“أغلاط البصر” الواردة نتيجة لخروج الضوء عن عرض الاعتدال
2009 البصائر في علم المناظر
كمال الدين الفارسي
KFAS
أغلاط البصر الواردة نتيجة لخروج الضوء عن عرض الاعتدال الفيزياء
– أما في البعد: فكما إذا نظر ناظر في سواد الليل إلى شخصين مُجتازين على مسافتين معترضتين للبصر، وكان أحدهما متأخراً عن الآخر، وبُعداهما عن البصر مُعْتدلين، وأحدهما أقرب إلى البصر من الآخر قرباً مقتدراً.
فإن البصر لا يدرك تفرُّقهما حسب ما يقتضيه تأخُّرُ المتأخرِّ، بل يدركهما كأنهما مُجتازان على مسافةٍ واحدةٍ بعينها معترضةٍ للبصر، وذلك لأن البعد بينه وبينهما إنما يدركه صحيحاً إذا أدرك الأجسام المترتبة التي بينه وبينهما وذلك غير ممكن لنقصان الضوء.
وإذا لم يتحقٌّق مقداري بعديهما، وكان الاختلاف يسيراً ظنَّ التساوي، ووقع الغلط.
– وأما في العظم: فكما إذا نظر في سواد الليل إلى شخصٍ قائم، كنخلةٍ أوغيرها وكان من ورائه جبلٌ أو جدار عالٍ، وبين الشخص وما وراءهُ بعدٌ مقتدر، فإنه يرى ذلك الشخص القائم كأنه في ضمن ذلك الجبل أو الجدار.
ومماساً له لعدم إدراكه البعد الذي بينهما لنقصان الضوء، ثم إنه يدرك رأس الشخص مُسامتاً لموضع من أعلى الجبل، ذِرْوته او قريب منها، وإذ ذاك فيظن أن طول الشخص مُساوٍ لارتفاع ذلك الموضع من الجبل، أو الجدار بل ربما أدرك رأس الشخص أرفع من ذروة الجبل.
فإذا طلع القمر واستضاء الشخص والأجسام التي بينه وبين الجبل أو الجدار ادرك الأحوال على ما هي عليه.
– وأما في التّفرّق والاتِّصال والعدد: فكالأخشاب والأساطين إذا أراد النجار أن يشقها ويجعلها ألواحاً، فإنه يخط فيها خطوطاً مستقيمة بالسواد، ثم يجعل مواضع الخطوط شقوقاً نافذة، والمعهود من النجار أنه إذا شقَّ الأسطوانة ألواحاً، على ما وصفنان فإنه ينصبها على وضعها.
ولا يفرق بينها إلا بعد مسيس الحاجة إليهان فإذا رأى اسطوانةً فيها التخطيطات السود في بيت النجار غير منشقة، وكانت في موضع شديد الغدْرة، ظن أنها مُنشقةٌ وموضوعةٌ وضع أمثالها بعد الشق.
فيظن المتَّصل متفرِّقاً، والواحد كثيراً، وبعكس ذلك فيظن المتفرق متصلاً والكثير واحداً.
وكذلك إذا كانت مُبْصرات شديدة الصقال مَتضامنة ومُتماسّة، وكان التَّفرُّق بينها دقيقاً خفياً، وكانت مُتشابهة الألوان، وسطوحها متشابهة الاوضاع، وأشرق عليها ضوءٌ قويٌ.
والبصر في موضع الانعكاس من جميعها معاً، فإنه لا يدرك تفرقها أصلاً، ويظن الجميع جِسْماً واحداً متصلاً، فيغلط لخروج الضوء عنا لعرض إلى الإفراط، كما في الأول إلى التفريط.
ولذلك قد توجد صورة الشمس وغيرها منعكسة عن سطوح أبنيةٍ مُمرَّدةٍ، فيها خشونة يسيرة، وصقال شامل، سواء كانت السطوح مستديرة أو مستوية، وتكون المنعكسة أعظم بكثيرٍ من المُنعكسة عن أمثال تلك السطوح لو كانت على حقيقة الاستدارة والاستواء.
وقد يبلغ العظم إلى ما يفوت نسبته عن الضبط، فاما اتصال الصورة المنعكسة – مع أن المرآة مركبة من قطع منفصلة – فلمثل ما ذكر، وأما كون الصورة أعظم فلأن السطح الصقيل إذ ذاك يكون مركباً من سطوح كثيرة محدبة ومقعرة، صغار جداً، وصورة الشمس تنعكس من كل منها إلى البصر.
فتتصل الصور فتحدث صورة عظيمة كما ذكرنا وتكون مشتبهة، ومثل ذلك ما ينعكس عن سطوح المياه المتموجة الفسيحة الأقطار كماء البحر فإنه قد ينعكس عنه صورة نورية تنبسط طولاً وعرضاً إلى حيث يكاد يجاوز التحديد، وعلة ذلك مبينة من أصول الانعكاس.
– وأما في الحركة: فكما إذا أدْرك في سواد اللَّيل شخصاً قائماً على وجْه الأرض، ثابتاً في موضعه، ومن ورائه جبلٌ أو جدارٌ بينهما بُعدٌ مقتدرٌ، أدرك مسامته الشخص بطرف من الجبل أو الجدار.
ثم تحرَّك الناظر نحو جهة الجبل أو الجدار على مسافة مائلة من سمت الشخص، وتمادى في الحركة فيميل وينحرف خط الشعاع المتوهم بين البصر والشخص عن طرف الجبل أو الجدار الذي كان أولاً على سمته.
ويدرك من الشخص وذلك الطرف تفرُّقاً ما، ويظهر له قدر من السماء من ذلك التّفرق، ولا يتحقَّق مسافة التفرقة لضعف الضوء.
وما دام يتحرَّك تلك الحركة فإن التفرُّق يتمادى في الاتِّساع، ومستقر في النَّفس أن الجبل والجدار لا يتحرَّكان، فرُبّما ظن أن الشخص يتحرَّك.
– واما في الظّلِّ والظلمة: فكما إذا كان في البيت حائط بعضه أبيض، أو مُسْفر اللَّوْن، والبعض اسود، أو مُظلم اللون، وكان الفصل الذي بينهما ممتداً في ارتفاع الحائط.
كالحيطان البيض التي تقود النار دائماً في فنائها، عن طرفٍ منها، فيُسوِّد الدُّخان جُزءاً متطرِّفاً منها في ارتفاعها، فإذا كان حائط كذلك في صدر بيت مُقابلاً لباب البيت.
وكان خارج البيت سراجٌ ضعيفٌ على ُبُعدٍ من الباب، وأشرق الضوء على الحائط وعلى جُزئه، فرُبّما ظن بظلمة الجزء المُظلم من سطح الجدار أنه ظل، لأن العادة جرت بأنَّ مثل هذا الحائط يستظلُّ بالحائط المقابل له، الذي فيه باب البيت.
وخصوصاً إذا كان السّوادُ ذاهباً في ارتفاع الحائط على سمْت الظِّل الذي يتوهَّمُه، وإن كان في الحائط مواضع سُودٌ – وخصوصاً إذا كانت في مواضع الكُوى، وعلى أشكالها، والضوء ضعيف جداً – فرُبّما توهَّم أنها كُوى ومنافذ إلى مواضع مظلمة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]