آفاق جديدة في تاريخ الفلك
2013 أطلس الكون
مور ، السير باتريك مور
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
آفاق جديدة في تاريخ الفلك
على مَرّ تاريخ الفلك كانت هناك مقاريب قليلة ذات أهمية أساسية، أولها مقراب غاليليو الكاسر الصغير، ويليه مقراب نيوتن العاكس من نفس الحجم. ثم جاء بعدها العاكس الذي أكمله ويليام هيرشل (William Herschel) عام 1789. كان هيرشل موسيقارا ثم أصبح فلكيا، وبلغ قطر مرآة مقرابه 124 سنتيمتر (49 بوصة)وطوله أكثر من 12 متر (40 قدم). كانت هناك بالطبع مقاريب أخرى وتأسست أول المراصد الكبيرة في بريطانيا، مثل مرصد غرينتش الملكي (Royal Greenwich Observatory) الذي تأسس عام 1675 بأمر مباشر من الملك تشارلز الثاني لأن السفن الخارجة عن مجال الرؤية كانت بحاجة إلى معرفة إحداثياتها على خطي الطول والعرض، الأمر الذي كان يتم بالمراقبة الفلكية ويعتمد على فهرس للنجوم بالغ الدقة. كُلِّف أول فلكي ملكي جون فلامستيد (John Flamsteed) في غرينتش بمهمة تجميع فهرس من هذا النوع، وقد نجح في إكماله مع أن الأمر استغرق وقتا طويلا. (انتقل مرصد غرينتش الملكي RGO إلى هيرستمونسو في شرق ساسيكس في الخمسينيات ثم انتقل بعدها إلى كامبريدج عام 1990 وظل RGO مرصد بريطانيا الرئيسي حتى إغلاقه عام 1998) .
كان ويليام هيرشل مجرد مراقبا، ولد في هانوفر ولكنه أمضى معظم حياته في إنجلترا وأصبح عازفا للأرغن في الغرفة المثمنة في باث. احترف الفلك في منتصف عمره وصنع لنفسه مقاريب عاكسة، وقام ’بمراجعة السماوات’ واكتشف عام 1781 كوكبا جديدا، المسمى أورانوس، يسير بعيدا وراء مدار كوكب زحل. اشتهر هيرشل فأصبح بإمكانه التخلي عن مهنة الموسيقى ليصب باهتمامه على الفلك. وكان هو أول من وضع خريطة واقعية لمجرتنا واكتشف المئات من النجوم المزدوجة والحشود النجمية والسدم (سحابات هائلة في الفضاء مكونة من الغاز والغبار).
في أثناء حياة هيرشل زادت أهمية التحليل الطيفي الفلكي مما شَكَّل أول أفكار عن مكونات النجوم وطبيعتها. وبالطبع فإن أقرب النجوم لنا، الشمس، قريب بدرجة كافية تُمكننا من دراسته عن كثب، إذ أظهر الطيف الشمسي حزمة ملونة بألوان قوس قزح تقطعها خطوطا داكنة ضيقة لا تتغير مواقعها ولا حدتها أبدا. اكتُشِف لاحقا في القرن الثامن عشر أن كل خط عبارة عن بصمة عنصر مُعيَّن أو مجموعة من العناصر وهذا يدلنا على ’مكونات النجوم’.
في عام 1845 صنع إيرل روس (Earl of Rosse) الثالث جهازا من 183 سنتيمتر 72 بوصة تفوق على عاكس هيرشل، وقام بإنشائه في قلعة بير في أيرلندا الوسطى. كان المقراب غريبا
(ولحسن الحظ ما زال يعمل بكامل طاقته) واستخدمه اللورد روس للقيام باكتشاف واحد بالغ الأهمية، ففي عام 1781 – نفس السنة التي اكتشف فيها هيرشل كوكب أورانوس- كان الفلكي الفرنسي قد أصدر تشارلز ميسيه (Charles Messier) فهرسا يضم أكثر من 100 حشد نجمي وسديم. كانت السدم من فئتين، بعضها مثل سديم الجبار (42 في فهرس ميسيه) بدت وكأنها رقع من الغاز ولكن البعض الآخر مثل السديم العظيم في مجرة الأندروميدا (المرأة المسلسلة) (M31) بدت وكأنها مرصعة بالنجوم. وجد اللورد روس أن بعض السدم النجمية حلزونية البنية، وشكلها مثل المروحة.
وبعد مرور أقل من قرن فقط تم اكتشاف أن هذه الحلزونات هي مجرات مستقلة بذاتها وتقع على مسافات بعيدة جدا لدرجة أنه في معظم الأحيان يستغرق ضوئها الذي يسير بسرعة 2,997,924.58 كيلومتر (186,282.397 ميل) في الثانية ملايين السنوات ليصل إلينا.
بدأ التصوير الفوتوغرافي في منتصف القرن التاسع عشر، وسرعان ما كانت الكاميرات قد احتلت مَحَل العين البشرية في أغلبية العمل الفلكي، إذ أنها لا تنخدع بنفس السهولة وتوفر سجلا دائما لما تم مشاهدته. ومنذ عام 1880 تقريبا كانت مقاريب البحوث الأساسية هي من النوع الكاسر، فُتحتها أصغر من عاكس روس ولكنها أسهل كثيرا في التحكم ومتعددة الاستخدامات، أكبرها حجما موجودة في مرصد ييركس )Yerkes Observatory( في أمريكا وتبلغ جسيميته 102 سنتيمتر )40 بوصة(. ولكن المستقبل القريب كان يخفي تغيرا هائلا في طياته، فلأول 20 عاما من وجوده، كان مقراب بير من فئة خاصة به إذ لم يوجد أي مقراب آخر في وقته بإمكانه إظهار الحلزونات وأصبح بير إلى حد كبير مركزا فلكيا، خاصة وأن اللورد روس كان على أتم الاستعداد دائما لأن يجعل خبرته الفلكية وأجهزته متوفرة للجميع.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]