الاستدامة وأثرها على عملية تحليل الكلفة – العائد
2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري
تشارلزس . بيرسون
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الاستدامة عملية تحليل الكلفة – العائد علوم الأرض والجيولوجيا
إن الدراسات التي تركز على حالة عدم اليقين تقع ضمن الأدبيات الحرجة الكبرى لـتحليل الكلفة – العائد، المؤسسة على تجاهل معايير الاستدامة.
وتذكر هذه الأدبيات بصراحة، أن الاتهام الموجه إلى تحليل التقليلدي لـ الكلفة – العائد يكمن في كونها لا يُقيم أي وزن للاستدامة(20).
والسؤال هنا، كيف يرتبط هذا بظاهرة الاحتباس الحراري؟ فأدبيات الاستدامة هي لربما أكبر، وأكثر غموضاً من ظاهرة الاحتباس الحراري، إلا أن هناك اتفاقا واسع النطاق بين المعنيين حول التمييز المركزي بين الاستدامة الضعيفة والاستدامة القوية.
تتطلب قواعد الاستدامة الضعيفة، أن يكون مجموع الحصص من رأس المال لكل فرد ولكل الأنواع -المادية والبشرية والطبيعية (البيئية) ولربما الاجتماعية- مصاناً، بحيث يمكن بذلك الحفاظ على الدخل.
وعليه تفترض الاستدامة الضعيفة أن تكون هناك درجة عالية من الاستعاضة عن المادية، ورأس المال البشري بالنسبة إلى رأس المال الطبيعي (الخدمات البيئية) في كل وظائف الإنتاج وضائق الفائدة .
فمخطط رأس المال الطبيعي من خلال أضرار الاحترار العالمي، أو عن طريق وسائل أخرى يمكن أن يقابله تراكم في أشكال أخرى من رأس المال، فيمكن بذلك المحافظة على استمرارية نصيب الفرد الحقيقي.
في المقابل، فإن قاعدة الاستدامة القوية ترفض الاستبدال السهل بين أشكال رأس المال الطبيعي وأشكال رأس المال الأخرى.
ومن الناحية الاقتصادية التقليدية، فإن رأس المال الطبيعي ورأس المال المنتج يكمل بعضهما البعض، وليس أحدهما بديلاً عن الآخر، ويتطلب ذلك الحفاظ على الاستدامة، على الأقل في الحد الأدنى من رأس المال الطبيعي "الحرج".
قدرة مسألة الاستدامة على الأغلب يجب أن تشكل تحليل الكلفة – العائد لظاهرة الاحتباس الحراري، لكونها تعتمد على نماذج قطاع واحد، من دون النظر صراحةً إلى إسهام رأس المال البيئي في النتائج وفي وظائف الفائدة التي سنجنيها من ذلك.
والافتراض الضمني لذلك هو، أن الخسارة من رأس المال البيئي عبر ظاهرة الاحتباس الحراري يمكن أن تكون بسهولة بديلاً عن رأس المال المنتج.
فالعديد من الدراسات، على أية حال، تقوم على إعداد نماذج على غرار النماذج الهيكلية لقطاعين اقتصاديين ونتائج تحليل الكلفة – العائد ستكون هي النتيجة التي يمكن أن تكون مفيدة جداً.
فعلى سبيل المثال ستيرنر (Sterner) وبيرسون (Persson) عام 2008م ، أشارا إلى، أن خدمات رأس المال البيئي الطبيعي ربما قد يصبح شحيحاً على نحو متزايد بالنسبة إلى المنتجات التقليدية ، وسيزداد بذلك السعر النسبي بمرور الوقت.
وفي الواقع إن حصة عامل البيئة في الاقتصاد يمكن أن ينمو من حيث القيمة بسبب الارتفاع الحاصل في الأسعار، حتى في الوقت الذي تقل فيه من حيث الكمية.
وهكذا، فإن الفقدان الحاصل في الخدمات بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري سيكون مقابلة ارتفاع بتكاليف الضرر مع مرور الوقت.
وارتفاع كلفة هذه الأضرار يعادل بعض أو لربما كل تأثيرات الخصم. والنتيجة ستكون قيمة حالية أعلى للأضرار، ومن ثم فهي تشكل دافعاً أقوى للسيطرة الصارمة على الانبعاثات بصرامة(21).
هذه الحجة العامة تدعم الرأي المعروف في الادبيات ذات العلاقة القائل بارتفاع القيمة النسبية للخدمات البيئية (Krutilla and Fisher 1975).
والجديد في سياق ظاهرة الاحتباس الحراري، أن التغيرات في الأسعار النسبية التي تظهر لتؤثر في معدل الخصم "الداخلي المنشأ" (Endogenous) (Hoel and Sterner 2007). وسيتم التعامل مع [مفهوم] الخصم بصورة أكثر شمولية في الفصل الثالث، ولكن يمكننا استباق ذلك بتناول صلته بمسألة الاستدامة.
المعايير الحرجة لممارسة هول (Hoel) وستيرنر هي مرونة الاستبدال ما بين السلع البيئية والسلع التقليدية.
فإذا كان الاستبدال منخفضا، فيمكننا أن نتوقع بأن قيمة الخدمات البيئية. والآثار المشتركة لارتفاع الضرر النسبي والتكيف المرتبط بسعر الخصم، هي لإنتاج معدل خصم أقل، وربما ذي معدل سلبي.
وهذا بطبيعة الحال يساعد على تسويغ سياسة عدوانية أكبر. قدم هييل (Heal 2009) إلى حدٍ كبير نفس النقاط باستخدامه حصص الاستهلاك ما بين البيئة والسلع التقليدية، بدلاً من الأسعار النسبية.
بنى نيوماير (Neumayer 2007) حجة برهانية معززة لذلك. فوجهة نظره الأساسية هي أن الجدل الدائر حول معدل الخصم الصحيح ليس في محله.
وأن المسألة الحقيقة هي درجة استبدال رأس المال المنتج لرأس المال الطبيعي (قاعدة الاستدامة القوية مقابل قاعدة الاستدامة الضعيفة)، وبالتالي إلى أي مدى ستكون الأضرار الناجمة عن تغير المناخ في المستقبل التي يمكن أن تكون بديلاً مع السلع الاستهلاكية الأخرى.
فإذا كان الاستبدال محدود بدقة، فليس من الضروري أن يكون هناك صخبٌ كلامي حول معدل الخصم "المنخفض": "تغير المناخ سيضر أجيال المستقبل بطريقة ما، بحيث لا يمكن فيها أن ينمو الاستهلاك مهما كان مرتفعاً ليعوض ذلك" (p. 300).
فهو يجادل بالاستناد إلى المنفعة المحسوبة وفق تحليل الكلفة – العائد، فمازال من الممكن تقدير الأضرار، إذا ما تم تقدير الأضرار المستقبلية لرأس المال الطبيعي بصورة صحيحة، الناتجة عن الارتفاع الحاصل في درجات الحرارة.
لكنه يشير أيضاً لبديل آخر هو: إلغاء تعظيم المنفعة باعتبارها الهدف الوحيد، واتخاذ القرارات فيما يتعلق بأجيال المستقبل بهيكلية تركز على الحقوق.
فوفقاً لهذا النهج يتم التعامل مع الحاجة إلى الحفاظ على رأس المال الطبيعي وكأنه عائقٌ يقف في وجه الأعمال المنوي القيام بها، ومن الضروري في ظل هذا السياق احترام حقوق الأجيال المستقبلية.
فالتحليل التقليدي لـ الكلفة – العائد الذييرفع من خصم الفائدة ، لا يمكن أن نعدها بعد الآن دليلا كاملا للسياسة [المناخية].
أدى الصراع المحتمل مع مفهوم الاستدامة إلى جهود تسعى لإعادة صياغة تحليل الكلفة – العائد.
حيث يمثل أحد النُهج، بتأسيس آلية تقوم بتوزيع الحقوق للموارد بين الأجيال أولاً، والتي من بينها المناخ، مبنية على أسس أخلاقية مقبولة. ومن ثم استخدام معدل الخصم كأداة فعالة لإقامة استثمارات مشتركة مؤقتة (Norgaard and Howarth 1992).
وهذا يقلب تسلسل [عمليات] إجراءات تحليل الكلفة – العائدالاعتيادية، التي تضع معيار للكفاءة أولاً ومن ثم قد تهتم بمعيار المساواة.
وهناك نهجٌ آخر يسعى إلى "القاعدة الذهبية الخضراء" (Green Golden Rule)، التي تعطي بعض الوزن إلى الاستهلاك الراهن مقابل الاستهلاك المستقبلي عبر معدل الخصم، إلا أنه يتم إعطاء بعض الوزن الإضافي لرفاهية الأجيال [المستقبلية] البعيدة المنال (Beltratti, Chichilnisky, and Heal 1995).
وفي هذا النظام المرصوف بالعوائق يتم الابقاء على تحليل الكلفة – العائد، ولكن لا حاضر ولا مستقبل "يملى" على رفاهية الآخرين.
السؤال هنا هو، ما هي الحقوق التي يجب أن تتمتع بها الأجيال القادمة؟ إن الاستدامة توفر جواباً يسيراً. فالاستدامة لها معنى واضح، على الأقل لخبراء الاقتصاد، والتي من هذه المعاني عدم التراجع عن أن لكل فرد فائدة مساعدةً، أو دخلاً حقيقيًا.
فإذا قبلنا فكرة أن هناك بعض المستويات الحرجة في رأس المال الطبيعي (بعض التغيرات الحاسمة في المناخ العالمي)، فإن الخسارة تشكل انتهاكاً للاستدامة، ومن ثم تكون لدينا مشكلة تقيد تحقيق الحد الأقصى– تعظيم "القيمة الحالية الصافية" (NPV) التي تخصع لفائدة القيد المساعدة التي لا تسقط.
ونحن نتحرك الآن بعيداً عن كلاسيكية (تقليدية) لتحليل الكلفة – العائد باتجاه ما كان يطلق عليه "نهج النوافذ المتحملة" (Tolerable Windows Approach). حيث إن وجود حالة عدم اليقين في أي موضع في سلسلة الانبعاثات وفي الآثار الاقتصادية المترتبة يعزز هكذا انتقالة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]