اتجاهات حديثة لتطوير العلم والتقانة في التعليم العالي الإفريقي
1998 تقرير1996 عن العلم في العالم
KFAS
التعليم العالي الإفريقي تطوير العلم والتقانة العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
دخل النظام الجامعي الأفريقي منذ أواسط السبعينات في أزمة يتزايد عمقها باستمرار.
إن الجانب المادي لهذه الأزمة هو الذي يبرز مباشرة للعيان، ممثلا بدور الشباب وقاعات التدريس والمختبرات المكتظة، وبالمكتبات الفقيرة والمهملة، وبالمختبرات الشحيحة التجهيز، وبورشات العمل ذات الآلات المعطلة، وبالمدرسين المجهدين الذين تضاءلت رواتبهم لدرجة أنهم اضطروا للقيام بعمل ثان كي يؤمِّنوا أود حياتهم، وبمجموعة ضئيلة من طلبة الدراسات العليا الذين يمضون عامين إلى ثلاثة أعوام زيادة على المدة النظامية قبل تخرجهم، وبتواتر الشغب الطلابي، وبالتغيب العرضي لأعضاء هيئة التدريس، وبالإدارة البيروقراطية المربكة.
أما الجانب الذي يُلاحظ مباشرة من قبل المراقب العابر فهو الصلة المتضائلة بين الجامعة الأفريقية المعاصرة واحتياجات المجتمعات الأفريقية.
في عام 1972 دعا اتحاد الجامعات الأفريقية إلى عقد مؤتمر ضخم في أكرا بغانا تحت شعار: "تكوين الجامعات الأفريقية"، يعالج الموضوعات التي برزت حينذاك، أي أثر مرور عقد كامل من الزمن على البداية الجدية للاستقلال السياسي.
وقرر المؤتمر أن يكون هدفه الرئيسي إعادة تصميم الجامعة الأفريقية "كجامعة تطوير"، عليها أن توكل لنفسها في هذا السياق الوظائف الخمس الخاصة التالية: خلق مجتمع أكاديمي أفريقي، وتطوير مناهج وثيقة الصلة بالمشكلات الأفريقية الاقتصادية والاجتماعية، وإنهاء الاعتماد الأكاديمي والإداري على جامعات القوى الاستعمارية السابقة، وإدخال تدريس اللغات الأفريقية ولأول مرة إلى المعاهد الجامعية الأفريقية، وأخيراً خلق الظروف المواتية لإسهام الجامعات في التنمية الوطنية.
ومع أن تقدماً كبيراً قد تحقق في ما يتعلق بإنجاز رؤية عام 1972 لاتحاد الجامعات الأفريقية، فإن موضوعات جديدة برزت واحتلت الواجهة، منها: تزايد الضغط الناجم عن تسجيل أعداد متعاظمة من الطلبة الجامعيين، متواكباً مع تناقص مستمر في موازنات الجامعات، وتعاظم أعداد الخريجين العاطلين عن العمل إزاء تزايد حدة تحرير الاقتصاد، وتفاقم سوء المواجهة بين الطلبة والإدارات الجامعية وبين الجامعات والحكومات وذلك في سياق التحول الديمقراطي السياسي، وأخيراً الحاجة الملحة إلى كتلة حرجة من الخريجين المتخصصين والمقاولين في وضع يتعمق فيه تهميش الاقتصاد الأفريقي.
لقد قادت هذه الموضوعات كلها اتحاد الجامعات الأفريقية لعقد اجتماع يراجع فيه من جديد وضع الجامعة الأفريقية في ضوء ما فرضه هذا الوسط الجديد الجغرافي السياسي والجغرافي الاقتصادي.
بناء على ذلك، عقد في الشهر 1/1995 مؤتمرا دولي لرؤساء نحو مئة جامعة أفريقية في ماسيرو بليسوتو تحت شعار: "الجامعة الأفريقية في التسعينات وما بعد"، وتمثل الهدف باقتراح إجراءات عملية تقلب حالة التردي المتفاقم للجامعة الأفريقية ودورها في تطور أفريقيا (AAU, 1995).
وأدرك المؤتمر أن الإنتاج المبني على المعرفة والتنمية الاقتصادية أصبحا معياريين في العالم كله، وأنه في ما يتعلق بهذا الجانب وبجوانب أخرى فإن الطرز القديمة للجامعات التي لا تزال سائدة في أفريقيا أضحت تنطوي على مفارقة تاريخية، وأن على الجامعات الجديدة أن تلبي الحاجات الملحة للتنمية والمجتمع باعتمادها على المعرفة وأن العملية التعليمية أصبحت بحق سيرورة تستمر طوال الحياة، ويجب أن يتمثل أحد الأهداف الرئيسية بإعادة الثقة بالجامعات الأفريقية في نفوس الجماهير كي يرى فيها القوة الدافعة لتغيير المجتمع.
وكان من بين النتائج التي تمخض عنها لقاء المراجعة الذي عقد بماسيرو أن يعمل اتحاد الجامعات الأفريقية على وضع برنامج يشمل عدداً من الجامعات لتدريب الخريجين ولإجراء البحوث في موضوعات تنموية أساسية، تأتي في مقدمتها إدارة البيئة والتقانة الحيوية.
وراقبت الدول المانحة هذه التوجهات الجديدة واتخذت إجراءاتها الخاصة بها. ففي الشهر 6/1995 تنادت مجموعة صغيرة من الدول المانحة لعقد مؤتمر دولي في أُبسالا بالسويد تحت شعار "دعم المانحين لبحوث التنمية الموجهة في البحوث الأساسية" (International Science Programs, 1995).
وتركز اهتمام المؤتمرين على المقولة التالية: إن اندفاع بعض الدول النامية لاستخدام العلم والتقانة فقط من منظور فوائدهما في الابتكارات التقانية سيقود على المدى البعيد إلى ذبول المعرفة العلمية.
فلا بد، والحالة هذه، من اتخاذ إجراءات تصحيحية، تتمثل بالتركيز على العلوم الأساسية (البيولوجيا والكيمياء والفيزياء والرياضيات) كأساس قاعدي للتعليم والتقانة المحليين.
وأعلن مؤتمر أبسالا "أن ترسيخ العلوم الأساسية جوهري لأنواع البحوث كلها سواء للعلوم التطبيقية أو للتنمية طويلة الأمد"، يجب أن توضع استراتيجية لا لبس فيها لدعم العلوم الأساسية في البلد النامي الواحد وفي مؤسساته العلمية، كما يجب أن تسخر هذه الاستراتيجية كلياً لمعالجة معضلات تنموية نوعية لذلك البلد، كما يجب، "ضمن العلوم الأساسية، أن تنتقى بحكمة وتبصر موضوعات البحوث لتتوافق مع الاحتياجات المستقبلية للتنمية الخاصة بالبلد الواحد."
وأوصى المؤتمر باتخاذ إجراءات عملية في خمس نواح هي:
– بناء المدارك في العلوم الأساسية وتطوير أطر من الدرجة الأولى في كل بلد من البلدان الأفريقية عبر بحوث توجهها معضلات التنمية.
– دعم بحوث التعليم العالي في العلوم الأساسية بتشجيع بناء القدرات في نطاق البيولوجيا الجزيئية مثلا بحيث يشملها التمويل الخاص بالمشروعات المرتبطة بالصحة.
– رفع مستوى التنسيق والتعاون بين المؤسسات المانحة في كل دولة من الدول كما بُرهن على نجاعة ذلك في جهود التنسيق التي قامت بها جامعة إدواردو موندلان في موزمبيق. إن تعاون الجهة المانحة أساسي من أجل التنظيم المحلي لمشروعات تدريب الخريجين، ولمشروعات التدريب والبحوث المشتركة بين دول الجنوب.
– إقامة تقانات حديثة للمعلومات [مثل أنظمة الأقراص المدمجة (CD-ROM) وروابط البريد الإلكتروني] بحيث يمكن بسهولة الوصول إلى المكتبات ومصادر التوثيق.
– إعادة تأهيل شاملة للبنى التحتية والتدريسية في معظم الجامعات الأفريقية وإعادة تجهيزها، إذ إن هذين التحديثين يمثلان شرطاً حاسماً لتطوير الأهلية الكفؤة في العلم والتقانة.
إن إعادة تأهيل وتجهيز وظائف العلم والتقانة في الجامعات الأفريقية الرئيسية (التي يبلغ عددها 200 تقريباً) قد تحتاج إلى عقد من الزمن وإلى مبلغ يقارب ستة بلايين دولار أمريكي.
ويعد هذا المقدار مبلغاً ضخماً بالنسبة إلى الحكومات الأفريقية التي تمتلك 89 في المئة من هذه المؤسسات العلمية وتتحكم في سياستها وإدارتها. وبحكم طبيعتها المحافظة جداً، فإن تحديث هذه المؤسسات لتصبح جامعات دينامية فعالة سيحتاج إلى قوى جبارة، وسيتطلب التزاماً استثنائياً.
إن جميع هذه المحاولات الحديثة العهد لإعادة هندسة الجامعات الأفريقية هي وسائل لضمان تنمية كامل المهارات ولإدخال المزيد من روح المقاولة لتأخذ دورها في هذه التطورات.
ويشتمل ذلك على محاولات حثيثة لمكاملة المرأة كليا في الحياة الجامعية كطالبة ومدرسة. أما في الوقت الحاضر، وبناء على الكتاب السنوي الإحصائي لعام 1993 لليونسكو فإن نسبة الإناث في الجامعات واللواتي يدرسن العلوم الطبيعية وعلم الحاسوب والطب والزراعة هي نسبة منخفضة (ما بين 8 و40 في المئة)، وأقل في العلوم الهندسية، وعموما لا تصل هذه النسبة إلى 10 في المئة.
ونظراً إلى الدور المحوري الذي تؤديه الموارد البشرية في الاقتصاد الحديث، فإن الحلقة الثالثية في التعليم (تشمل الجامعات والمعاهد المتعددة التقنيات polytechnics) تشكل أحد الإسهامات الرئيسية لحل أزمة التنمية الحالية التي تعصف بأفريقيا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]