الأحداث التي حالت دون موت العالم “البيروني” والقضاء عليه
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
البيروني والاحداث التي حالت دون موته البيروني أحداث تاريخية المخطوطات والكتب النادرة
البيروني يُكتب له … عمرٌ ثانٍ
كان الأمير المأمون زوجاً لأخت السلطان محمود الغزنوي ، وارث الدولة السَّامانية ومؤسِّس الدولة الغزنوية في عاصمتها غزنة. وبسبب هذه المصاهرة حمى المأمون بلاد خوارزم من التبعية الكاملة للدولة الغزنوية الجديدة .
ولكن الأمور لا تسير بشكل انسيابي ، لقد وقع حدث . في عام ألف وأربعة عشر أنعم الخليفة القادر العبَّاسي في بغداد على الأمير المأمون بلقب شاه ( مَلِك) ، وبعث إليه برسولٍ يحمل خُلعه لقب الملك إليه .
ولكن المأمون خشي عاقبة قبوله للقب الملك قبل أن ينال موافقة صهره السلطان محمود. فسارع بإيفاد عالمنا لملاقاة رسول الخليفة في الطريق، وأمره بأن يصحبه مع خُلعة الخليفة إلى السلطان محمود ويستأذنه في أن يحمل المأمون لقب الملك .
ووافق السلطان كارهاً ، وأسَّرها في نفسه للمأمون والبيروني معاً إلى حين. وعاد البيروني إلى الجُرجانية ومعه رسول الخليفة فخلعت على المأمون خلعة الملك في مجلس حافل.
ومنذ ذلك الحين، وبسبب حمل المأمون للقلب الملك ، بدأ السلطان محمود يتحرَّش بزوج اخته ويمد عينيه إلى ملكه ، وراح يتلمَّس لذلك الأسباب …
بعث السلطان إلى المأمون يطلب منه أن يذكر اسمه في خطبة الجمعة مع اسم الخليفة . وحار المأمون في طلب السلطان : خشي، إن هو أطاع الأمر ، أن يغضب عليه أمراء الدولة الخوارزمية.
وخشي ، إن هو عصى تنفيذ هذه الأوامر ، أن يغضب السلطان عليه ويجتاح دولة خوارزم بجيشه. وبعد مشاوراتٍ ومداولات سارع الملك المأمون، وهو وجل ، فأصدر أمراً لخطباء المساجد بذكر اسم السلطان في خطبة الجمعة في مساجد مدينتي كاث والجُرجانية دون سواهما من مساجد الدولة في الأقاليم .
هنا وقعت الواقعة ..
ثار أمراء الدولة وقوِّاد الجيش على المأمون ، وأحاطوه بقصره وقتلوه وأخذوا زوجته، شقيقة السلطان ، أسيرة رهينة .
ولم يكن البيروني، لحسن حظه ، موجوداً عندئذ بالقصر . وأسرع حين بلغه الخبر بالفرار مع أهله إلى كاث .
…. وثالث !!
انتهز السلطان محمود الفرصة التي سعى إليها ودبَّر لها ، وكان دموي الطبع ، فزحف بجيش كبير احتل به ديار خُوارزم واستولى على مدينتي كاث والجُرجانية في يولية من عام الفٍ وسبعة عشر.
واستنقذ السلطان اخته الأسيرة، وقتل الزعماء المتمردين على صهره، وأسر بقية الأمراء والقوَّاد وزجَّ بهم في السجون في أماكن متفرقة ، وأمر أحدَ قوَّاده على عرش خُوارزم .
ولكن ماذا عن أعضاء مجلس العلوم ؟ أخذهم السلطان معه إلى غزنة وعقد لهم محاكمة سريعة اتهمهم فيها بالكفر والزندقة، لأنهم يشتغلون بعلوم لا يفيد منها إلا القرامطة ، أعداء مذهب أهل السنة ، لأنهم زجوا بأنفسهم في أمور السياسة ، وأمر بإلقاء عددٍ كبيرٍ منهم ، من بينهم أستاذ البيروني عبدالصمد الحكيم، من بُرج في قلعة قصرة، فلقوا حتفهم جميعاً ! .
وماذا عن البيروني نفسه؟ كاد أن يلقى نفس المصير لولا تدخل القدر. لقد نجح رجال بلاط السلطان وعلى رأسهم الوزير أحمد في الإبقاء على حياته ، عندما أكدوا للسلطان أنه أكبر عالم في عصره في الدنيا كلها ولا ينبغي للدولة أن تخسر عقله وعلمه ، فعدل السلطان عن قتل البيروني واكتفى بتحديد إقامته في قرية "جيفور" التي تبعد بضعة كيلومترات عن غزنة .
وفي جيفور عاش عالمنا مع أهله حياة ملؤها البؤس والضنك ، ومع هذا فقد راح البيروني يقطع ساعات ليله ونهاره في تأليف كتاب في الفلك دعاه " التحديد " ، وكذلك القيام بأرصاد لتحديد خط عرض قرية جيفور .
وقد ابتكر لذلك لوحة حسابية وضع عليها قوساً مدَرَّجا واستطاع بالحسابات، وباللوحة والقوس، تحديد خط عرض جيفور . كما استطاع تحديد خط عرض غزنة كذلك ، بعد أن كان يستأذن السلطان للذهاب إليها لهذا الغرض بين الحين والحين، بواسطة آلة رصد سمَّاها " الحلقة اليمينية " . تقرباً للسلطان محمود بعد أن أنعم عليه الخليفة العبَّاسي بلقب " أمين الدولة ".
وطوال سنوات ثلاث، كان البيروني يواصل وهو في جيفور تعلمه اللغة السنسكريتية إحدى اللغات السائدة بالهند ، ويتقصى أخبار حضارة الهند ، فقد كان على ثقة من أن السلطان سيكون بحاجة إليه يوماً ويصحبه معه إليها.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]