الأجزاء التي يتكوّن منها العظم داخل جسم الإنسان وفوائده ومدى أهميته
2002 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثالث عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
أجزاء عظم الإنسان أهمية العظم الطب
يكوّن العظم معظم الهيكل الداخلي في أجسام الفقاريات، باستثناء الفقاريات الدنيا والأسماك الغضروفية التي تتكون هياكلها كلها من غضاريف.
والعظم والغضروف كلاهما مما يسميه العلماء أنسجة ضامة ويتكون النسيج الضام من خلايا حية ترقد في أرضية من مادة تفرزها هذه الخلايا وتنتشر بها ألياف.
وأرضية العظم بها ألياف كثيرة من مادة الكلاجين (أي: مولدة الغراء)، وتصطف عليها بلورات إبرية من فوسفات وكربونات الكالسيوم.
وأملاح الكالسيوم هي التي تكسب العظم مظهره الجيري الحجري، وتكسبه صلابة شديدة، ولكن يعيبها قابليتها للكسر.
ولكن يصحح هذا العيب وجود ألياف الكلاجين التي تتميز بمرونة فائقة. ووجود هذين العنصرين معا يجعل العظم يفوق الأسمنت المسلح بأسياخ الصلب قدرة على تحمل الضغوط والشد والإجهاد، فضلا على خفة وزنه نسبيا.
وعند بداية تكوين العظم في الجنين، تأخذ الخلايا العظمية في إفراز مادة العظم، حتى تصبح حبيسة في حجيرة خاصة بها.
ولكن الخلايا العظمية الحبيسة لا تنقطع صلتها بما حولها، إذ تمتد منها زوائد رفيعة تجري في قنيات (أي: قنوات دقيقة) تخترق مادة العظم. وهكذا تتواصل الخلايا العظمية، كما تتصل بمصادر حياتها من الغذاء والأكسيجين، كما سوف نرى.
وهذا الذي وصفناه يتضح بالفحص المجهري (الميكرو سكوبي)، ولكن لبناء العظم مظهر آخر يتضح بالعين المجردة.
فإننا إذا شققنا عظما طويلا (كعظم الفخذ) من حيوان صغير شقا طوليا، لاحظنا أن معظم رأسي هذا العظم يتكون من نسيج عظمي إسفنجي به فجوات كثيرة، يكسوه نسيج عظمي كثيف.
أما ساق العظم فهي أنبوب أجوف، يتكون جداره السميك من عظم كثيف متماسك ليس به فجوات ظاهرة.
وإذا فحصنا بالمجهر قطاعا في قطعة من عظم كثيف، رأينا فيه عجبا! فهو يتكون من «وحدات عظمية» تمتد فيه طوليا. وتمتد في المحور الطولي لكل وحدة قناة مركزية تجري بها أوعية دموية.
وتلتف حول القناة المركزية رقائق عظمية أسطوانية، الواحدة حول الأخرى. وتنتشر الحجيرات الحاوية للخلايا العظمية محصورة بين هذه الرقائق العظمية. وتتواصل القنوات الطولية المركزية بقنوات مستعرضة تجري فيها أيضا أوعية دموية.
وتدخل الأوعية الدموية إلى العظم عند منتصف الساق، ثم تنتشر فروعها في القنوات المحورية الطولية والقنوات المستعرضة في العظم الكثيف.
ويتصل الدم بالخلايا العظمية الحبيسة بشبكة القنيات الدقيقة المنتشرة بينها. وهكذا تنتشر مقومات الحياة في العظم حتى النخاع، أي التجويف المركزي في الأنبوب. وهكذا يتضح لنا أن مظهر العظم الحجري يخفي حياة متدفقة فيه.
أما النسيج العظمي الإسفنجي ففيه رقاقات وحجيرات عظمية، ولكنها ليست منتظمة في «وحدات عظمية» هندسية، كتلك التي رأيناها في العظم الكثيف، ولكنها تكون صفائح وشويكات تتخللها فجوات كثيرة، هي التي تكسب النسيج وصفه «الإسفنجي»، وذلك لانتشار هذه الفجوات الكثيرة فيه. والعظم الإسفنجي يناسب رؤوس العظام كبيرة الحجم، فهو يخفف وزنها، ويجعلها تتحمل الضغوط الواقعة عليها من اتجاهات مختلفة.
وينتشر في التجويف المركزي لأنبوب الساق، وفي فجوات العظم الإسفنجي، نسيج رخو يسمى «نخاع العظام» (أو: النقي).
وفي الحيوانات البالغة تنتشر الخلايا الدهنية في نخاع الساق فتكسبه لونا أصفر. أما نخاع العظم الإسفنجي ففيه الخلايا التي تنشأ منها كريات الدم البيض والحمر، ويعرف باسم «نخاع العظام الأحمر».
وهو أهم مراكز تجديدها المستمر، وتوجد فيه الأطوار المختلفة لتكونها ونضجها قبل أن تنتقل إلى الدورة الدموية.
ويتكون معظم العظام في مراحل النمو الجنيني، وبعضها يستكمل تكوينه بعد الولادة. وهي تنشأ بأسلوبين: فبعضها يتكون أولا في صورة نموذج من نسيج غضروفي يحل محله بالتدريج نسيج عظمي. ومعظم عظام الهيكل يتكون بهذا الأسلوب، وأفضل أمثلتها العظام الطويلة، كعظام الذراعين والرجلين.
أما الأسلوب الآخر، فهو التحول المباشر لصفائح من نسيج ضام إلى نسيج عظمي. وأفضل الأمثلة لهذه النشأة العظام المفلطحة التي تكون سقف الجمجمة، والفك الأسفل، والترقوتان.
وفضلا على هذه الحيوية السارية في جميع أجزاء العظم – كما رأينا، للعظم قدرة فائقة على النمو، وعلى إصلاح ما قد يعتريه من شروخ ، وجبر ما قد يصيبه من كسور. وهو قادر أيضا على الاستجابة للضغوط الواقعة عليه على أفضل الوجوه.
فالعظم الذي يقاوم ضغوطا كبيرة يزداد سمكا، أما الذي تخف، أو تنعدم، الضغوط عليه يرق ويضعف. فالشاب الذي يمارس الرياضة البدنية، تزداد عظامه قوة وسمكا.
وإذا وضعت ساق مكسورة في جبيرة تمنعها من الحركة حتى تلتئم رقت عظامها، في حين تزداد عظام الساق الأخرى سمكا لتحملها ثقل الجسم كله وحدها.
وكذلك لوحظ أن رواد الفضاء إذا أمضوا مدة طويلة في حالة انعدام الجاذبية الأرضية، تحلل بعض ما في عظامهم من أملاح الكالسيوم.
وعند بناء العظام تنشط خلايا «بانية للعظام» في تكوين المادة العظمية، حتى تحتبس في الحجيرات الصخرية التي بنتها بنفسها وتصبح «خلايا عظمية»، كما ذكرنا. أما عندما تدعو الحاجة إلى إزالة شيء من النسيج العظمي، أو امتصاصه، فتنشط خلايا أخرى "محللة" أو «هادمة للعظام».
والواقع أن كلا النوعين من الخلايا يمارس عمله باستمرار، فالعظم دائم التجدد؛ وتتوقف النتيجة على أي الفريقين يكون نشاطه مطلوبا وسائدا. وفي الأحوال العادية يحدث توازن بين النشاطين.
وفي مراحل النمو، وعند الحاجة إلى رأب الشروخ وجبر الكسور، تكون السيادة لعمليات البناء، وعند البلوغ والنضج يتوازن البناء والهدم؛ والحركة تستحث العظام على النمو.
وبتقدم السن تكون الغلبة للهدم، فتقل كتلة العظام، وخصوصا في العمود الفقاري والرجلين، وفي النساء بدرجة أكبر، فيقصر جسم الشيخ وينحني، وتضعف العظام وتصبح أكثر قابلية للشروخ والكسور.
وهذا هو «وهن العظام» بتقدم العمر، الذي ذكره زكريا، عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (مريم 4).
وبناء العظم وهدمه له أهمية أخرى في فيزيولوجية الجسم العامة، إذ إن العظم هو المصرف (البنك) الذي يختزن فيه معظم رصيد الجسم من الكالسيوم والفسفور.
وعند هدم العظام، تفرز الخلايا الهادمة إنزيمات تذيب أملاح الكالسيوم فتذهب إلى الدم، ليستفيد منها الجسم. ووجود نسبة معينة من الكالسيوم في الدم ضروري لصحة الإنسان، ولذلك كان الحفاظ على هذا المستوى أمرا جوهريا.
وقد خلق الله في أجسامنا آلية فائقة الدقة للحفاظ على هذا المنسوب. فعند انخفاضه، تفرز الغدد جارات الدرقية هرمونا يعمل على إذابة شيء من العظم وسحب الكالسيوم منه ويستحث الأمعاء على امتصاص كمية منه من الغذاء، ويأمر الكليتين أن تحرصا غاية الحرص على عدم إفرازه في البول.
أما إذا ارتفع مستوى الكالسيوم في الدم، أفرزت الغدة الدرقية هرمونا (اسمه: الكالسيتونين) يعمل على ترسيب الزائد منه في العظام.
والغذاء الصحي ينبغي أن يشمل أطعمة غنية بالكالسيوم وفيتامين د اللازم لحسن إفادة الجسم بالكالسيوم الممتص من الغذاء.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]