أحداث تاريخية

أهم إنجازات العالم “البيروني” في مدينتي كاث وبخاري

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

انجازات البيروني البيروني أحداث تاريخية المخطوطات والكتب النادرة

رصد خسوف القمر

أستقرت الأحوال من جديد في وطن أبي الريحان، فعاد إلى كاث بعد سنوات ثلاث، وكانت عاصمة الدولة الخُوارزمية قد انتقلت منها إلى مدينة الجُرجانية ، وكم فرحت أمه بعودته بعد طول غياب .

وكان سبب مسارعة أبي الريحان بالعودة علمية كذلك ! . فقد توقَّع وهو بالرِّي حدوث خسوف للقمر بالحسابات الفلكية في اليوم الرابع والعشرين من مايو عام تسعمائة وثمانٍ وتسعين ، فرغب في رصد هذا الخسوف في كاث .

كما كان قد اتفق ، وهو بالريِّ، مع العالم الفلكي "أبو الوفا البوزجاني" ليرصد بدوره الخسوف فوق بغداد .

 

وخُسف القمر في اليوم المتوقع له ! وحدَّد كل من العالمين لحظتها فوق مدينته ، ولما تراسلا عرفا من الفرق بين وقت ظهور الخسوف في كاث ووقت ظهوره في بغداد ، المسافة بين المدينتين وأحدهما بخوارزم والآخر بالعراق ! .

ولكن أبا الريحان لم يستقر طويلاً في كاث، فقد قرِّر وعمره ستٌ وعشرون أن يتخذ من مدينة بخاري موطناً له؛ ليكون في حماية سادة المنطقة بعيداً عن صراعات خُوارزم وفتنها ، وكان الملكُ في بخاري قد انتقل من نوحٍ بن منصور إلى ابنه منصور الثاني.

 

لقاء … المعلِّم الثالث

في بخاري، راح البيروني يتردَّد على مكتبتها العامة الضخمة الملحقة بقصر السلطان وكان الفيلسوف المسلم " ابن مسكويه " يعملُ قيِّما (مُديراً) لهذه المكتبة . وراح البيروني يقرأ في مكتبة بُخاري ما لم يكن قد وصل إلى يديه من كتب العلماء الأقدمين والمعاصرين.

وعلى المكتبة ذاتها كان يتردَّد المعلم الثالثة " إبن سينا " ولم يكن عمره آنذاك يتجاوز ثمانية عشر عاما . وكانت لابن سينا حظوة في البلاط السَّاماني منذ أن وفقه الله  إلى شفاء السلطان الراحل نوح بن منصور قبل عامين من وفاته من مرض شديد إصابه .

وتعارف العالمان الشابان : البيروني وابن سينا، وكان كل منهما قد سمع عن علم الآخر . وتطورت المعرفة إلى صداقة وطيدة دعامتها الإخاء في العلم .

وأعان ابن سينا صديقه فقدَّمه إلى السلطان المنصور الثاني الذي أُعجب بعلمه في الرياضيات والفلك والنبات والطبيعة وبمعرفته لغاتٍ أربعاً ، فأجرى عليه راتباً شهرياً وضمَّه إلى مجلس علماء عصره .

 

وكان العلماء في بخاري يُعلِّمُ بعضهم بعضاً ما يعرفونه ، وكان البيروني واحداً منهم يُعلمهم ويتعلم منهم، وكم حدثت بينه وبين ابن سينا مناظراتٌ علمية ومحاورات في حضور الملك المنصور .

كشف البيروني للعلماء عن معارف كثيرة : فسرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت. وحدَّد لهم الفرق بدقة بالغة بين درجة حرارة الماء الساخن والماء البارد.

وعلَّل تمدد المعادن بالحرارة وانكماشها بالبرودة. وشرح لهم الكيفية التي تصعد بها مياه الفوَّارات "العيون" إلى أعلى، إلى القلاع ورؤوس المنارات ، والكيفية التي تتجمع بها مياه الآبار بالرشح من الجوانب وبصورة موازية لمصادر المياه القريبة ، وكيفية حدوث الينابيع الطبيعية والآبار الاصطناعية (الارتوازية) باستخدام قوانين توازن السوائل.

 

وعرض عليهم تطبيقاتٍ يمكن أن تُستثمر بها الظواهر التي تتعلق بضغط السوائل وتوازنها. وكم كانت دهشتهم وهم يرون زميلهم البيروني يُحدِّدُ بدقة الوزن النوعي لاثني عشر معدناً ، وكانت هذه المحاولة من البيروني هي الأساس لوزن العناصر في جدول مندلييف في العصر الحديث !

وقدَّم البيروني للسلطان المنصور خلاصة نتائجه في تلك المجالات : كتابه "الجماهر في معرفة الجواهر" وكتابه " النسب التي بين الفلزات والجواهر في الحجم " (الوزن النوعي)، فأمر السلطان بضمهما إلى مكتبته ونسخهما لعلماء بُخاري ، وكافأه على إنجازاته العلمية .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى