إسلاميات

الأسباب الكامنة وراء الانتشار الواسع لـ”الإسلام”

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثالث

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الإسلام إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

بعث الله رسوله محمدا، عليه الصلاة والسلام، بمكة داعيا إلى الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي.

وبانتهاء ذلك القرن كان الإسلام قد نشـر نوره في أكثر البقاع المعروفة من العالم، وعدل مسيرة البشرية، وأزال طغيان أقوى دولتين في ذلك الزمان، وهما دولتا الفرس والروم.

فما تفسير ذلك النجاح الباهر؟ وكيف تمكن الإسلام من هذا الانتشار الواسع في ذلك الوقت القصير من عمر الزمان؟

 

التفسير الأول ذلك هو وضوح مبادئ الإسلام السامية وبساطتها. فالإسلام هو دين الفطرة السليمة: يقوم على العلاقة المباشرة بين العبد وربه، دون وسيط أو شريك، ويرتكز على مكارم الأخلاق وحسن المعاملة.

والتفسير الثاني هو أن الإسلام هو خاتم رسالات السماء جاء متمما لما سبقه منها ومصححا لانحرافات بعض أتباعها، قال تعالى(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة 33.

ولهذا السبب كانت معجزة الإسلام. وهي القرآن الكريم، معجزة خالدة، وكانت شريعته صالحة لكل زمان ومكان، ويتفق مع هذا أن الإسلام دين عالمي، ليس قاصرا على أي شعب أو جنس أو بلد.

قال تعالى(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون) سبأ 28.

 

ولذلك كان من مبادئ الإسلام الأساسية المساواة بين كل من دخل فيه، دون نظر إلى لونه أو وجاهته.

وهكذا كان بين صحابة رسول الله المقربين: بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وأمثالهم، رضي الله عنهم.

أما التفسير الثالث فهو أن المسلمين الأوائل قد فهموا هذا كله حق الفهم عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأصبحوا نماذج طيبة تدعو إلى الإسلام كما أنهم أخلصوا في الدعوة لله، تحت قيادته، ولم يبخلوا بأموالهم ولا بأنفسهم في سبيل نشـر كلمة الله. ثم سار المجاهدون الصالحون من بعدهم ليتموا ما أحرزوه.

 

بقى النبي، صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى الإسلام بمكة 13 عاما. وتحمل هو والعدد القليل من الذين آمنوا به صنوف الأذى من قريش في إيمان وصبر، حتى أذن الله لهم بالهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة.

وبعد الهجرة اضطر المهاجرون والأنصار إلى محاربة كفار مكة وحلفائهم (انظر: سرايا الرسول، صلى الله عليه وسلم، غزوات الرسول، صلى الله عليه وسلم) حتى تحقق لهم نصـر الله بفتح مكة في العام الثامن بعد الهجرة.

ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجا: فجاءت الوفود من نجد واليمن وعمان والبحرين وشمال الجزيرة العربية، تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

 

وأراد النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يوسع دائرة تبليغه لرسالته، فكتب إلى كسـرى فارس، وقيصـر الروم، والمقوقس حاكم مصـر، ومع أن بعض الردود كان طيبا إلا أن هؤلاء الحكام لم يستجيبوا لدعوة النبي إياهم لدخول الإسلام.

فكان لا بد من التصدي لهم حتى لا يحجبوا دعوة الإسلام عن الشعوب التي يحكمونها. وعلى هذا جهز النبي جيشا لغزو أطراف الشام، ولكنه توفي، صلى الله عليه وسلم، قبل أن يتحرك الجيش، فأمر خليفته أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، الجيش بالسير لأداء مهمته، فأداها وعاد غانما، كذلك حارب الصديق المرتدين ومن ادعوا النبوة كذبا.

ثم أرسل أبو بكر جيشا إلى العراق، وآخر إلى الشام، فتوالت انتصارتهما. وأتم الفاروق، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ما بدأه أبو بكر، فاستكمل فتح الشام والعراق وجزءا كبيرا من بلاد فارس، وفتح مصر.

 

وفي عهد الخليفة الراشد الثالث، عثمان بن عفان، رضي الله عنه، توغلت جيوش المسلمين في باقي أقاليم فارس ودخلت أرمينيا شمالا، وسيطرت البحرية الإسلامية على جزيرة قبرص وعلى جزء كبير من البحر المتوسط.

وامتدت فتوح المسلمين إلى الشمال الأفريقي، فشملت بلاد طرابلس وبرقة، وإلى النوبة جنوب مصر. وفي الوقت نفسه، كان الخلفاء الراشدون يرسلون الدعاة إلى كل مكان.

وأدت الخلافات الداخلية التي حدثت في عهد الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، إلى توقف حركة الجهاد الإسلامي، ولكن عاد الجهاد لما استقر الأمر لخلفاء الدولة الأموية، فأتموا فتح الشمال الأفريقي، وفتحوا الأندلس ووصل المسلمون جنوب فرنسا.

 

وفي آسيا وصل المسلمون إلى المناطق المعروفة اليوم بأفغانستان وبخارى وما حولها. ودخل محمد بن القاسم بلاد الهند ونشـر الإسلام في قسم كبير منها. وضعفت حركة الفتوح الإسلامية في عهد الدولة العباسية.

أما في عهد الدولة العثمانية ففتحت الأناضول ثم القسطنطينية، وسار المسلمون إلى البلقان ومناطق أوروبا الشرقية.

وكانت جيوش الفتح الإسلامي لا تكره أحدا من أهل البلاد المفتوحة على الدخول في الإسلام. ولكن محاسن الإسلام كانت تظهر لهم شيئا فشيئا بأسلوب عملي في مخالطتهم للمسلمين. وكان المسلمون يعاهدون أهل الذمة، أي من تحت رعايتهم من غير المسلمين، على دينهم وأموالهم وأعراضهم.

 

ولهذا تحول معظم أهل تلك البلاد طواعية إلى الإسلام، واتخذ كثير منهم اللغة العربية، لغة القرآن، لغة لهم. بل العجيب أنه لما سقطت بلاد العراق وفارس المسلمة في يد التتار، تحول شعب التتار الأقوياء الفاتحين إلى الإسلام.

وهكذا يتأكد لنا ما ذكرناه من أن فتوح المسلمين لم تكن لقهر الناس للدخول في الإسلام، وإنما كانت لإزاحة الحكام المتسلطين عليهم، وبذلك ينفتح الطريق لتبليغهم الدعوة.

ويتأكد لنا هذا أكثر من أن بلادا كثيرة قد دخلت الإسلام على أيدي التجار المسلمين. فقد كان هؤلاء التجار يدعون للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

كما أنهم كانوا نماذج طيبة للمسلم الكريم العادل صادق القول حسن الفعل. وكان التجار يعلمون من يدخل الإسلام مبادئه القويمة.

وبهذه الطريقة انتشـر الإسلام في جنوب شرقي آسيا، كجاوه، وسومطرة وغيرها من جزر إندونيسيا، وجزر المالديف، والملايو (الآن في اتحاد ماليزيا) كذلك وصل الإسلام إلى غرب الصين عبر مدينة كشغر وما يعرف باسم "طريق الحرير"، حتى أصبح في الصين جالية إسلامية كبيرة.

وفي أفريقيا وصل المد الإسلامي إلى مدينة تمبكتو، ومنها صوب الشـرق حتى تشاد حيث التحم مع محور المد الإسلامي القادم من مصر تجاه السودان. كذلك امتد الإسلام من خليج عدن إلى الصومال وكينيا وموزمبيق.

 

واليوم يشكل المسلمون أغلبية السكان (أي أكثر من 50% منهم) في 34 دولة: 18 دولة في آسيا و15 في أفريقيا، ودولة واحدة في أوروبا (وهي ألبانيا).

وتكون هذه الدول كتلة متصلة في النصف الشمالي من أفريقيا وقسم كبير من جنوب وجنوب غربي آسيا، ويبرز فيها الوطن العربي الكبير.

ولكن المسلمين منتشـرون في قارات الأرض الست. ويقدر عددهم بأكثر من 900 مليون فرد، أي نحو 18.5% من سكان العالم.

 

وما زال الإسلام يكتسب في الوقت الحاضر مؤمنين جددا يبهرهم نوره وتقنعهم آياته، على الرغم من قلة الدعاة وضعف إمكاناتهم، ومع أن المسلمين اليوم ليسوا في أحسن حالاتهم.

ولو أن مسلمي العالم – وهم اليوم كثير كما رأيت – وحدوا كلمتهم لأصبحوا قوة رائدة في العالم تدعو إلى الخير.

 

ولو أن مسلمي اليوم عرفوا حقيقة دينهم وعملوا بمبادئه السامية، وحرصوا على التمسك بها في أسفارهم الكثيرة في هذه الأيام، لأصبحوا دعاة للإسلام في البلاد العديدة التي يذهبون إليها في أرجاء الأرض.

والمثل الطيب يتحدث وحده حتى بدون كلام. وهذا ما فعله أجدادهم من التجار الصالحين، الذين كان لهم الفضل في اتساع دائرة انتشار الإسلام خاتم الديانات، وأن تكون أمة المسلمين خير أمة أخرجت للناس، تملأ الأرض علما وعمرانا، وهدى ورحمة، وعدلا وسلاما، فهل يتنبه المسلمون في هذا الـعصر إلى واجبهم، والأمانة التي كلفهم الله إياها.

قال تعالى(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران 110.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى