اسهامات وانجازات ابن سينا في مجال الفلسفة
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
الفلسفة اسهامات ابن سينا العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
كثيرٌ من مؤرِّخي العلوم يضعون ابن سينا في مقدمة فلاسفة المسلمين. وهو يعتبر من مؤسِّسي الفلسفة الإسلامية ومرسي دعائمها.
وهو قد فهم الفلسفة عن طريق الفارابي، ولكنه توسَّع فيها وتبحَّر. كما اعتمد على فلسفة اليونانيين وخاصة أرسطو وأفلاطون ولكنه خالفهما في كثيرٍ من النظريات والآراء، ولم يأخذ منها إلَّا ما وافق مزاجه وانسجم مع تفكيره.
وابن سينا في الفلسفة له شروحاته المفصَّله والدقيقة لما أتى به حكماء البشر من يونان وعرب وفرس وهنود، وقد أوجد بفلسفته المعروفة بـ (الفلسفة السِّينوية) قواعد شامخة في كيان الفلسفة الإسلامية.
ولابن سينا في الفلسفة ما يزيد على ستة وعشرين مؤلَّفاً، منها: كتاب (الشِّفاء) و (شفاء النفس)، وكتاب (النجاة)، وكتاب (أقسام الحكمة)، وكتاب (الحاصل والمحصول)، و (كتاب (الحكمة المشرقية)، وكتاب (الأوسط الجرجاني في المنطق)، وكتاب (النهاية واللانهاية)، وكتاب (المبدأ والمعاد في النفس)، وكتاب (البر والإثم)، وتسع رسائل في الحكمة والطبيعيات، ورسالة في القضاء والقدر.
ومن أهم إسهامات ابن سينا الفلسفية:
1- رده على مقولة أرسطو: (إن النفس صورة الجسم وهي مبدأ وظائفه الحيوية كالتغذي والنمو والحس والتخيل والتذكر والنزوع والإدراك. ومعنى كونها صورة الجسم الحي أنها توجد بوجوده وتفني بفنائه، وأنها لا تفارق الجسم وإلَّا بطل أن يكون الكائن ذا نفس).
فكان رد ابن سينا: (إنَّ النفس جوهرٌ قائمٌ بذاته، مستقلٌ عن البدن مغايرٌ له). وقد قدَّم عدداً من البراهين على ذلك، منها أن الإنسان العاقل يتذكر كثيراً مما جرى من أحواله، فهو إذن ثابتٌ مستمر، لكن بدنه وأجزاءه ليست ثابتة مستمرة بل هي في انتقاصٍ مستمر.
كما أن الإنسان يدرك الأشياء بحواسّه ويفكِّر وينفعل ويتوهَّم، ففيه شيءٌ إذن يجمع كل هذه الإدراكات والأفعال، ولكن ما من جزءٍ من أجزاء البدن يمكن له أن يكون مُجمَّعاً لهذه الإدراكات والأفعال، بل هو شيءٌ مستقلٌ مغايرٌ وراء البدن، وهي فكرة (الأنا) التي أثبتها ابن سينا، وأخذ بها الكثيرون من الفلاسفة الذين أتوا بعده، من مثل ديكارت وبرجسون وفرويد.
2- انتباهه إلى فكره الشعور، وتمييزه بينها وبين (الأنا): على أساس أن لكل فرد شخصيته المميَّزة، وتستمر معه طيلة حياته فتجعله شخصاً أو ذاتاً، سواءً كان شاعراً بذاته أم غير شاعرٍ بها، كما في حالي النوم والسُّكر.
فالشعور هو القوة الفعَّالة التي تُوحِّد الذات، وتجمع أطراف الشخصية، وتبعث على الاتصال بين الماضي والمستقبل. كذلك فالشعور بالأحوال النفسية سبيل إلى معرفتها، ولا بد من حصوله حتى تؤثر تلك الأحوال في السلوك.
يتحدث ابن سينا عن الشعور لدى النائم فيقول: (النائم يتصرف في خيالاته، كما كان في اليقظة يتصرف في محسوساته، وكثيراً ما يتصرف في أمورٍ عقليةٍ فكريةٍ كما في اليقظة. وفي حال تصرفه ذلك يشعر بأنه هو ذلك المتصرف كما هو اليقظان).
3- تحدُّثه عن السعادة: فحدَّد لها أصولاً أربعة تُبني عليها: الأول أن لكل قوةٍ نفسيه لذه تخصها وهي بلوغ كمالها: فلذة الشهوة ملائمة الكيفيات المحسوسة، ولذة الغضب الظفر، ولذة الوهم الرجاء.
والثاني أن اللَّذات مراتب بحسب سلّم القيم، فلذة الشهوات من طعام وشراب أدنى مرتبة من لذة الغلبة وحب الرياسة والسلطان، ولذة ولذة الحياة العقلية أشرف من اللذات الشهوانية والانفعالية وأتم، ولذة المعقول أدوم من لذة المحسوس، (فكبير النفس يستصغر الجوع والعطش عند المحافظة على ماء الوجه، ويستحقر هول الموت ومفاجأة العدو عند مناجزة المبارزين).
والثالث أن اللَّذة المتحقِّقة بالتجربة والشعور أقوى من التي يتخيلها المرء دون تجربتها. والرابع وجود شواغل تمنع النفس من بلوغ الكمال للقوة النفسية، مثل عدم شعور الخائف بلذة الغلبة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]