلفان فأحدهما أشد من الآخر. وفي عام 2018 نشر العلماء دراسة في مجلة ساينس حول سرعة انتشار الأخبار الحقيقية مقابل الإشاعات الكاذبة على منصة تويتر، استمرت الدراسة لمدة عشر سنوات تقريبًا من عام 2006 إلى عام 2017 وشملت مئة وستة وعشرين ألف خبر حقيقي ومزيف غرّد بها ثلاثة ملايين شخص بعدد أربع ملايين ونصف مليون مرة: ما بين تغريدة وإعادة تغريد ورد على تغريدة. وقد وجدت الدراسة أن الإشاعات الكاذبة والأخبار المزيفة تنتشر بشكل أسرع وأبعد وأعمق بكثير من الأخبار الحقيقية في مجالات مختلفة مثل السياسة والاقتصاد والعلم والإرهاب والكوارث الطبيعية. ووجدت الدراسة أيضًا أن الإشاعات الكاذبة تكون غالبًا جديدة أكثر من الأخبار الحقيقية، وهذا قد يشير إلى أن الأفراد يميلون إلى مشاركة المعلومات الجديدة وتبادلها.

    ومن ملاحظات العلماء أيضًا في هذه الدراسة أن الإشاعات الكاذبة تثير الخوف والاشمئزاز والدهشة كما يتضح من الردود على التغريدات، بينما الأخبار الحقيقية تثير الترقب والحزن والمرح والثقة. وبخلاف ما كان يعتقد، فقد بينت الدراسة أن الحسابات الآلية أو البوتات ساهمت في نشر الإشاعات الكاذبة والحقيقية بالمعدل نفسه، مما يؤكد أن البشر هم العامل المؤثر في نشر الإشاعات الكاذبة بشكل أسرع بكثير من الأخبار الحقيقية.

    في النهاية، إن نقل الإشاعات الكاذبة والأخبار المزيفة قد يؤثر في الاقتصاد والأمن وأحيانًا في صحة وسلامة المجتمع بأكمله، لذلك يجب الحرص على أخذ الأخبار الحقيقية من المصادر الرسمية والموثوق بها.

  • هل الأدلة تشير إلى أن فيروس كورونا المستجد خرج من مختبرات بيولوجية؟

    صدرت مؤخراً تصريحات مدوية عن العالم الفرنسي لوك مونتانييه، الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 2008، عن دوره في اكتشاف فيروس HIV المسبب لمرض نقص المناعة البشرية المكتسب AIDS. وقد روج هذا البروفيسور في هذه التصريحات لإحدى فرضيات نظرية المؤامرة التي تدّعي أن فيروس كورونا المستجد هو من صنع الإنسان وأن شفرته الوراثية تحتوي على أجزاء دخيلة من فيروس HIV. وبحسب هذه النظرية، فقد ساهمت هذه التعديلات الوراثية في منحه الخصائص التي مكنته من الانتشار السريع والتحول إلى وباء عالمي. وعلى الخط نفسه، تكررت اتهامات الرئيس ترامب التي يشير فيها (دون تقديم أي دليل) إلى سيناريو خروج هذا الفيروس من مختبر أبحاث الفيروسات في ووهان بالصين.

    وتسببت تصريحات البروفيسور مونتانييه في ارتباك شديد لدى جمهور الناس، وخصوصاً لأنها تحمل “ختم الجودة” التي تمنحه جائزة نوبل لحاملها. ولكن قبل الشروع في شرح بعض التفاصيل التي تدحض نظرية الخروج من المختبر الصيني، دعني أولاً عزيزي القارئ أؤكد على أن الأفكار التي سأسردها في هذا المقال لا تُنقص من قدر إنجازات علماء كبار أضاؤوا لنا الطريق باكتشافاتهم المذهلة. وخالص التقدير والاحترام لهم ولعلمهم، وما أحاول أن أقوم به هنا هو تقديم الحجج العلمية لتصحيح بعض الأفكار المغلوطة التي لا تستند إلى أدلة علمية.

    حينما سُئل البروفيسور مارتن شالفي، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2008، عن التغيير الذي طرأ على حياته بعد الفوز بالجائزة، كان رده أنها حولته إلى شخص مسموع الكلمة. للأسف هناك من علماء نوبل من أساء استخدام هذا التكريم للترويج لآراء غير علمية. وربما ساهمت هذه المكانة الرفيعة، مع الكثير من الثناء والاحتفاء، في ترسيخ شعور لدى بعضهم بالثقة العالية في النفس مهدت لهم الطريق نحو الانحدار للترويج لمفاهيم تندرج تحت تصنيف العلم الزائف؛ ظاهرة عرفت بـ “متلازمة نوبل”. وللأسف الأمثلة على ذلك كثيرة، فهناك جيمس واتسون الحاصل على جائزة نوبل سنة 1962 عن دوره في اكتشاف التركيب الكيميائي للحمض النووي DNA. وفي أحد تصريحاته الصحفية سنة 2007 ألمح واتسون إلى أن ثمة عوامل وراثية وراء انخفاض معدل ذكاء الأفارقة مقارنة بالبيض. وبالطبع، لا توجد أي أدلة علمية تدعم هذه الادعاءات التي أثارت ضجة كبيرة، أجبر بعدها واتسون على التقاعد من منصبه كرئيس واحد من أهم مختبرات أبحاث الوراثة في العالم مختبر كولد سبرينغ هاربور Cold Spring Harbor Laboratory. وهنا تكلم كاري موليز الحاصل على جائزة نوبل عن ابتكاره لتقنية تفاعل إنزيم البلمرة المتسلسل PCR عام 1983، والمستخدمة حالياً في تشخيص العدوى بفيروس كورونا. وادعى أن فيروس HIV ما هو إلا مؤامرة ولا يسبب مرض الإيدز. وأخيراً، العالم الكبير لاينوس باولينغ، الحائز على جائزة نوبل مرتين والذي أدى دورًا مهمًا في وصف طبيعة الروابط الكيميائية ويعتبر أحد الآباء المؤسسين لعلم البيولوجيا الجزيئية قد أصيب بهوس عجيب تجاه فيتامين سي في مرحلة متأخرة من عمره، وروج في محاضراته وكتبه أن فيتامين سي يعالج أمراض القلب والإيدز و السرطان!

    عودة إلى البروفيسور منونتانييه، بعد فوزة بجائزة نوبل بسنتين، روج هو الآخر لادعاءات مفادها ان الأعشاب تعالج مرض الإيدز. وتبنى أيضًا أحد أكبر المفاهيم الخاطئة عن اللقاحات: أنها تسبب مرض التوحد، الادعاء الذي نُفيَ بشكل قاطع علمياً. ولم يكتفِ بذلك، بل روج لأحد مفاهيم العلم الكاذب الذي يدعي أن المادة الوراثية تنبعث منها موجات كهرومغناطيسية من الممكن استخدامها كأداة تشخيصية للأمراض المعدية. وكانت هذه لمحة تاريخية سريعة عن البروفيسور صاحب نوبل الذي أطلق ادعاءاته في الهواء، دون أي أدلة علمية، فهل لنا أن نصدقه؟ هل تعطي جائزة نوبل ضوءاً أخضر لحاملها يسمح له بأن يكسر كل الضوابط العلمية المتعارف عليها؟

    هناك نوعان من الأدلة تدحض نظرية خروج فيروس كورونا من مختبر في الصين: أدلة عقلية وأدلة علمية، ولنبدأ أولا بالأدلة العقلية. أليس من أهم مواصفات السلاح البيولوجي أن يستهدف صنفًا معينًا من البشر دون أن يضر ببلد المنشأ؟ أليس من السذاجة إطلاق سلاح بيولوجي دون امتلاك لقاح أو دواء لحماية بلد المنشأ؟ أليس من السذاجة إطلاق سلاح بيولوجي يوقع أضرارًا صحية جسيمة بكبار السن، ويترك الشباب عماد اقتصاد وقوة أي بلد؟ ولذلك أستطيع أن أزعم أن هدف السلاح البيولوجي هو في تضاد تام مع نتيجة الوباء العالمي. فالحرب البيولوجية هي بالفعل حقيقة، ولكنها تاريخية، لأن الدول الكبرى أوقفت برامجها لتطوير الأسلحة البيولوجية في سبعينات القرن المرضى بعد تيقنها من صعوبة استخدام مثل هذه الأسلحة دون أن تضر بشعوبها.

    فماذا عن الأدلة العلمية؟ العديد من نظريات المؤامرة نسجت حول مختبر الفيروسات في ووهان وذلك بسبب قربه من سوق المأكولات البحرية الذي يُعتقد أنه كان نقطة انطلاق الوباء. وهناك أربعة سيناريوهات محتملة تدور حول فكرة خروج فيروس كورونا من هذا المختبر سنفندها واحداً تلو الآخر:

    1- فيروس كورونا المستجد هو أحد الفيروسات التي عثر عليها الباحثون الصينيون في عينات الخفافيش

    يحفل السجل البحثي لهذا المختبر بالعديد من المحاولات لعزل فيروسات تنتمي إلى عائلة الكورونا من الخفافيش لفك شيفراتها الوراثية، ورصد الفيروسات الشبيهة بسارس الكلاسيكي الذي ظهر في عام 2002. ولكن الأغلبية العظمى لهذه الفيروسات التي تكيفت مع الخفافيش لا تسبب عدوى في الإنسان، ولا بد من أن تكتسب بعض الطفرات التي قد تمكنها من الانتقال إلى الإنسان. ونحن نعلم من تحليل الشيفرة الوراثية لفيروس كورونا المستجد أنه يختلف بمقدار 4% عن أقرب الفيروسات له المعزولة من أحد الخفافيش في عام 2013. ويقع أحد أهم هذه الاختلافات في جزء من البروتين الشوكي مسؤول عن الارتباط بمستقبلات الخلايا، يعرف بالدوبامين المرتبط بالمُستقبل Receptor-binding domain أو اختصارًا: البروتين RBD. ويعتقد العلماء المتخصصون أنه اكتسبه عن طريق خاصية الخلط الجيني Homologous recombination مع أحد فيروسات الكورونا التي تصيب الحيوان آكل النمل الحرشفي، نظراً للتطابق الملحوظ في تتابع الشيفرة الوراثية. ومن ثم فرصة العثور على فيروس في العالم الطبيعي (كما هو) يتمتع بخاصية الانتشار السريع بين البشر هي فرصة ضعيفة جدًا. وحينما تصل هذه العينات التي قد تحتوي على كمية بسيطة جدًا من الفيروس، إلى المختبر، يتعامل العلماء معها بحرص شديد، لأنهم بطبيعة الحال حريصون على سلامتهم الشخصية. والخطوة الأولى في تحليل هذه العينات يتطلب إضافة بعض المواد الكيميائية التي تُفقد الفيروس قدرته على العدوى.

    2- خلط الباحثون الصينيون فيروسي الخفاش وآكل النمل خلطًا جينيًا في المختبر

    نمتلك قدرًا كبيرًا من المعلومات عن الخصائص البيوكيميائية للأحماض الأمينية المكونة للبروتينات، ومن خلالها نستطيع باستخدام بعض النمذجات الحاسوبية توقع قدرة منطقة البروتين RBD على الارتباط بالمُستقبِلات. والملاحظة التي أدهشت الباحثين أن الأحماض الأمينية المكونة للبروتين RBD، التي اكتسبها فيروس كورونا المستجد من أحد فيروسات آكل النمل، هي عكس كل التوقعات التي تكشف عنها النمذجات الحاسوبية. بمعنى آخر، لو حاول إنسان تصميم هذه المنطقة بناء على المعلومات المتاحة، بحيث إنها تصير أكثر قدرة على الارتباط بمستقبلات الانسان، لأختار أحماض أمينية تختلف تمامًا عن الموجودة حالياً في فيروس كورونا المستجد. أي أن “التوليفة” التي اختارتها الطبيعة غلبت جميع التوقعات البشرية. ولو افترضنا أن هناك من كان يخطط لهذا، فهل سيبدأ بفيروس مجهول الهوية وفرصته في إصابة الإنسان بالعدوى ضعيفة، أم بفيروس آخر معروف عنه مقدرته الفائقة على إصابة الانسان بالعدوى؟

    3- استزرع الباحثون الصينيون الفيروس بالتمرير المتسلسل في المختبر حتى اكتسب خاصية الانتشار بين البشر

    السيناريو الآخر المثار على الساحة بقوة هو أن الباحثين الصينيين استزرعوا الفيروس بالتمرير المتسلسل Serial passage في مزارع الخلايا أو حيوانات التجارب حتى اكتسب القدرة على إصابة خلايا الإنسان بالعدوى. سيناريو الاستزراع بالتمرير المتسلسل في مزارع الخلايا غير وارد إطلاقًا، لأن البروتين الشوكي الخاص بفيروس كورونا المستجد يتميز بوجود بعض المجموعات السكرية (Glycan sites) تعمل بمثابة درعٍ واقية يساعد الفيروس على تفادي الاستهداف بواسطة الأجسام المضادة. وهذا النوع من التكيف لا يحدث إلا في وجود جهاز مناعي مكتمل وغير متوفر في المزارع الخلوية. وماذا عن التمرير في حيوانات التجارب؟ ما هي فرصة ظهور منطقة بروتين RBD متطابقة في الشيفرة الوراثية مع فيروس آكل النمل؟

    4- أدخل الباحثون الصينيون بعض الأجزاء الصغيرة من فيروس HIV

    وهذا هو السيناريو الذي تبناه البروفيسور مونتانييه، والمبني على مسودة ورقة بحثية لم تخضع لمراجعة الأقران خرجت من مجموعة من الباحثين الهنود، ثم سحبوها بعد يومين واعتذروا بعد أن إنهالت عليهم التعليقات من المتخصصين التي أوضحت لهم جوانب القصور في هذه الدراسة. ستجد عزيزي القارئ ردًا تفصيليًا على ادعاءات هذه المسودة في هذا الفيديو:

    ولكن باختصار، بإجراء بحث بسيط في المحرك البحثي BLAST، والذي يسهل لنا مهمة البحث عن التشابهات في الشيفرات الوراثية، نستطيع استنتاج أن هذه الأجزاء الصغيرة التي ادّعى الباحثون الهنود إضافتها من فيروس HIV موجودة في العديد من الميكروبات الأخرى، أي أنها ليست خاصة بفيروس HIV. وهذه الأجزاء الصغيرة موجودة أيضًا في فيروس كورونا الأقرب لفيروس كورونا المستجد والمعزول من الخفاش في عام 2013، أي أنها ليست بالجديدة على عائلة كورونا. هل غفلنا حقيقة أن فيروس HIV يصيب نوعًا مختلفًا من الخلايا؟ ما هي المميزات التي سيكتسبها فيروس كورونا إذا أضيفت إليه أجزاء من HIV؟ هل تناسينا أن فيروس HIV يسبب عدوى مزمنة من الممكن السيطرة عليها بواسطة الأدوية المضادة لهذا الفيروس؟ لو كان هناك من يخطط لهذا، فهل سيلجأ إلى فيروس غير قاتل؟

    الآن عزيزي القارئ، وبعد الاطلاع على السيناريوهات المطروحة على الساحة والردود العلمية عليها، أتمنى أن أكون قد قدمت الأدلة التي تدعم أن فيروس كورونا المستجد خارج من رحم الطبيعة.

  • 344 كيف تبني وتنمي شبكة العلاقات؟ الجزء الرابع

    بودكاست “Management in a Nutshell ما قل ودل في الادارة”

    SJ.Nutshells@gmail.com

    برعاية التقدم العلمي للنشر – إحدى شركات مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

    حلقات صوتية قيمة متخصصة في المهارات الإدارية وتطوير الموظفين والمدراء، كل أحد بإذن الله سلطان وجاسم يقدمان بودكاست جديد وأدوات تساعد الموظفين وخصوصا المدراء على النجاح في العمل

    إشترك بالمجلة الأكثر شيوعا في عالم الأعمال MIT-Sloan Management Review مترجمة للغة العربية

    رابط الاشتراك

  • 343 كيف تبني وتنمي شبكة العلاقات؟ الجزء الثالث

    حلقات صوتية قيمة متخصصة في المهارات الإدارية وتطوير الموظفين والمدراء، كل أحد بإذن الله سلطان وجاسم يقدمان بودكاست جديد وأدوات تساعد الموظفين وخصوصا المدراء على النجاح في العمل

    Management in a Nutshell بودكاست ما قل ودل في إدارة الأعمال , برعاية التقدم العلمي للنشر ASPDKW@ – إحدى شركات مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

    إشترك بالمجلة الأكثر شيوعا في عالم الأعمال MIT-Sloan Management Review مترجمة للغة العربية

    رابط الاشتراك

  • 342كيف تبني وتنمي شبكة العلاقات؟ الجزء الثاني

    حلقات صوتية قيمة متخصصة في المهارات الإدارية وتطوير الموظفين والمدراء، كل أحد بإذن الله سلطان وجاسم يقدمان بودكاست جديد وأدوات تساعد الموظفين وخصوصا المدراء على النجاح في العمل

    Management in a Nutshell بودكاست ما قل ودل في إدارة الأعمال , برعاية التقدم العلمي للنشر ASPDKW@ – إحدى شركات مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

    إشترك بالمجلة الأكثر شيوعا في عالم الأعمال MIT-Sloan Management Review مترجمة للغة العربية

    رابط الاشتراك

  • هل يؤدي تناول الأيبوبروفين إلى زيادة أعراض مرض كوفيد – 19؟

    في الرابع عشر من مارس الماضي خرج علينا وزير الصحة الفرنسي أوليڤيه ڤيران بتغريدة على تويتر يحذر فيها من تناول الأيبوبروفين (Ibuprofen أو Advil)، والذي ينتمي إلى عائلة الأدوية غير الستيرويدية المضادة للالتهابات (NSAID). ويدعي وزير الصحة الفرنسي أن هذا الدواء المسكن والخافض للحرارة وشائع الاستخدام ربما يؤدي دورًا في تدهور حالة المصابين بڤيروس سارس-كوف-2 (كورونا المستجد)، ويشجع على استخدام الباراسيتامول كبديل. وقد انتشرت هذه التغريدة بشكل كبير وسلطت عليها وسائل الإعلام الضوء، مما أدى إلى حدوث ارتباك شديد بين الأطباء والجمهور عامة على حد سواء، لأن الباراسيتامول ينتمي إلى عائلة العقاقير NSAID نفسها. ولكن، هل لهذه الادعاءات أي أساس علمي؟

    وبعد نحو أسبوعين من نشر هذه التغريدة، تحديدًا بتاريخ 1 إبريل الماضي، نُشرت مراسَلة علمية في المجلة الطبية الشهيرة لانسيت ( لطب الأمراض التنفسية )، اقترح مؤلفوها أن الأيبوبروفين يزيد من أعراض مرض كوفيد- 19. وقبل أن نتناول طرح المؤلفين دعونا أولاً نفرق ما بين “المراسلة” و “الورقة البحثية”. فالمراسَلة هي خطاب موجه من مجموعة من الباحثين إلى رئيس تحرير المجلة، يعرضون فيها وجهة نظر علمية أو ردًا على دراسة سابقة أو ملخصًا سريعًا لنتائج توصلوا إليها، ولكن هذا الخطاب لا يخضع للتحكيم بواسطة الأقران. وبعد اطلاع رئيس التحرير على محتوى الخطاب، يقرر مباشرة ما إذا كان يستحق النشر أم لا.

    وعلى النقيض من ذلك، نجد أن الورقة البحثية سردية في قالب علمي متفق عليه لنتائج علمية، وتخضع للمراجعة والتحكيم الدقيق بواسطة الأقران والذي قد يحتاج إلى شهور. وبعد اطلاع رئيس التحرير على مسودة البحث يقرر ما إذا كانت مناسِبة للنشر في المجلة العلمية التي يرأس تحريرها، فإذا كانت الإجابة: نعم، يقوم بإرسالها إلى مجموعة من المحكمين المتخصصين للإدلاء بآرائهم في البحث، وقد يوصون بقبول البحث كما هو أو مع بعض التعديلات أو يرفضونه تمامًا. ولا يُنشر البحث إلّا بعد أن يجيب المؤلفون عن جميع الأسئلة والتعليقات من المحكمين، وفي بعض الأحيان يضطرون إلى إعادة بعض التجارب أو إجراء تجارب جديدة. فهذا هو الإطار المعهود لآلية  النشر العلمي.

    ولكن من أهم الظواهر التي شهدناها أثناء جائحة كورونا هي الانفجار المعلوماتي، أو كما أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية “وباء معلوماتي” (Infodemic)، والذي طال للأسف منصات النشر العلمي، هذا إضافة إلى المئات من المسودات البحثية التي تنشر يوميًا دون أي مراجعة. وصارت التفرقة بين الصالح والطالح تمثل تحديًا كبيرًا للعلماء المتخصصين، فما بالك بغير المتخصصين الذين يتلقون مثل هذه المعلومات، في هذا التوقيت الحرج الذي نعيشه، من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؟

    باختصار، اعتمد هذا الاقتراح الذي قدمه المؤلفون (والذي لم يخضع لمراجعة الأقران) على فرضية أن الأيبوبروفين يزيد من معدلات بروتين Angiotensin-converting enzyme 2 أو ACE2 على سطح الخلايا، وهو البروتين نفسه الذي يستخدمه فيروس كورونا المستجد كمستقبِل للارتباط بخلايا العائل. ويمثل هذا الارتباط خطوة أولى وأساسية من خطوات تضاعف فيروس كورونا في الخلايا، فإذا ازدادت وفرته، فمن المحتمل أن يسهم هذا في تسهيل العدوى. ولكن الاقتراح الذي قدمه المؤلفون في خطابهم لرئيس تحرير مجلة لانسيت يظل في نطاق النظرية أو الفرضية التي تفتقر إلى أدلة تجريبية تدعمها. ولم يتوفر لنا أيضًا أي دليل إكلينيكي أو بيانات مسح لعدد كبير من المرضى لتدعيم هذه الفرضية.

    ودفعت هذه الادعاءات التي لا يدعمها أي دليل علمي قوي بمنظمة الصحة العالمية إلى الإدلاء بتصريح رسمي في الثامن عشر من شهر مارس الماضي قالت فيه إنها لا توصي بعدم تناول الأيبوبروفين، أو بعبارة أخرى، منظمة الصحة العالمية تنفي الخبر الأول الذي ينصح بعدم تناول هذا الدواء.

    بالطبع، فإن هناك احتمالًا لأن يُخفي الأيبوبروفين أعراض الالتهابات بشكل عام، مما قد يُصعّب من مهمة تشخيص عدوى كوفيد-19، وخصوصًا في الحالات الخفيفة التي تمثل أغلبية الإصابات. ولكن هذا التأثير ستشترك فيه أغلبية الأدوية المضادة للالتهابات والخافضة لدرجة الحرارة. ولكن، حتى الآن، لا تتوفر لنا أية أدلة تدعم فرضية تدهور (أو حتى تحسن) حالات كوفيد-19 بسبب تناول الأيبوبروفين. وفي جميع الأحوال، فإنه لا ينصح بتناول أي دواء دون استشارة طبيب.

  • هل تتسبب شبكة الجيل الخامس 5G في انتشار فيروس كورونا؟

    انتشر خبر أن شبكة الجيل الخامس 5G هي التي تسببت في فيروس كورونا أو أنها كانت سببًا في انتشاره عالميًا. بشكل خاص، فإن انطلاق فيروس كورونا من الصين كان بسبب وجود هوائيات الجيل الخامس 5G Antennas، ولعل من أبرز الفيديوهات التي انتشرت بهذا الصدد موجود على يوتيوب، بل إن حتى المفتي علي جمعة من جمهورية مصر العربية صرح بأن الكهرباء لها علاقة في شيوع الفيروسات وأن الكهرباء سبب تكونها، وأن الجيل الخامس قد يكون سببًا في فيروس كورونا، وأن الموجات الكهرومغناطيسية هي التي تهيئ الأجواء لانتشار الفيروس.

    الإجابة المختصرة: الجيل الخامس للاتصالات والكهرباء لا علاقة لهما بالفيروسات، فقد كانت الفيروسات والأوبئة موجودة منذ قديم الزمان، وقبل أن تكون هناك أي شبكة اتصالات من أي نوع، ولا حتى كهرباء، بل أتت الأوبئة الأشد قبل إنتاج الكهرباء التي نعيش عليها اليوم. وإضافة إلى ذلك، فإن غالبية من تكلم في نشر إشاعة تأثير شبكة الجيل الخامس 5G غير مختص بعلم الفيروسات أو حتى الاتصالات، ولا حتى أنه استدل على أبحاث محكمة من مجلات علمية رصينة.

    الإجابة التفصيلية: يدعي البعض أن الأوبئة في السنوات المئة والخمسين السابقة حصلت بعد قفزة نوعية في كهربة الأرض، وأنه في نهاية 1917 وبداية 1918 أدخلت موجات الراديو في جميع أنحاء العالم. و كلما تعرضت خلايا الجسم لموجات كهرومغناطيسية، فإنها تسممها، فتقتل بعضها، وتجعل بعضها الآخر في حالة من الحركة المعلقة. ولذا، فهي تعيش لفترة أطول، ولكنها تكون مريضة، وبإطلاق أجهزة الرادار انتشر وباء آخر في وقتها. وفي عام 1986 رُبط الوباء “إنفلونزا هونغ كونغ” بانتشار الأقمار الاصطناعية حول العالم، ويكتمل هذا الربط والادعاء أن انتشار فيروس كورونا كان بسبب تركيب شبكات 5G، ويكمل الادعاء بأن أول مدينة غُطيت بالجيل الخامس من الشبكات هي مدينة وهان.

    وللأسف، فإن كل الادعاءات المذكورة ليس عليها أي دليل علمي، كل ما طرح يعتمد على السرد القصصي، والقصص المذكورة كلها تعتمد على العاطفة بدلاً من العقل، ومع ذلك سنكمل المقالة بالرد على ما طرح من حيث المبدأ.

    لعل أبرز رد على الإشاعة أن الجيل الخامس 5G سببٌ إما في تكون الفيروس أو انتشاره هو أن الفيروسات موجودة منذ قديم الزمن، وقبل أن تتوفر الكهرباء لدى البشر ناهيك عن شبكات الاتصال، بل إن الأوبئة التي انتشرت سابقًا كانت أشد فتكًا من فيروس كورونا بمرات عديدة. والصورة التالية من موقع Visual Capitalist للكاتب Nicholas LePan تبين أن الكثير من الأوبئة الفتاكة أتت قبل عصر الكهرباء بكثير، بل إن الكثير من الأوبئة حصدت ملايين الناس، كمثل طاعون دملي الذي حصد نحو 200 مليون نسمة، ووباء الحصبة الذي فتك بنحو 56 مليون نسمة. وكذلك، فإن طاعون جاستنين أمات 40-50 مليون شخص. فكل هذه الأوبئة وأوبئة عديدة أخرى حصلت قبل اختراع الكهرباء وحتى الاتصالات بعشرات إلى مئات السنين (الرسمة التالية لـ Nicholas LePan تبين تاريخ الأوبئة).

    The History of Pandemics by Death Toll
    الصورة مقتبسة من موقع Visual Capitalist وهي للكاتب Nicholas LePan، وقد أخذت موافقته على نشرها هنا.

    وقد يظن البعض أن الكهرباء هي من اختراع البشر، ولكن الحقيقة أن الكثير من الكائنات الحية تحتوي أجسادها على الكهرباء، فمثلا الإشارات العصبية الموجودة في الجسد تتنقل عبر إشارات كهربائية- كهرباء ينتجها الجسم على مدى حياة الفرد. وكذلك، فإن بعض الكائنات البحرية مثل الإنقليس الرعاد Electric Eels تنتج كهرباء شديدة تصل إلى 860 فولت، وهي أكبر شدة من كهرباء المنزل 240 فولت بقدر 3.6 مرة، قوة تفتك في الخصم. وحتى السمك الرعاد Electric Ray ينتج قوة كهربائية تصل إلى 220 أو ما يعادل قوة الكهرباء المنزلية. ولو كانت الكهرباء عاملًا في تسميم الخلايا؛ لكانت الكهرباء الموجودة في أجسامنا وسائر أجسام الكائنات الحية منذ الولادة إلى نهاية العمر أولى بتسميمنا؛ ولكانت الكهرباء الأكثر شدة التي تنتجها الكائنات الحية المتنوعة سببًا في تسميم خلاياها هي أيضا، الكهرباء معنا منذ ملايين السنين، فلماذا لم تكن عاملا في تدميرنا؟

    قد يعتقد البعض أن الموجات الكهرومغناطيسية هي من اختراع الإنسان أيضا، ولكن الحقيقة أنها موجودة من حولنا قبل اختراع الأجهزة التي نستخدمها. فعلى سبيل المثال، الضوء الذي ينير الأشياء حتى نتمكن من رؤيتها هو في الواقع موجات كهرومغناطيسية، ولكنها منخفضة الشدة بحيث لا تحرق الجسد ولا تضره، ولكن بإمكانها أن تكون مضرة لو ازدادت شدتها. فعلى سبيل المثال، بالإمكان تركيز الضوء باستخدام عدسة مكبرة لتُكون الأشعة حارقة، أو بالإمكان صنع ليزر حارق، وهكذا. ولكننا نعيش على الأرض مع فيض غامر من الأشعة المنيرة من غير أن نتأثر بها سلبا، في المقابل، هناك أشعة لا نراها وهي ضارة، مثل الأشعة فوق البنفسجية، ولذلك يُنصح من يخرج للاسترخاء في الشمس بأن يغطي جسده بطبقة من الكريمة التي تحجب الأشعة الضارة.

    مع ذلك، فإن الموجات الكهرومغناطيسية المستخدمة في الاتصالات أقل ترددًا من جميع أطياف الضوء المرئي، وهي بالتأكيد أقل من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. وكذلك، فإن شدة الأشعة المستخدمة أقل بكثير من أن يكون لها التأثير المقترح في الإشعاعات المنتشرة. فمثلا بإمكان زيادة قوة الأشعة لتكون مثل الميكرويف الذي يطهو الطعام، والذي يستخدم قوة 1000 واط، بينما الشدة المستخدمة في المنازل لشبكة 5G نحو 0.1 واط، أي أن شدة أشعة الميكرويف أكبر من شدة 5G المستخدم للمنازل بقدر 10000 مرة. وحتى تعرف مدى تأثير قوة 0.1 واط فيك، ما عليك إلا أن تبحث عن راوتر واي في WiFi في منزلك لترى أن لديك حاليًا أجهزة تستخدم هذه القوة، وإلى الآن لم تتأثر منها سلبًا.

    لا شك في أنه بإمكان الكثير من الأشعة أن تكون حارقة لو كان تركيزها شديدًا. ولكن هناك ضوابط لتخفيض شدة الموجات الكهرومغناطيسية تلتزم بها جميع المؤسسات والشركات حينما تصنع أي جهاز لا سلكي. وبإمكان كهرباء المنزل أن تضر بك لو لامستها مباشرة وكنت متصلاً بالأرض. ولكن نلاحظ أن جميع أسلاك الكهرباء معزولة ومغطاة بطبقة من المواد العازلة لحماية الإنسان من الصعق، وكل هذه أتت بسبب ضوابط وضعتها جهات رسمية. وفي حال عدم التزام الشركات المصنعة للأجهزة لها؛ تسحب منها الباجة الرسمية التي تدل على سلامتها.

    ولو افترضنا،على سبيل الجدل، أن الكهرباء أو الموجات الكهرومغناطيسية المستخدمة في الاتصالات كانت سببًا في تكوّن أو انتشار الفيروس، فما هي الآلية لذلك؟ وكيف تؤثر الموجات في تركيب الآر إن إي RNA أو حتى تكون الغشاء المحيط في الفيروس؟ وكيف يمكن له أن يتكون من خلال هذه الترددات؟ بالطبع، فإن الإجابات عن هذه الأسئلة غير موجودة في الأبحاث العلمية المحكمة، والمؤامرات ليس حتى بمستوى يجعلها تكوّن فرضيات معقولة يمكن الاعتماد عليها لمتابعتها علميا؛ بل كل ما يتم طرحه هي تكهنات خاطئة، أو مغالطات منطقية، تعتمد على الربط ما بين زمن ظهور الكهرباء أو الاتصالات بالوباء، ربطًا تزامنيًا خاطئًا.

    وإذا أردت معرفة المزيد عن تأثير الموجات الكهرومغناطيسية في الصحة، يمكنك الرجوع إلى بودكاست السايوير، فقد قدم د. محمد قاسم حلقة تفصيلية عن الموضوع.

  • هل تنبأت رواية “أعين الظلام” بوباء فيروس كورونا المستجد؟

    مع بداية انتشار فيروس كورونا انتشرت بالتوازي معه بشكل كبير نظرية مؤامرة تدعي بأن رواية “أعين الظلام” للكاتب ديين كونتز، والتي صدرت في عام 1981، كانت قد تنبأت بانتشارهذا الفيروس. وتداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي صورًا من صفحات هذه الرواية التي ذُكر فيها اسم سلاح بيولوجي يُدعى ” ووهان-400 ” طورته الصين في مختبرات خارج مدينة ووهان، وفي صفحة أخرى ذُكر أن المرض سينتشر في عام 2020.

    وفي الواقع، فإن النسخة الأولى من هذه الرواية التي صدرت عام 1981 لم تذكر سلاحًا بيولوجيًا يدعى “ووهان- 400 ” بل ذكرت سلاحًا بيولوجيًا يدعى “غوركي- 400” ، وكان المؤلف قد نسبه الى الاتحاد السوفييتي وليس الصين، وفي الطبعة الثانية من هذه الرواية التي صدرت في عام 1989 غيّر الكاتب اسم السلاح إلى “ووهان-400”. والأمر الآخر هو أن الرواية لم تذكر نهائيًا انتشار فيروس في عام 2020 بل خُدع الجمهور من خلال عرض صورة من كتاب آخر ذُكر فيه انتشار مرض في عام 2020 وهو كتاب بعنوان “نهاية الأيام” للكاتبة سيلفيا براون. إضافة إلى ذلك، فإن اختيار الكاتب ديين كونتز اسم ووهان للسلاح البيولوجي في الطبعة الثانية من روايته ربما لايكون مجرد صدفة، بل ربما استلهم الكاتب هذا الاسم من معهد ووهان لعلم الفيروسات الذي أُنشيء في مدينة ووهان الصينية عام 1956.

    السؤال الأهم هنا هو: هل صدق فعلا الكاتب ديين كونتز بوصفه لفيروس كورونا الذي يدعي من يروجون لنظرية المؤامرة أنه تنبأ به في روايته؟ وعند قراءة الرواية ستجد أن الكاتب ذكر أن نسبة الوفيات من الفيروس 100% وفترة حضانته أربع ساعات فقط وكل من يُصاب به سيموت خلال 24 ساعة، وهذا بالطبع لا يتطابق نهائيًا مع فيروس كورونا المستجد. بالنهاية، هناك الكثير من روايات الخيال العلمي التي تناولت موضوع الأوبئة والأمراض التي ستصيب البشرية في المستقبل، ولو كان فيروس كورونا المستجد قد ظهر في مدينة أخرى بالعالم؛ لربما وجدت واحدة من تلك الروايات قد ذكرت هذه المدينة أيضًا.

  • 341 كيف تبني وتنمي شبكة العلاقات؟ الجزء الأول

    حلقات صوتية قيمة متخصصة في المهارات الإدارية وتطوير الموظفين والمدراء، كل أحد بإذن الله سلطان وجاسم يقدمان بودكاست جديد وأدوات تساعد الموظفين وخصوصا المدراء على النجاح في العمل

    Management in a Nutshell بودكاست ما قل ودل في إدارة الأعمال , برعاية التقدم العلمي للنشر ASPDKW@ – إحدى شركات مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

    إشترك بالمجلة الأكثر شيوعا في عالم الأعمال MIT-Sloan Management Review مترجمة للغة العربية

    رابط الاشتراك

زر الذهاب إلى الأعلى