الآلية التي تتم بها تحفيز دور “المناعة” في جسم الإنسان
2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الخامس عشر
عبد الرحمن أحمد الأحمد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
المناعة آلية تحفيز المناعة في جسم الإنسان الطب
يقصد بالمناعة مقاومة الجسم للأمراض عند التعرض للإصابة بمسبباتها.
إذ تتربص بالإنسان وغيره من الحيوانات الراقية أنواع عديدة من الميكروبات المعدية التي تصيبهم بالأمراض المختلفة والتي قد يفضي بعضها إلى الموت.
لذا فقد زود الخالق – سبحانه – أحياءه الراقية بخطوط دفاع متعاقبة لا بد للميكروب أن يتجاوزها واحدا بعد الآخر حتى ينجح في التكاثر داخل الجسم مسببا المرض. فإذا كان الجسم سليما، وخطوط دفاعه جاهزة، صار الجسم مستعصيا على الأمراض المعدية.
ويمكننا تقسيم خطوط المناعة في الجسم ضد الإصابة بالميكروبات إلى مجموعتين رئيسيتين:
1- المجموعة الأولى: خطوط المناعة غير النوعية: وتشمل خطوط الدفاع الموجودة لدى الجسم ضد جميع الميكروبات بصفة عامة ومن غير تمييز.
وهذه الدفاعات ليست سوى آليات متوارثة عبر الأجيال في الجسم تحول بينه وبين ما يحاول اختراقه من ميكروبات. والمناعة غير النوعية تتمثل في الركائز أو الحواجز الثلاثة التالية:
– حواجز طبيعية: كالجلد من الخارج والأغشية المخاطية من الداخل.
– حواجز بيولوجية: مثل الالتهابات استجابة للإصابة كالتهابات اللوزتين، مما يحول دون تسلل الميكروبات إلى داخل الجسم.
– حواجز كيميائية: وهي مواد خارج الجسم أو داخله تثبط الميكروبات أو تقضي عليها.
وهذه الحواجز الثلاثة لا تعمل بشكل منعزل وإنما يكمل بعضها بعضا، وتتعاون معا وتتآزر لتحمي الجسم في النهاية ضد ما يريد مهاجمته من ميكروبات.
فالجلد مثلا حاجز طبيعي قوي لا تنفذ من خلاله الميكروبات إلا إذا مسه جرح أو قرح، ولكن لا يخلو الأمر من حفز الميكروبات على الالتصاق به تحينا لفرصة سانحة لاختراقه.
وهنا تأتي المناعة ممثلة في الموت الدائم لطبقات الجلد السطحية وتساقطها المستمر على هيئة قشور غاية في الدقة.
ومن خلال ذلك يتخلص الجسم مما التصق بهذه القشور من ميكروبات أولا فأولا. كذلك يفرز الجلد دهونا خاصة تقوم ميكروبات غير ضارة بتحليلها إلى أحماض دهنية وجلسرين لهما أثر ضار على الكثير من الميكروبات الوبائية، كذلك يمثل الشعر الكثيف داخل الأنف، فضلا عما بها من مواد مخاطية، مصيدة طبيعية لاحتجاز الميكروبات.
وإن نجح بعض الميكروبات في التسلل إلى الجسم مع ما يدخل من طعام فإنه سرعان ما يلقى حتفه بفعل حموضة عصارة المعدة، وإن نجح بعضها الآخر في الوصول إلى الدم حدث ما يشبه إلى حد كبير ما يقوم به الفدائيون من نسف أنفسهم مع أعدائهم.
فالدم يحتوي على خلايا فدائية وظيفتها لقم أي جسم غريب – ميكروبا كان أو حتى ذرة غبار – فتحول بذلك دون تحقيق الميكروبات الوبائية لأهدافها.
2-المجموعة الثانية: خطوط المناعة النوعية: وتشمل خطوط الدفاع الموجودة لدى الجسم ضد أنواع بعينها من الميكروبات، وهي نوعان:
أ- مناعة طبيعية: فإن حدث ونجح ميكروب ما في تجاوز خطوط الدفاع غير النوعية المشار إليها، تبدأ خلايا خاصة في الدم بالتعرف إليه والعمل الفوري على استئصاله.
وقد يحدث ذلك من خلال تحطيم خلاياه بواسطة مواد بروتينية متخصصة تسمى «الأجسام المضادة» تقوم بالقضاء على الميكروب إما بشكل مباشر أو غير مباشر يجعله هدفا للتحطيم بواسطة خلايا أخرى في الدم.
وهذه البروتينات نوعية، بمعنى أن لكل ميكروب بروتينه الخاص الذي يعمل على تحطيمه.
ب- مناعة مكتسبة: وهي مناعة نوعية لا تنشأ في الدم إلا بعد تعرض الجسم للإصابة بالميكروب، أو بعد حقن الأجسام المضادة الخاصة بمكافحته داخل الجسم.
ومن ثم فهذه المناعة يمكن اكتسابها بأسلوبين: الأول يكون الجسم فيه إيجابيا في تكوين الأجسام المضادة، والثاني يكون الجسم فيه سلبيا في تكوين تلك الأجسام، حيث تحقن في الدم بعد تكوينها في دماء حيوانات كانت قد تم تعريضها للإصابة بالميكروب. والمناعة المكتسبة نوعان:
مناعة مكتسبة طبيعيا: وتحدث عندما يتعرض جهاز المناعة لشخص ما للإصابة بميكروب ما، فيقوم ذلك الجهاز على الفور بإنتاج الأجسام المضادة للقضاء على الميكروب.
ومثل هذه المناعة قد تدوم طول العمر كما في حالة المناعة ضد الإصابة بمرض الحصبة مثلا أو تدوم لسنوات قليلات فقط كما في حالة المناعة ضد الإصابة بمرض التيتانوس يتخلص بعدها الدم من أجسامه المضادة.
والمناعة المكتسبة طبيعيا قد تكون ناشطة أو سلبية، والناشطة هي التي تنبع من الجسم ذاته، وأما السلبية فتحدث نتيجة نقل الأجسام المضادة من جسم لآخر.
فمثلا لو أن حاملا تم تحصينها ضد ميكروبي الدفتيريا وشلل الأطفال فإن طفلها يكون محصنا كذلك ضد الإصابة بهذين المرضين فور ولادته. غير أن المناعة السلبية لا تدوم طويلا، فعمرها لا يتجاوز أسابيع أو شهورا معدودة.
– مناعة مكتسبة اصطناعيا: وهي مثل المناعة المكتسبة طبيعيا نوعان: ناشطة وسلبية، وتنشأ الأولى حينما يحصن الجسم باللقاح الواقي من الإصابة بميكروب ما، وما اللقاح في الواقع سوى خلايا الميكروب حية أو ميتة أو منهكة.
فعند حقن الجسم باللقاح فإن ذلك يحفزه على إنتاج الأجسام المضادة للميكروب الذي حقن به، وتبقى في الدم لحين الإصابة الفعلية به حيث تنشط للتصدي له والقضاء عليه.
فالتلقيح – إذن – هو بمثابة إصابة متعمدة بالميكروب ولكن تحت ظروف مسيطر عليها تماما بما يضمن تكون الأجسام المضادة في الدم وبغير الإصابة الفعلية بالمرض.
وتنشأ الثانية – المناعة السلبية المكتسبة اصطناعيا – عندما يتم حقن الجسم بأجسام مضادة نشأت من قبل في دم حيوان كان قد تعرض للإصابة بالميكروب لإنتاج تلك الأجسام.
وهذا الأسلوب من التحصين مثالي حينما يكون هناك توقع لإمكانية حدوث وباء ميكروبي وشيك في بلد ما آهل بالبشر.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]