الاعتراف الدولي بحقوق المرضى المتواجدين في المستشفيات العقلية
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
على الرغم من الجهود المبذولة لعرض الموقف على الأمم المتحدة، ورغم وجود الضمانات التي يتضمنها إعلان حقوق الإنسان عام 1948، وتفصيلاته التي أعقبت ذلك التاريخ.
كان من الصعب على النظام الذي يجمع بين الحكومات، وله حساسية من ناحية السيادة التي تتمتع بها الدول الأعضاء، أن يصل إلى ضمانات لحماية الأفراد الذين يحجزون بحجة إصابتهم بأمراض عقلية.
وفي عام 1980 بدأت مجموعة عمل تابعة للجنة الفرعية للتفرقة العنصرية وحماية حقوق الأقليات، بالاشتراك مع ولمصلحة لجنة حقوق الإنسان وهي الوكالة الأم للأمم المتحدة والمجلس الاقتصادي الاجتماعي “ECOSOC” والجمعية العمومية، بدات العمل في وضع وثيقة من هذا القبيل.
ويعكس تقريرها غير الرسمي الذي قدمته عام 1983 الذي تضمن قائمة ملحقة شاملة المبادئ التي عكست أساس وجهات نظر مؤلفها وهو مقرر هذه المجموعة العاملة "دايس DAES، 1986"، وأدت لهجة التقرير المضادة للطب النفسي إلى إثارة الاحتجاجات من جانب الهيئات المهنية مثل الجمعية العالمية للطب النفسي “World Psychi-atric Association” والجمعية الأمريكية للطب النفسي “A.P.A” ، ولكن جهودهم التي بذلوها لتعديل وتصحيح هذه المبادئ من خلال القنوات الحكومية كانت غير فعالة.
ولكن حدث في أغسطس 1987 بعد تغير التوجيهات السياسية للحكومات المتورطة وبخاصة الاتحاد السوفييتي، ونتيجة لتزايد ضغوط المنظمات والمؤسسات غير الحكومية وبخاصة الاتحاد الدولي للصحة العقلية، بدأت إجراءات وضع الإعلان الخاص بهذا الموضوع تسرع الخطى.
وتعاقدت منظمة الصحة العالمية (WHO)، تحت تأثير نشاط المنظمات غير الحكومية في جنيف، مع الاتحاد الدولي للصحة العالمية لوضع مسودة لنسخة معدلة من الوثيقة.
وتمت صياغتها التفصيلية على يد مجموعة عمل في عام 1988 واستخدمت كأساس لصياغة أخرى معدلة قامت اللجنة كاملة بنشرها على الجهات المعنية بعد اجتماعها في عام 1989.
ساعدت الاستجابات التي وردت على هذه الصياغة المعدلة على صياغة مسودة جديدة نوقشت في عام 1989 في مجموعة العمل المشتركة الجديدة التي تشكلت من هيئات دولية غير حكومية لدراسة موضوع الصحة العقلية، وكانت تحت قيادة الاتحاد العالمي للصحة العقلية، واستضافتها منظمة الصحة العالمية في جنيف.
وشاركت فيها ست منظمات غير حكومية تمثل علم النفس والقانون ومجموعات صحية متعددة التخصصات ، والطب النفسي.
وفيما عدا الجمعية العالمية للطب النفسي التي اختلفت في بعض النقاط المتعلقة بتخصصها المهني في الممارسة الطبية، وصلت المجموعة إلى إجماع على موقف مشترك.
وتبع ذلك تكوين مجموعة عمل أخرى أوكلت إليها اللجنة والمجلس الاقتصادي الاجتماعي الاجتماع في يناير 1990 لعمل مراجعة للوثيقة لتقديمها مرة أخرى للجنة، وصدر تقرير هذه المجموعة عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي في 5 فبراير 1991 "الأمم المتحدة لجنة حقوق الإنسان، 1991" ووافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في 17 نوفمبر 1991.
وعنوان هذه الوثيقة هي : حقوق الإنسان والتطور العلمي والتكنولوجي "وثيقة رقم 39/1991/4. E/CN المؤرخة 5 فبراير 1991" وهي تكرر وتؤكد في كثير من فقراتها وبنودها وطرق صياغتها وعرضها مبادئ علاج المصابين بأمراض عقلية بما يكفل احترام آدميتهم وفيما يتعلق بأهمية حماية حرياتهم وحقوقهم واستقلاليتهم، ويجب أن يتم العلاج بأق لما يمكن من الوضع في قيود، وباستخدام أضعف وسائل القيود وأنسب وسائل التدخل.
وأبرزت النصوص أيضا مبدأ لموافقة على العلاج مع وجود عبارات تؤكد الوقاية من الانحرافات في أخذ الموافقة ومع ذلك فما زال مطاطا وقابلا للانتهاك.
وعلى ذلك فإن الموافقة غير مطلوبة إذا ما أخذ الشخص قسرا وبدون إرادته، وفي حالة وجوب ممثل شخصي موافق عليه يتحدث نيابة عنه أو عنها، وفي حالة اعتقاد الطبيب النفسي المؤهل شرعيا بوجود حالة طارئة أو عاجلة.
بيد أن الجراحة النفسية وغيرها من أساليب العلاج الداخلية والتي لا رجعة فيها بالنسبة للأمراض العقلية فلا يمكن تنفيذها أبدا على مريض أخذ قسرا وحجز في مصح عقلي.
وفي نفس الوقت كانت بعض الدول والأقاليم قد اصدرت تعليماتها الإرشادية، ولذا تمت سلسلة من المراجعات والتعديلات للمحافظة على حقوق المرضى على القانون البريطاني للصحة العقلية الذي صدر وعمل به منذ 1959 "جوستين Gostin، 1986".
ولذا تكونت لجنة قوانين الصحة العقلية من عدد من الدعاة والمدافعين المتطوعين بما فيهم بعض المهنيين، وأوكل لها الاستماع للشكاوى.
ثم كان كتابها الإرشادي "لجنة قانون الصحة العقلية، 1985" دافعا إلى عقد اجتماع في الكلية الملكية للأطباء النفسيين عام 1986، ودارت في هذا الاجتماع مناقشات تضمنتها مضبطة الاجتماع "مورفي Murphy، 1988" تشير إلى طبيعة الصراع الدائم مع الجماعات الداعية ضد الطب النفسي كما يمارسه الأطباء النفسيون في المملكة المتحدة.
وتمثلت المشكلة الرئيسية في المدخل التشريعي الذي اتبعته لجنة قانون الصحة العقلية "ص63". والذي ينطوي على محاولة لتحقيق التوازن بين نظامين في القانون العام البريطاني، أحدهما أن أي شكل من اشكال الرعاية الصحية التي تنفذ بدون موافقة المرض تعتبر عملا عدوانيا.
والثانية أن من يقدم الرعاية يكون مدفوعا بواجبه في أن يستخدم الرعاية والمهارة المناسبة، التي هي بالنسبة للطبيب متفقة مع الممارسة التي تقبل على أنها ممارسة صحيحة من جانب هيئة أطباء مهرة ومدربين "ص 63".
ويقصد بهذا النظام الأخير أن بإمكان المريض الحق في رفع قضية مدعيا فيها افهمال إذا استطاع أن يثبت أنه يعاني من تدهور ناتج عن فشل الطبيب في تقديم الرعاية الصحيحة "ص 66".
ويتجاهل هذا المفهوم القانوني روح النية في القيام بالعمل والطريقة التي تم بها "ص 66" والتي تتضمن وفقا لمواثيق الممارسة الرسمية وغير الرسمية، "طريقة السلوك والنغمة العاطفية أو الوجدانية في تعاملنا مع المريض" "ص 67".
ويتحتم على اللجنة كغيرها من الهيئات المماثلة، أن تتصرف في بعض الأحيان بأسلوب السلطة الأبوية، بأن تصدر قراراتها ضد رغبة مريض معين المفروض أنهم يعملون لصالحه، وهناك حالة غير منشورة تدل على ذلك وهي رغبة مغتصب متهم بأن تشخيص حالته على أنه يعاني من خلل الاندفاع الجنسي الزائد ويحتاج إلى علاج بهرمون الاستروجين الأنثوي oestrogen treatment لتخفيف دافعيته وثورته الجنسية. ورغم أن طبيبه النفسي أيد طلبه هذا لعلاجه فإن اللجنة رفضته.
وعلى المستوى الإقليمي وجه المجلس الأوروبي اهتمامه بهذه الأمور، وأصدر عدد من التوصيات “NO.R832” فيما يتعلق بالحماية القانونية للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية ويعتبرون مرضى ضد إرادتهم، وذلك بعد اجتماع لجنة الوزراء الذي عقد في 22 فبراير 1983.
واقتضت هذه التوصية عملا من جانب المنظمات غير الحكومية. ففي عام 1984 عقد في كوبنهاجن اجتماع فرع المجلس الأوروبي – المكون حديثا – للاتحاد العالمي للصحة العقلية مع ممثلي وزارات الصحة من عدد من حكومات أوروبا، وأصدر نداء إلى الأمم المتحدة يدعوها فيه إلى إقامة هيئة ذات مسئولية مستمرة للنظر في حقوق من يطلق عليهم "مرضى عقليون"ولتعمل على إصدار الضمانات الكافية التي تكفل بذاتها عدم نشأة أي نوع من التمييز.
وتطلب الامر تعاونا في هذا المسعى مع كل الهيئات المعنية بما فيها الوكالات غير الحكومية التي لديها خبرات خاصة ومعارف واسعة في هذا المجال، ورغم أن هذا المطلب دخل في جدول أعمال الأمم المتحدة، إلا أن الفكرة لم تلق استجابة من جانب هيئة إشرافية دائمة.
وفي عام 1989، ومع توقع الاتحاد العالمي للصحة العقلية أن الأمم المتحدة سوف تصوغ ضمانات لحقوق الإنسان بالنسبة للمصابين بأمراض عقلية، أصدر الاتحاد إعلانه عن حقوق الإنسان والصحة العقلية كدليل مرشد للتنظيمات الحكومية المشتركة وللحكومات نفسها والمؤسسات وغيرها من المنظمات غير الحكومية "الملحق رقم 3".
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]