استنتاجات متعددة حول عملية لجنة التعاون البيئي
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
إن تكوين الارتداد المعرفي يمكن أن يكون خياراً مرغوباً فيه للنشطاء حينما يصبح الأمر متعلقاً بالعلمائية أو عندما يصبح الأمر خياراً فاصلاً ما بين مصالح السلطات السياسية لاتخاذ قرارات تكنوقراطية.
ففي مثل هذه الحالة يمكن للنشطاء استخدام عملية لجنة التعاون البيئي للرد على علمائية سياسة التكنولوجيا الحيوية بطريقتين: الطعن في إدخال الذرة المهندسة وراثياً إلى المكسيك من خلال استخدامهم المعرفة والخبرة العلمية، وذلك حينما يصرّ الآخرون على أن المعرفة غير العلمية (NonScientific Knwoledge) والقيم كليهما على نفس القدر من الأهمية في عملية صنع القرار.
فقد استفاد النشطاء من الانقسامات القائمة في الأوساط العلمية بشأن ما يتعلّق بسلامة البيئة، والرغبة في المحاصيل المهندسة وراثياً، وما سعوا فيه لضمان أن يكون انتقادهم العلمي للهندسة الوراثية طريقاً نحو التقرير النهائي وإلى [مشاعر] الشعب. كان من نتائج هذه العملية بروز تعبئة المجتمع العلمي في التحالف مع حركة الذرة.
قد يبدو أنه من السخرية أن تكون هناك شبكة واحدة مناهضة لأهم التطوّرات الرئيسية الحديثة للعلوم والتكنولوجيا وتختار استخدام الخبرات العلمية كمصدر لعونها في نضالها.
فبالفعل هذا هو التناقض الواضح الذي كتب عنه أولريخ بيك (Ulrich Beck 1992) عندما كان يصف مجتمع المخاطر: نحن نعتمد بشكل متزايد أكثر فأكثر على العلم والتكنولوجيا لتقييم مخاطر العلم والتكنولوجيا، ويبدو حتى الآن أن نشطاء الذرة المكسيكية [لا يمكنهم الإفلات] من هذه الدائرة المفرغة.
فالسمة الأكثر بروزاً في هذه الحالة هي أن نشطاء الذرة هم الأكثر نشاطاً في التحدي والهيمنة على أطر الذرة المهندسة وراثياً، بوصفهم مشكلة في إدارة المخاطر. فبدلاً من أن تكون [المشاكل] البعيدة المدى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية منها هي المأزق [الحقيقي] الذي لم يفهمه الخبراء إلا بصورة جزئية، فبالفعل قد نجح النشطاء في تحويل وجهة خبراء لجنة التعاون البيئي نحو تقييم مشكلة قد تكون في نهاية المطاف واحدة من أهم نتائج هذا الصراع.
حين بدأت لجنة التعاون البيئي عمليتها كان التركيز منصبّاً على التحليل العلمي لتحديد آثار الذرة المهندسة وراثياً في التنوّع البيولوجي (الحيوي)، وعلى مدى [مراحل] العملية كان النشطاء يدفعون باتجاه مفهوم أوسع لما يؤسّس لمعرفة ذات صلة بتقييم آثار تدفّق التحور الجيني في المكسيك. فهؤلاء الخبراء الذين واجههم النشطاء علناً انتقلوا بشكل جماعي لطبيعة [تتظافر مع] مطالبات النشطاء حول الذرة.
ففي تقريرهم النهائي وفي توصياتهم، لم يكونوا قد أوجدوا سببية لمطالب النشطاء كما هو متوقّع في التقييم البيئي فحسب، بل [ذهبوا لأبعد من ذلك] من خلال تبنيهم أطر النشطاء لتلك القضايا، وذلك من خلال إشارتهم [في التقرير] إلى القيم الثقافية المحلية والحاجة إلى مشاركتهم في اتخاذ قرارات في مثل هذه الأمور.
فمن ناحية، يمكن أن يُنظر إلى دعم الخبراء المبدئي للنشطاء المناهضين للذرة على أنه انتصار لهم، ومن ناحية أخرى، يمكن أن ينظر إلى إدراج مثل هذه التصريحات في تقرير خبراء لجنة التعاون البيئي، على أساس أنها زعم غير علمي، بوفّر التبرير السهل للسلطات الحكومية والمنتقدين الآخرين لرفض استنتاجات الخبراء.
فتقرير لجنة التعاون البيئي قد حقّق بصورة عظمى نكسة للشركاء التجاريين المكسيكين، الذين أدانوا توصيات الخبراء، وهو بهذا قد عكس شيئاً آخر غير التقييم التقني الضيق. فكما هي الحال في التقرير الإخباري حول الفليفا في الولايات المتحدة الأميركية، الذي فتح أبواباً رسمية وفرصة سانحة للنظر في حماية الأنظمة الزراعية البديلة، إلا أنه أمرٌ تمّ إغلاقه بسرعة.
على الرغم من نجاح شبكة المناصرين لجلب الانتباه للآثار الاجتماعية – الاقتصادية والثقافية بسبب الذرة المحوّلة وراثياً، إلا أن هناك نتائج سياسية ليست بجانب النشطاء. فالحكومة المكسكية لم تشهد أي ضغوط مقنعة لها من قِبل توصيات اللجنة لتقوم بتنفيذها، وقد شرعت بالعمل فعلياً بالتجارب الميدانية التجريبية [الخاصة بالذرة المهندسة وراثياً] على الرغم من الاعتراضات التي واجهتها من منظمة العلماء الملتزمين اجتماعياً وخبراء علميين آخرين.
فهذه الاقتراحات تشير إلى وجود حاجة إلى النظر بصورة منهجية في الظروف التي قد يكون بموجبها الارتداد المعرفي أكثر عرضة لإحداث تغيّرات سياسية ملموسة. وإن كسب النشطاء تحالفَ الخبراء، سيفشل التأثير في السياسة الحكومية إذا صرّحت الدولة بافتقار النتائج العلمية الاستشارية للمصداقية. هذا بالتأكيد مرجّح في السياقات التي تقتضي أن تكون هناك مسافة مطلوبة ما بين المصداقية والسياسات المثيرة للجدل.
الدول، والصناعات تقاوم ضغوط المجتمعات المعرفية لتستفيد من إدامة فكرة المشورة العلمية ووجوب إبقائها بعيداً عن "التلوّث" (Tainted) بسبب المخاوف الاجتماعية التي هي من المصالح المركزية للنشطاء.
ففي الوقت الحالي يتعامل النشطاء مع قضايا معقدة ناجمة من تطوّرات العلوم والتكنولوجيا ويواجهون بذلك معضلة. إنهم يعتمدون على العلميين، سواءً في الحصول على الأجوبة التي يحتاجون إليها، أو في إضفاء المصداقية على مخاوفهم.
ولكن عندما يبدو أن العلميين يشاطرون النشطاء القيم والأفكار السياسية فإن عملهم لربما ببساطة قد يكون قد فقدَ مصداقيته عند المعارضين. فهل هذا يعني أنه على النشطاء الذين يرغبون في دعم موقعهم بشهادات العلميين يجب عليهم أن لا يشجعوا العلميين على إقرار المطالب المبدئية بالنيابة عنهم؟ مثل هذا المسار قد يكون له فائدة على المدى القصير في حماية المصداقية التي يُنظر إليها من خلال البيانات العلمية، ولكن على المدى الطويل ستكون هذه الفوارق مكرّسة للتسلسل الهرمي للعلم على حساب القيم التي ستستبعد في النهاية المواطنين العاديين في صنع القرار حول التغيّر التكنولوجي.
الفصل التالي سينتقل بطريقة مختلفة [للحديث] عن مشاركة نشطاء الذرة في المناقشات العلمية حول المحاصيل المحوّرة وراثياً. فالمنظمات غير الحكومية والمنظمات الريفية قد تعاونتا على رصد تحديد التحوّر الوراثي في الذرة المحصودة على طول القطر.
فكما هو الحال بالنسبة إلى تقرير لجنة التعاون البيئي، فإن هذه الجهود قد عملت على توليد تقييمات علمية جديدة للجينات الناشزة المثيرة للجدل، والتي تواجه انتقادات لا من الخبراء العلميين فحسب، بل داخل شبكة نشطاء الذرة أيضاً. ففي كل هذه الأمثلة، لم تكن المناقشات العلمية مجرّد خلفية للنزاعات الاجتماعية القائمة، بل هي مسألة مركزية لتشكيل تضامن سياسي وتعبير عن المظالم بشأن التهديدات الواقعة على سبل العيش الريفية.
فهذه المعانة تتحدّى الفروق البسيطة ما بين العلم والسياسات أو الخطابات العالمية أو المحلية. فكما هو الحال بالنسبة إلى تقرير لجنة التعاون البيئي فإن الفصل القادم سيوضح، كيف يعاد بناء مفاهيم تقييم المخاطر بصورة عقلانية من قِبل المتضادين لتمثِّل بصورة أفضل كامل المظالم المعقدة، الخاصة بالتهديدات التي تتعرض إليها الذرة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]